معركة الأمعاء الخاوية في تونس.. هل تمهد لتشكيل جبهة سياسية معارضة للانقلاب؟ 

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحول مقر إضراب الجوع الذي تخوضه شخصيات وطنية تونسية من توجهات متنوعة ضد انقلاب الرئيس قيس سعيد إلى قبلة يتردد عليها ممثلو أحزاب سياسية وائتلافات شبابية ومواطنين، للتعبير عن مساندتهم للمطالب التي يرفعها المضربون.

ومن أبرز تلك المطالب، إطلاق سراح نواب البرلمان المسجونين، وإيقاف المحاكمات العسكرية، والكف عن توظيف القضاء والمؤسسة الأمنية في الصراع السياسي وإسكات المعارضة، إضافة إلى ضمان حرية الإعلام.

وشهد مقر الإضراب في حزب "حراك تونس الإرادة" لقاءات متعددة وحلقات نقاش تمحورت جلها حول البحث في الوسائل النضالية التي ستتخذها القوى السياسية المعارضة في ذكرى الثورة في 14 يناير/ كانون الثاني 2022.

كما شهد اجتماعات مهمة ضمت قيادات سياسية لم تلتق منذ سنوات، تمهيدا لتشكيل ائتلاف سياسي واسع، وفق تصريحات للمشاركين.

وقارن متابعون بين إضراب الجوع الحالي وإضراب الجوع الذي خاضه أبرز قادة المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005، الذي مهد لتشكيل جبهة "18 أكتوبر" التي ضمت أبرز التيارات السياسية في البلاد حينذاك. 

افتكاك للحقوق

وجاء إضراب الجوع الذي أطلقته إليه مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" إثر قمع قوات الأمن لتحرك دعت إليه في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2021 بوسط العاصمة تونس ومنع المتظاهرين من الدخول لشارع  الحبيب بورقيبة الذي تم حصر التظاهر فيه لأنصار قيس سعيّد.

وبعد إعلان المتظاهرين دخولهم في اعتصام بمدخل شارع بورقيبة وسط العاصمة، فرضت قوات الأمن طوقا أمنيا حولهم، ومنع المواطنون من الالتحاق بهم أو مدهم بأطعمة، ومياه، أو أدوات للتخييم.

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، على خلفية انقلاب على السلطات المنتخبة، وفي خضم مطالب محلية ودولية بالإعلان عن خارطة لإنهاء تفرده بالسلطة، أعلن سعيد في 13 ديسمبر 2021، تنظيم استفتاء حول النظام السياسي بالبلاد في 25 يوليو/ تموز 2022.

إضافة إلى تجميد البرلمان حتى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، كما كشف عن تنظيم مشاورات "شعبية" عبر الإنترنت بداية من يناير/كانون الثاني 2022 بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي.

واعتبر المتحدث باسم المضربين عن الطعام، المناضل اليساري عز الدين الحزقي أن تونس وقع اغتصابها من قبل قيس سعيد، مشددا على أن الأمن الوطني "غير جمهوري". 

وقال الحزقي لـ"الاستقلال"، وهو والد الناشط السياسي والمحامي جوهر بن مبارك، أنه تعرض للضرب من قبل الأمن في احتجاجات عيد الثورة في 17 ديسمبر 2021.

وأضاف: "طيلة العشر سنوات الفارطة شاركت في احتجاجات عديدة، ولم أتعرض يوما للتعنيف إلى أن وقع ضربي من قبل الأمن غير الجمهوري في الاحتجاج الأخير عندها قررت الدخول في إضراب جوع والعودة إلى سلاحي القديم الذي طالما حاربت به". 

وأردف: "كان من المفروض أن يحمي الأمن رجلا في مثل سني يبلغ من العمر 78 عاما غير أنه قام بحماية من اغتصب البلاد ويحكمها ظلما".

والحزقي هو أحد أشهر المناضلين اليساريين في تونس، وسبق أن تعرض للسجن سنوات عدة خلال حكم الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وعارض أيضا حكومات ما بعد الثورة بمختلف رؤسائها وانتماءاتهم، ويعارض بشدة حاليا انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 الذي نفذه قيس سعيد.

لقاءات عابرة للتيارات 

وفي 24 ديسمبر 2021، بادر القيادي في حزب الأمل أحمد نجيب الشابي بزيارة تضامنية إلى مقر المضربين عن الطعام بحزب حراك تونس الإرادة الذي يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي المعارض للانقلاب.

وتلت خطوة الشابي زيارات متعددة لزعماء سياسيين من أحزاب الجمهوري، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والنهضة، وائتلاف الكرامة، وقلب تونس، إضافة إلى هيئات حقوقية وتجمعات شبابية.

