ليس من أجل الاقتصاد فقط.. لماذا يهتم أردوغان ببناء جسور تعاون مع إثيوبيا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ضيفا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة أنقرة، 18 أغسطس/ آب 2021، في زيارة تؤكد حرصها على إقامة علاقات راسخة مع أديس أبابا؛ انطلاقا إلى عمق القارة السمراء. 

عام 1998، شهد بداية الانفتاح التركي نحو إفريقيا، إذ تبنت أنقرة خلال عهد حزب "الوطن الأم" سياسة الانفتاح على القارة، دعم هذه السياسة بشكل أعمق وصول حزب "العدالة والتنمية" للحكم عام 2002.

الحزب الحاكم في تركيا دشن سلسلة إجراءات لوضع تركيا قدمها في إفريقيا، إذ إنه بعد 3 سنوات فقط وخلال 2005، أطلق "العدالة والتنمية" ما أسماه "خطة إفريقيا"، للحضور في القارة بالعديد من المجالات.

رافق ذلك التوجه قبول تركيا كعضو مراقب بـ"الاتحاد الإفريقي"، ثم كانت الانطلاقة القوية عام 2008 مع تدشين القمة الأولى للتعاون "الإفريقي-التركي" بإسطنبول.

عبر تلك القمة أعلن الاتحاد الإفريقي تركيا حليفا إستراتيجيا، وهو ما تلاه اهتمام مكثف من أنقرة بالقارة على كافة الأصعدة الدبلوماسية.

ومنذ عام 2009، جرى افتتاح 27 سفارة من إجمالي 44 ممثلية لأنقرة في الدول الإفريقية.

لإثيوبيا في كل ذلك وضعية خاصة، إذ لم تكن العلاقات بين أديس أبابا وأنقرة مستجدة.

بل تعود إلى حقب زمنية بعيدة، خاصة وأن البلدين يحتفلان خلال العام 2021، بالذكرى السنوية 125 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما.

تلك العلاقات تعود إلى زمن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وإمبراطور الحبشة منليك الثاني.

وهو ما أشار إليه أردوغان في مؤتمره الصحفي مع آبي أحمد، في إشارة لتطوير العلاقات والتعاون المستقبلي، انطلاقا من التاريخ القديم. 

زيارة آبي أحمد 

في 18 أغسطس/ آب 2021، استقبل أردوغان، آبي أحمد، عبر مراسم رسمية بالمجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة، وذلك إثر دعوة سابقة من الرئيس التركي، لرئيس الوزراء الإثيوبي. 

في المؤتمر الصحفي، أعلن أردوغان: "أن بلاده تولي أهمية بالغة لسلام واستقرار ووحدة إثيوبيا التي تتمتع بموقع إستراتيجي هام".  

وقال: "أعطينا اليوم زخما جديدا للعلاقات مع إثيوبيا التي تطورت على أساس الصداقة والتضامن".

ولفت إلى أن "اللقاءات تناولت خطوات لازمة للوصول إلى مليار دولار في حجم التجارة بين البلدين"، كاشفا أن "قيمة الاستثمارات التركية في إثيوبيا بلغت 2.5 مليار دولار".

وبحسب دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، التي نشرت أبعاد نقاشات زيارة آبي أحمد، أكدت أن إثيوبيا هي الدولة الأكثر استضافة للاستثمارات التركية في منطقتها.

وذكرت أن الشركات التركية تساهم في الاقتصاد الإثيوبي في العديد من القطاعات بدءا من البنية التحتية، وحتى النقل، والمنسوجات والملابس، والأثاث. 

كما أوردت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أن شركات بلادها توفر فرص عمل لنحو 10 آلاف إثيوبي، وأن أنقرة تشجعها على زيادة الاستثمارات.

من جانبه، قال آبي أحمد: إن "تركيا دولة تتمتع بنفوذ عالمي، ولها دور في هيكلة العلاقات الدولية".

وشدد على أن "العلاقات بين البلدين تقوم على أسس متينة من الاحترام والثقة المتبادلين، فضلا عن التعاون للتطوير والتنمية المشتركة". 

