خادم الحرمين أم الفنانين؟.. ملامح السعودية الجديدة حال تولي ابن سلمان الحكم

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"عمري ما تخيلت إن ده (هذا) ممكن يحصل في السعودية"، و"كأني بحلم"، كانت تلك كلمات الممثلتين المصريتين الشهيرتين "يسرا" و"لبلبة" للكاميرات أثناء وقوفهما على السجادة الحمراء بمهرجان "البحر الأحمر السينمائي" في جدة والأول في تاريخ المملكة.

عرض المهرجان من 6 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، أضخم الأفلام السينمائية العربية والعالمية بمشاركة ممثلين ومخرجين وإعلاميين ومحترفي صناعة السينما بالعالم، باحتفالية تتم برعاية مجموعة "إم بي سي" و"الخطوط الجوية السعودية" و"فوكس سينما".

يضم المهرجان 138 فيلما طويلا وقصيرا من 67 بلدا بـ34 لغة، منها 25 فيلما في عرض عالمي أول، و48 بأول عرض عربي، و17 فيلما في عرضها الأول بمنطقة الخليج.

واستقطب مهرجان البحر الأحمر نجوما عالميين بينهم هيلاري سوانك، وكليف أوين، وفينسنت كاسيل، في خطوة يراها مراقبون غير مسبوقة وعلامة على تغيير كبير بدولة لم ترفع الحظر المفروض على دور السينما إلا قبل 4 سنوات.

غضب حاد

وفي بلد عربي يبلغ سكانه 35 مليون نسمة يغلب عليهم الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي؛ شهدت أول سجادة حمراء للمهرجان السينمائي السعودي الأول ظهورا للفساتين المكشوفة والعارية والفاضحة على طريقة مهرجان "الجونة" السينمائي بمصر.

وهو ما أثار انتقادات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت متابعين لاتهام المهرجان بتدنيس البقاع المقدسة.

الإعلامي محمد الهاشمي، خاطب العرب والمسلمين بالقول: "ما شعوركم عندما ترون الحكومة الوصية على المسجدين الحرام والنبوي الشريف تفرش البساط الأحمر لضيفات مهرجان جدة السينمائي الأول؟".

وقارن ناشطون بين اعتقال السلطات للعلماء والدعاة والمصلحين وبين تكريم الممثلات وفرش السجاد الأحمر لهن، مستنكرين بشدة أن تكون هذه "السعودية الجديدة التي تنادي بها السلطات". 

الانتقادات الموجهة للسعودية عبرت الخليج العربي وتعدت البحر المتوسط حتى وصلت إلى أوروبا، وكانت إحداها على صفحات "الغارديان" البريطانية 11 ديسمبر/كانون الأول 2021.

الصحيفة قالت، إن افتتاح السعودية مهرجانها السينمائي الدولي الأول يأتي وسط اتهامات لها باستخدام الثقافة لتبييض سجلها السيئ بحقوق الإنسان، لافتة إلى أن بريق الأعمال الاستعراضية هو لصرف الانتباه الدولي عن تلك الانتهاكات.

وأضافت: "في عهد ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، سحق المسؤولون المعارضة السياسية بالداخل وطاردوا المعارضين خارج الحدود"، مشيرة إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية أكتوبر/تشرين الأول 2018.

نقلت "الغارديان" عن الأستاذة بكلية لندن للاقتصاد والمعارضة البارزة مضاوي الرشيد، قولها إن "مهرجان الأفلام بدون حرية التعبير يتحول إلى دعاية".

وتابعت: "لن تكون الرياضة والفن أبدا بديلا عن الإصلاح الحقيقي الذي يشمل الحقوق المدنية والسياسية".

وأكدت أنه "يجري استخدام الأفلام العالمية كغطاء لسيناريو شرير للاعتقالات وقطع الرؤوس والقتل من قبل نظام يائس لكسر عزلته بعد أن ارتكب جرائم في اليمن وضد مواطنيه".

