بيانات وفتاوى.. ما مدى تأثير المرجعيات الدينية في الانتخابات العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار 18 عاما من العمليات الانتخابية التي يشهدها العراق منذ الاحتلال الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، كانت المرجعيات الدينية وما زالت حاضرة بمختلف توجهاتها المذهبية، في إبداء رأيها أو إصدار فتاوى تتعلق بإجراءات معينة تخص الاقتراع.

حضور المرجعيات الدينية في ملف الانتخابات العراقية، يثير تساؤلات ملحة تتعلق بمدى تفاعل الناخب مع ما يصدر من فتاوى وتوجيهات يصدرها رجال الدين سواء فيما يخص المشاركة في عملية الاقتراع من الأساس، أو بضرورة انتخاب النزيه الأصلح وإبعاد الفاسدين.

فتاوى الانتخابات 

وتنقسم المرجعيات الدينية الأبرز في العراق إلى سنية وأخرى شيعية، كونهما يمثلان المسلمين الذين يشكلون نحو 99 بالمئة من السكان بنسب متقاربة بينهما، فمرجعيتا الجانبين كان لهما موقف من الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

فبالنسبة للمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء (أكبر مرجعية للسنة) فقد دعا خلال بيان في 30 سبتمبر/ أيلول 2021 إلى المشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة، محذرا من أن العزوف يمثل إقرارا ببقاء وتفاقم الظلم والفساد.

وذكر المجمع في بيانه أن "الانتخابات حق ضمنه الدستور العراقي للمواطنين، وأن التنازل عنه، وعدم ممارسته يفضي إلى جملة مفاسد ومخالفات لا يرتضيها الشرع الحنيف الذي جاء لإصلاح الناس في الحال والمآل".

وأضاف، أن "العزوف عن المشاركة وعدم اختيار الأصلح في الانتخابات المقبلة في حقيقته إقرار ببقاء الظلم والفساد بل يؤدي إلى تفاقمه وانتشاره".

وأشار إلى أن "الانتخابات التي انحصرت بها وسائل التغيير المتاحة، وتمثل امتدادا لمطالب المتظاهرين المطالبين بالإصلاح، تقتضي المشاركة الفاعلة، وتحري المرشح الصادق في أقواله، الخبير في أفعاله، الغيور على بلده، الأمين في أداء مسؤوليته، القوي في استحصال الحقوق المشروعة لمن انتخبوه".

ونوه المجمع الفقهي إلى أن "حيازة بطاقة الناخب تضمن عدم استغلالها، وتحفظ حق صاحبها مهما كان موقفه من العملية السياسية".

وشدد في هذا الصدد على أنه "لا يجوز بيع أو شراء بطاقة الناخب وثمنها من السحت الحرام لأنها تفضي إلى استحواذ الفاسدين من ذوي المال السياسي والنفوذ على الأصوات الكثيرة. وفيه إعانة على الإثم والعدوان وتهاون في أداء الشهادة وإضاعة للأمانة وتفريط بالمسؤولية".

على الجانب الآخر، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني، بيانا في 29 سبتمبر/ أيلول 2021 شجع فيه الجميع على "المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى".

وحث السيستاني الناخبين على استغلال هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، مؤكدا أنه لا يساند أي مرشح أو قائمة انتخابية على الإطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم.

ودعا المرجع الشيعي إلى التدقيق في سير المرشحين في دوائرهم الانتخابية وأن لا ينتخبوا منهم إلا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا، "وحذار أن يمكنوا أشخاصا غير أكفاء أو متورطين بالفساد".

وشدد على ضرورة أن يعمل القائمون على الانتخابات على إجرائها في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، وأن يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم.

تفاوت بالامتثال

وبخصوص مدى تفاعل الناخب مع ما يصدر من فتاوى وتوجيهات يصدرها رجال الدين فيما يخص المشاركة في عملية الاقتراع، رأى الداعية العراقي والباحث في الفرق الإسلامية الشيخ فاروق الظفيري، أنه "بالنسبة للشيعة، فالمحرك الرئيس لهم في الانتخابات هي المرجعيات".

وأوضح الظفيري في حديث لـ"الاستقلال" أن "المرجعية الشيعية هي من تحدد الانتخاب من عدمه، بل وتحدد من ينتخبون ومن لا ينتخبون. وفي بداية الاحتلال كان التوجيه من المرجعيات بشكل علني بانتخاب قائمة تحمل شعار الشمعة (الائتلاف الشيعي الموحد) وأن الذي لا ينتخب كتارك الصلاة وزوجته تحرم عليه.. إلخ".

