تقسيم زماني ومكاني.. هكذا تسعى إسرائيل إلى تغيير واقع المسجد الأقصى

محمد النعامي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تواصل جماعات الهيكل اليهودية تنظيم اقتحامات المسجد الأقصى بضوء أخضر من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، محاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني وتغيير واقع مدينة القدس.

وفرضت شرطة الاحتلال التقسيم الزماني فيما يسمى بعيد الفصح اليهودي، حيث حددت موعد اقتحام المستوطنين من الساعة 7 وحتى 11 صباحا.

استمر هذا الأمر طيلة سلسلة اقتحامات المستوطنين ابتداء من 16 وحتى 22 أبريل/نيسان، في تطبيق صريح للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

وحددت شرطة الاحتلال أن الأقصى متاح لاقتحامات المستوطنين في 5 مايو/أيار، من الساعة 7:00 إلى 11:00 صباحا ومن 1:30 إلى 2:30 مساء، وأخلت ساحات الحرم واحتجزت المصلين في المسجد القبلي.

ويصاحب الاقتحامات حملة اعتداءات كبيرة على المصلين، حيث يفرغ الاحتلال الساحات بالقوة ويشن اعتقالات، كما دنس المسجد القبلي في 15 أبريل واعتقل قرابة 400 مصل فلسطيني.

تقسيم مستمر

ووثقت محافظة القدس اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، حيث أصيب 463 فلسطينيا، واعتقل 894 آخر.

كما سجلت المحافظة اقتحام 7274 مستوطنا خلال شهر رمضان، ومنذ بداية العام وصل عدد المقتحمين اليهود إلى 27953 حتى نهاية أبريل.

وتعود فكرة التقسيم في المسجد الأقصى لعام 1994، حين قسم الاحتلال الحرم الإبراهيمي عقب المجزرة التي نفذها المستوطنون بحق المصلين فيه.

ومنذ ذلك الحين، جرى تقسيم الحرم بين الفلسطينيين والمستوطنين وتصاعدت الدعوات أخيرا بتطبيق ذات الأمر على المسجد الأقصى.

ومن جانبه قال الناشط المقدسي، أمين ذياب إن التقسيم الزماني مستمر، كما كان قبل رمضان، بين الساعة 6-11 صباحا بالتوقيت المحلي، وأحيانا بعد الظهر ساعتين، حيث يدخل المستوطنون بالعشرات أو المئات.

وأضاف ذياب لـ"الاستقلال": "الأمر يجرى عبر إفراغ ساحات الأقصى من الشباب وعموم التواجد الإسلامي تقريبا، حيث لا يمكن لأحد منعه ومعارضته ولو بالتكبير".

وشدد على أن خطورة الاقتحامات والسياسة الصهيونية، تكمن في تثبيت الواقع الجديد، بالتمهيد للتقسيم المكاني وجعل قسم منه كنيسا لليهود وهكذا يطبق رويدا رويدا.

وأوضح أن الاحتلال يستخدم أساليب كثيرة لتنفيذ سياسته كالإبعاد عن الأقصى، حيث يبعد المرابطين لمدة أشهر عبر الاستدعاء أو الاعتقال وتسليم أمر إبعاد عن الحرم أو القدس، وهذه السياسة نالت الآلاف على مر السنوات لمعظم شباب القدس والداخل المحتل.

وتابع "وكذلك يستخدم القوة لإفراغ المسجد عبر قمع وضرب المصلين، وأيضا يعمل على ترهيبهم وتخويفهم وفرض الغرامات، وإغلاق البلدة القديمة المتكررة بعد كل حدث، لمنع المرابطين من الوصول إلى الحرم".

وكشف الناشط أن المقتحمين باتوا يؤدون صلوات صامتة وعلنية، ويرفعون أعلام الاحتلال، وأحيانا يتمادون.

ففي إحدى المرات عقدوا قرانا داخل الاقصى ومرة أدخلوا مشروبا كحوليا، وفي حادثة أخرى تبادل زوجان القبلات داخل الباحات.

وواصل بالقول "عندما كنت أراقبهم قبل سنوات قبل أن يتم منعي، كانوا يؤدون جولات إرشاد لروايتهم في مكان الهيكل وتفسيرهم لمعالم الأقصى بما يلائم معتقداتهم ومساعيهم لهدمه".

