عقوبات غامضة ضد مسؤولين مجهولين.. ماذا وراء قرار فرنسا بشأن لبنان؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة لوفيغارو الفرنسية الضوء على إعلان باريس قيودا لدخول أراضيها في وجه بعض القادة اللبنانيين، وسط استمرار الأزمة السياسية في بيروت.

وفي 29 أبريل/نيسان، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، إن باريس بدأت اتخاذ إجراءات تقيد دخول أشخاص يعرقلون العملية السياسية في لبنان إلى الأراضي الفرنسية. 

وأضاف في بيان، أن فرنسا تتخذ إجراءات مماثلة بحق المتورطين في الفساد في بيروت، مشددا على أن "التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في لبنان، يعود لعدم قدرة القادة السياسيين على تشكيل حكومة كفوءة قادرة على إصلاح البلاد". 

وتابع: "بدأنا في تنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد".

وهدد باتخاذ إجراءات إضافية بالتنسيق مع الشركاء الدوليين "ضد كل من يعيق الخروج من الأزمة".

لكن باريس في المقابل، تلتزم الصمت بشأن أسماء هؤلاء الأشخاص المتهمين بـ"الفساد" و"عرقلة" تشكيل الحكومة في لبنان، حسب لوفيغارو.

وأشارت الصحيفة إلى أنه "بعد ثمانية أشهر من التلويح بالتهديد، قررت فرنسا أخيرا اتخاذ إجراءات ضد القادة اللبنانيين الذين يقاومون الإصلاحات".

وسافر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرتين في أغسطس/آب 2020 إلى بيروت لإجبار المسؤولين اللبنانيين على تشكيل حكومة وتسوية وضعية بلدهم المنكوب جراء حادثة انفجار المرفأ (200 قتيل).

ولم يستبعد ماكرون وقتها معاقبة هؤلاء القادة  قبل أن يتراجع عن ذلك، وهو مافرح به زعماء الطوائف. منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من المبادرات المستمرة للرئيس الفرنسي، انغمس لبنان في أزمة اقتصادية ومالية خطيرة. 

لا تزال البلاد دون حكومة، حيث يتجادل القادة الأساسيون حول تشكيل حكومة في هذا البلد الطائفي. ولغياب بديل أفضل، قبلت باريس أخيرا تعيين سعد الحريري رئيسا للوزراء، ولكن مرة أخرى دون جدوى.

ضغط غير فعال

شددت باريس من لهجتها منذ مارس/آذار بعد انزعاجها من هذه المماطلات الكثيرة، إذ دعا جان إيف لودريان شركاءه الأوروبيين إلى استخدام "سندات الإقتراض" لإجبار زعماء الطوائف اللبنانية على الاتفاق على حكومة.  لكن حتى الآن، لم تثمر الضغوط الفرنسية داخل الاتحاد الأوروبي. 

في حين يجب التصويت على نظام عقوبات بالإجماع من قبل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، عارضته دولة واحدة على الأقل في الاجتماع الأخير، وفقا لمصدر دبلوماسي في بروكسل. 

وخوفا من أن تطول عملية تبني العقوبات - التي تستغرق وقتا طويلا من الناحية الفنية لتحديدها - قررت باريس بالتالي التصرف بمفردها. ولكن بعد هذا الإعلان الفرنسي، بقيت العديد من المناطق الرمادية.

هل سيتم الإعلان عن قائمة القادة اللبنانيين المستهدفين بهذه القيود على الوصول إلى الأراضي الفرنسية؟ 

على الأرجح لا، هكذا يقول خبير في بيروت للصحيفة الفرنسية. ويضيف: "الأمر يتعلق بالحفاظ على الغموض حتى تحمل الضغوط الممارسة نتيجة".  

ولم يرد جان إيف لودريان في مراسلة وجهت له عن نوع القيود تحديدا ولا عدد وهويات الأشخاص المعنيين.

تحتفظ باريس بمعيارين هما: الفساد وعرقلة تشكيل الحكومة. يتعلق هذان المعياران نظريا، في نظر المسؤولين الفرنسيين، بالعديد من قادة لبنان.  

لكن بما أن الفساد معيار موضوعي نسبيا، فإن تحديد من يعرقل الحكومة هو مسألة حكم سياسي. 

سيكون هناك رجل على مرمى البصر في باريس، وهو جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، أحد المسؤولين الأساسيين، بحسب باريس، عن الانسداد الحالي.  

ويضيف الخبير في بيروت، أن جبران باسيل نادرا ما يأتي إلى باريس، لذا فإن هذا النوع من العقوبات لن يجعله ينحني بالضرورة، بل على العكس من ذلك، فإنه يخاطر بتقوية عزيمته.

منطقة رمادية أخرى

وماذا عن القادة اللبنانيين الفرنسيين؟ هؤلاء الأشخاص ثنائيو الجنسية، مثل محافظ البنك المركزي رياض سلامة، تعرضوا لانتقادات شديدة بسبب "حمايتهم" للنظام، ولديهم جواز سفر فرنسي ومثله يذهبون بانتظام إلى باريس.  

يمكن للقادة اللبنانيين والفرنسيين الآخرين الذين من المحتمل أن تستهدفهم فرنسا، الإفلات من هذا التقييد على الوصول إلى باريس.

 تريد باريس، عبر أخذ زمام المبادرة، قبل ثلاثة أشهر من الذكرى الأولى لمأساة بيروت، الضغط على الطبقة السياسية اللبنانية.

وتحاول أيضا إقناع الدول الأوروبية بأنه سيكون من المناسب - لعدم إحراز تقدم سياسي في بيروت - تبني عقوبات ضد "التماسيح" التي تعترض طريق الإصلاحات التي يريدها ماكرون والعديد من اللبنانيين.

لكن في هذين الخيارين، ليس من المؤكد على الإطلاق أن النجاح سيكون، مرة أخرى، في الموعد المحدد. 

عند سؤالنا عن ذلك، أحالتنا الإليزيه إلى وزارة الخارجية التي بدورها لم تجب على أسئلتنا، تقول صحيفة لوفيغارو.

وعلى الرغم من الغضب الشعبي والضغوط الدولية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة تبدأ بتنفيذ إصلاحات مطلوبة وضرورية لفتح الباب أمام المساعدات الدولية،  فإن الخلاف المستمر على توزيع الحقائب منذ استقالة حكومة حسان دياب يعرقل تشكيلها.  

وبعد مرور ثمانية أشهر على استقالة حكومة دياب إثر الانفجار، ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي والضغوط الدولية التي تقودها فرنسا خصوصا، لا تزال الأطراف السياسية عاجزة عن الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة.

كما أدى الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي إلى انتشار الفقر والبطالة وتآكل القوة الشرائية لدى اللبنانيين.