اعتراف خطير.. لماذا أقرّ روحاني بسرقة إسرائيل لأرشيف إيران النووي؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع نهاية ولايته في الثاني من أغسطس/ آب 2021، أقر الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني خلال خطابه الأخير، بسرقة إسرائيل أرشيف إيران النووي، الذي يحتوي آلاف الوثائق السرية، بعد نحو 3 سنوات من إنكار الأمر.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قد أعلن في 30 أبريل/ نيسان 2018 لأول مرة عن سرقة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) نحو 55 ألف وثيقة وعشرات الأقراص المدمجة تتعلق بأرشيف إيران النووي، وذلك إثر عملية اقتحام ناجحة لمخبأ سري ضواحي طهران.

إقرار صريح

رئيس إيران السابق أعلن لأول مرة حقيقة ما اعتبرته بلاده في وقت سابق "ادعاءات إسرائيلية" كاذبة"، مؤكدا أن "الإسرائيليين سحبوا الأسرار من البلاد وأعطوها لـ (الرئيس الأميركي آنذاك دونالد) ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي لاحقا"، حسبما نقلت وكالة "فارس" الإيرانية في الثاني من أغسطس/آب 2021.

تصريحات روحاني تأتي بشكل مغاير تماما عما عبرت عنه إيران سابقا من العملية الإسرائيلية، والتي وصفها المفاوض النووي الإيراني عباس عراقجي عام 2018 بـ"المسرحية الصبيانية للغاية والسخيفة"، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

على الصعيد ذاته، كان محمد مراندي، أحد مفاوضي إيران في الاتفاق النووي لعام 2015، قد أكد في تصريحات له أن الوثائق التي نشرتها إسرائيل هي "أدلة ملفقة"، بحسب الصحيفة الأميركية.

ونفى كذلك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ما وصفها بـ "الاتهامات الكاذبة" التي ساقها نتنياهو ضد طهران، بقوله: إنها تمتلك برنامجا نوويا عسكريا سريا.

وقال ظريف في تغريدة على "تويتر": إنه "ليس من باب الصدفة أن الاتهامات الكاذبة (...) تأتي قبيل 12 مايو/ أيار 2018" في إشارة إلى المهلة التي حددها ترامب لإعلان موقفه من الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

من جانبه، قال المتحدث باسم  إيران في منظمة الأمم المتحدة علي رضا ميريوسفي، في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز": إن "المزاعم الإسرائيلية حول سرقة كمية كبيرة من الوثائق السرية للبرنامج النووي الإيراني من طهران، لا معنى لها وتثير السخرية".

وأضاف ميريوسفي أن "الادعاء بأن إيران قد تركت مثل هذه المعلومات الحساسة في مستودع مهجور في أطراف العاصمة طهران لا معنى له، بصورة مثيرة للسخرية (…) يبدو أنهم يسعون لفبركة مزاعم عجيبة وغريبة كي يقتنع المتلقي الغربي".

لكن إقرار روحاني سبق أن ألمح له محسن رضائي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال تصريحات صحفية لموقع "جماران" الإيراني في 15 أبريل/نيسان 2021 إلى توجه بلاده نحو الاعتراف بسرقة أسرارها النووية.

وقال رضائي: "أصيب البلد بتلوث أمني واسع، في أقل من عام وقعت ثلاثة أحداث أمنية، انفجاران في نطنز، واغتيال عالمنا النووي (محسن زاده)، نفذوا مهماتهم بنجاح ولاذوا بالفرار، وقبل ذلك سرقوا مجموعة من وثائقنا النووية السرية، وفي وقت سابق، جاءت طائرات مسيرة مثيرة للشك ونفذت بعض الأعمال".

ودعا رضائي في وقتها الحكومة المقبلة إلى "تنظيف أمني في المؤسسات الحكومية".

وقال: "يجب كل 10 سنوات (و/أو) 20 سنة تنظيف أمن النظام بأكمله، وخاصة الوزارات والأماكن الحساسة، تجب معالجة هذه النماذج التي تثير الشكوك، وتطهير عناصرها المندسة".

ويرى مراقبون أن الوثائق السرية المتعلقة بالنووي الإيراني، والتي حصلت عليها إسرائيل، كانت سببا في تمكن الأخيرة من توجيه ضربات قاسية للمنشآت النووية الإيرانية، ولا سيما منشأة نطنز في يوليو/ تموز 2020.