ومر المسجد الأقصى بالعديد من المراحل التي سعى فيها الاحتلال للسيطرة على الحرم القدسي، حيث بدأت منذ النكسة عام 1967 وتستمر حتى اللحظة.

وعام 2015، كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن مخطط إسرائيلي يهدف لتقسيم في المسجد الأقصى أسوة بالحرم الإبراهيمي، مكانيا بين المسلمين واليهود، بعدما تمكن الاحتلال من تقسيمه زمانيا.

وأفاد المخطط، الذي جرى الإفصاح عنه خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية السابقة، أن الاحتلال يسعى لحسم التقسيم المكاني للأقصى وتنفيذ مشروعه، الذي شرع به فعليا، وصولا إلى الهدف الإستراتيجي المتمثل في السيطرة على كامل المسجد وبناء "الهيكل"، المزعوم، مكانه.

وتشير المعطيات الحالية إلى أن حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينيت سارعت لتنفيذ هذا المخطط منذ توليها الحكم في يونيو/حزيران 2021.

وبدوره قال المختص في شؤون القدس، جمال عمرو، إن الاحتلال يواصل معركته للسيطرة على المسجد الأقصى منذ عام 1967، حين سيطروا على المدينة وباقي فلسطين وأجزاء من دول عربية، حينها رفع جيش الاحتلال علمه داخل الأقصى.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": رغم سن قانون مفاده أن إدارة دور العبادة تجرى من خلال المرجعيات الدينية فإن الاحتلال استمر في التدخل بالمسجد الأقصى وسيطر على باب المغاربة.

كما سهل اقتحام المستوطنين إلى أن أحرق المتطرفون اليهود المسجد القبلي داخل الحرم عام 1969. 

واتخذ الاحتلال سياسة السيطرة البطيئة والمدروسة على المسجد الأقصى، حيث أقام له قاعدة في منتصفه بعد الحريق. 

وشدد عمرو على أن الاحتلال شجع ومول تشكيل الحركات اليهودية المتطرفة الداعية لهدم الأقصى وإقامة الهيكل وسهل لها الاقتحامات، حتى وصل عددها إلى 48 منظمة جميعها تتنافس في الإضرار بالمسجد وتقديم المخططات الأكثر تطرفا، إلى أن جرت الدعوة أخيرا لإقامة كنيس داخل الأقصى.

وأوضح أن هذه المنظمات ممولة بشكل كبير وسنويا تغدق عليهم مئات الملايين من الدولارات من اليهود في الخارج والحركات الكهنية.

وأشار إلى أن التقسيم الزماني في المسجد الأقصى قد جرى تطبيقه فعلا، حيث خصصت الفترة الصباحية لليهود بحيث يفوق وقتهم في بعض الأيام الوقت المخصص لصلاة المسلمين.

وبين أن الاحتلال شرع بمحاولة التقسيم المكاني انطلاقا من باب الرحمة وبامتداد 6 دونمات داخل الأقصى لإقامة كنيس.

وتابع المختص في تاريخ الأقصى "الشيء الذي يمنع إتمام التقسيم الزماني والمكاني هو رباط المقدسيين وغضب الشارع الفلسطيني وكذلك المقاومة التي يحسب الاحتلال حسابها في كل خطوة".

ورغم هذا فإن ما ينتظر المسجد الأقصى أسوأ مما مضى في ظل سياسة الاحتلال المستمرة ودعوات جماعات الهيكل، وفق تقديره.

سيطرة بالتدريج

وعصفت بالمسجد الأقصى سلسلة من الأحداث التي أسهمت في تغيير الواقع داخله وفرض سيطرة الاحتلال وسحب الصلاحيات من الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.

وفي 8 مايو 2022، أعلن نفتالي بينيت أن السيادة داخل الأقصى لإسرائيل "دون السماح لأي تدخلات خارجية" وهو ما قصد به الأردن.

وبدوره قال الكاتب الإسرائيلي ياريف أوفنهايمر في مارس/آذار 2022: "هناك من يسأل، ما الذي يزعج المسلمين من زيارة اليهود للمسجد الأقصى؟".

واستدرك: "لكن للفلسطينيين تجربة مع الصهيونية الدينية، بداية يدخلون المسجد كسياح، وبعدها يتحولون إلى مصلين، وبعد ذلك يبنون كنيسا يهوديا، وبعد ذلك تقسيم زماني، وبعد يطردون الفلسطينيين من هناك".

