أوامر مفاجئة بالانسحاب من الحديدة.. لماذا سلمتها قوات مدعومة إماراتيا للحوثي؟

عبدالرحمن جابر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يعيش اليمنيون صدمة على خلفية الانسحاب المفاجئ لـ"القوات المشتركة" المدعومة إماراتيا من محيط مدينة الحديدة ومناطق واسعة بالمحافظة الواقعة على ساحل البحر الأحمر غربي اليمن.

الانسحاب المفاجئ سمح لمليشيا الحوثي، الموالية لإيران، بالسيطرة "بدون معارك" على المواقع التي أخليت من قبل القوات المشتركة.

وبالنظر إلى ما تشهده الساحة اليمنية من تطورات ميدانية متسارعة وحراك دولي واسع فقد برز الحديث عن الدوافع التي تقف وراء عملية الانسحاب تلك والسيناريوهات المحتملة لها.

انسحاب مفاجئ

في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، انسحبت القوات المشتركة من مواقع شرقي وشمال شرقي الحديدة الساحلية ومناطق جنوبي المدينة على مشارف مطار الحديدة الدولي.

وكذلك مديريتا الدريهمي وبيت الفقيه ومعظم مناطق سيطرتها في مديرية التحيتا وأعادت التمركز في مديرية الخوخة على بعد 90 كم من مدينة الحديدة.

وفور سيطرتها نفذت مليشيا الحوثي حملة اعتقالات بحق معارضين في المناطق التي انسحبت منها القوات المشتركة وداهمت عدة منازل بينما نزحت عشرات الأسر، هروبا من عمليات تصفية يتوقع أن ينفذها الحوثيون.

ونزحت قرابة 900 أسرة في محافظة الحديدة إلى مدينتي الخوخة والمخا التابعة لمحافظة تعز، على إثر انسحاب القوات المشتركة وسيطرة الحوثيين، وفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن.

وقال بيان للمكتب إنه تم إنشاء موقع يضم 300 خيمة في الخوخة، لإيواء أقل من نصف عدد الأسر النازحة، بينما لا يزال بقية النازحين بلا مأوى.

الانسحاب المفاجئ وسيطرة الحوثي، أثارا انتقادات واسعة من قبل رافضي الوجود الإماراتي في اليمن، وأثار الرأي العام على العميد طارق صالح (ابن شقيق الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح) قائد "المقاومة الوطنية" الذي برز مؤخرا كقائد عملياتي للقوات المشتركة.

وتتألف القوات المشتركة من تشكيلات عسكرية أنشأتها ومولتها الإمارات بعد إعلان التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن في 26 مارس/ آذار 2015 وهي: "المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية سابقا) و"ألوية العمالقة" و"المقاومة التهامية".

إغلاق الملفات

تتكشف يوما بعد آخر دوافع الانسحاب المريب الذي منح مليشيا الحوثي مساحات إضافية على شريط ساحلي إستراتيجي قبالة واحدة من أهم الممرات الدولية المائية في العالم.

ويرى مدير مركز "أبعاد للدراسات والبحوث" عبدالسلام محمد أنه يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب محتملة تقف وراء عملية الانسحاب التي نفذتها قوات موالية للإمارات في مدينة الحديدة.

وقال المحلل السياسي في حديث لـ"الاستقلال" إن "التحالف السعودي والإماراتي يريد الهروب وإنهاء الحرب في اليمن وإغلاق ملفها".

وأضاف "يبدو أن التحالف لم يعد قادرا على  الاستمرار في الدعم، ما جعل القوات التي يدعمها تتقلص، فتراجعت قوات الحكومة الشرعية إلى مأرب، بينما انسحبت القوات المشتركة إلى الخوخة والمخا وهذا هو السيناريو الأقرب".

وربما تكون الخلافات بين السعودية والإمارات أدت إلى ذلك الانسحاب المفاجئ من الحديدة من قبل القوات الموالية لأبوظبي ولكنه سيناريو أبعد، بحسب محمد.

وتابع "السيناريو الثالث قد يكون سعي التحالف لإعادة ترتيب منطقة الحرب قبل أي اتفاق سياسي في اليمن عن طريق سحب قوات العمالة من الحديدة والذهاب بها إلى شبوة".

وأردف "إذا كان انسحاب طارق صالح بالقوات المشتركة من الحديدة جاء بطلب سعودي إماراتي وهو ما أعلنه التحالف أخيرا، فذلك يأتي غالبا بهدف نقله إلى مناطق شبوة ومأرب".

وواصل: "هذا ما تريده السعودية، لا سيما وأن مناطق الجوف، مأرب، حضرموت، شبوة، تمثل الامتداد الجيوسياسي للسعودية في اليمن".

