لمواجهة فيديوهات محمد علي.. هل يحجب السيسي مواقع التواصل؟

أمام كاميرا جواله في غرفة صغيرة بمقر إقامته في إسبانيا، جلس رجل الأعمال والفنان المصري محمد علي، مشعلاً سيجارته، ليسجل مقاطع مصورة يُعرّي فيها فساد النخبة الحاكمة في مصر ويفضح حياة البذخ التي تعيشها عائلة رئيس النظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي وحاشيته المقربة.
لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً في جانب المعارضين للسيسي، ولا أكثرهم تشاؤماً في جانب المؤيدين له، يتوقع أن يحدث كل هذا التفاعل مع فيديوهات محمد علي وبهذه السرعة الرهيبة.
بين عشية وضحاها أصبحت فيديوهات المقاول الذي عمل مع الجيش طيلة 15 عاماً حديث الساعة، وجاءت بمثابة حجر حرّك المياه الراكدة وأحدث زلزالاً في الشارع المصري ما دفع مئات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التجاوب معه وتوثيق ما ينشره من معلومات تتعلق بفساد الطبقة الحاكمة، بالصور ومقاطع الفيديو.
نظام السيسي اضطر إلى تقديم موعد مؤتمر الشباب (الذي لم ينقضِ على سابقه 45 يوماً)، ليتمكن من الرد على ما أثاره محمد علي من معلومات وحقائق، ليتحول المؤتمر وأداء "السيسي" المرتبك، إلى وقود يزيد النار اشتعالاً.
"السرايا الزرقاء"
ضمن فعاليات المؤتمر الوطنى للشباب فى نسخته الثامنة 2019، عُقدت السبت 14 سبتمبر/أيلول، 3 جلسات في مركز المنارة الدولي للمؤتمرات، بالقاهرة الجديدة، من بينها جلسة تحت عنوان: "تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع"، بمشاركة حشد من المتخصصين في مجال الإنترنت والسوشيال ميديا والأمن السيبراني.
المؤتمر بحضور السيسي ركّز على عدة محاور، أهمها: أن "حالة (التشكيك) في الإنجازات القومية بدأت منذ وقت طويل"، وأنه "أصبح لدينا ميول دائم لجلد أنفسنا"، وأكد "ألا تسمحوا لأي شخص أن (يشكك) في قواتنا المسلحة"، و"لن نتهاون مع أي متجاوز في أي من أجهزة الدولة المختلفة".
أما د. هويدا مصطفى عميد كلية إعلام القاهرة، فقالت: "83% ممن يتعاملون مع الأخبار والمعلومات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، يتعرضون لمعلومات زائفة أو مضللة، ذات قدرة انتشار سريعة على الشبكة العنكبوتية، تجعلها أسرع بنسبة 70% عن الأخبار الحقيقية، وكلها تصبُّ في جوانب سياسية واقتصادية، بشكل مستهدف يجعلها لا تقل في خطورتها عن الإرهاب".
وتحدّثت د. رغدة البهي المتخصصة في الأمن السيبراني، عن "استخدام الإرهاب للفضاء الإلكتروني، وكيف تحولت السوشيال ميديا من ساحة للتواصل إلى ساحة للأخبار، ونشاط التنظيمات الإرهابية".
واستفاض بقية المشاركين في الحديث عن "تمهيد الأرض لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة"، مستشهدين بصور لأشخاص تورطوا في عمليات إرهابية دولية تمت نسبتها إلى تنظيم الدولة، وتخلل الجلسة فيلم تسجيلي عن إدمان منصات التواصل الاجتماعي، وأضرار السوشيال ميديا.
كما شارك في الجلسة أحد أطباء الأمراض النفسية والذي حذّر من أن السوشيال تكرس للعبودية، حيث تسيطر على المستخدمين وتسلب منهم كل وقتهم، داعيًا مستخدميها إلى إعادة النظر في معدلات الوجود والمشاركة عليها، ووصل الأمر إلى حد وصف أحد المشاركين في الندوة منصات السوشيال ميديا بأنها "السرايا الزرقاء" في إشارة إلى مصحات الأمراض النفسية التي تسمى بـِ"السرايا الصفراء" في مصر.
ليختم حسن حامد، أحد المتخصصين في السوشيال ميديا، مداخلته بطمأنة الحضور بأن ما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، لا يمكن أن يتكرر، معللاً ذلك بالقول: "زمان في فترة 2011 وما قبلها، كان الشعب المصري ما يزال جديدا على السوشيال ميديا، ولم يكن يعرف الألاعيب الرهيبة التي تحدث بها الآن".
أما اليوم، حسب حامد "فأقل الناس تركيزاً يشك في أخبار السوشيال ميديا قبل أن يصدقها، وهذا جيد، وأعتقد أن أي شيء حدث أو سيحدث، فإن 2011 لن تتكرر أبداً، بسبب التغير الذي حصل في وعي الشعب، ورغم حالة الوعي الزائفة الموجودة الآن".
