وسيلة جديدة لفضح انتهاكات الأسد وتوثيق قصص ضحاياه في سوريا.. تعرف عليها

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أصبحت برامج البودكاست منصة لتوثيق الانتهاكات ضد السوريين وكذلك نقل المحاكمات التي تشمل المتورطين في الجرائم التي لحقتهم.

في الآونة الأخيرة، أنتجت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان السورية والدولية برامج بودكاست مبنية على الفكرة الأساسية لمقابلة السوريين الذين انتهكت حقوقهم من قبل "أطراف النزاع المختلفة".

وفي مثل هذه البرامج، يسرد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم الأحداث الماضية التي مروا بها أو سمعوا عنها، ضمن عملية توثيق تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان لعدد من الضحايا السوريين، وفق ما تقول صحيفة "عنب بلدي" السورية - النسخة الإنجليزية.

وتستضيف المدونات الصوتية خبراء قانونيين للتعليق على إجراءات المحكمة الأوروبية ضد الأفراد المتهمين بارتكاب فظائع حقوقية في سوريا. 

وهذا يعتبر بمثابة سجلات صوتية للأحداث الماضية لمساعدة الأجيال القادمة على فهم ما حدث خلال العقد الماضي في سوريا من منظور قانوني.

فجوة الانتشار

يستمد هذا النوع من البودكاست أهميته من البيانات والمعلومات التي ينتجها في وقت يحرم فيه الجمهور السوري من الوصول إلى ما يجري داخل المحاكمات الدولية ضد السوريين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) برنامجا صوتيا بعنوان Adaleti (عدالتي)، يتناول محاكمات السوريين في المحاكم الأوروبية بتهم ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في الداخل.

وتستضيف "عدالتي" متخصصين ومستشارين قانونيين لمناقشة الولاية القضائية العالمية في المحاكم الوطنية الأوروبية والمبادئ القانونية التي تقوم عليها القضايا الحالية لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، وآخر التطورات في تلك القضايا. 

يتضمن البودكاست أيضا مناقشات قانونية تركز على إجراءات القضايا لاستخلاص الدروس وتبسيط المعلومات للجمهور.

والهدف الأساسي لـ"عدالتي" هو تبليغ المعلومات للجمهور السوري عن الأفراد الذين يحاكمون في أوروبا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. 

وقالت راما العامر الصحفية السورية ومقدمة برنامج عدالتي لصحيفة "عنب بلدي"، إنها تناقش أيضا إجراءات المحاكمة بالتفصيل والتعليق عليها.

ومنذ عام 2015، تحاول منظمات حقوق الإنسان السورية مقاضاة وكلاء النظام السوري في عدة دول أوروبية.

لكن العامر قالت إن المحاكمات السابقة حرمت السوريين من الوصول إلى المعلومات ذات الصلة أو تأخرت في إيصالها.

وكانت هناك جهود من قبل الصحفيين والناشطين السوريين المستقلين لجمع المعلومات ذات الصلة بالمحاكمات الأوروبية ضد المتهمين بارتكاب جرائم حقوق الإنسان، ولا سيما في محكمة كوبلنز الألمانية.

إلا أن المركز السوري للعدالة والمساءلة أنشأ بودكاست "عدالتي" لتوثيق تفاصيل هذه المحاكمات رسميا وقانونيا، كونه كيانا حقوقيا يتمتع بمعايير عالية ومصداقية ويحرص على إيصال الحقيقة إلى جميع السوريين وتوظيف جميع خبراته لتحقيق هذه الغاية.

وبحسب العامر، لجأ المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى هذا البرنامج الصوتي والبودكاست المباشر عبر فيسبوك للوصول إلى المزيد من الجماهير بسهولة أكبر، حيث أصبح الناس أكثر اهتماما بهذا الشكل الجديد من التواصل.

وقال الإعلامي السوري كرم الشوملي وهو مذيع ومنتج بودكاست في عدالتي "إن من أبرز أهداف هذه المبادرة إطلاع المشاهدين والمستمعين الذين قد يكونون ضحايا أو شهودا على جرائم حقوقية".