هدف الاعتراف

وتعليقا على ما أقر به روحاني، قال أستاذ العلوم السياسية المصري إسماعيل صبري مقلد خلال تصريحات صحفية في الثاني من أغسطس/ آب 2021: إنه "أخيرا وهو يودع منصبه، جاء الرئيس الإيراني المنتهية ولايته ليعترف بأن إسرائيل تمكنت من سرقة الملف النووي الإيراني بكل ما حواه هذا الملف من وثائق وأسرار وتهريبه خارج إيران".

ورأى مقلد أنه "اعتراف بالغ الخطورة والدلالة من قبل من كان رئيسا لجمهورية إيران، هذا الاختراق الإسرائيلي الذي لا يكاد يصدق لمنشآت نووية إيرانية شديدة التحصين".

وواصل: "هذا الذي تحدث عنه الرئيس روحاني بصراحة يحسد عليها ولا أعرف دافعه الحقيقي إليه لما يؤشر به من تقصير أمني لا يغتفر".

وأضاف: "لا أدري ما إذا كنا أمام قصة من قصص الخيال العلمي، أم أن هذا هو ما حدث في الواقع فعلا في دولة لا تفوتها دبة النملة.. لكن اعتراف روحاني يؤكد أن شيئا رهيبا قد حدث بالفعل".

وأشار مقلد إلى أن "لغز اعتراف روحاني بهذا السر الأمني الخطير لحظة توديعه لمنصبه يبقى بلا تفسير مفهوم يكشف ما وراءه، وما إذا كان تقديمه لاعترافه قد جرى بمحض اختياره أم أنه كان مرغما عليه لسبب قد يكون خافيا علينا الآن".

وتابع: "فهو باعترافه المذهل يعطي الانطباع بأن ما حدث من تسريب لبرنامج نووي كامل من مواقع تخزينه إلى أجهزة مخابرات خارجية كانت في انتظاره على أحر من الجمر، كان تأكيدا لحقيقة أنه في مواجهة أسطورة مخابراتية إسرائيلية بطلها الموساد، وكان هناك تخاذل وتقصير أمني إيراني يستحيل نفيه أو التنصل من المسئولية عنه".

وفسر مقلد اعتراف روحاني بأنه "أراد من خلاله أن يعلق الاتهام بالتقصير في رقبة الحرس الثوري ليكسر به شوكته كأحد أكثر أجنحة النظام الحاكم في إيران تشددا وعنفا وتطرفا.. وليثبت أن المسؤولية عما حدث لا يمكن أن تكون من نصيب المعتدلين وحدهم".

وأردف: "إذا كان هناك من حساب عن هذا التقصير فإنه يجب أن يطال المتشددين قبل المعتدلين لأن حماية المنشآت النووية هو في صميم دورهم وواجباتهم".

 وهذا يدل على أن هناك صراعا يجري داخل النظام الإيراني الحاكم في الخفاء بين المعتدلين والمتشددين ربما بصورة أعنف وأخطر مما قد نتصوره وهذا هو أحد علاماته ومظاهره، وفق قوله.

قصة الاختراق

وفي 11 يونيو/ حزيران 2021 كشف رئيس جهاز الموساد السابق، يوسي كوهين، عن تفاصيل الحصول على الأرشيف النووي الإيراني من قلب العاصمة، طهران، وذلك خلال حوار مطول مع "القناة العبرية الـ12"، هو الأول بعد تركه منصبه.

وقال كوهين: إن سرقة الأرشيف النووي الإيراني جرى في 31 من يناير/ كانون الثاني 2018، عبر عملية سرية.

وشارك في العملية الإسرائيلية السرية حوالي 20 عميلا، لا يمكن تأكيد أن كلهم إسرائيليون، وبأن الأرشيف وصل إلى تل أبيب رقميا، فور اقتحام مبنى الأرشيف في طهران، حتى قبل مغادرة العملاء لمقر العملية، في إيران نفسها، بحسب ما قال.

وأكد يوسي كوهين أن عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني جرى التخطيط لها قبل عامين من هذا التاريخ، حينما جرى إخبار الموساد بأن هذا الأرشيف موجود في مجمع أو مقر ما في ضواحي طهران، وبأن عملاء الموساد بنوا مقرا كاملا في دولة ما ـ دون ذكرها ـ للمحاكاة والتدريب على كيفية اقتحام هذا المبنى، قبل القيام بالعملية نفسها.

وأضاف: "فهمنا أنهم يخزنون أسرارهم النووية، الأشياء التي لم نكن نعرفها، في هذا المكان، فقررت أننا يجب أن نرى ما يخططه لنا الإيرانيون، وأخبرت رجالي أن عليهم الاستعداد لإحضار هذه الوثائق إلى تل أبيب"، لأنها قد تكشف "الصورة الكبرى" للبرنامج الإيراني.

