كلينتون وبوش وأوباما.. ثلاثي صنع المأساة الأفغانية ثم دعا لمساعدة لاجئيها

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملة دعم اللاجئين الأفغان التي أطلقها رؤساء الولايات المتحدة السابقين، بيل كلينتون وجورج بوش (الابن) وباراك أوباما، خلفت مفارقات عدة ما بين أهازيج السلام المزعوم، وبين تاريخ دموي قريب، دونه كل رئيس منهم على حدة وبطريقته الخاصة، وجميعهم شاركوا في كتابة الوضع المأساوي لأفغانستان.

فعندما شن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 1998 عملية "الوصول اللانهائي" موجها ضربات بصواريخ "كروز" عالية الدقة ضد أهداف في أفغانستان والسودان، كان يبدو أن واشنطن عازمة على لعب دور أكثر عمقا في الداخل الأفغاني، وأن رياح الحرب الكبرى قادمة لا محالة.

احتاج الأمر لسنوات قليلة وتحديدا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، مع إعلان الرئيس (آنذاك) جورج بوش (الابن) الحرب على أفغانستان، تحت مسمى عملية "الحرية الدائمة".

وبعد معارك طاحنة وقصف مروع وسقوط آلاف المدنيين، دخلت قوات التحالف إلى البلاد، واجتاحت العاصمة كابول، وأزاحت حركة طالبان من المشهد، وبشرت بعهد جديد يسوده الرخاء والديمقراطية، بعد سنوات الدم والدموع.

لكن الحرب الخاطفة لم تكن إلا مستنقعا دام "19 عاما، و10 أشهر، و3 أسابيع، ويومان" كأطول حرب خاضتها واشنطن في تاريخها، متجاوزة حرب فيتنام الكارثية، ولم يتغير كثير في بلاد قبائل البشتون إلا مزيدا من الخراب والدمار. 

"ويلكام.يو إس"

في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، وعلى مدار أيام انطلقت حملة مساعدات للاجئين الأفغان داخل الولايات المتحدة، تصدرها كبار الساسة، ومنهم رؤساء البيت الأبيض السابقون المذكورون آنفا، الذين اتحدوا وزوجاتهم تحت غطاء "ويلكام.يو إس"، وهو ائتلاف يضم جماعات تأييد ورجال أعمال أميركيين وقيادات أخرى.

وقد اتفق هؤلاء على مساعدة لاجئي أفغانستان الذين جاؤوا إلى الولايات المتحدة بعد الانسحاب الأميركي من بلادهم بعد حرب دامت 20 عاما. 

وأعلن بوش وزوجته لورا في بيان أنه "وقف آلاف الأفغان معنا على الجبهة للدفع صوب عالم أكثر أمانا، وهم الآن يحتاجون مساعدتنا".

وفي فعالية إعلامية، قال "جون بريدجلاند" المسؤول السابق في إدارة بوش: إن "الحملة دشنت موقعا إلكترونيا يسهل على الأميركيين التبرع أو استضافة أسر لاجئة من خلال تطبيق (إير بي إن بي) لإيجار المنازل أو عبر أي سبيل مساعدة آخر".

ولا شك أن بوش الذي ينشط حاليا، هو الرئيس المرتبط اسمه ببداية الحرب على أفغانستان، وإطلاق شرارة أحرقت الأخضر واليابس.

وعقب الانسحاب الأميركي الأخير، كتبت المأساة على ما يصل إلى 50 ألف لاجئ أفغاني يقبعون في قواعد عسكرية بالولايات المتحدة، وآخرون لا يزالون في مراكز قائمة قرب مطارات أميركية هبطوا بها، كما أن هناك مزيدا من اللاجئين في منشآت رعاية خاصة، أو على تخوم دول متفرقة ما بين وسط وغرب آسيا. 

ومع ذلك لم يفت آباء الحرب الأميركية على أفغانستان أن القوة الغاشمة آلت إلى نهاية مأساوية حقيقية، وأن التاريخ سيظل يذكرهم، حيث أحالوا البلد المريض إلى كيان هش تتنازعه الخلافات.

ضربة البداية

البداية من عند صاحب أول ضربة عسكرية على أفغانستان، وهو بيل كلينتون، الذي شن هجوما انتقاميا أيضا على السودان، نتيجة تفجير السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا. 

أعلن كلينتون عن عمليته العسكرية "الوصول اللانهائي" وبموجبها قصفت المقاتلات الأميركية نحو 75 صاروخ كروز جوال على أهداف أفغانية، تحت ذريعة أنها معسكرات لتنظيم القاعدة. 

وفقا للصحافة الأفغانية خلف الهجوم نحو 20 قتيلا أفغانيا مدنيا، وأعربت الأمم المتحدة عبر أمينها العام آنذاك كوفي أنان عن قلقها إزاء هذه التطورات. 

حتى أن دولة كوبا تحت زعامة فيدل كاسترو أعلنت أن "الرئيس كلينتون تجاهل سيادة السودان وأفغانستان وشن قصفا تمثيليا مسرحيا ليغطي على فضيحته الجنسية الأخيرة". 

أما أخطر التصريحات فصدرت عن فاكا أرزانوفا نائب الرئيس الشيشاني (آنذاك)، الذي أعلن أن الولايات المتحدة أطلقت من خلال مهاجمة أفغانستان "حربا عالمية ثالثة غير معلنة".

