أرسلت تحذيرا غير مباشر.. لماذا غضبت إيران من تشكيلة حكومة طالبان؟
.jpg)
أظهرت التشكيلة الجديدة للحكومة الأفغانية التي أعلنتها حركة طالبان في 7 سبتمبر/ أيلول 2021 برئاسة الملا محمد حسن أخوند، أنها تقتصر على قادة الحركة، ولا سيما قدامى المحاربين الذين سبق لهم أن شغلوا مناصب في مرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2001.
بعد معارك استمرت 20 عاما، تتولى طالبان الآن مقاليد الحكم في أفغانستان التي ترزح تحت صعوبات اقتصادية وتحديات أمنية، إذ أكد زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده، أن "الجميع سيشاركون في تقوية النظام، لإعادة بناء بلدنا الممزق بالحرب".
لكن تجاهل طالبان لأقلية الهزارة (الشيعية) وعدم إشراكهم في الحكومة الأفغانية الجديدة، أثار حفيظة إيران التي بعثت بتحذير غير مباشر، مع استياء إزاء تشكيلة حركة طالبان للحكومة في كابول.
إيران غاضبة
في 8 سبتمبر/ أيلول 2021، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي: إن "البلد الجار لن يصل إلى بر تحقيق السلام ما لم تتشكل حكومة تقوم على الحوار بين جميع الفئات، وصولا إلى تشكل حكومة شاملة تعكس التركيبة العرقية والديموغرافية".
وشدد عبد اللهيان على أن إيران تريد أن ترى أفغانستان "خالية من الحرب والإرهاب"، وأنها "ستبقي حدودها ومعابرها مفتوحة؛ لتخفيف الوضع الحالي ومواصلة التجارة".
وخلال جلسة سرية عقدت بالبرلمان الإيراني، كشف قائد عسكري إيراني بارز، بأن طهران ستدعم الشيعة في أفغانستان، في ظل التطورات الحاصلة بهذا البلد، بعد سيطرة طالبان على السلطة هناك.
ونقلت وكالات أنباء رسمية بينها "مهر" و"انتخاب" في 7 سبتمبر/ أيلول 2021، فحوى الجلسة التي تحدث فيها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، في أثناء تقديمه تقريرا عن التطورات في أفغانستان.
وقال قاآني: إن "إيران تولي شيعة أفغانستان أهمية كبيرة، ونحن نحرص على حل القضية الأفغانية دون حرب، وبإشراك جميع الأقوام والأطياف في الحكم".
واعتبر أن "إيران كانت الدولة الأكثر حكمة وتدبيرا في المنطقة واتخذت المواقف الجيدة حيال التطورات في أفغانستان".
وتقطن أفغانستان أقلية شيعية من إثنية الهزارة، التي يعتقد أن لها أصولا بين شعوب آسيا الوسطى والشعوب التركية، وتشكل نحو 9 بالمئة من السكان، وهي متمركزة أساسا في وسط البلاد.
دکتر امیر عبداللهیان تأکید کرد جمهوری اسلامی #ایران خواستار افغانستانی عاری از جنگ و تروریسم می باشد. جمهوری اسلامی ایران مرزها و گذرگاههای مرزی خود با افغانستان را برای تسهیل وضعیت فعلی در این کشور باز نگه می دارد و تجارت را ادامه خواهد داد. pic.twitter.com/cZcM9uD3Nn
— ���� وزارت امور خارجه (@IRIMFA) September 7, 2021
تغليب المصلحة
حركة طالبان أوضحت على لسان المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، خلال مؤتمر صحفي عقده للإعلان عن الحكومة في 7 سبتمبر/ أيلول 2021، أن "حكومتنا لن تقوم على أساس العرق. لن نسمح بهذا النوع من السياسة".
وأشار المتحدث إلى أن "الحكومة غير مكتملة"، لافتا إلى أن الحركة التي وعدت بحكومة "جامعة" ستحاول "ضم أشخاص آخرين من مناطق أخرى في البلاد".
وبخصوص تشكيل الحكومة من قادة طالبان دون إشراك باقي الإثنيات والحركات، قال المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة محمد نعيم خلال مقابلة تلفزيونية في 9 سبتمبر/ أيلول 2021: إن "النقطة الأساسية هناك تتعلق بمصالح الشعب والبلد".
