قصف متكرر لمشروعاتها.. ما عمق نفوذ الإمارات بإقليم كردستان العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار الاستهداف المتكرر لحقل غاز تديره شركة "دانة غاز" الإماراتية في إقليم كردستان العراق، تساؤلات عن حجم استثمارات أبوظبي ونفوذها في المنطقة الكردية ذاتية الحكم الغنية بالموارد الطاقية، وترتبط بحدود مع تركيا وإيران.

وفي 27 يونيو/ حزيران 2022، أعلنت "دانة غاز"، تعليق العمل مؤقتا بمشروع توسعة حقل "خورمور" في إقليم كردستان العراق، إثر سقوط صاروخين قرب الحقل دون وقوع أي إصابات أو أضرار، مؤكدة استمرار العمليات الإنتاجية على نحو طبيعي ودون أي انقطاع.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن القصف، لكن تقارير إعلامية تؤكد وقوف مليشيات موالية لطهران وراء هذه الهجمات، التي تهدف لتحييد أي نفوذ دولي أو إقليمي بالعراق، باستثناء إيران.

بوابة الطاقة

دخول الإمارات إلى إقليم كردستان العراق الأول كان من بوابة الاستثمار في مجال الطاقة، إذ وقعت شركة "دانة غاز" الإماراتية في عام 2007 اتفاقا مع أربيل، منحت فيه حقوقا حصرية لتقييم وتطوير وإنتاج وتسويق وبيع البترول والغاز الطبيعي في حقلي "خورمور وجمجمال" بمحافظة السليمانية.

ويمتلك "كونسورتيوم اللؤلؤة" وشركة الطاقة الإماراتية "دانة غاز" ووحدتها التابعة "نفط الهلال"، حقوق استغلال حقلي كورمور وجمجمال، وهما من أكبر حقول الغاز في عموم العراق.

وفي مايو/ أيار 2019، خضعت الاحتياطيات المهمة في حقلي خورمور وجمجمال لعملية تدقيق مستقل من شركة التدقيق الخارجي "غافني كلاين آند أسوشييتس".

وقدرت حصة "دانة غاز" من الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة في هذين الحقلين بما يقارب 4.4 تريليونات قدم مكعب من الغاز و136 مليون برميل من المكثفات، و13.3 طنا متريا من الغاز البترولي المسال.

وأوضح تقرير شركة التدقيق ارتفاع الاحتياطيات المحتملة والمؤكدة للشركة في إقليم كردستان العراق بنسبة 10 بالمئة لتصل إلى 1,089 مليون برميل نفط مكافئ، ويعود ذلك جزئيا إلى قيد احتياطيات نفطية للمرة لأولى في حقل خورمور بمقدار 18 مليون برميل.

ولفت الصحفي العراقي أحمد الطائي خلال حديث لموقع "الجزيرة نت" في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2018، إلى أن الإمارات وجدت في إقليم كردستان أرضا خصبة للاستثمارات، وربما تكون مدخلا لنفوذ سياسي في المستقبل، لذا سعت إلى توطيد استثماراتها النفطية والغازية في الأماكن الآمنة.

وفي مقدمة الشركات التي ولجت إلى استثمارات النفط والغاز في الإقليم هي مجموعة "بيرل بتروليوم"، التي تمتلك شركات إماراتية عدة حصصا كبيرة فيها، منها شركة "دانة غاز" التي تمتلك 35 بالمئة من أسهمها، وشركة "طاقة" التي تستحوذ على 20 بالمئة من أسهم شركة "ويسترن زاكروس" الكندية، وغيرها.

وأشار الطائي إلى أن استثمارات "دانة غاز" تدر على حكومة الإقليم عائدا يقدر بنحو 2.5 مليار دولار سنويا، في حين تسعى "طاقة" لإنتاج ما بين ألفين وثلاثة آلاف ميغاواط من الكهرباء خلال السنوات القادمة في الإقليم.

وكذلك برزت إلى الواجهة في الأعوام الأخيرة شركة "الهلال" الإماراتية التي يرأسها العراقي حميد جعفر، وتعمل في قطاع استكشاف وإنتاج النفط والغاز بمنطقة الشرق الأوسط.

