"أداة أبوظبي في اليمن".. لهذا استقبلت روسيا طارق صالح رغم معرفتها بحقيقته

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ إعلانه تأسيس كيان سياسي قبل 3 أشهر، كثف طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، جهوده في سبيل الحصول على الاعتراف بما أسماه "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي" المدعوم إماراتيا.

وفي آخر تطورات هذه التحركات، قام صالح في 12 يونيو/حزيران 2012 بزيارة إلى موسكو استغرقت عدة أيام، التقى فيها عددا من المسؤولين الروس، بينهم نائب وزير الخارجية، سيرغي فيرشينين.

وخلال اللقاء، قدم صالح نفسه كقائد لما يسمى "المقاومة الوطنية"، ورئيس لـ"المكتب السياسي"، وهو تشكيل عسكري وسياسي يتلقى دعمه الكامل من أبوظبي ويعمل خارج تشكيلة وزارة الدفاع اليمنية المعترف بها دوليا، كما قدم نفسه "المواجه الوطني" لجماعة الحوثي المتمردة، مع أنه يعمل خارج مظلة الشرعية.

مقاول محلي

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن صالح، قوله في 14 يونيو/حزيران 2021 إن "الغرض من الزيارة هو دعوة روسيا للإسهام بإيجاد حل سياسي لليمن، خصوصا أن موسكو لها علاقة مع كل الأطراف، إيران والسعودية والحكومة الشرعية".

وأضاف أن "روسيا دولة محورية وعضو دائم في مجلس الأمن، ولها نفوذها سواء في اليمن أو المنطقة، وأيضا لها تواصل قوي مع الأحزاب اليمنية نفسها، وتستطيع التأثير في هذا الملف بما يحقق الأمن والاستقرار في البلاد".

غير أن غرض الزيارة الرئيس، بحسب متابعين، كان هو الحصول على اعتراف ضمني بـ"المكتب السياسي" المعلن في 16 مارس/آذار 2021، كـ"ممثل للشرعية".

كما أن حديث صالح مع "سبوتينك" أكد أنه "يقوم بجولة علاقات عامة للحصول على الاعتراف به كفصيل سياسي مؤيد للشرعية وكطرف فاعل".

وقال: "قمنا  بتقديم تعريف عن المقاومة الوطنية والمكتب السياسي للمقاومة، وما هي رؤيتنا للحل السياسي في اليمن، والتنسيق مع الأصدقاء الروس لما لهم من دور محوري في منطقة الشرق الأوسط من أجل الدفع بعملية السلام إلى الأمام".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: "زيارة صالح إلى موسكو جزء من حملة علاقات عامة تقوم بترتيبها الإمارات لأدواتها في اليمن، وضمنهم المجلس الانتقالي وقوات صالح المتمركزة بمدينة المخا التي أنشأت لها أبو ظبي مكتبا سياسيا، في محاولة لاستباق أي تحرك يقوم الاعتماد على الدور الوطني للمقاومة".

وأضاف التميمي: "تستغل أبو ظبي علاقاتها مع موسكو لترتيب زيارة علاقات عامة من هذا النوع، لكي تعطي انطباعا بأن التشكيل السياسي الذي أعلن عنه في المخا أصبح جاهزا للتصرف كطرف سياسي مؤثر وصاحب حصة في التسوية المقبلة".

وبشأن حديث البعض عن طبيعة العرض الذي سيقدمه صالح لروسيا من خلال تسويقه فكرة أنه المسيطر على مضيق باب المندب، قال التميمي: "روسيا تدرك أن صالح مجرد أداة ومقاول محلي، وليس بيده شيء، وترتيبات من هذا القبيل تتم في الأغلب مع أبوظبي وليس المقاولين المحليين، ولا صحة لفكرة العروض التي سيقدمها صالح لموسكو".

أهداف ثانوية

الترويج للمجلس السياسي ليس الهدف الوحيد لصالح، فقد كان له أهداف ثانوية، بينها السعي لرفع العقوبات الدولية عن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ونجله أحمد علي المقيم في الإمارات منذ عدة سنوات.

وبصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، فقد سعى صالح للحصول على مساعدة روسيا لرفع العقوبات والاستفادة من الأرصدة المالية للرئيس الراحل (تقدر بـ60 مليار دولار) التي تم الحجز عليها من قبل مجلس الأمن.