رؤية 2030 

انطلاق المهرجان السعودي الدولي الأول يأتي بعد افتتاح الرياض أول سينما في أبريل/نيسان 2018، وهي خطوة أنهت حظرا دام 35 عاما.

ومنذ إطلاق ابن سلمان برنامج "رؤية المملكة 2030" عام 2016، ركز على مجال الترفيه، وشهدت السعودية تغيرات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية سريعة.

في الإطار، اتخذ ولي العهد إجراءات وقرارات غريبة وجديدة على المجتمع السعودي كان أهمها إعلاميا وأكثرها في ردود الفعل العالمية؛ السماح للمرأة بقيادة السيارات نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

ولم ينتظر السعوديون والخليجيون والعرب طويلا حتى تكشفت ملامح رؤية ابن سلمان الثقافية والاجتماعية، التي قال إنها تستهدف "انطلاق عهد ثقافي جديد".

إذ مثلت قراراته المتتابعة صدمة للكثيرين لما حملته من تغييرات طالت المجتمع السعودي، وخاصة فئتي الشباب والنساء.

ورفعت السعودية الحظر على الاختلاط بين الرجال والنساء، في المطاعم والأماكن العامة، وسمحت بإقامة حفلات موسيقية عامة ومختلطة، وقررت تشغيل دور السينما.

كما سمحت للنساء بحضور مباريات كرة القدم بالملاعب، فيما استضافت الرياض "أسبوع الموضة العربي" فبراير/شباط 2018 في حدث كان الأول بالسعودية.

وفي 4 فبراير/ شباط 2020، أنشأت 11 هيئة ثقافية بينها "الهيئة العامة للترفيه"، و"المجلس السعودي للأفلام"، و"الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع"، وجرى الإعلان عن تمويل بقيمة 64 مليار دولار لإنتاج المسلسلات التلفزيونية.

وبدا الاهتمام بصناعة السينما لافتا بتوفير البنى التحتية اللازمة، وتشجيع الإنتاج المحلي، وخلق 30 ألف فرصة عمل، فيما بدأت منصة "نتفليكس" العالمية شراكة مع الأستوديو السعودي "تلفاز 11" لتقديم إنتاج محلي. 

وتتوقع "الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع" السعودية، أن يصل عدد دور السينما بحلول عام 2030 إلى 350 دارا بعرض نحو 2500 فيلم، وأن تصل قيمة صناعة السينما مليار دولار.

فما تتوقع ارتفاع الإنفاق الأسري على الترفيه من 3 إلى 6 بالمئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي.

تلك الخطوات التي أثارت جميعها الجدل والغضب والتكهنات بشأن مستقبل بلد الحرمين الشريفين مع التغريب؛ تأتي إثر قانون أصدرته السعودية أبريل/نيسان 2016، جردت به "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" من صلاحياتها، ما أنهى دورها ورقابتها للشارع السعودي.

سياحة وتقزيم

لكن؛ وبعيدا عن الفساتين العارية وما أثير عن نوعية الأفلام المعروضة للسعوديين الأول وتوجهات بعض المشاركين فيه، فإن الأكثر إثارة هو توقع القائمين على المهرجان أن يسهم بزيادة الإقبال السياحي، وذلك في وقت يجري فيه تحجيم السياحة الدينية.

ووفق ما نقلته صحيفة "سبق" المحلية عن أهم أهداف المهرجان فإن القائمين عليه يأملون في زيادة السياحة من الداخل والخليج والعالم، أسوة بالتجارب السينمائية العالمية، لحضور فعالياته ومشاهدة العروض السينمائية.

توجه السلطات نحو استجداء السائحين يأتي في ظل عقد المهرجان ضمن فعاليات مبادرة "روح السعودية" التي دشنتها المملكة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، وحتى مارس/آذار 2022.

