"الكاميرا سلاح".. كيف استخدمها المصريون لفضح سوءات نظام السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"كاميرا المحمول" سلاح بسيط وسهل أصبح في متناول الجميع، ومن خلاله استطاع المصريون كشف الحقائق وفضح نظام عبد الفتاح السيسي الذي يسعى لاحتكار المعلومة والخبر، وأنفق مبالغ طائلة على آلته الإعلامية وجند أجهزته الأمنية في رسم سياسات محددة وبثها للرأي العام.

استطاعت كاميرا المحمول دك حصون السيسي وكشف الكثير من الحوادث والانتهاكات، ونشر معلومات تفصيلية ما كان لها أن تصل للمواطن البسيط، ما أقلق رأس السلطة الذي طالما ناشد المصريين ألا يسمعوا لأحد غيره.

في حادث قطار سوهاج الدموي مؤخرا ومن خلال كاميرا محمولة أطلق المجند رحيل أبوعامر كلمته "الناس بتموت"، ما حرك ملايين المصريين الذين استمعوا إلى صوته ورسالته، وعرفوا الحقيقة كاملة ومعلومات تفصيلية قبل أن تتناقلها وسائل إعلام النظام.

مأساة سوهاج 

في 26 مارس/ آذار 2021، وقعت حادثة قطار مروعة راح ضحيتها العشرات في محافظة سوهاج بمركز طهطا في صعيد مصر بعيدا عن القاهرة بنحو قرابة (500 كم)، وسرعان ما تم تداول الواقعة على نطاق واسع عندما أجرى أحد الناجين بثا حيا عبر كاميرا جواله، من داخل أحد القطارين على مواقع التواصل الاجتماعي.

كان الشاب يصرخ بشدة، والغبار يلف وجهه وشعر رأسه، قائلا وهو يبكي "الحقونا (أنقذونا) الحقونا.. الناس بتموت". بينما كانت تسمع صرخات الناجين وهم يستغيثون. 

الشاب الذي تبين لاحقا أنه مجند في الجيش اسمه "رحيل أبو عامر"  نقل عبر المقطع الصادم أصوات أشخاص عالقين بين المقاعد المحطمة يصرخون ويتألمون، ويبحثون عن أشلاء آخرين فقدوا إلى الأبد.

خلال ساعات قلائل، حقق المقطع أكثر من مليون مشاهدة قبل أن يتم حذفه لاحقا، وإثر تعرض "أبو عامر" لحملة انتقاد وتحريض، واتهامات مختلفة، وصل الأمر إلى إشاعة أخبار بالقبض عليه، ما دفعه للخروج مرة أخرى والدفاع عن نفسه ونفي تلك التهم، والتأكيد على أنه لم يقم بالبث إلا للاستغاثة.

رحيل قال في مقطع الدفاع عن نفسه "أنا أبسط مما تتخيل.. أنا لما عملت البث مكنش غرضي شهرة ولا ترند زي ما اتقال، لكن كان عشان حد يوصلنا، واستغاثة. الناس سابت الدنيا دي كلها ومسكت فيا، وإزاي بصور والناس بتموت".

مقطع رحيل المصور والحادثة المروعة أثارت سخطا عارما ضد نظام السيسي، ووزير النقل الفريق كامل الوزير، الرجل المقرب من السيسي الذي تعرض للطرد من موقع الحادث، ووصلت المطالبات إلى إقالته من منصبه.

كارثة الحسينية

شهد يوم 3 يناير/ كانون الثاني 2021، واحدة من الكوارث المتعلقة بتعامل الحكومة المصرية مع جائحة كورونا، حيث أظهر مقطع مصور وجود عدد من المرضى في غرفة العناية المركزة، في ظل حالة توتر وفزع تملأ المكان.

المشهد نقله مواطن بكاميرا جواله وهو يتنقل بين أسرة المرضى ويصرخ: "كل الناس ماتوا، كل ما هو في العناية مات"، كان المكان داخل مستشفى الحسينية الحكومية بمحافظة الشرقية.

تضمن المقطع مشهدا مأساويا لممرضة تجلس على الأرض في زاوية الغرفة، وعلامات الرعب والانهيار والعجز بادية عليها، وهي ترى المرضى يموتون تباعا، دون أن تكون قادرة على فعل شيء لهم.

الحدث أصبح أيقونة وتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع كيل اتهامات بالتقصير للنظام ولوزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، ، فيما تصدر هاشتاج "العناية المركزة" قائمة الأعلى تداولا على موقع تويتر.

الواقعة ذهب على إثرها 4 موتى من مرضى كورونا، ولولا أن المواطن أقدم على تصوير انقطاع الأكسجين، لما عرف مصيرهم، ولا انكشف حجم الإهمال وتردي الأوضاع داخل المستشفيات الحكومية. 

بعدها مباشرة وتحديدا في 10 يناير/ كانون الثاني 2021، عممت وزيرة الصحة هالة زايد قرارها الخاص بمنع التصوير داخل المستشفيات، سواء للمرضى أو الأطباء. 