وأشاد بالعمل الذي تقوم به الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" في أديس أبابا، لافتا إلى أن أول مكتب افتتح لها في إفريقيا كان بالعاصمة الإثيوبية.

آبي أحمد أضاف: "تركيا تتمتع بنفوذ عالمي، ولها دور في هيكلة العلاقات الدولية بسبب موقعها الإستراتيجي، ولكونها جسرا يربط بين آسيا وأوروبا".

ولفت إلى أن "تركيا تعد نموذجا للتنمية الوطنية، وبنت اقتصادا قويا وديناميكيا لخدمة مصالح شعبها".

رئيس الوزراء الإثيوبي اختتم حديثه بالمؤتمر الصحفي مع الرئيس التركي قائلا: "تركيا تنمو باستمرار في كل مجال وفق رؤية الرئيس أردوغان".

نتائج الزيارة 

أردوغان أعلن 14 يوليو/ تموز 2021، أمام البرلمان التركي، أن بلاده ستتعقب تنظيم "غولن" حتى آخر عنصر منتسب إليه، وهو ما ينطبق على ما كشفه أردوغان، بمؤتمره مع آبي أحمد.

إذ قال الرئيس التركي: إن "جميع المدارس التابعة لحركة (فتح الله غولن) في إثيوبيا جرى تسليمها إلى وقف المعارف التركي". 

في عام 2016، أنشأت تركيا مؤسسة "وقف المعارف"، لتتولى إدارة المدارس في الخارج والتي كانت مرتبطة بمنظمة "غولن".

بإحكام السيطرة على مدارس حركة "غولن" في إثيوبيا، تكون الدولة التركية تمكنت من تجفف رافد من أهم روافد الحركة في إفريقيا.

ومن أبرز نتائج الزيارة أيضا، نجاح الحكومتين في توقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون في مجالات المياه، والتعاون المالي العسكري.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وقع مع نظيره الإثيوبي كينا ياديتا، مذكرتي تفاهم للتعاون المالي العسكري، وتنفيذ المساعدات النقدية بين حكومتي البلدين.

كما جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال المياه، بين نائبة وزير الزراعة والغابات التركي عائشة إيشيك جيجي، والسفير رضوان حسين نائب وزير الخارجية الإثيوبي. 

الاتفاقيات الأخيرة تعزز من قوة العلاقات بين البلدين، خاصة وأن لأنقرة استثمارات كبيرة في أديس أبابا.

وفقا لهيئة الاستثمار الإثيوبية، في 16 فبراير/ شباط 2021، تعد تركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا، برأس مال استثماري يبلغ 2.5 مليار دولار. 

أهمية إثيوبيا

تتمثل أهمية أديس أبابا لأنقرة، كونها من أهم الدول الواقعة في شرق القارة، وتتحكم جغرافيا في منطقة إستراتيجية مهمة.

بالإضافة إلى أن إثيوبيا تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، ومن أكثر الدول كثافة سكانية، (100 مليون) نسمة.

كذلك تعد واحدة من أسرع الاقتصادات نموا فى إفريقيا، إذ سجلت نموا بنسبة 8.5 بالمئة في 2017، بحسب صندوق النقد الدولي، ومن هنا تعتبر تركيا وإثيوبيا شريكين اقتصاديين رئيسين.

في 20 فبراير/ شباط 2018، نظم "الاتحاد المركزي لمصدري الأناضول"، التركي بالتعاون مع الغرفة التجارية الإثيوبية، فعاليات "منتدى الأعمال التركي الإثيوبي".

المنتدى مثل حدثا مفصليا في العلاقات الاستثمارية بين البلدين، وفيه أعلن الأمين العام للاتحاد أوزكان أيدين، عن فتح آفاق فرص للتعاون التركي الإثيوبي، خصوصا بمجالات التصنيع الزراعي. 

وذكر أن 10 من أكبر الشركات التركية المصنعة للآلات الزراعية تقدم أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا التركية من الآلات الزراعية لإثيوبيا. 