وتابع: "ثم بمرور الزمن وظهور الفساد الشنيع لهؤلاء السياسيين ورفض شريحة كبيرة من المجتمع الشيعي لهم أحجمت المرجعيات عن التنظير العلني لشخصيات بعينها، وإنما أخذت تتكلم بالعموميات، ولكن في الخفاء تدعم شخصيات معينة".

ورأى الباحث العراقي أن "المرجعيات لها سطوة على الناخب سواء من الناحية العقدية أو التخويف بسلاح المليشيات".

أما المكون السني، يضيف الظفيري، فتأثير المرجعيات السنية على الشارع السني ضعيف، كون المرشحين السنة يتنافسون على أخذ تأييد هذه المرجعيات بعد التعهدات الكبيرة التي يلزمون أنفسهم بها تجاه هذه المرجعيات.

وأردف: "لكن ما أن يصعد هذا المرشح إلى كرسي البرلمان حتى يتنكر لتعهداته التي وعد بها وتقع المرجعيات ضحية هذا الخداع وليس لها قوة لتلزم الناخب بالالتزام بتعهداته التي قطعها لهم، لذلك نرى غالب المرجعيات السنية قد ابتعدت عن الكلام في هذا الشأن بالإيجاب أو الرفض".

فقدان البريق

وفي المقابل، قال الكاتب والباحث في الشأن السياسي العراقي، أثير الشرع، خلال تصريح صحفي في 30 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "المرجعيات الدينية لم تكن بعيدة عما يجري في الساحة السياسية، خصوصا أن مرجعية النجف كانت حاضرة في جميع الدورات الانتخابية".

وأوضح الشرع أن "المرجعية كانت توجه الناخب بضرورة اختيار الأصلح والأنزه والأكفأ دون تفضيل سياسي على آخر، لكن ربما اختلاف توجهات الناخب ووجود مرجعيات عديدة، جعل الكثير من المواطنين لا يفقه أهمية توجيهات المرجعية".

ولفت الكاتب إلى أن "توجيهات المرجعية بدراسة السيرة الذاتية لكل مرشح، تأتي بعد أن شهدت المرحلة السابقة فشلا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، لذلك فإن الكرة اليوم في ملعب المواطن الذي يقع على عاتقه اختيار ممثليه في البرلمان".

ورأى الشرع أن "المرجعية (الشيعية) أصدرت توجيهاتها في وقت حرج جدا، لذلك أتوقع أن تزداد نسبة المشاركين في الانتخابات المقبلة، ولا سيما في مناطق الوسط والجنوب التي يمتثل الكثيرون فيها إلى  توجيهات المرجعية الشيعية". 

وبين الكاتب "المرجعية (الشيعية) لا تقف إلى جانب تكتل سياسي، وإنما تنظر إلى الجميع بمختلف المكونات بنظرة واحدة، ولم تدع إلى إبعاد النواب السابقين، وإنما الشخص الكفء لا بأس من إعادة انتخابه".

لكن الباحث في الشأن السياسي العراقي، نذير محمد، رأى عكس ذلك بالقول إن "المرجعية الدينية الشيعية، لم يعد لديها ذات التأثير كما كانت عليه في انتخابات 2005 حين وجهت الشارع الشيعي بانتخاب قائمة انتخابية شيعية معينة".

وقال محمد خلال تصريح صحفي في 30 سبتمبر/ أيلول 2021 إن "هذه القائمة الشيعية التي أمسكت بالسلطة منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم تفلح بإنقاذ الوضع العراقي بل ازداد الأمر سوءا في العراق، وكل الفاسدين اليوم هم نتاج تلك السنوات".

وبحسب الباحث فإن "المرجعية الشيعية فقدت الكثير من بريقها خلال 18 عاما، لأن الكثير من القوى السياسية والنافذين يسرقون ويبتزون وربما حتى يقتلون باسمها، لكونها أيدت انتخابهم في يوم من الأيام".

ونوه إلى أن "المرجعية الشيعية أوجبت على الشارع الشيعي في انتخابات عامي 2005 و2006، انتخاب الائتلاف الشيعي الموحد، الذي كان يضم جميع القوى والأحزاب الشيعية التي نراها اليوم متوزعة بين القوائم الانتخابية".

ورأى الباحث أن "التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، لا يزال يسمع له من أتباعه سواء في الشأن الديني كمرجع لهم، أو السياسي أو العسكري أو الثقافي أو غيره، وهذا هو سر قوته في الساحة العراقية حتى اليوم".