وأقر  صالح في لقائه مع "سبوتنيك" بذلك قائلا: "ناقشنا هذا الموضوع (العقوبات) باستفاضة، وهم على قناعة بأنها ليست مبررة سواء في السابق أو في الوقت الحالي، ووعدونا أنهم سينظرون بجديه إلى هذا الأمر".

وفي أبريل/نيسان 2015، صدر قرار عقوبات مجلس الأمن ضد كل من الرئيس السابق صالح وقائد الحرس الجمهوري أحمد علي، بموجب الفقرتين 11 و15 من القرار رقم 2140 لعام 2014، والفقرة 14 من القرار رقم 2216 لعام 2015، وقضى بإدراجهما في قائمة العقوبات بسبب "تقويضهما للسلام والأمن والاستقرار في اليمن".

ومدد مجلس الأمن في فبراير/شباط 2021 العقوبات على الرجلين حتى مارس/آذار 2022، وهو الأمر الذي أزعج طارق صالح وشبكة المصالح الموالية له.

علاوة على ذلك، فقد سعى صالح في زيارته لموسكو إلى "غسيل جرائم الإمارات والتغطية على انتهاك السيادة اليمنية التي مارستها في جزيرة ميون بقلب مضيق باب المندب".

في حين كشفت صحيفة "أسوشيتد برس" الأميركية في 25 مايو/أيار 2021 أن "الإمارات تبني قاعدة عسكرية لها في جزيرة ميون"، فيما حاول صالح أن يضلل ويرفع هذه التهمة مصرحا بأن الوجود العسكري في الجزيرة "محدود، وتابع للتحالف العربي، السعودي بالذات".

وأفاد صالح بأن "المدرج الذي تم إنشاؤه في الجزيرة هو للإسناد اللوجستي، وأن قوات يمنية تتمركز في الجزيرة بقيادة اللواء خالد القملي".

موطئ قدم

وفي 25 مارس/آذار 2021، أعلن صالح تأسيس مجلس سياسي تابع للتشكيلات المسلحة التي يقودها في الساحل الغربي، ضمن ما يسمى القوات المشتركة (قوات حرس الجمهورية، العمالقة، المقاومة التهامية) وهي قوات قوامها يتجاوز 50 ألف شخص أسستها الإمارات وتتلقى دعما مباشرا منها.

وفي بيان الإعلان عن المجلس، قال صالح: "إشهار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ضرورة ملحة تواكب تطورات المشهد اليمني، وتفرضها المرحلة لخدمة معركة الشعب المصيرية، وتشكل امتدادا أصيلا لتضحيات الزعيم الخالد الشهيد علي عبد الله صالح".

ويرغب صالح من خلال هذا المجلس، وفق مراقبين، أن يلعب دورا داخل الحكومة الشرعية شبيها بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، خصوصا مع تزايد المؤشرات على إمكانية عقد جولة جديدة من مشاورات التسوية النهائية برعاية الأمم المتحدة، يسعى ليكون طرفا فيها.

وقد شكل نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا من خلال تمثيله بنصف الحقائب الوزارية في اتفاقية الرياض عام 2019، حافزا لطارق لتأسيس مجلس مشابه والحصول على حصة من التمثيل السياسي تمكنه من فرض إملاءات خاصة.

وفي حال تمكنت قوات صالح من فرض نفسها كسلطة أمر واقع في الساحل الغربي، فإنها ستسعى للحصول على تمثيل سياسي معترف به من قبل الحكومة الشرعية.

الجدير بالذكر أن تجربة مشابهة قام بها المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، من خلال زيارة رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي إلى روسيا في 31 يناير/كانون الثاني 2021، بغية الحصول على اعتراف معين كممثلين رسميين للجنوب، وهي الخطى التي يتبعها صالح، ما يشير إلى أن أبوظبي هي المهندس الرئيس لهذه التحركات. 

وأمام هذه المعطيات، فإن هذا الإجراء، وفق متابعين، يشير إلى "العبث الذي تمارسه الإمارات في المشهد اليمني، من خلال تأسيسيها مجموعات مسلحة متمردة خارجة عن نطاق وزارة الدفاع الشرعية وموازية للقوات الحكومية، ثم الدفع بها وشرعنتها لاحقا، لتكون معبرة عن طموحات الإمارات لا تطلعات اليمنيين".