واتضحت رؤيته فيما بعد، فلم تكن الضربات الأميركية على أفغانستان إلا تمهيدا لمعركة كبرى، وسنوات طويلة من المعارك سيدخلها البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) في تلك الدولة.

ثم أدت تلك الحرب إلى واحدة من أسوأ كوارث العالم بقتل عشرات الآلاف وتهجير ملايين الأفغان. 

مسعر الحرب

في 23 سبتمبر/ أيلول 2001، بعد ثمانية أشهر فقط من دخوله البيت الأبيض، وقف جورج بوش الابن أمام الكونغرس، وقال كلمته الشهيرة: "حربنا تبدأ ولن تنتهي، على الأميركيين ألا يتوقعوا معركة واحدة، بل حملة لم يسبق لها مثيل". 

وذهب إلى أبعد من ذلك مع تصريحه الشهير: "الدول التي ليست مع الولايات المتحدة فهي ضدها". 

وكما أوردت "الوحدة الدولية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية" في تقرير أنه "لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن حصل رئيس أميركي من الكونغرس، على صلاحيات وسلطات مطلقة لشن الحرب بمثل هذه السرعة، وكأن هذا السيناريو كان جاهزا في أروقة البنتاغون".

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، بدأ الهجوم الأميركي تحت مسمى عملية "الحرية الدائمة"، ودخلت قوات التحالف العاصمة كابل، واستهدف اجتثاث طالبان تماما، والقضاء الكامل على تنظيم القاعدة، وهو الهدف الذي لم يحدث أبدا، بل كان بداية لحرب عصابات طويلة الأمد، سيدفع الشعب الأفغاني وحده ثمنها. 

أكدت ذلك المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، 5 مارس/آذار 2020، مع إقرارها إجراء تحقيق في جرائم الحرب في أفغانستان، وهو ما يشمل اتهامات ضد القوات الأميركية المتواجدة هناك، ما يعني أن الحرب كانت غزوا استهدف عموم الأفغان. 

ويقول الكاتب الصحفي محمود عبد الهادي، في مقال نشره موقع "الجزيرة" القطري: "20 عاما مضت على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وملايين الأسئلة ما زالت تجري على ألسنة المتابعين الذين يبحثون عن إجابات مقنعة حول حقيقة ما حدث".

وأضاف: "من يحاسب الكبار على جرائمهم؟ وتحت أي ذريعة تبرر الدول الكبرى جرائم سياساتها الخارجية، ومشروعات هيمنتها، وأطماعها التوسعية في العالم؟

وتساءل: إلى متى سيستمرون في بطشهم وظلمهم تحت دعاوى كاذبة وشعارات خادعة ووعود متهاوية اعتاد العالم عليها منذ عشرات السنين؟ وإلى متى يستمر العالم يذرف على موتاهم دموع الحسرة الصامتة على موتاه؟".

وعندما ترك بوش منصبه عام 2009، كانت موارد أفغانستان قد استنزفت، وبينما كان يقبع فيها نحو 30 ألف جندي أميركي إضافة إلى عشرات الآلاف من قوات التحالف "إيساف"، كانت طالبان مستمرة في حربها وتستعيد القرى، ولم يتم سحقها، فقط من سحق هم عموم الشعب.

وعد فأخلف 

ورث الديمقراطي أوباما من بوش وضعا معقدا ومضطربا في أفغانستان، ووعد في إطار حملته للانتخابات الرئاسية بالانسحاب الكامل منها، لكنه أخلف ولم يف بذلك الوعد أبدا. 

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2009، أعلن أوباما عما أطلق عليه: "الإستراتيجية الجديدة في أفغانستان"، والتي تقضي بزيادة أعداد القوات الأميركية لتوجيه ضربة حاسمة ونهائية لطالبان، ويمكن بعدها التفاوض على الخروج من منطلق القوة، حسب رؤيته. 

كانت تلك الخطة تقضي بأمركة الحرب أكثر من أي وقت مضى، وأن الجيش الأميركي سينتشر بكثافة أكبر، ويوجه ضربات أثقل.

وبالفعل أمر الرئيس آنذاك جنرالاته بنشر عشرات الآلاف من الجنود الإضافيين في هذا البلد، ووصل عدد القوات الأميركية هناك منتصف 2010 إلى أكثر من 100 ألف جندي.

تسببت تلك الإستراتيجية في زيادة حدة المعارك، ورغم أنه نجح في تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لكن فشلت أيضا كل محاولات القضاء على طالبان.

ومع اقتراب نهاية فترة حكمه، أيقن أوباما أن الوضع الأمني الضعيف لن يسمح بالانسحاب الأميركي الذي كان يأمل فيه.

وترك منصبه بينما يقبع عشرات الآلاف من جنوده في أفغانستان، وأخفق في إستراتيجيته وأخلف وعوده، واستمر ذلك البلد في التردي والانهيار.

وبعد عقدين من الحرب خرجت القوات الأميركية من أفغانستان، التي وصفت بالمستنقع لخصومها، وعادت طالبان إلى كابل مجددا، بعدما شنت حربا ضد قوات حكومة الرئيس الأفغاني المدعوم أميركيا، أشرف غني، الذي فر هاربا.

وحينما كانت الطائرات الأميركية تحلق صوب بلادها، معلنة إخفاق كل الرؤساء السابقين وقادة الحرب، كانت جيوش طالبان تدخل كابل مرة أخرى، وكأن الزمن توقف، ولم يسر إلا على أولئك الكادحين من عموم الأفغان.