ما أسباب إبقاء باكستان علاقاتها الاقتصادية سارية مع النظام السوري؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن باكستان خالفت غالبية الدول الإسلامية، ولم تتخذ موقفا مناهضا من رئيس النظام السوري بشار الأسد منذ قمعه لثورة الشعب عام 2011، إلا أن العلاقات الاقتصادية بقيت تسير "سير السلحفاة" مع الأسد.

لكن علاقات إسلام آباد مع نظام الأسد بدأت تأخذ منحى أوسع ومتصاعدا، وتحديدا منذ عام 2021، للبدء بتنشيط العلاقات الاقتصادية بينهما عبر توقيع اتفاقية متعددة، واستئناف الرحلات الجوية، وتحفيز النشاطات التجارية والسياحية والاستثمارية.

وفي خطوة متقدمة، طلب نظام الأسد من باكستان، في 24 مارس/آذار 2022، فتح حسابات مصرفية وإيداع أموال لرجال أعمال سوريين، وذلك حسب وثائق صادرة عن وزارة خارجية النظام، بشرط أن يظهر الراغب بفتح الحساب الغرض من ذلك، وعدم وجود عقوبات بحقه.

وتوازى ذلك مع حراك نشط لباكستان تجاه نظام الأسد على مدى العامين الماضيين، لتلمس فرص الاستثمار في سوريا، ومساعدة نظام الأسد على تجاوز العقوبات الاقتصادية، كما يقول مسؤولو إسلام آباد.  

باكستان والأسد

وعندما اندلعت الثورة السورية ضد الأسد، وقف رئيس باكستان، آصف زرداري، الذي تقلد الحكم من 2008 إلى 2013، بجانب الأسد الذي التقاه في دمشق عام 2010.

كما التقى زرداري بنائب وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، الذي يقود الوزارة حاليا، حينما زار كراتشي في مايو/أيار 2013، في وقت كان نظام الأسد يواجه عزلة دولية وعربية بشكل كامل.

ولم تسحب الحكومة الباكستانية سفيرها من سوريا أسوة بمعظم الدول الإسلامية، بعد قمع الأجهزة الأمنية للثورة وارتكاب انتهاكات وقتل بحق المتظاهرين، كما أن إسلام آباد لم تؤيد قرارات الأمم المتحدة الرادعة للنظام.

وفي تعبير عن موقف داعم للأسد، ترأس رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني آنذاك، سيد ناير حسين بخاري، في فبراير/شباط 2015، وفدا من ثلاثة أشخاص إلى سوريا، ودعا الأسد خلالها لزيارة إسلام آباد، لكن الأسد لم يخرج من سوريا منذ اندلاع الثورة سوى إلى إيران وروسيا حليفتيه الأساسيتين في حربه ضد الشعب.

كما أنه خلال حكومة نواز شريف (2013-2017) استمرت علاقة إسلام آباد الجيدة مع النظام السوري، لدرجة أن وزير خارجيته، إيزاز تشودري، أعلن عام 2015 رفض باكستان لأي محاولة للإطاحة بالأسد.

وامتنعت باكستان عن التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضد استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية عام 2018.

واللافت أن باكستان لم تتخذ موقفا حازما مما يجري في سوريا بما يتناسب مع دعوات مسؤوليها المتكررة بالوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان، بل أبقت على علاقة وطيدة مع نظام الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه وتشريدهم وقتل مئات الآلاف منهم. 

وشكل صعود عمران خان البالغ من العمر 70 عاما إلى رئاسة الحكومة في باكستان عام 2018، "نقطة إيجابية" في رصيد العلاقة مع نظام الأسد، نظرا لعلاقاته المتينة مع روسيا حليفة الأسد.

وعندما كان خان يخوض الانتخابات البرلمانية عام 2013، وصف ما يجري في سوريا بأنها "فوضى"، ولم يكتف بذلك، بل عد في مقابلة مع صحيفة "ميدل إيست آي" في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن "الأسد قد انتصر وهو المسيطر".

ويتهم خان بتسهيل سماح المقاتلين الشيعة بالذهاب إلى سوريا للقتال ضمن صفوف المليشيات الإيرانية إلى جانب قوات النظام السوري، وخاصة ضمن "لواء زينبيون" المعروف ببطشه والذي يتألف من شيعة باكستانيين، يقدر عددهم بين ألفين وخمسة آلاف.

دعم اقتصادي

وبالعودة إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين نظام الأسد وباكستان الدولة المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، نجد أن النظام وإسلام آباد وقعا في 17 مارس/آذار 2022 مذكرة تفاهم للتعاون في مجال السياحة والضيافة والاستثمار في قطاع السياحة.

وهدفت المذكرة التي وقعها عن النظام وزير السياحة محمد رامي مرتيني وسفير إسلام آباد في دمشق سعيد محمد خان، تطوير السياحة والتعاون في مجال الاستثمار والترويج والتسويق وتبادل الخبرات في مجال التدريب وتسهيل الترويج للفرص الاستثمارية السياحية.

وفي تأكيد على دعم نظام الأسد، أرسلت الحكومة الباكستانية مساعدات طبية إلى دمشق في فبراير/شباط 2022، وليس إلى مناطق الشمال السوري المحرر والذي يؤوي نحو خمسة ملايين نازح من مختلف المحافظات ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة.