ورأى أن الهدف من ذلك تحقيق أمرين: أولا منع سقوط شبوة بيد الحوثيين، وثانيا إزاحة حزب الإصلاح من صدارة المشهد السياسي في شبوة، كما حدث سابقا بإسقاط الحكومة الشرعية في عدن".

وفي أغسطس/آب 2019 أحكم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا سيطرته على مدينة عدن جنوب اليمن بعد أيام من القتال مع قوات حكومة الرئيس المعترف بها دوليا عبد ربه منصور هادي.

من جانبه أكد الخبير العسكري اليمني، علي الذهب، أن الإمارات تقف خلف انسحابات الحديدة، لأبعاد إستراتيجية تهدف لتعزيز موقفها في محافظتي شبوة وأبين، جنوبي البلاد.

وقال الذهب في مقال نشره موقع "العربي الجديد" في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن "سحب ألوية العمالقة من الحديدة، والدفع ببعضها إلى شبوة، أو إلى مناطق الاشتباكات بين قوات الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في ساحل محافظة أبين المشاطئ لخليج عدن، مِن شأنه تعظيم فرص الإمارات في فرض إرادتها وتحقيق أجنداتها".

سلام ضمني

وبشأن الحديث عن مستوى التنسيق بين إيران والإمارات في عملية الانسحاب التي تمت من الحديدة أكد عبد السلام محمد "هناك استفادة إيرانية من كل تحركات أبوظبي في اليمن، سواء من خلال تفكيك الشرعية أو ضرب قواتها أو منع دعمها وإضعافها وهذا كله دعم غير مباشر حتى لو لم يكن هنالك تنسيق".

وكشف محرر الشؤون اليمنية في قناة الجزيرة الصحفي أحمد الشلفي عن تفاصيل اجتماع لقيادات عسكرية إماراتية وسعودية في الساحل الغربي بشأن قرار الانسحاب من الحديدة.

وذكر الشلفي عبر سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 "تفيد المعلومات بأن الأوامر الإماراتية صدرت بانسحاب العمالقة من الجبهة وأنها ستتوجه إلى أبين وشبوة، بينما تنسحب قوات طارق صالح تدريجيا من مناطق كيلو 16 والدريهمي".

ونقل الشلفي عن مصادر خاصة أن "الحوثيين كانوا في جاهزية لاستلام تلك المواقع وأن لديهم معلومات مسبقة بما يجرى".

وأفادت المصادر بحسب الصحفي أن اتفاقا غير معلن تم بين الحوثيين والإماراتيين لإنجاز سلام ضمني بين المجلس الانتقالي والحوثيين بإشراف الإمارات.  

بدوره يرى الباحث في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي أن القرار لا علاقة له بالسياقين العسكري والسياسي في البلاد، إنما جاء لإرباك الحسابات وربما باتفاق مع الحوثيين.

وقال مكي خلال حديث تلفزيوني في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 انسحاب هذه القوات مكن قوات الحوثيين من إيجاد تواصل مباشر بين الحديدة وصنعاء".

وأشار إلى أن "هناك صفقة ما تحتفظ من خلالها الإمارات بجنوب اليمن وأن يسيطر الحوثي على الشمال".

وأضاف "ليس بالضرورة أن يعاد تشكيل جغرافيا ما قبل الوحدة اليمنية عام 1990 ولكن على الأقل أن تكون عدن ومحيطها تابعة للانتقالي الموالي للإمارات، وأن تكون المحافظات الأخرى تابعة للحوثي على أن تكون حضرموت، ربما، كيانا خاصا في وقته".

ولفت بالقول "لم نر تحركا حقيقيا من السعودية التي تقصف القوات الحوثية في مأرب".

ويعتقد مكي أن ما جرى من الناحية السياسية والعسكرية ليس له غير وصف واحد هو الخيانة.

وفي موازاة ذلك اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي فيصل الحذيفي أن "انسحاب قوات مدعومة إماراتيا من الحديدة جاء لتحقيق أهداف داعمي هذه القوات من دون مراعاة مصلحة اليمن".

وقال الحذيفي خلال مقابلة تلفزيونية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 "نحن أمام قوات إماراتية أفرادها يمنيون، هذه القوات لا تمتلك القرار في الانسحاب، ولا تمتلك القرار في التقدم".

وفيما يتعلق بالتنسيق خلال عملية الانسحاب من المدينة علق الحذيفي "إهداء الحديدة للحوثيين الذين يعانون من إحباط وانهيار معنوي بعد فشلهم في السيطرة على مأرب وزيارة أبوظبي الأخيرة لبشار الأسد (رئيس النظام السوري) وفتح صفحة جديدة معه، كلها مواقف ساخنة تؤكد دفء العلاقات بين طهران وأبوظبي".

