توليفة الرئاسي اليمني.. كيف أعاقت دمج القوات العسكرية وتفعيل المؤسسات؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد أقل من شهرين على تشكيله في اليمن، تزداد المؤشرات على تفاقم الخلافات بين قيادات "مجلس القيادة الرئاسي"، خصوصا بين الرئيس رشاد العليمي، ونائبه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات.

ويقف المجلس، المدعوم من الرياض، أمام لحظة قد تحدد مساره المستقبلي، فالمجلس الذي تمت "صناعته" على عجل من أطراف تحارب بعضها، لم يكن يمسك بأطرافه سوى الداعم الخارجي ممثلا بالسعودية والإمارات.

وسرعان ما ظهرت الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي إلى العلن، كاشفة عن أزمة مبكرة قد تعصف بالمجلس الذي لم يكمل ترتيب أوراق مهامه بعد إعلان تشكيلته في 7 أبريل/نيسان 2022.

أزمة ثقة

وبعد رصد عزوف الزبيدي عن ممارسة عمله من القصر الرئاسي "المعاشيق"، وتنظيم أغلب لقاءاته بصفته رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، عقد في 25 مايو/أيار 2022، اجتماع للمجلس الرئاسي برئاسة العليمي وحضور الزبيدي.

وكان اللافت غياب عضو المجلس، فرج البحسني، محافظ محافظة حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية، الذي صدرت توجيهات رئاسية، بتجميد صلاحياته وإيقاف القرارات الصادرة عنه على خلفية قرارات تعيين أصدرها بداية مايو 2022، تتضمن إقالة مدير أمن "الوادي والصحراء" المعين من وزير الداخلية، إبراهيم حيدان.

بينما شارك في الاجتماع، النائبان سلطان العرادة وعثمان مجلي، عبر دائرة الاتصال المرئي.

وبحسب وكالة "سبأ" الرسمية، في 25 مايو، ناقش الاجتماع الجوانب العسكرية والأمنية واستحقاقات تشكيل اللجنة المعنية بهذا الملف وفقا لإعلان نقل السلطة.

كما ناقش الاجتماع المستجدات المحلية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومتطلبات تمديد الهدنة الإنسانية "المؤقتة" التي أعلن عنها في 2 أبريل/نيسان وتنتهي في 2 يونيو/حزيران 2022.

بالإضافة إلى أهمية التزام المليشيات الحوثية بتعهداتها وفق نص الاتفاق الملزم بفتح معابر مدينة تعز، ودفع رواتب الموظفين من رسوم سفن المشتقات النفطية التي سهلت لها الحكومة والتحالف السعودي الإماراتي.

وجاء اجتماع المجلس الرئاسي، بعدما التقت قيادة التحالف السعودي الإماراتي في 23 مايو 2022، بالعاصمة المؤقتة عدن، بقيادات من المجلس الانتقالي بينهم الزبيدي؛ لمناقشة التطورات، بما في ذلك عدد من الملفات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، بالإضافة لتقريب وجهات النظر.

وتعليقا على هذه التطورات، قال أستاذ "إدارة الأزمات والصراعات" بجامعة الحديدة، نبيل الشرجبي، إن "غياب الهيكلة الإدارية والسياسية للمجلس الرئاسي أدى إلى ظهور مثل تلك التناقضات وربما الصراعات في أعمال المجلس، وذلك بسبب عدم قدرة اللجنة القانونية المكلفة بوضع ذلك الهيكل على التواصل فيما بينهم أو عقد اجتماع يضم كامل أعضاء اللجنة".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هناك سببا سياسيا غير مباشر في الأمر، ويتمثل في عدم تمكن مجلس القيادة الرئاسي بما احتواه من أسماء من إجراء عملية تغيير في أهداف وأيديولوجية المنتسبين للمجلس، ومن ثم فإن كل من تمثل في ذلك المجلس ما زال يحمل معه الكثير من عوامل الصراع وعدم الثقة بين بعضهم البعض".

وأكد الشرجبي أن "دمج القوات العسكرية والأمنية تعد أولوية يترتب عليها الكثير من المعطيات المستقبلية، منها بقاء الوحدة من عدمها، وكذا القدرة على مواجهة الحوثيين من عدمه".

واستدرك: "لكن الأمر ما زال فيه الكثير من الاختلافات والتناقضات، ليس بين أطراف العمل السياسي، لكن أيضا بسبب وجود آلية أخرى كانت قد حددت أطرا أولية لعملية توحيد تلك المؤسسات العسكرية والأمنية وهو (اتفاق الرياض)".

وتابع الشرجبي: "مع العلم أن المجلس الانتقالي يرفض أي عملية دمج للقوات أو الحديث عنها؛ لأنه يعد ذلك بداية لانهزام مشروعة الانفصالي وتراجعا عن وعوده بالانفصال عن الجمهورية اليمنية".

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تم توقيع "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، برعاية سعودية ودعم أممي، بهدف حل الخلافات بين الطرفين.

ومن أبرز بنود الاتفاق، تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب يشارك فيها المجلس الانتقالي، إضافة إلى حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين الطرفين، مثل محافظة أبين.

وتضمن الاتفاق في شقه العسكري، دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.

