عبر استدعاء فتوى قديمة.. كيف لجأ السيسي إلى خطة بديلة لاغتيال نفوذ الأزهر؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عقب إطلاق سراحه، قال الناشط المصري إسلام بحيري الذي سجن مدة عام بتهمة "ازدراء الدين الإسلامي بالتشكيك بالأحاديث النبوية وأئمة المذاهب الأربعة"، إن صاحب قرار العفو عنه هو رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

"البحيري"، الذي كان يقدم برنامجا تلفزيونيا يتطاول فيه على الأئمة وشيخ الأزهر، أكد لقناة "سي إن إن" الأميركية في 23 نوفمبر/تشرين ثان 2016 أن السيسي اختاره بالاسم ليفرج عنه بعفو رئاسي، وكان "الوحيد ضمن قائمة العفو بسبب حرية الرأي".

وتابع: "قال لي عضو لجنة العفو الرئاسية كريم السقا أن الرئيس نفسه هو من سأل عني بالاسم" ليطلب ضمه لقائمة العفو الرئاسية.

وكان السيسي أفرج في 17 نوفمبر 2016، بعفو رئاسي، عن 82 شابا يقضون عقوبات متنوعة بالسجن والحبس، أبرزهم إسلام البحيري، وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، إن معظمهم من طلبة الجامعات.

"ضرب الزوجة"

ما قاله "بحيري" عن تبني السيسي له، يبدو متصلا باستدعاء أجهزة إعلام السلطة له مرة أخرى ليعود للطعن في شيخ الأزهر أحمد الطيب، عبر حملة مصطنعة، ادعت أن الأخير أجاز ضرب الزوجات وشجع عليه، رغم أنه لم يقل ذلك.

لم يؤيد شيخ الأزهر ضرب الزوجة، بل أكد قبل عامين ونصف أنه "ليس واجبا أو سُنة"، ومع هذا استدعى المذيع عمرو أديب رأيه، واختلق تصريحات لم يقلها "الطيب" ليحث "بحيري" على بدء أول معزوفة في حملة مهاجمة الرجل.

ويرى البعض أن الهدف من استدعاء بحيري ليهاجم شيخ الأزهر، الذي لعب دورا في سجنه بتقديم مشيخة الأزهر بلاغا ضده لازدرائه الدين الإسلامي. وكان من بدأ الحملة المذيع المقرب من السلطة عمرو أديب.

مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة (حكومي) دخلت على الخط بتصريحات هجومية متزامنة، زاعمة أن "حق سيدات مصر وذنب السيدات المعنفات في رقبة شيخ الأزهر"، بدعوى أنه أباح ضرب الزوجات.

عمرو أديب حرص على إطلاق الحملة بتسخين بحيري ومايا مرسي معا قائلا لهما: "لا أنت ولا هي ولا الدستور (تقدروا تمنعوا ضرب الزوجات).. اللي هيقوله شيخ الأزهر هو اللي هيحصل"!.

أكاديمي أزهري سابق، أوضح أن الأمر يبدو مرتبا للهجوم على شيخ الأزهر ضمن ما أسماه "حملة موسميه" عبر استدعاء عمرو أديب لبحيري ومايا مرسي ليهاجما الطيب مجددا.

أوضح لـ "الاستقلال" أن الأمر يبدو مرتبطا بمحاولة تقليص نفوذ شيخ الأزهر لأنه لا ينصاع للأوامر الرسمية فيما يخص ما يسمى "تطوير الخطاب الديني".

لكنه حذر من أن ما يجرى الآن ليس حملة ضد أحمد الطيب فقط، ولكن "ضد مشيخة الأزهر ذاتها وهيبة الجامع الأزهر الذي له مكانة عالمية وقوة ناعمة".

أشار إلى أن الحملة قائمة على فكرة أن القانون أو الدستور حتى ولو جاء به ما يخالف الدين فهو أهم من رأي الأزهر.