وأوضح نعيم أن "كل دولة تتخذ القرارات المناسبة لها، ونحن نفعل ذلك وفق هذا الأساس، أما الإملاءات الخارجية فهي مرفوضة".
وتابع: "فإذا كان الشعب ليس بينه مشاكل فما علاقة الخارج بنا (..) تشكيلة الحكومة طارئة بسبب أوضاع البلد، ولذلك لا بد من إجراءات طارئة وفقا للوضع القائم، لأن التحكم بالوضع الأمني وبناء نظام جديد يتطلب جهدا وتفاهما بين القوى الموجودة في البلد".
وبخصوص حديث تقارير صحفية عن نية طالبان تهجير الهزارة من أفغانستان وإسكانهم في محافظة الأنبار غرب العراق، قال نعيم: "نستغرب هذه الفكرة ومن يروج لها، بل إنه كلام تافه جدا؛ لأن جميع الأفغان هم شعب واحد ويد واحدة ويسكنون في بلدهم، وليست هناك أي مشكلة".
وأردف قائلا: "حتى من عمل مع الاحتلال الأميركي، أصدرنا بخصوصهم بيانا طالبنا فيه الولايات المتحدة بتركهم في البلد لأنه بحاجة لهم، فإذا كنا تعاملنا مع هؤلاء بهذا الشكل، فما بالك بغيرهم؟".
وعن التواصل بين طالبان وطهران، قال نعيم: "علاقاتنا مع دول الجوار طبيعية منذ البداية وستستمر ونحن نريد توسيعها وتطويرها، وإيران جارة مثل باقي دول الجوار، ولنا معها علاقات إيجابية".
من جهته، قال الخبير في الشأن الأفغاني ورئيس جامعة "سلام" في كابول، مصباح الله عبد الباقي: إن "حركة طالبان لم تبعد الشيعة لوحدهم من الحكومة، بل أبعدوا كل من سواهم".
ورأى عبد الباقي في حديث لـ"الاستقلال" أن "طالبان يبدو أنها تعتمد هذه السياسة خلال المرحلة الأولى بأنهم يعتمدون على الولاء أكثر من التخصص وإنشاء حكومة شاملة، لذلك لم يسلموا أي حقيبة وزارية لأي جهة أخرى سواء من الشيعة أو من غيرهم".
واستبعد الخبير الأفغاني أن "تفرط إيران بمصالحها التي تتوقعها من استقرار أفغانستان بتسليم حقائب وزارية للشيعة الأفغان، لأن كل دولة تذهب وراء مصالحها، ومصلحة إيران هذه المرة تكمن في أن تستقر (جارتها)".
وأوضح عبد الباقي أن "علاقة إيران بالصين واستقرار أفغانستان وألا تستغل الظروف الأمنية لإيجاد القلاقل داخل إيران، هذا أهم بالنسبة للأخيرة من أن يطالبوا بحقائب وزارية للهزارة الشيعة".
وتوقع الخبير الأفغاني "ألا يؤثر عدم وجود الشيعة في الحكومة الأفغانية الحالية على العلاقات بين طالبان وإيران، لأن طهران حرصت خلال الفترة الماضية على إيجاد علاقات جيدة مع طالبان، ولن تفرط بهذه العلاقة لأجل هذه الأمور البسيطة".
اعتراضات شيعية
وعلى صعيد حصر الحكومة الأفغانية بقادة طالبان، أفادت تقارير صحفية نشرت في 9 سبتمبر/ أيلول 2021 بأن "الحركة لن ترضى بغير هذه الحكومة، لأنها ترى أن من حقها أن تحكم أفغانستان بمفردها بعد 20 سنة من الكفاح المتواصل ضد الغزو الأميركي والسيطرة على جميع الأراضي".
وأشارت إلى أن "أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن وصف الحكومة بأنها لتصريف الأعمال تكتيك سياسي من طالبان للتقليل من الانتقادات الداخلية وضغوط المجتمع الدولي لما يرونه احتكار الحركة للسلطة".
ومما يعزز هذا الرأي التجربة الأولى للحركة قبل 25 سنة، حيث كان بعض الوزراء في تلك الحكومة يحملون لقب "وزير تصريف أعمال" ولكنهم استمروا في أعمالهم حتى نهاية حكم طالبان.