وتعد الحكومة العراقية توقيع "دانة غاز" عقودا مع إقليم كردستان العراق غير قانوني، لأسباب دستورية تتعلق بمركزية التعاقد في شؤون الطاقة، إذ يجب أن يبرم مع بغداد وليس مع السلطات في الأقاليم والمحافظات العراقية، لذلك عملت بغداد حظرا على الشركة الإماراتية منذ عام 2007.

استثمارات ضخمة

وفي جانت آخر، اجتذب قطاع العقارات رؤوس أموال إماراتية كبيرة، خاصة في إقليم كردستان، حيث سعت أبو ظبي إلى الاستفادة من الاستقرار الأمني لإقليم كردستان من أجل استقدام مزيد من رؤوس أموالها إلى هناك.

وتناقلت وسائل إعلام محلية عراقية تصريحات للسفير الإماراتي بالعراق حسن الشحي في 2 ديسمبر/ كانون الثاني 2018 قوله إن في نية بلاده جلب أكثر من مئتي شركة من أجل المساهمة في "إعمار الإقليم".

وفي مقدمة هذه المشاريع العقارية الكبرى للإمارات، مشروع "داون تاون" في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، التي شهدت أيضا افتتاح فرع لبنك أبو ظبي الإسلامي وغرفة دبي التجارية.

وفي يونيو/ حزيران 2014، أفاد مسؤولون حكوميون في كردستان العراق بأن حجم الاستثمارات الإماراتية في الإقليم يبلغ 4.5 مليارات دولار، مؤكدين أن عدد الشركات الإماراتية المسجلة رسميا في كردستان 155 شركة.

وأشار نائب رئيس الوزراء في حكومة كردستان العراق قباد الطالباني، إلى أن الإقليم يسعى إلى تشجيع القطاع الخاص ليأخذ زمام المبادرة في دعم الاقتصاد الوطني والحد من التدخل الحكومي لتجنب عرقلة عجلة النمو والاستثمار.

وجاء حديث الطالباني خلال استقباله في يونيو 2014 عبد الله آل صالح وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية والصناعة الإماراتي يرافقه راشد المنصوري، قنصل الإمارات في أربيل وأعضاء الوفد الإماراتي الذي ضم مسؤولي ومديري عدد من الجهات الحكومية والشركات الإماراتية.

وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "البيان" الإماراتية عن سنان شلبي وزير التجارة والصناعة في حكومة إقليم كردستان العراق تصريحا في يونيو/ حزيران 2014 قال فيه إن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإقليم كردستان بلغ 2.5 مليار دولار في 2013، مؤكدا أن عدد الشركات الإماراتية المسجلة رسميا في كردستان بلغ 155 شركة.

ونقلت الصحيفة عن نوروز مولود، مدير عام هيئة الاستثمار في إقليم كردستان العراق، أن حجم الاستثمارات الإماراتية في الإقليم يصل إلى 16.5 مليار درهم (4.5 مليارات دولار)، منها 11 مليار درهم استثمارات في أربيل و5.6 مليارات في مناطق أخرى من الإقليم.

نفوذ سياسي

ولم يقتصر الوجود الإماراتي في إقليم كردستان العراق على الاستثمارات المختلفة، وإنما النفوذ السياسي لا يزال حاضرا في المنطقة الكردية من شمال العراق، المحاذي لتركيا وإيران وسوريا.

ويقول إعلامي عراقي يعمل في إقليم كردستان (طلب عدم الكشف عن اسمه) إن "القنصل العام الإماراتي في إقليم كردستان أحمد الظاهري، واسع النفوذ في الإقليم وربما يتجاوز نفوذه ما يتمتع به قنصل الولايات المتحدة".

وذكر لـ"الاستقلال"، أن صلة وثيقة تجمع عائلة البارزاني التي تقود الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، بدولة الإمارات، وأن ذلك مكن الأخيرة من النفوذ حتى على القرار السياسي، فالأمر معروف حين دعمت أبوظبي "استفتاء الانفصال" الذي أجراه الإقليم عام 2017.