وبالتزامن، أطلقت لجان السيسي حملة على مواقع التواصل، تطعن في شيخ الأزهر وتنتقد ما تعتبره "فتوى" له بضرب الزوجات، برغم أنه لم يفت بذلك.

ودفع هذا ناشطين لاعتبار الهدف من الحملة هو تمرير قانون ضرب الزوجات وتحميل شيخ الأزهر مسؤولية القانون لا من يحكمون البلاد ويتولون التشريع.

ودافع مصريون عن أحمد الطيب عبر هاشتاج #شيخ_الأزهر الذي تصدر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، في مؤشر لإدراكهم أهداف الحملة والمقصود بها تطويع المؤسسة الدينية لخدمة السلطة.

والطريف أن النائب والصحفي، المحسوب على الأجهزة الأمنية، مصطفى بكري، انتقد "السفهاء" الذين يهاجمون شيخ الأزهر، وقال إنهم "يخدمون أجهزة وقوى معادية للوطن ورموزه"، ما يشير ربما لصراع أجهزة بشأن التعامل مع الملف.

توقيت الحملة

في 24 يناير/كانون الثاني 2021 أعلنت النائبة أمل سلامة، تقديم تعديل لقانون العقوبات، يقضي بحبس الزوج الذي يضرب زوجته بين 3 و5 سنوات، ثم جددت طلبها في 27 أكتوبر/تشرين أول 2021.

وقدمته للمرة الثالثة أول فبراير/شباط 2022، مؤكدة تمكنها من الحصول على موافقة النصاب القانوني (60 نائبا)، لعرضه على اللجنة التشريعية، لتغليظ عقوبة من يضرب زوجته بالسجن ثلاث سنوات، وخمس سنوات لمن يضربها بآلات حادة.

"مصدر" من داخل مشيخة الأزهر الشريف، أكد أن ما يجرى هي محاولات لتجاوز دوره في القوانين التي تخص شؤون تتعلق بالشريعة، بل وتسفيه موقف أحمد الطيب بما يضيع هيبة المشيخة.

أوضح لـ "الاستقلال" أن أعضاء بهيئة كبار العلماء لا يمانعون قبول فكرة القانون المقترح لمنع ضرب الزوجات، لأن هناك فهما خاطئا للأمر يخالف الدين.

لكن العلماء يطالبون بأخذ رأي الأزهر في مثل هذه القوانين، ومناقشتها تفصيليا بالحرف حسبما تنص المادة 7 من الدستور بعدم تجاوز دوره، وفق قوله.

أضاف: يخطط الأزهر منذ فترة لتقديم مشروعات قوانين للجنة الدينية بالبرلمان، لحل عدد من الأزمات الأسرية بالمجتمع مثل الطلاق وضرب الزوجة، والأحوال الشخصية، لكن يجرى تجاوز دوره.

ما قاله المصدر الأزهري يتعارض مع مزاعم إسلام بحيري خلال لقائه عمرو أديب، ويكشف سبب الحملة، وهو انتزاع مزيد من الاختصاصات من الأزهر.

"بحيري" زعم أن "رأي شيخ الأزهر استشاري بنص الدستور، والدستور أقوى من الرأي الاستشاري".

وهو ما يعني عدم اعترافه بنص المادة 7 من الدستور، التي تنص على أن الأزهر "المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".

وزعم أن كلام شيخ الأزهر "غلط وضد الدستور المصري، ومفيش حاجة اسمها الضرب بشروط وبهدف التأديب، ومفيش حاجة اسمها الضرب بالسواك"، وفق تعبيره.

بل وزعم أن الآية الواردة في سورة النساء عن نشوز الزوجة (عصيان المرأة لزوجها) تتعلق بخيانتها لزوجها وليس عدم طاعته في الأمور الأسرية اليومية، ما أثار سخرية علماء منه.

 ووصف الشيخ مظهر شاهين، عبر حسابه على فيسبوك، كلام إسلام بحيري بأنه "عبيط".