استلام وتسليم

من جانبه يرى الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن ما حدث انسحاب بالمطلق من دون وجود مبرر عسكري.

وقال الدويري خلال لقاء تلفزيوني في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن " ما جرى تخل في المرحلة الأولى عن نحو 90 كم، وهذه المساحة ستتوسع لصالح الحوثيين".

وأوضح أن "استخدام مصطلح إعادة الانتشار أو التموضع لا ينسجم بالمطلق مع ما جرى".

فإعادة التموضع تعني التضحية بقطعة محددة من الأرض لا تملك قيمة إستراتيجية أو عملياتية، بحيث يختار المدافع أرضا بديلة تؤمن له الدفاع والحيلولة دون تقدم القوات المهاجمة، وهذا ما لم يحصل، بحسب قوله.

وأكد أن "ما حدث كان عملية استلام وتسليم بين قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح والحوثيون".

وخلص الدويري إلى أن "من أسس القوات ومولها ويدفع رواتبها هو من يتخذ القرار ويعطي التعليمات، وهي مرتبطة بالإمارات".

اعتبر أهالي محافظة الحديدة الانسحاب الذي حدث لصالح الحوثيين "طعنة تاريخية وخيانة لدماء الشهداء وتضحيات الأبطال".

وقال الصحفي والناشط السياسي وديع عطا، الذي ينتمي لمحافظة الحديدة، إننا "كأبناء لهذه المحافظة نعتبر أن ما حدث من انسحاب في جبهة الجنوب طعنة تاريخية لتهامة وخيانة لدماء الشهداء وتضحيات الابطال ".

وأوضح عطا في حديث لـ"الاستقلال": "فوجئ المقاتلون في الميدان باتصالات من بعض القيادات العسكرية المسؤولة في القوات المشتركة، تأمرهم بالتراجع والانسحاب إلى مديرية التحيتا وما بعدها، الأمر الذي أربك الجنود وأحدث فوضى في صفوفهم ".

وكانت مليشيا الحوثي قد سيطرت على محافظة الحديدة لأول مرة عقب انقلابها الذي نفذته في العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014 تشكلت مقاومة مسلحة ضد الحوثيين في محافظة الحديدة، بعد سيطرة المليشيا على عدة مناطق إستراتيجية في المدينة المطلة على ساحل البحر الأحمر غربي اليمن.

واعتبرت مليشيا الحوثي أن ما حدث في الحديدة "انتصار رباني" في إشارة إلى سيطرتها السهلة في المحافظة عقب انسحاب القوات المدعومة من الإمارات منها.

 وأعلنت المليشيا إعادة فتح طريق رئيس يربط بين مدينة الحديدة والعاصمة صنعاء.

في المقابل قالت القوات المشتركة في بيان لها 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إنها أخلت مناطق قتال في المحافظة وفقا لاتفاق استوكهولم المرعي أمميا.

لكن الأمم المتحدة ذكرت خلال مؤتمر صحفي لنائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق أنها لم تبلغ بهذه التحركات مسبقا.

 في حين ناشدت البعثة الأممية لدعم اتفاقية الحديدة (أونمها) أطراف النزاع بالوفاء بالتزاماتها وحماية المدنيين وبالأخص النازحين.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2018 وقعت الحكومة اليمنية والحوثيون اتفاق استوكهولم برعاية الأمم المتحدة، يقضي بوقف إطلاق النار بمحافظة الحديدة، وانسحاب قوات الطرفين إلى خارج المدينة الخاضعة لسيطرة المليشيا.

من جهتها نفت الحكومة اليمنية صلتها بأمر الانسحاب، مؤكدة في بيان للفريق الحكومي أن ما حدث تم من دون تنسيق معها وبغير معرفتها.

وأعلن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "القوات المشتركة نفذت إعادة انتشار وتموضع لقواتها العسكرية في الساحل الغربي بتوجيهات من قيادة القوات المشتركة للتحالف".

وأكد المتحدث الرسمي باسم التحالف تركي المالكي أن الانسحاب "جاء تماشيا مع الإستراتيجية العسكرية للتحالف في اليمن".

وفي 26 مارس/ آذار 2051 أعلنت السعودية عن تحالف عسكري لدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن، والذي لا يزال مستمرا، ولكن ضعف الشرعية يتفاقم، في الوقت الذي تتعاظم قوة الحوثي بسبب غرابة إدارة السعودية والإمارات لذلك التحالف.