كما شهد مقر الإضراب زيارات متكررة للنائب، المرشح الرئاسي السابق الصافي سعيد، إلا أن المفاجئ كان زيارة عميد المحامين السابق، زعيم حركة المرابطين القومية البشير الصيد، الذي يعتبر أبا روحيا لطيفا واسعا من القوميين الذين انخرط جلهم في مساندة الانقلاب والتبرير لقرارات سعيد .

كما زار رئيس مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله راشد الغنوشي في 4 يناير 2022 مقر إضراب الجوع، والتقى بالمضربين عن الطعام، بحضور ثلة من الناشطين السياسيين من مختلف الأطياف والتوجهات الإيديولوجية.

وكان اللقاء "فرصة للتأكيد على أهمية التحرك السياسي والمجتمعي لمناهضة كل الإجراءات اللادستورية واللاديمقراطية المتخذة في 25 يوليو 2021، وفق ما جاء في بيان صادر عن الغنوشي للغنوشي.

وأكد رئيس النهضة، الكتلة الأكبر بالبرلمان المجمد، في كلمته على أن تونس المتنوعة تسطر اليوم مشهدا رائعا يلتقي فيه الإسلامي واليساري والقومي والدستوري.

وأضاف: "يجمعهم الالتقاء على المشترك الديمقراطي والقطع مع الفكر الاستبدادي والقبول بحق الآخر في الاختلاف وحرية الرأي وبناء تونس التي تتسع  لجميع أبنائها دون إقصاء ولا تهميش".

كما أشاد الغنوشي بنضال المضربين عن الطعام واعتبر أن "هذا العمل من صميم ما تدافع به النخب والشعوب الحرة عن حريتها وحقوقها وديمقراطيتها في وجه عودة دولة الاستبداد وحكم الفرد".

تقارب للبناء

وسبق وأن عبر القيادي في مبادرة مواطنون ضد الانقلاب جوهر بن مبارك، في 30 ديسمبر 2021، خلال ندوة صحفية أنه سيتم تشكيل جبهة سياسية واسعة لمقاومة الانقلاب.

وأشار إلى وجود تقارب بين عدة قوى سياسية تؤمن بالديمقراطية رغم اختلافها إلا أنها دخلت في شراكات.

وأقر ابن مبارك أنه يوجد خطوات لتوسيع هذا التقارب في شكل جبهة من أجل مقاومة الانقلاب والبحث عن حلول في إطار احترام المسار الديمقراطي والدستوري.

وأكد أن كل المشهد السياسي حاليا ما عدا من وصفهم بـ"الحُزيبات غير المعترف بها" ضد الانقلاب.

وفي 28 ديسمبر 2021، عقد أعضاء اللجنة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" وقيادات من تكتل "اللقاء الوطني للإنقاذ" التي يقودها السياسي أحمد نجيب الشابي، اجتماعا مشتركا، رفقة عدد من الأحزاب الوسطية والشخصيات الوطنية.

 وفي بيان مشترك صدر عنهم، أكد المجتمعون على أن لقاءهم بحث توسيع المشاورات مع جميع الأطراف دون إقصاء حتى الوصول إلى تنظيم ندوة حوارية استشارية حول وضع البلاد وسبل الإنقاذ السياسي والاقتصادي.

بعدها بأيام شهد مقر الإضراب اجتماعا موسعا ضم عددا من الأحزاب السياسية واللقاءات الشبابية والناشطين السياسيين من مختلف التيارات، لبحث سبل تطوير العمل المشترك فيما بينها وصولا لتشكيل جبهة سياسية واسعة لمجابهة الانقلاب.

وفي حديثها لـ"الاستقلال" اعتبرت البرلمانية المضربة عن الطعام فائزة بوهلال أن الوفود الزائرة للإضراب جلها ينتمي للعائلة الديمقراطية، ومن الرافضين للانقلاب، والبعض منهم كان ممن ساند قرارات 25 يوليو 2021.

وأضافت النائبة عن حركة النهضة أن مبادرة مواطنون ضد الانقلاب حاولت ربط قنوات التواصل بين الأطراف السياسية مع مختلف القوى المناهضة للانقلاب وخاصة بعد قرارات قيس سعيد في 13 ديسمبر 2021 بعد تعطيله للدستور وانقلابه الكامل على المسار الديمقراطي.

واعتبرت بوهلال أن ما فرقته السنوات الـ10 الماضية وخلافاتها السياسية نجح قيس سعيد وانقلابه في إعادة تجميعه، فتوحدت من جديد جل القوى المؤمنة بالديمقراطية.

وتابعت: وتسعى القوى المجتمعة في هذا الإضراب لبلورة تصور للخروج من الأزمة الحالية التي وضع قيس سعيد البلد فيها وصياغة برنامج لإدارة البلاد خلال المرحلة التي تلي سقوط الانقلاب.