ومن جانبه قال المحلل السياسي إياد القرا إن الاحتلال شرع بتطبيق سياسة التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، وباتت هذه الإجراءات أكثر وضوحا وتطرفا خلال العامين الماضيين.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "كانت أولى خطوات التقسيم عام 2000 حينما سمحت الحكومة الإسرائيلية لآرئيل شارون وكان حينها زعيما للمعارضة باقتحام المسجد الأقصى وأمنت هذا الاقتحام ما أدى لسقوط شهداء فيه، وعلى إثرها اندلعت الانتفاضة الثانية".

وحتى عام 2003 كانت الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن هي من تتحكم في دخول غير المسلمين من يهود وأجانب للمسجد الأقصى، ولكن إسرائيل سحبت هذه الصلاحية منها.

ويتولى الأردن الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام، التي وقعها مع إسرائيل في 1994، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

وتنص الفقرة الثانية في المادة 9 من ذات الاتفاقية بأنه "تحترم إسرائيل دور الأردن في الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس".

وأوضح أنه في عام 2015 وقعت حكومة الاحتلال السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو اتفاقا مع الأردن يقضي بعدم السماح بالصلوات التلمودية للمستوطنين ومنع دخول ناشطي جماعة الهيكل للأقصى.

لكن وعلى خلاف الاتفاق سمح الاحتلال بأداء هذه الصلوات وأيضا دخل قادة وناشطي جماعة الهيكل المتطرفين.

وشدد المحلل السياسي على أن إعلان بينيت أن القرار في المسجد الأقصى للحكومة الاسرائيلية وغير مسموح للتدخلات الخارجية يعد إعلانا رسميا للتقسيم الزماني في الأقصى.

وتابع "من المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة هي التقسيم المكاني بمعنى تحديد المكان الذي يسمح للمسلمين بدخوله وأيضا المستوطنين".

ومن ذلك أن يخصص الجزء الشمالي من الأقصى بما فيه قبة الصخرة لليهود وأن يكون المسجد القبلي للمسلمين، وفق قوله.

من ناحية دينية، تؤمن جماعات الهيكل أنه كلما زاد التوتر والصراع حول المسجد الأقصى، ارتفعت فرص اندلاع ما يعرف بحرب يأجوج ومأجوج، التي تمهد لنزول المخلص المنتظر الذي سيبني الهيكل المزعوم.

وقابل اقتحامات وتدنيس المسجد الأقصى من قبل المستوطنين ردة فعل فلسطينية غاضبة، حيث نفذت عدة عمليات ردا على الاقتحامات الأخيرة كان أبرزها عملية إلعاد التي قتل فيها 3 مستوطنين وأصيب اثنان بجروح خطيرة، بعد ساعات من الاقتحام الكبير الذي نفذه الاحتلال في 5 مايو. 

وأيضا عملية سلفيت 29 أبريل، التي قتل فيها جندي اسرائيلي وأعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن مسؤوليتها عنها.

وبينت الحركة أنها أتت ردا على اقتحامات والانتهاكات بحق المسجد الأقصى، وغيرها عدد من عمليات إطلاق النار والطعن.

ومن جانبه، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في 5 مايو، إن الهدف الراهن للمقاومة هو إفشال التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وبين أن الشعب الفلسطيني قادر على ذلك، والمرابطة التي يحييها في الأقصى وبإسناد المقاومة هي تعبير ممهور بالتحدي والشجاعة على طريق التغيير الجوهري والمصيري الذي سيفضي إلى زوال المحتل، حسب وصفه.

ومن جانبها، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للسلطة الفلسطينية في 29 أبريل، محاولات إسرائيل لفرض التقسيم الزماني على الواقع القائم في المسجد الأقصى.

وأضافت الوزارة: "يريدون أن يصبح إخراج المصلين ما بين الصلوات وإفراغ الحرم من المصلين هو الأمر الواقع، ويرغبون خلال ذلك بإدخال المصلين اليهود إليه، لتثبيت مفهوم التقسيم الزماني".

 وهذه هي الخطوة الأولى ضمن توجه لفرض واقع جديد سيصبح قائما، ويصبح التواجد اليهودي داخله جزءا من هذا الواقع الجديد.