توقيت الحملة يبدو بالتالي مقصودا لتحقيق هدفين: الأول إسقاط حق الأزهر في رقابة القوانين وفق ما تنص عليه مادة الدستور التي جرى وضعها عقب ثورة يناير 2011.

والثاني: تسفيه دور الأزهر والحط من شأنه وإسقاط هيبته لدى العامة بالهجوم عليه إعلاميا وتصنيفه كجهة متطرفة تعادي الحقوق النسوية.

وكان شيخ الأزهر نفسه انتقد في وقت سابق "حالة الجرأة على مكانة العلماء وعلى حرمة التخصص العلمي".

يبدو أن فشل السيسي في تطويع رأي الأزهر ضمن حملة "تطوير الخطاب الديني" لرفض "الطيب" دعوته لأنها تهدم الثوابت الدينية، دفعه لتطوير الهجوم ضد المؤسسة العريقة، لينال من هيبتها عبر تشويه صورة شيخها وتحييده.

ناشطون ومتابعون رصدوا الحملة التي قالوا إنه لا يوجد مبرر لها واعتبروها محاولة جديدة لتشوية شيخ الأزهر، ولكن هذه المرة، عبر ضرب وهدم مصداقية مشيخة الأزهر ككل.

مبروك عطية، العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، ألمح إلى أن الهدف هو استهداف شيخ الأزهر والمشيخة، قائلا بوضوح خلال فيديو نشره عبر صفحته الرسمية أن "الغرض هو الإثارة".

عطية تساءل: "إيه الكلام السياسي ده"؟، مشيرا لانتقاد من انتقدوا شيخ الأزهر. ووصف ما قاله "بحيري" بأنه "قلة أدب".

قال: "معروف من زمان انك عايز تحرق القدامى (الرموز الإسلامية والتراث) وتحرق المجددين (شيخ الأزهر وكبار العلماء) وتحرق الدنيا يا زلنطحي عيب، عيب نضحك على الناس".

انتقد استضافة عمرو أديب لإسلام بحيري بدل علماء الأزهر ليهاجم الطيب رغم أن الأخير لا يجيز القوانين وإنما علماء هيئة البحوث الإسلامية. 

أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" قال في مقال له بالثاني من فبراير/شباط 2022 إن "الأزهر ليس جهة تشريع" ولا يوجد "اختصاص تشريعي له يخوّله بإصدار القوانين".

ونفى إرسال أي قوانين تتعلق بالعنف الأسري إلى الأزهر الشريف ليُبدِي رأيه فيها، أو أن يكون اعترض عليها أو رفض صدورها، مؤكدا أنه حال وجدت سيقول الأزهر رأيه دستوريا فيها بالشريعة الإسلامية، وفق التقاليد البرلمانية.

الأزهر مستهدف

مراجعة تصريحات شيخ الأزهر حول قضية ضرب الأزواج للزوجات، تخالف تماما ما جرى افتراؤه عليه من قبل إعلام السلطة ومسؤولين رسميين، ما يكشف بدقة أن الهدف تشويه صورته وكسر هيبته في الشارع عبر انتقادات مواقع التواصل.

أصل تصريحات الطيب، عن ضرب المرأة جاء خلال الحلقة 30 من برنامجه الرمضاني "حديث مع شيخ الأزهر"، المذاعة في 4 يونيو/حزيران 2019.

في هذه الحلقة قال أحمد الطيب إن هناك فرقا دقيقا ما بين ضرب الزوج للزوجة الناشز، وأن يلجأ الرجل إليه إذا تأكد أنه الدواء الوحيد لعلاج "نشوز المرأة"، لافتا إلى أن الدواء يزيل الألم بالرغم من مرارته.

أضاف أن مسألة ضرب الزوجة يكون من منطلق كونه العلاج الوحيد لـ "النشوز"، مؤكدا أن الشرع لا يأمر الزوج باستخدام علاج الضرب معها.