وإلى جانب مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، هناك العديد من الفعاليات السياحية التي تشهدها المملكة هذا الشتاء، ضمن المبادرة لاستقبال السياح من الداخل والخليج والعالم، بينها "موسم الرياض" الترفيهي، وارتياد شواطئ البحر الأحمر، ومتنزهات وتسلق الجبال.

وفي سياق مشروعات استجداء السياحة العالمية والمحلية، أطلق ابن سلمان، في أكتوبر/تشرين الأول 2017 مشروع "نيوم" بتكلفة 500 مليار دولار، لإنشاء منطقة سياحية واستثمارية وتجارية وصناعية بالساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر.

وأعلن الرئيس التنفيذي لمدينة نيوم نظمي النصر، أكتوبر/تشرين الأول 2021،  أن المدينة ستستقبل السياح والمستثمرين بحلول عام 2024، مشيرا إلى جهود مكثفة لتطوير المناطق السياحية.

وبعد نحو 5 سنوات من إطلاق رؤية ابن سلمان 2030، أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية أبريل/نيسان 2021 تدشين 2000 فعالية رياضية وثقافية بحضور 46 مليون زائر حتى 2020، ضاعفت عدد الشركات بقطاع الترفيه لـ1000 شركة، وقدمت 101 ألف وظيفة حتى نهاية 2020.

ما تنفقه السعودية على الترفيه والمهرجانات ورغبتها في جذب المهتمين بهذه القطاعات من الخارج، يثير الكثير من التساؤلات بشأن تراجع السياحة الدينية في البلاد.

وعلى الرغم مما يحققه الحج والعمرة للسعودية من أرباح، خاصة وأنه يقبل على زياراتها ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض، إلا أنه يجري تقزيم هذا القطاع الكبير.

وخلال السنوات الـ10 الماضية (2011- 2021) استقبلت الأراضي المقدسة 150 مليون حاج، وفق بيان وزارة الحج السعودية يونيو/حزيران 2021.

ومنذ ظهور جائحة كورونا نهاية العام 2019، قلصت السعودية أعداد الحجاج والمعتمرين بشكل مبالغ فيه في الوقت الذي كانت تقام فيه حفلات "موسم الرياض" و"شتاء طنطورة" وسط حضور جماهيري كبير.

وشارك بمناسك حج العام 2020، نحو 10 آلاف حاج من الداخل السعودي، فيما وصل عدد حجاج 2021 حوالي 60 ألفا.

وفي المقابل أعلنت الهيئة العامة للإحصاء السعودية عام 2019 وصول أعداد الحجاج إلى مليونين و489 ألفا و406 حجاج.

وطوال نحو عامين مع تقليص رحلات العمرة لجميع بلدان العالم، جرى فرض شروط صعبة على المعتمرين مع زيادة أسعارها وتكلفتها.

ومن المتوقع زيادة أسعار رحلات عمرة رجب 2022 للمصريين، لما بين 25 إلى 30 بالمئة عن السنوات الماضية، بسبب الإجراءات الاحترازية التي ستتحملها شركات السياحة، وفق ياسر سلطان، عضو اللجنة العليا للحج والعمرة الأسبق، بحديثه لموقع "الوطن".

وتسري في الشارع العربي حالة من الغضب من أداء مطربي المهرجانات المصريين حمو بيكا وحسن شاكوش وعلي قدورة، مناسك العمرة خلال مشاركتهم بحفلات "موسم الرياض" الذي يحضره آلاف السعوديين، بينما يحرم ملايين المسلمين من ذلك.

"ردة حضارية"

وعن مؤشرات المهرجان السينمائي الأول، وما سبقه من قرارات وخطوات نحو انفتاح مثير للجدل بعد انغلاق لعقود، قال الكاتب والمفكر المهتم بقضايا الأمة الإسلامية عزت النمر: "يؤسفني أن البعض يعتبر أن ما تشهده السعودية في نسختها الحالية انفتاحا أو أنه يمثل حالة تحرر من الانغلاق".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يعتبر النمر، أن "هذا توصيف مخل ومتواطئ مع كل ما ننكره وينكره كل حر ويخوف منه كل صاحب عقيدة في المشهد السعودي".