ويجري تبليغ أصواتهم من خلال تقديم شكوى أو الإدلاء بشهادة أو رفع دعوى قضائية بمساعدة الخبراء القانونيين في المركز السوري للعدالة والمساءلة الموزعين في دول غربية مختلفة. 

ويمكن للخبراء تمثيل الضحايا قانونيا وتقديم المشورة وحتى الدعم النفسي لهم.

وبحسب الشوملي، فإن ما يميز بودكاست "عدالتي" هو أنه من إنتاج منظمة حقوقية وليس وسيلة إعلامية.

وأضاف أن أعضاء هذه المنظمة هم خبراء قانونيون ومشاركون أساسيون في رفع القضايا ضمن ملف حقوق الإنسان في سوريا.

وسيغطي عدالتي محاكمة علاء موسى الطبيب السوري الذي اعتقلته السلطات الألمانية في 19 يونيو/حزيران 2020 بتهمة تعذيب المعتقلين وإشعال أعضائهم التناسلية أثناء عمله في المستشفيات العسكرية التابعة للنظام.

وقالت العامر إنه جرى الحصول على المعلومات والتحديثات الخاصة بمحاكمة الطبيب السوري والمحاكمات الأخرى من مصادر مختلفة، بما في ذلك مراسلي المحكمة العاملين في المركز السوري للعدالة والمساءلة.

وتشمل مصادر المعلومات الأخرى التقارير الحقوقية التي أعدتها المنظمات ذات الصلة والتقارير الإعلامية والخبراء الذين يجري استضافتهم للتعليق على إجراءات القضايا.

"قصص تستحق الرواية"

بالإضافة إلى بودكاست "عدالتي"، هناك تجارب مماثلة توثق فظائع حقوق الإنسان السورية في المحاكم الأوروبية وأبرزها بودكاست الفرع 251.

وأخذ الفرع 251 المستمعين إلى أول محاكمة جنائية في العالم تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها مسؤولو النظام السوري.

وسمي هذا البودكاست على اسم الفرع الأمني 251 سيئ السمعة التابع لجهاز المخابرات السوري (المعروف أيضا باسم فرع الخطيب).

وجرت محاكمة ومقاضاة كل من رئيس التحقيق السابق في الفرع الأمني 251، أنور رسلان  وضابط المخابرات السابق إياد الغريب في ألمانيا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا.

وغطى بودكاست الفرع 251 المتوفر باللغتين العربية والإنجليزية، تطورات كلتا المحاكمات منذ أن قررت محكمة كوبلنز في وقت سابق حظر التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع، مما جعل التواصل مشكلة للجمهور السوري.

وقال المحامي الحقوقي والمؤسس والمنتج التنفيذي للفرع 251، فريتز ستريف لصحيفة "عنب بلدي": "عندما بدأت المحاكمة في كوبلنز، أردت معرفة ما إذا كان يمكن استخدام البث الصوتي كوسيلة لتصوير ومتابعة محاكمة وفي نفس الوقت سرد القصص السياقية للقضية".

وأردف: "أدركت أن هذا لم يحدث من قبل في مجال العدالة الدولية. جزء من السبب كان ولا يزال أن هذه حالات وقصص معقدة يجب سردها".

وأضاف ستريف "البودكاست وسيلة تفاعلية للغاية كما أنها وسيلة ديمقراطية وشاملة للغاية، حيث يمكن لأي شخص لديه هاتف ذكي أو إنترنت الوصول إليها مجانا ويمكن فعل ذلك بلغات مختلفة".

وتابع "الفرع 251 بودكاست ساهم في سد بعض فجوات التواصل والتوعية من المحكمة والمحاكمة للمهتمين بها (المجتمع السوري أولا وقبل كل شيء)".

وواصل: "رأينا كيف يمكن استخدام البودكاست بنجاح لرواية هذه القصص، لترجمة الجوانب القانونية إلى لغة سهلة الفهم ويمكن الوصول إليها".

وأوضح: "سنستمر بإنشاء مدونات صوتية حول هذه الأنواع من القصص والتجارب".