وأشار كوهين إلى أنهم عرفوا أن لديهم 7 ساعات كحد أقصى داخل الموقع، و"بعد ذلك، ستصل الشاحنات والحراس والعمال"، وعندئذ "لا يمكنك القفز من فوق الأسوار أو الاندفاع من خلال الجدران".

وعطل الفريق أجراس الإنذار وأزال أبواب المستودع، وفتح 32 خزنة تحتوي على الوثائق. ولم يستغرق فتح خزائن كهذه "أكثر من دقائق لكل خزنة"، بحسب وصف رئيس الموساد السابق.

وأضاف: "عندما جرى فحص صور الوثائق الفارسية والمواد الأخرى الموجودة في الخزائن في مركز القيادة بتل أبيب في نفس الوقت، أدركنا أن ما كنا نريده صار تحت أيدينا، وأننا أمام برنامج إيران النووي العسكري، انتابتنا جميعا حالة من الإثارة لا يمكن وصفها".

وكان لدى الموساد العديد من "الشاحنات التمويهية" التي كانت تتحرك في جميع أنحاء طهران "لصرف الإيرانيين عن الشاحنة الوحيدة" وتحمل "50 ألف وثيقة، و163 أسطوانة" إلى خارج إيران "عن طريق البر"، بحسب كوهين.

وخلال مراسيم مغادرة يوسي كوهين منصب رئيس الموساد في يونيو/ حزيران 2021، وصف نتنياهو عملية التسلل إلى الأرشيف النووي الإيراني وتهريب الملفات إلى إسرائيل بأنها "من أعظم إنجازات الموساد على مدى تاريخه".

كشف الأسرار

وفي 30 أبريل/ نيسان 2018، كشف نتنياهو أمام وسائل الإعلام "ملفات سرية نووية" تثبت أن إيران كانت تسعى سرا لإنتاج أسلحة نووية، على حد زعمه.

واستعرض نتنياهو، من مقر وزارة الجيش في تل أبيب، ما قال: إنها "نسخ طبق الأصل" من "50 ألف وثيقة، و163 قرصا مدمجا" حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية من مخزن سري في طهران، في "عملية ناجحة بشكل مذهل".

وقال نتنياهو: إن قادة طهران "نفوا مرارا السعي لامتلاك أسلحة نووية. والليلة أنا هنا لأقول لكم شيئا واحدا: إيران تكذب".

ولفت إلى أن "آلاف الصفحات من المواد التي حصلت عليها إسرائيل توضح أن إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية".

ومن بين أهم الأسرار التي كشفها نتنياهو مشروع  "آماد" الذي بدأ في أوائل التسعينيات من القرن الماضي ووضع إيران على طريق "تصميم وإنتاج واختبار خمسة رؤوس حربية".

ودمج "آماد" كافة أنشطة إيران النووية العسكرية السابقة. ويعتقد أن طهران قد قررت أنه من الضروري الحصول على أسلحة نووية بعد أن رأت كيف نجحت القوات الأميركية بإخراج العراق برئاسة صدام حسين من الكويت بكل سهولة عام 1991.

ولفت نتنياهو إلى أن "آماد" يشمل 5 عناصر رئيسة هي "تصميم الأسلحة النووية، تطوير النوى النووية، بناء أنظمة الانفجار النووي، إعداد التجارب النووية، ودمج الرؤوس النووية بالصواريخ".

وأوضح أن إيران أغلقت مشروع "آماد" في عام 2003 وسط ضغوط دولية، وذلك دون أن "تتخلى عن طموحاتها النووية"، إذ أقدمت على تقسيم برنامجها النووي إلى مسارات سرية وعلنية لتجنب التدقيق والرقابة.

ولفت نتنياهو إلى أن جزءا من الخطة كان تأسيس منظمات جديدة لاستكمال الجهود التي بدأها مشروع "آماد" بطريقة سرية، أبرزها "منظمة الابتكار والبحث الدفاعي"، التي كان يقودها العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، حتى اغتياله بطهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وقال: إن المشروع يهدف لإنتاج خمس رؤوس نووية، تبلغ قوة كل منها 10 كيلوطن من مادة ثالث نترات التولوين (تي إن تي) شديدة الانفجار.

وتابع أن فخري زاده كان في السابق هو مدير مشروع "آماد"، مؤكدا أن "إيران خططت على أعلى المستويات لمواصلة العمل المتعلق بالأسلحة النووية تحت مظاهر مختلفة واستخدام نفس الأفراد".