التحذيرات التي أطلقها المشاركون في المؤتمر بشأن مواقع التواصل، أثارت مخاوف الكثيرين بشأن مستقبل منصات السوشيال ميديا وحرية استخدامها، خاصة مع تصاعد نغمة مخاطر استخدامها في تهديد أمن واستقرار الدولة.
البعض استحضر سوابق دول عربية، تُمثل ما يسمى بـِ "محور الثورة المضادة" في المنطقة، دأبت على مدى أكثر من 8 سنوات، إلى استخدام سلاح قطع خدمات الإنترنت بكبسة زر واحدة، لأغراض سياسية، وهي: مصر وموريتانيا والسودان والجزائر وسوريا والبحرين والسعودية.

قانون السيسي
هذا القلق من حجب منصات التواصل سبقته إرهاصات أخرى تُمهّد الطريق نحو الوصول إلى هذه الخطوة، غير أن الإسراع في ترجمته إلى إجراء عملي، ربما يقضي على آخر متنفس لرجل الشارع بعدما أحكمت السلطات الحاليّة قبضتها على كل المنافذ الأخرى، في ظل تنافس حكومات "الثورة المضادة" في سنِّ القوانين القمعية واتخاذ مزيد من الإجراءات الأمنية للتضييق على نشطاء السوشيال الميديا، كتصديق السيسي في أغسطس/ آب 2018، على قانون يقضي بتشديد الرقابة على الإنترنت في البلاد.
القانون يحظر "نشر معلومات عن تحركات الجيش أو الشرطة، أو الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية، كما يكلف رؤساء المحاكم الجنائية بالبحث والتفتيش وضبط البيانات لإثبات ارتكاب جريمة تستلزم العقوبة، ويأمر مقدمي الخدمة بتسليم ما لديهم من معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرتهم أو مخزنة لديهم".
واعتبر القانون مجرد زيارة مثل هذه المواقع، ولو عن طريق الصدفة، سبباً يُوقع المستخدم تحت طائلة عقوبة تصل إلى السجن وغرامة مالية تُقدّر بـِ 300 ألف دولار، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر أثارت استياء العديد من المؤسسات المعنية بحرية التعبير التي رفضت القانون، معربة أنه يتضمن "اتهامات واسعة يمكن توجيهها لأي مستخدم للإنترنت، قام بأي فعل على الإنترنت بالمشاركة أو الكتابة أو التعليق".
كما منح القانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، سلطة إغلاق المواقع على الإنترنت، ورفع شكاوى جنائية على المنابر والأشخاص الذين يتهمون بجرائم من قبيل "تحريض الناس على انتهاك القوانين"، و"التشهير بالأشخاص والأديان".
القانون اعتبر أي حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي مدونة أو موقع على الإنترنت، يقوم بمتابعته أكثر من 5000 شخص يُعتبر منفذًا إعلاميًا يخضع لقانون الإعلام، ومن ثم فإن صاحبه عرضة لأي من تلك العقوبات الواردة فيه حال مخالفته للتعليمات والضوابط المحددة.
يُذكر أنه منذ مايو/ آيار 2017 شهدت مصر سيلاً من حجب المواقع الإلكترونية تجاوز عددها 513 موقعًا، ما بين إعلامي وحقوقي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم.
أجواء يناير
في الفيديو الأخير، صعّد محمد علي من حملته ونشر ليلة الأحد 15 سبتمبر/ أيلول، رسالة مصورة أكد فيها أن "وقت الكلام انتهى"، وأنه سيبدأ ثورة ضد "السيسي" داعيا الشعب المصري إلى مساندته، ودشّن وسماً بعنوان: #كفاية_بقى_يا_سيسي، تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي متجاوزاً حاجز المليون مشارك في خلال 24 ساعة بإجماع شعبي غير مسبوق، لدرجة زيادة المشاركات بمعدل 3 آلاف تغريدة في الثانية الواحدة.
محمد علي أكد في حديثه أن الجيش والشرطة والناس لن يقبلوا هذا الظلم، داعياً في الوقت نفسه إلى مظاهرات سلمية لمدة ساعة واحدة فقط يوم الجمعة القادمة 20 سبتمبر/أيلول، إذا لم يستجب "السيسي" لدعوة الرحيل عبر مواقع التواصل، لتدخل البلاد في أجواء شديدة الشبه بتلك التي سبقت اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
مصدر أمني بوزارة الداخلية المصرية كشف للجزيرة نت، أن وزير الداخلية اللواء محمود توفيق أصدر تعليمات بزيادة حالة الطوارئ داخل الوزارة، ومنع إجازات الضباط، واستدعاء من تحصل على إجازة للعودة إلى العمل فوراً.