وبين أن: "لدينا مشروعا كهذا قيد الإعداد حول تجارب أخرى تتعلق بسوريا في ألمانيا وبلدان أخرى، نحن نخطط لبثه في العام المقبل وفي عام 2023".

وردا على سؤال حول عملية إنتاج الفرع 251، قال ستريف: "نحن فريق من منتجين ومقدمين ومراسل محكمة وأنا، نساهم جميعا في الحلقات التي ننتجها بطريقة أو بأخرى".

وواصل: "في بعض الأحيان يكون أحدنا هو المؤلف والمنتج الرئيس والبعض الآخر يقدم أفكارا ويساعد في عملية التحرير".

وأشار بالقول "لكل حلقة، نجمع الأفكار والمصادر بشكل فردي ثم كمجموعة. من المصادر المهمة الدائمة للمعلومات من قاعة المحكمة بالطبع مراسلة المحكمة".

وتابع: "يمكن أن تشمل المصادر الأخرى أشخاصا من شبكاتنا المهنية، وخبراء في موضوعات معينة تتعامل معها إحدى الحلقات (على سبيل المثال، المحامون والمعلقون السياسيون وعلماء النفس والصحفيون، وما إلى ذلك)".

وقال إن "هناك أيضا مصادر مجهولة المصدر للحصول على معلومات أساسية من شبكتنا من الزملاء السوريين".

ويهدف هؤلاء إلى "العمل قدر الإمكان على قصصنا مع الزملاء السوريين والناجين وعائلاتهم وأصدقائهم لأننا نعتقد أن قصة هذه المحاكمة هي قصة يجب أن يرويها السوريون".

وأضاف "على الرغم من أن تحقيق هذا الهدف صعب عمليا في كثير من الأحيان لأن المحكمة في مدينة ألمانية نائية بعيدة عن الكثيرين، فمن الطبيعي أن يشعر السوريون بملكية المحاكمة وأكبر قدر ممكن من البودكاست نفسه من خلال التفاعل معها والعمل معنا على القصص".

وأجرت صحيفة "عنب بلدي" استطلاعا للرأي عبر موقعها الرسمي ومنصات التواصل الاجتماعي، استفسرت من خلاله جمهورها ما إذا كانت برامج البودكاست السورية التي تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان ستساهم في تقديم الجناة إلى العدالة.

وأجاب على الاستطلاع 611 شخصا، 318 منهم قالوا إن مثل هذه البرامج الصوتية لم تساعد في توضيح الموضوعات المتعلقة بالمحاكمات الأوروبية ضد السوريين.

بينما قال 293 شخصا الباقون إن ملفات صوتية مماثلة ترفع الوعي الجماعي السوري بقضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وفق الصحيفة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، نشر مركز العمليات والسياسات دراسة بعنوان "المدونات الصوتية السورية: فهم الجماهير واستكشاف إمكانات التوسع". 

وأطلقت الدراسة ثلاث مؤسسات إعلامية سورية (Arta FM، وجريدة عنب بلدي، وراديو روزانا)، وأجرت مسحا استهدف عينة من 600 مشارك.

وخلصت الدراسة إلى أن الفضاء التواصلي السوري بيئة مناسبة لنمو وتطوير البودكاست، بدليل النسبة العالية للوصول إلى الإنترنت ومعدلات استخدام الهواتف الذكية، والاعتماد على كليهما في الوصول إلى المحتوى الإعلامي.

وفقا للدراسة، يتألف جمهور البودكاست السوري بشكل أساسي من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما. وتميل النساء للاستماع إلى البودكاست أكثر من الرجال. 

كما قالت إن السوريين الذين يعيشون في البلاد هم أكثر عرضة لاستخدام البودكاست من أولئك الذين يعيشون في الخارج.

وأضافت الدراسة أن المستوى التعليمي ليس له تأثير كبير على ما إذا كان الشخص مستمعا للبودكاست أم لا.

مع ذلك، فإن نسبة كبيرة من عينات جمهور الوسائط الرقمية داخل سوريا وخارجها لم يسمعوا قط بالبودكاست، مما يشير إلى الحاجة إلى بذل جهود لتطوير هذه الوسيلة والترويج لها.