وأشار إلى أن الإمارات موجودة على أرض الإقليم بمختلف المجالات، حتى على مستوى الجمعيات الخيرية أو دعم منظمات خيرية ومنها مؤسسة البارزاني الخيرية، التي تتولى توزيع المساعدات بين مخيمات النزوح في الإقليم.  

وطالت الإمارات اتهامات بدعم "استفتاء انفصال" إقليم كردستان عن العراق، الذي أجرته السلطات الكردية هناك في 25 سبتمبر/ أيلول 2017، رغم رفض بغداد ودول الجوار، وخصوصا تركيا وإيران، بل حتى الولايات المتحدة عارضت هذه الخطوة.

وأفادت صحيفة "العربي الجديد" خلال تقرير لها نشرته في 6 يونيو/ حزيران 2017، بأن دولة الإمارات دعمت انفصال الإقليم عن العراق وبالتالي تقسيمه، كان سببه الرئيس الرغبة بمناكفة تركيا قدر الإمكان، وكذلك إيران، لأن أنقرة تعد أن دولة كردية مستقلة على حدودها خط أحمر ممنوع بالكامل، وهو موقف لا تبدو طهران بعيدة عنه أيضا.

وأشارت الصحيفة إلى أن "أوساطا عراقية وكردية انتقدت سياسة أبوظبي تجاه كردستان، وقامت قيادات حزبي (التغيير، والاتحاد الديمقراطي) المعارضين في مدينتي السليمانية ودهوك، بنقل معلومات إلى حكومة بغداد، أكدت فيها قيام أبوظبي بدعم مشروع انفصال إقليم كردستان العراق".

وبموجب هذه المعلومات، فقد تعهدت أبوظبي لأربيل بتمويل مشروع الاستفتاء الشعبي على الرغم من رفض بغداد، ووسط تحفظ على توقيته وظروفه من قبل الأطراف الكردية في السليمانية التي تعد عاصمة المعارضة التقليدية في الإقليم الكردي.

ونقلت الصحيفة عن سياسي كردي بارز في السليمانية (لم تكشف هويته) أن "الحراك السياسي الإماراتي في أربيل انتهى أخيرا إلى تعهد أبوظبي بتمويل مشروع استفتاء الانفصال عن العراق نهاية العام الحالي".

وأشار إلى أن "القنصل الإماراتي في أربيل، رشيد المنصوري، فضلا عن السفير في بغداد، حسن الشحي، يقودان حراكا كبيرا لدعم رئيس الإقليم (السابق)، مسعود البارزاني وعائلته منذ عامين"، مضيفا: "كنا نتوقع أنه دعم لحكومة الإقليم لا أكثر، لكن تبين أنه دعم لمشروع الانفصال الذي تقوده أربيل حاليا"، وفق تعبير السياسي الكردي.

وذكر المصدر الكردي أنه حصل جدل بصوت مرتفع بين قيادات الحزبين الكرديين (الديمقراطي، والاتحاد الوطني) بخصوص دعم الإمارات لمشروع انفصال كردستان وذلك على هامش مراسم تشييع جنازة زعيم حزب "التغيير"، الراحل نشيروان مصطفى، في مايو/ أيار 2017.

وبدا واضحا، وإن كان غير رسمي، دعم الإمارات لانفصال كردستان عن العراق، إذ أطلق  عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي المقرب من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، تغريدات عدة في 26 سبتمبر/ أيلول 2017 أكدت تأييده للاستفتاء و"حق الشعب الكردي بتقرير المصير".

كما نشر "عبد الله" خارطة  قال إنها تمثل خارطة دولة كردستان التي ستقوم خلال سنوات بعدد سكان يصل إلى ثلاثين مليونا، مطالبا أردوغان (الرئيس التركي) بعدم معاقبة الاستفتاء، كونه "إجراء ديمقراطي".

ولم يأخذ "استفتاء الانفصال" طريقه إلى التطبيق رغم إعلان السلطات في إقليم كردستان أن النتائج أظهرت إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92 بالمئة، لصالح الاستقلال، بنسبة مشاركة بلغت 72 بالمئة، ذلك لأن السلطات العراقية رفضت ذلك وعدته مخالفا للدستور.