وطالبت في الخطاب بتفعيل دور الأمن الإداري، للمرور على المستشفيات، والوحدات التابعة لها، بالإضافة إلى ضرورة التنبيه على شركات الأمن تنفيذ القرار.

كما شكلت تعليمات زايد عدم السماح بوجود أجهزة هاتف محمول للمرضى بأقسام العناية المركزة لأي سبب من الأسباب، في دلالة واضحة على حجم قلق وتوجس النظام من التصوير الذي يفضح تقصير وإهمال الحكومة.

20 سبتمبر 

سيظل حراك 20 سبتمبر/ أيلول 2019، علامة فارقة في علاقة الشعب بالسيسي، عندما انتفض المصريون غضبا بسبب مقاطع مصورة للمقاول والفنان محمد علي، التي كشف خلالها فسادا مستشريا داخل قطاعات الدولة تحت إدارة السيسي.

محمد علي لم يجد إلا كاميرا جواله وغرفة صغيرة بمقر إقامته في إسبانيا، ليعلن روايته ويقدم دلائل واضحة على تورط السيسي وعائلته في إهدار المال العام، وليسجل مقاطع مصورة يعري فيها فساد النخبة الحاكمة في مصر ويفضح حياة البذخ التي تعيشها عائلة السيسي وحاشيته المقربة.

كان المشهد لافتا بعودة الشعب إلى الشارع وخط الغضب ضد النظام، والتحرك في مواجهته، كما حدث تحديدا في الصعيد (جنوب) والسويس (شرق)، بالإضافة إلى الإسكندرية (شمال)، وبعض مدن الدلتا، ما أشار إلى تطور نوعي في الحراك المناهض للنظام بوصوله إلى نطاقات جغرافية أوسع.

كل ذلك لم يكن إلا نتاج كاميرا جوال محمد علي، حيث تناقلت معظم وسائل الإعلام العالمية آنذاك روايته وقدمت تحليل مضمون لحديثه، وتسببت في توترات وإزعاج مستمر للسيسي وأجهزته الأمنية والاستخباراتية.

عصر مختلف 

الباحث الإعلامي المصري عبد الرحمن الشرقاوي، قال لـ"الاستقلال": "وسائل الإعلام الرقمية أحدثت متغيرات كبرى في العالم وعلى صعيد الأحداث السياسية والاجتماعية، فكرة وجود مراسل لنقل الحدث وإظهار المعلومة تنتهي تقريبا، لصالح المواطن الصحفي، الذي يستخدم كاميرا جواله لنقل الأحداث صوتا وصورة وعلى الهواء (لايف) وفي دقائق معدودة تصل للملايين كما هي دون إخفاء أو تزييف".

وأضاف: "في مصر الآن يوجد ما لا يقل عن 50 مليون مواطن يحملون هواتف بكاميرات، على استعداد كامل لنقل الأحداث، كما حدث في واقعة قطار سوهاج وانقطاع الأكسجين في المستشفيات، وموت المرضى أمام المستشفيات، واعتداءات أمناء وضباط الشرطة على المواطنين، وكذلك التحرش والإساءات اللفظية والجسدية، بالإضافة إلى الحوادث المختلفة في شتى أنحاء الجمهورية، غالبا ما تنقل وترصد من قبل الجماهير قبل وصول وسائل الإعلام وأجهزة الدولة بالأساس".

وتابع: "الجمهور لم يصبح هو المتلقي كما جاء في أدبيات الإعلام القديمة، بل أصبح فاعلا بشكل كبير، وأحيانا هو الذي يمد وسائل الإعلام بالمعلومات، وتلك الوسائل هي التي تتفاعل معه، وهي نقلة نوعية أحدثتها السوشيال ميديا (مواقع التواصل الاجتماعي)".

وأردف: "من العجيب أن يحاول نظام السيسي منع تلك الوسائل ومعاقبة أصحابها والسعي إلى إيقاف تلك الخاصية، الأمر أشبه بتحدي الزمن نفسه، فلسنا في العصر الناصري، وحقبة الستينيات والدولة البوليسية المسؤولة عن المعلومة وسياقها، المعلومة حاليا أسرع من كل شيء وتنتقل من دولة إلى دولة في أقل من الثانية، فكيف ستمنع نشرها في محيطك الضيق".

الشرقاوي أكد أن نظام السيسي لا يريد أن يخرج من عقلية (جهاز سامسونج) وأن الضابط فقط هو المتحكم في المعلومات وهو الموجه الأول للرأي العام، الشعوب الآن أكثر دراية وفهما ومن الصعب أن تتقبل استغفالها، قد يتم إسكاتها بدافع الخوف، ولكنها ستظل متفهمة لواقعها".

واستشهد الباحث بواقعة المجند رحيل أبو عامر، قائلا: "الصعيدي (الغلبان) كيف استطاع أن ينقل حادثة للملايين في مصر وجميع أنحاء الوطن العربي والعالم، حتى أن كثيرا من المواقع العالمية ووكالات الأنباء نقلت الخبر عنه".