ويعتقد أن "ما تعيشه السعودية في نسخة ابن سلمان الحالية هي ردة حضارية وقيمية وثقافية، وخلع للخصوصية التي تميز بلاد الحرمين".

كما أنه "تمرد على عادات وتقاليد الشعب السعودي، ومن قبل ذلك تمرد على القيم والأخلاق الإسلامية، وانخلاع عن قصد من عروبة المملكة وخيارها الإسلامي المحافظ".

وبين أن "ما تشهده المملكة هو نتاج طبيعي لتزواج كارثي يجتمع في شخص ابن سلمان يتمثل في استبداد فاشي، مع طيش ونزق جاهل؛ لا يعرف تاريخ هذه الأرض ولا يحترم ثقافة الشعب وهويته"، وفق النمر.

وأكد أن "النسخة الحالية لنظام الملك السعودي تتصادم بالكلية مع إرادة الشعب المحافظة، واختار ابن سلمان أن يجعل التزلف للغرب مرتكزه في الحكم، بدلا من التلحف بدعم الشعب وتأييده".

الكاتب والمحلل السياسي المهتم بالشؤون الخليجية، انتقد إعلان السعودية عن أن هدفها من مثل هذا المهرجان هو زيادة الإقبال السياحي من الداخل والخليج والعالم.

وتساءل عن أسباب وقف السلطات للعمرة والحج وفرض شروط قاسية على الحجاج والمعتمرين، مؤكدا أن هذا يأتي على حساب ذلك.

وقال: "من الخطأ توصيف دور ذلك المهرجان الذي يؤسس للمجون وتغيير وجه المملكة، على أنه بحث عن السياحة أو المنافسة فيها، لو كان الأمر كذلك فيكفي السعودية السياحة الدينية المتفردة متمثلة بالحج والعمرة".

وأكد أنها "كافية ووافية في هذا الباب ولا تنتظر شريكا ولا منافسا؛ لكن الأمر بمنتهى الوضوح والشفافية حالة هزيمة ثقافية ومحاولة قذرة لتغيير جلد بلاد الحرمين والتحلل من هويتها الإسلامية المحافظة لصالح خليط من الفسوق والعري وربما الإلحاد".

النمر يعتقد أن "ابن سلمان يصارع الإرث الثقافي المحافظ للشعب السعودي، ويستدعي في ذلك مجموعة من التافهين والمتحللين، فضلا عن تقديم فلول غلاة العلمانيين الذين تلفظهم العادات المجتمعية والتقاليد".

ويرى أن "ابن سلمان يسير بمنظومة الملك في الاتجاه الخطأ، وأبشر أنه سيدفع هو وآل سعود ثمن غباء خياراته، وأتمنى ألا تطول هذه الردة حتى لا يدفع الشعب أيضا الثمن من وحدته وأمنه وأمانه".

وأضاف أنه "لسنوات طوال ومن مهد نظام آل سعود وهم يتكئون على هوية إسلامية، ولو مدعاة، في الحفاظ على ملكهم، وكان شعار الملك دوما خادم الحرمين الشريفين، وربما يصفها البعض بالمزايدة العارية عن الحقيقية، لكنها كانت على كل حال سببا في محافظتهم على الملك".

لكن الأخطر في مسلك ابن سلمان وفق النمر، هو أن "اختياراته تمثل محاداة ومعادة لمنهج رب العالمين عن اختيار وقصد، وهذا سيورثه هو وآل سعود ومن بعدهم الشعب السعودي الذلة والفقر والصغار، وقد ظهرت بوادر ذلك ولعله أن يعتبر معتبر".