الأستاذ بجامعة الحديدة، الشرجبي، شدد على أن "الأطراف الإقليمية الضامنة لقيام المجلس الرئاسي لا ترغب حاليا باستفزاز المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال طرح تلك المسألة (دمج القوات)، وذلك حتى يستمر رضى وقبول المجلس الانتقالي باستضافة المجلس الرئاسي والبرلمان والحكومة".

احتمالات مختلفة

وفي 7 أبريل 2022، أصدر الرئيس اليمني آنذاك، عبد ربه منصور هادي، بشكل مفاجئ، إعلانا رئاسيا ينص على تأسيس "مجلس رئاسي" فوض بموجبه العليمي بكامل صلاحياته، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في البلاد.

لكن أداء المجلس الرئاسي شهد تباطؤا واضحا على مختلف الأصعدة، مع تنامي الصراع داخل المجلس، ولعل آخر تجلياته، رفض المجلس الانتقالي الجنوبي قرارات رئيس مجلس القيادة، ودعوة قواته للتأهب.

وبدأت الخلافات بين العليمي والزبيدي عندما حاول الأخير إعطاء توجيهات لتغيير قادة ألوية عسكرية تابعة للشرعية في محافظة أبين من دون الرجوع إلى رئيس المجلس الرئاسي، قبل أن يتم توقيف القرار.

وحول هذا الأمر، أشار الشرجبي، إلى أن "ممارسات الزبيدي تؤكد على أكثر من شيء، منها أن هناك رضى وموافقة إقليمية على مثل تلك التصرفات وخاصة أنه قد صدرت العديد من التصريحات الرسمية لسفراء الدول الضامنة وخاصة سفير السعودية (محمد آل جابر) على أن مسألة التمسك بوحدة اليمن لم تعد كما كانت، بل هذا أمر يقرره اليمنيون مستقبلا".

وأضاف "كذلك البيان الختامي لمؤتمر الرياض، الذي أعطى مؤشرا قويا لأنصار المجلس الانتقالي من إعادة النظر بمسألة الوحدة، وهو ما عد نصرا وموقفا لم يحصل عليه الانفصاليون منذ قيام الوحدة عام 1990".

وختم الشرجبي حديثه بالقول: "الزبيدي نفسه يعتقد أن ذلك المسلك يجعله في مقدمة الصفوف لكسب كل شيء وحكم الجنوب مستقبلا فيما لو تحقق الانفصال، وأن أي سلوك آخر سيجعله أكثر الأطراف خسارة لأي دور في الجنوب مستقبلا".

من جانبه، توقع الصحفي اليمني، أنيس منصور، طرد الوزراء المنتمين للمحافظات الشمالية من عدن.

وأشار منصور، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، إلى أن "رئيس المجلس سيضطر لمغادرة عدن إلى العاصمة السعودية الرياض، وسيقدم بعض أعضاء المجلس الرئاسي استقالاتهم".

خطان متوازيان

ورغم تشكل حكومة مناصفة مع المجلس الانتقالي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من "اتفاق الرياض"، خصوصا دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.

وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرأسه الزبيدي، رفضه قرارات أصدرها رئيس مجلس القيادة، العليمي، مؤخرا، واصفا تلك القرارات بـ"الأحادية".

وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح: "تتوالى القرارات الأحادية الصادرة عن قيادات في مجلس القيادة الرئاسي ومجملها مخالف للتوافق وللمعايير في شغل الوظيفة العامة، كما كثر اللغط حولها"، دون الكشف عن تفاصيل تلك القرارات.

وأضاف القيادي الانفصالي في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أن "قرارات كهذه في حكم المعدومة قانونا، حتى يمضي التوافق الذي حققته مشاورات الرياض".

وفي 10 مايو 2022، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، العليمي، قرارات عدة، شملت تعيين يحيى الشعيبي مديرا لمكتب الرئاسة، وعدنان الصنوي، رئيسا للدائرة الإعلامية في مكتب الرئاسة.

ويواصل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الزبيدي، ترؤس جلسات المجلس الانتقالي تحت شعارات انفصالية، ويحرص خلال ظهوره على ارتداء علم دولة الانفصال على صدره، حتى أثناء اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي تحت علم اليمن الموحد.

ويضم مجلس القيادة الرئاسي، الزبيدي، محافظ عدن قبل عام 2017، وقائد ألوية العمالقة ذات التوجه السلفي والموالية للإمارات، عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي، وقائد المقاومة الوطنية، طارق محمد عبدالله صالح، نجل ابن شقيق الرئيس الراحل علي صالح، وفرج البحسني، محافظ محافظة حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية. 

وأيضا عضو البرلمان عن حزب المؤتمر ووزير الزراعة السابق المقرب من السعودية، عثمان مجلي، ومحافظ محافظة مأرب المحسوب على حزب الإصلاح ذات التوجه الإسلامي، سلطان العرادة، بالإضافة إلى مدير مكتب الرئيس السابق، عبد الله العليمي.

ويرى خبراء، أن المجلس ليس لديه أي شيء مشترك سوى معارضة مليشيا الحوثيين، وأنه مسرح "خلافات عميقة" تشير إلى أنه من غير المرجح أن ينهي المجلس الرئاسي الحرب في اليمن.