كما أكد نائب رئيس الغرفة التجارية الإثيوبية، وابي منغيستو، خلال المنتدى أن "الشركات التركية تلعب دورا حيويا في دعم نمو الاقتصاد الإثيوبي".

وأشار إلى أن عدد الشركات التركية العاملة في إثيوبيا بلغ 187 شركة، منها 100 تنشط في مجال التصنيع، فيما تعمل شركات تركية أخرى في البناء والعقارات. 

كما تحدث عن استيراد بلاده المنتجات المعدنية، والآلات، والأجهزة الكهربائية، وقطع الغيار وغيرها من تركيا، فيما تصدر إليها الخضراوات والسمسم والبذور الزيتية والمنتجات الحيوانية والجلود والمنتجات الجلدية والمنسوجات.

دبلوماسية نافذة

في 23 فبراير/ شباط 2021، نشر المركز البحثي المختص بالشؤون الإفريقية "فاروس للدراسات والاستشارات الإستراتيجية"، ورقة بحثية عن أبعاد العلاقات التركية الإثيوبية، وتطوراتها الأخيرة. 

وذكر أن أردوغان، حرص على تطوير علاقته بأديس أبابا تحديدا منذ 2015، عندما زار إثيوبيا والتقى رئيس الوزراء مريام ديسالين، وجرى التوقيع على اتفاقيات تعاون عديدة، ورفع حجم التجارة البينية إلى 500 مليون دولار.

حينها طلب الرئيس التركي، وقف التعاون بين الحكومة الإثيوبية، وكيان جماعة "فتح الله غولن" الموازي، والمناهض لأنقرة، وهو ما تحقق لاحقا بتسليم مدارس الحركة إلى الدولة التركية. 

وأورد المركز أن التقارب الإثيوبي التركي، يدخل في إطار تعزيز نفوذ أنقرة في منطقة القرن الإفريقي.

وهو ما فعلته تركيا أيضا مع الصومال عبر إقامة قاعدة عسكرية لها هناك، مع الدعم المتواصل للحكومة هناك، وهو السيناريو المتكرر مع حكومة آبي أحمد. 

مركز "فاروس" لفت كذلك إلى أن أحد الأهداف الأساسية من التعاون هو الترويج للسلاح التركي المتطور، خاصة الطائرات المسيرة، التي حسمت بها أنقرة العديد من المعارك.

تلك المسيرات، أنقذت بها تركيا حليفتها أذربيجان في صراع إقليم "كاراباخ" أمام أرمينيا التي هزمت بفضل الدرونز التركية.

لذلك تأمل الحكومة الإثيوبية في الاستعانة بالسلاح التركي في الصراع الدائر ضد قومية "تيغراي". 

في 19 فبراير/ شباط 2021، دون الكاتب السوداني عبد الجليل سليمان، مقالة لصحيفة "كيوبوست" عن الدبلوماسية التركية نحو إثيوبيا.

وقال: إن "تركيا أصبحت لاعبا مهما وكبيرا في التفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة القرن الإفريقي". 

وأضاف: "ربما هذا ما دفع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، للاتصال بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، لإطلاعه على مسار العملية العسكرية في إقليم تيغراي".

الكاتب السوداني أكد أن "الفضل في تطوير تلك العلاقات يعود إلى حكومة حزب العدالة والتنمية التركية، التي استطاعت استمالة وكسب تعاطف المسلمين الإثيوبيين الذين يشكلون أكثر من 50 بالمئة من مجمل سكان إثيوبيا".

وأشار لدور أنقرة في "ترميم وصيانة الآثار العثمانية الإسلامية التاريخية، مثل مبنى القنصلية العثمانية في أديس أبابا، والمباني التاريخية بمدينة (هرر) شرقي إثيوبيا، وقرية (نداش) ومسجد (النجاشي) بإقليم تيغراي شمال البلاد".

وشدد سليمان على أن "إستراتيجية تركيا تتمثل في اتخاذ مناطق نفوذها القديم كمدخل للانتشار في إفريقيا، وعلى رأسها العلاقات مع إثيوبيا".