إعلان الحكومة الجديدة في كابل قوبل بردود فعل واسعة في الداخل الأفغاني، ففي حين رحبت به شخصيات وقطاعات داخل المجتمع واعتبرت ذلك خطوة إيجابية، اعتبرها البعض الآخر مخيبة للآمال.
وأعلنت "الجمعية الإسلامية" و"حزب الوحدة الإسلامي" الشيعي ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات السياسية والاجتماعية، رفضهم للحكومة المعلنة واعتبرتها مخيبة لآمال الشعب الأفغاني.
واتهموا حركة طالبان باحتكار السلطة في أبناء عرق واحد (البشتون) ومنطقة واحدة (قندهار الكبرى)، حيث ناشد زعيم "حزب الوحدة الشيعي" عبد الكريم خليلي المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بالحكومة.
وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب الروسي، إيغور سوبوتين، خلال مقال نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" في 23 أغسطس/آب 2021: إن طهران أصدرت أوامر إلى أتباعها في أفغانستان بعدم استفزاز طالبان.
وأضاف الكاتب أن "السلطات الإيرانية أصدرت أوامر للجماعات الشيعية التابعة لها بعدم التدخل في الوضع في أفغانستان".
ووفقا لها، فإن طهران تخشى من أن تنفذ حركة طالبان عمليات تطهير في المناطق التي يعيش فيها الشيعة الأفغان بكثافة في حالة التدخل غير المناسب من القوى الخارجية.
وفي الصدد، قال خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف، للصحيفة الروسية: إن طالبان ستمتنع في الوقت الحالي عن أي عمليات ضد الشيعة.
وقد جرى التوصل إلى حلول وسط بين الحركة وكثير من الهزارة، ما يشير إلى أن الشيعة الأفغان يجب أن يحصلوا على مواقع داخل نظام "الإمارة الإسلامية"، أي ضمن سلطة طالبان.
إضافة إلى ذلك، ذكر سيمونوف بأن بعض تشكيلات الهزارة شاركت في الأعمال القتالية إلى جانب طالبان.
وقال: "لذلك، ففي هذا السياق، لا محل للحديث عن صراعات محتملة بين الحركة والشيعة، فطالبان تنتهج سياسة متوازنة وبراغماتية تجاههم".
وتابع: "يمكن القول: إن لدى طالبان نهجها الخاص تجاه الجماعات المذهبية الأخرى، سواء الشيعة أم السلفيين".
وأشار سيمونوف إلى "تعهد طالبان باحترام مبدأ عدم التدخل في المناطق التي تعيش فيها الأغلبية السلفية، لكنها توعدت بأنها ستحظر بشدة الدعوات السلفية والأنشطة العامة من أجل الحفاظ على وحدة أفغانستان".
وتابع: "من الممكن أن يطبق مثل هذا النهج على الشيعة: لن تتدخل طالبان في شؤون الشيعة في تلك المناطق التي يعيشون فيها بكثافة، لكنها لن تسمح بأنشطتهم التبشيرية. وفي الواقع، هذا يكفي إيران".
وكانت الحركة تعهدت عقب سيطرتها على كابول في 15 أغسطس/ آب، تبني نمط حكم أكثر "شمولا" مما كان عليه في فترة حكمها الأولى بين عامي 1996-2001.
لكنها مع ذلك أعلنت بوضوح أنها ستقضي على أي تمرد، حيث أطلق عناصر طالبان النار في الهواء لتفريق مئات الأشخاص الذين نظموا عدة مسيرات في كابول، في وقت قضت فيه على تمرد أحمد مسعود في ولاية بنجشير وبسطت سيطرتها كامل أفغانستان.
المصادر
- إيران تحذّر طالبان بعد إعلان الأخيرة عن حكومتها
- أفغانستان: طالبان تكشف أبرز الأسماء في حكومتها وزعيمها يشدد على التمسك "بالشريعة"
- لتصريف الأعمال أم دائمة.. كيف يمكن توصيف حكومة طالبان الجديدة؟
- المتحدث باسم طالبان يجيب حول توطين الهزارة في غرب العراق
- طهران تنوي مساعدة الشيعة في أفغانستان
- إيران تطرق باب الطائفية "سرًا" في أفغانستان