ذكر أن "البعض يرغب في اللجوء لعلاج الضرب حتى تنكمش الزوجة من تضخم موهون"، مشيرا إلى أن "الضرب ليس واجبا أو فرضا أو سنة أو مندوبا لكنه أمر مباح".

قال بوضوح: أتمنى أن أعيش لأرى تشريعات تجرم الضرب مطلقا وتعامل الضارب معاملة المجرم.

واستشهد بالقاعدة التي تقول: "لولي الأمر أن يقيد المباح إذا رأى أنه في بعض تطبيقاته يسبب ضررا"، مضيفا: "لا ضرر أكبر من الذي تتأذى منه الزوجة الآن خاصة أن معظمهن مثقفات ومتعلمات، واللجوء للضرب ربما يسبب أذى نفسيا وينعكس سلبا على الأسرة".

وسبق أن أوضح "الطيب" في 31 مايو/أيار 2019 أن الكثيرين أساءوا فهم الضرب رغم ما حددته له الشريعة الإسلامية من ضوابط وحدود.

وأشار إلى أن الضرب المقصود هو " رمزي بالمسواك مثلا أو فرشاة الأسنان في هذا الزمن".

"لا يتعلق الأمر بمهاجمة شيخ الأزهر الحالي فقط، بقدر ما هي خطة لهدم دور المشيخة في الجمهورية الجديدة وكسر هيبة المؤسسة وهو أمر يستعصي على السيسي"، هكذا يرى باحث في الحركات الإسلامية فضل عدم ذكر اسمه لـ"الاستقلال".

وأردف: "هناك صراع واضح بين السلطة ممثلة في السيسي ومشيخة الأزهر، بسبب رفضها الانصياع لمطالبة، لذلك بدأ محاولات لهدم المشيخة عبر خلق كيان ديني مستقل ينافسها ممثلا في دار الإفتاء والمفتي الذي لا يفوت فرصة لإصدار بيانات سياسية داعمة للسيسي".

وكان ملفتا أن دار الإفتاء أصدرت بيانا للرد على ما نُسب لشيخ الأزهر، في الحملة الإعلامية حول ضرب الزوجة، تقول فيه "الرجال لا يضربون النساء".

هذا البيان يعتبره الباحث السياسي "مؤشرا للصراع بين تيار مشيخة الأزهر الذي يتمسك بالثوابت وأصول الدين، وتيار دار الإفتاء المؤيد للانفتاح والتجديد، أو التفريط في الخطاب الديني وفق مطالب السيسي".

وكان شيخ الأزهر تحدى السيسي وأرسل إلى البرلمان طلبا في 23 أغسطس/آب 2020 برفض قانون فصل الإفتاء عن الأزهر لأن به "عوار دستوري"، و"يمس استقلالية الأزهر" ما اضطر البرلمان لتأجيل صدور القانون، لعدم الصدام العلني.

لكن السيسي رد في 14 أغسطس 2021 بقرار جمهوري يُخرج الإفتاء من عباءة الأزهر بالقوة، عبر إلغاء صلاحية هيئة كبار علماء الأزهر في اختيار المفتي وجعله تابعا للرئاسة، لخلق ازدواجية في المؤسسة الدينية.

قرار السيسي حول دار الإفتاء إلى "هيئة ذات طبيعة خاصة"، الأمر الذي جعل المفتي مستثنى من نصوص قانونية وآلية. وبذلك تبتعد دار الإفتاء عن سيطرة مؤسسة الأزهر، أكثر مما مضى.

وجاءت السيطرة على الإفتاء، في ظل محاولات السيسي تحجيم دول الأزهر، بعد المعارك التي كان بعضها على الهواء مباشرة مع شيخه أحمد الطيب، مثل الاختلاف حول قضية الطلاق الشفهي وتجديد التراث أو ما يسمى الخطاب الديني.