وعادت حركة النقل الجوي بين سوريا وباكستان في 17 سبتمبر/أيلول 2021 بعد توقفها لأكثر من 20 عاما، بتسيير رحلة للخطوط الجوية الباكستانية "بي أي أيه" من مطار كراتشي إلى مطار دمشق الدولي.

ومن أجل الحفاظ على زخم الرحلات السياحية بين سوريا وباكستان أقامت منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، شركة "أجنحة الشام" الخاصة للطيران حفلا في كراتشي بمناسبة إطلاق وجهتها الرابعة عشرة من مطار دمشق الدولي إلى المدينة بمعدل رحلة أسبوعية منتظمة تستغرق خمس ساعات.

ويعد عصام شموط، رجل الأعمال السوري المقرب من نظام الأسد، مديرا وشريكا مؤسسا في "شركة أجنحة الشام"، والتي بدأت أولى رحلاتها عام 2007، وتصفها وسائل إعلام النظام بالناقل الوطني الثاني، بالإضافة إلى مؤسسة الطيران السورية الحكومية.

وتتهم الشركة بـ"الالتفاف" على العقوبات الدولية المفروضة على النظام، إضافة إلى كونها متهمة بنقل معدات لوجستية وأسلحة وذخائر عسكرية ومقاتلين من الحرس الثوري من إيران إلى سوريا.

وحملت زيارة وزير التربية في نظام الأسد، دارم طباع، إلى العاصمة إسلام آباد في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، توقيع اتفاقية تعاون في المجال الثقافي التربوي.

كما وقع وزير الاقتصاد في نظام الأسد، سامر الخليل، مع سفير باكستان في دمشق سعيد محمد خان بالنيابة عن وزير التجارة الباكستاني، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مذكرة تفاهم بهدف تطوير العلاقات التجارية بينهما، خلال السنوات الخمس القادمة.

وكشف الخليل عقب توقيع مذكرة التفاهم أن حجم التبادل التجاري بين سوريا وباكستان تضاعف خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، بنسبة مئة بالمئة مقارنة بالفترة نفسها في 2020، من دون ذكر أرقام مالية.

استثمارات استثنائية

ويعول النظام السوري على زيادة النشاط التجاري مع باكستان، وكذلك في مجالات صناعة التكنولوجيا والطاقة والأدوية والصناعة الغذائية، وذلك من خلال ربط رجال أعمال البلدين مع بعضهم البعض وتوفير ما يلزم لتسهيل التجارة المشتركة.

وتحكم سوريا وباكستان مذكرة تفاهم، وقعت بينهما عام 2007، لإقامة آلية مشاورات سياسية بين وزارتي خارجية البلدين، عن طريق عقد اجتماعات سنوية تجري بالتناوب في كل من دمشق وإسلام آباد؛ لمراجعة العلاقات الثنائية وتبادل الآراء حول المواضيع الإقليمية والدولية.

وتطمح باكستان في استيراد النظام السوري للعديد من منتجاتها، مثل الرخام والغرانيت والأدوية والسلع الجلدية والمنتجات الغذائية والصلب والإسمنت وتكنولوجيا المعلومات والهندسة الخفيفة.

ويرى خبراء، أن النظام السوري يريد أن ينعش اقتصاده في بعض المجالات التي تتفوق بها باكستان، كتحديث قطاعات صناعة الإسمنت، والأسمدة، والصناعات الهندسية الخفيفة والنسيجية، إضافة لتكنولوجيا المعلومات.

وأوضح الخبراء أن حجم اقتصاد باكستان الذي لا يتجاوز ناتجها المحلي 280 مليار دولار عام 2021، رغم مساحتها وعدد سكانها البالغ 225 مليون نسمة، لا يرقى لمستوى ما يحتاجه نظام الأسد من تأهيل في شتى القطاعات بعد عقد من الحرب، لكن النظام يعمل على توفير خبرات دول صديقة له في إعادة تنشيط اقتصاده، وهذا ما ينطبق على إسلام آباد.

ولهذا يعول النظام السوري على النقل الجوي في تبادل السلع والخدمات مع باكستان، فضلا عن جعل الأخيرة وجهة للطلاب السوريين، كونها تتمتع بمستوى جيد في مجال العلوم الأكاديمية.

وفي 26 يناير/كانون الثاني 2022، أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة إسلام آباد، محمد شكيل منير، رغبة رجال الأعمال الباكستانيين بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وذلك خلال لقائه مع القائم بأعمال سفارة النظام السوري، مازن عبيد.

وكثيرا ما ناقش رجال الأعمال الباكستانيون مع سفارة الأسد في إسلام آباد الفرص الجيدة لتعزيز التعاون في مجالات السياحة والصحة والشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع المشتركة والصفقات التجارية وتنظيم المعارض الذي تبرعت به باكستان.

ومنذ عام 2011، عمد النظام السوري إلى تأسيس شركات وهمية لرجال أعمال يتبعون له في عدد من الدول العربية والأوروبية، للتهرب والالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، ما يسهم في دعم النظام ماليا.

ولهذا يجد نظام الأسد في باكستان فرصة في منحها استثمارات استثنائية خلال مرحلة إعادة الإعمار بسوريا، مقابل توفير إسلام آباد فرصا محلية بشكل مبدئي، لتغذية الاقتصاد السوري الذي يعيش حالة "موت سريري".