وأشار المصدر - الذي رفض نشر اسمه- إلى أن اجتماعاً أمنياً سيُعقد على مستوى عالٍ لقيادات الداخلية مع القيادة السياسية، لتحديد أسلوب التعامل مع المظاهرات المحتملة وكيفية وأد مظاهر الاحتجاج التي دعا إليها محمد علي.
من المحتمل أن يتخذ الاجتماع، وفقاً للمصدر، قرارا بفصل خدمة الإنترنت عن مصر يوم الخميس أو الجمعة المقبلين، على غرار ما حدث في جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011، التي كانت سبباً في الإطاحة بحسني مبارك. بينما تحدثت مصادر عن حجب خدمة الإنترنت الهوائي (الواي فاي) في مطار القاهرة الدولي وقطعها عن الموجودين داخل صالات الركاب.
وأضاف المصدر "هناك خلية عمل تعمل منذ أسبوع بعد نشر فيديوهات محمد علي الأولى، وقامت باعتقال عدد من الشباب المحسوبين على الثورة والقوى السياسية".
وتابع: "كما تعمل إدارة النظم والمعلومات في الوزارة على جمع أسماء الشخصيات العامة التي قامت بنشر الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أصحاب الصفحات الكبرى، ويجري اتخاذ الأفعال اللازمة ضدهم سواء بالقبض على بعضهم أو تحذير البعض الآخر".
في الوقت الذي قال فيه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إن قوات الأمن اعتقلت الناشط اليساري كمال خليل، كما صدر - وفقاً للمصدر الأمني- قرار بتكثيف الكمائن المتحركة في محيط القاهرة الكبرى خاصة في الأوقات المتأخرة، وتفتيش سيارات الأجرة بهدف التخويف والتحذير من القيام بأي تحركات أو فعاليات معارضة للسيسي.
وصدرت أيضاً تعليمات للضباط بالحديث مع أقاربهم ودوائرهم المحيطة، وتخويفهم من مصير مجهول واجتياح للقوى المعادية لمصر حال رحيل السيسي، وأن مصيرهم هو "خيمة اللاجئين على حدود إحدى الدول، بسبب عدم وجود بديل يصلح لقيادة مصر" وفقاً للمصدر الأمني نفسه.

قطع الإنترنت
يقول د. محمد مصطفى، وهو أحد الأطباء الناشطين على تويتر: "لكل شعب من شعوب دول ما يسمى بـِ "الربيع العربي"- وخصوصاً مصر- ظهير خارجي يعد بالملايين، من المتعلمين وحملة المؤهلات ومعظمهم يشاركون بفعالية في هموم وطنهم وآماله في الحرية والديموقراطية، ولهم تأثيرهم الملموس في الشأن السياسي والاقتصادي في بلادهم، وهؤلاء لن يوقفهم قطع الإنترنت عن التواصل مع وطنهم".
أما السيدة أماني، وهي صيدلانية ناشطة على تويتر أيضاً، فتضيف:" لن يستطيعوا، فالشلل التام الذي سيصيب الدولة ذاتها بقطع الإنترنت، بعد أن ربطت كل مؤسساتها به"، وتضيف: "ثم إن قطع الإنترنت لم يعرقل ثورة يناير، بل زادها زخما بدفع الشباب للنزول إلى الشوارع بكثافة أكبر".
أما م. خالد، وهو ناشط مقيم بأمريكا، فيعتبرهم: "أغبياء لو أقدموا على قطع الإنترنت، وليتهم يفعلونها، ليشعلوا شرارة حقيقة تحرقهم هذه المرة".
ويضيف ناشط آخر، يعمل في مجال الاتصالات، رفض ذكر اسمه: "من الصعوبة بمكان فرض تضييق كامل على منصات التواصل، فمع التقدم التكنولوجي الحاليّ بات من الصعب غلق كل النوافذ، فثمة منصات أخرى ربما لم تكن معروفة، وفي حال إقدام النظام على هذه الخطوة سيبحث الشعب عن نوافذ أخرى".
بدائل للتواصل
البحث عن حلول إبداعية للتواصل فيما بين النشطاء، بدأه ثورا يناير 2011، بالتعاون مع نشطاء عبر الإنترنت حول العالم، ليدعموهم بحلول اتصالات مجانية بديلة، كاعتماد الفاكس والمودم ومنحهم كلمات مرور لها، وبأنظمة مثل نظام "سيرفال" للاتصالات الجوالة والإنترنت، والذي يعتمد على تثبيت برنامج اسمه "دي إن إي" يحول ميزة الشبكة اللاسلكية "واي فاي" في الجوال إلى ما يشبه جهاز استقبال أو برج صغير للهواتف الجوالة الأخرى، لتتصل فيما بينها وتشكل شبكة خاصة بها مع اعتماد أرقام الهواتف الاعتيادية لكل منها.
ويتم دمج برنامج "دي إن إي" مع جهاز ربط مع باقي الهواتف واسمه "ميش" وسعره حوالي 100 دولار، ليتمكن مستخدمو الشبكة من التواصل فيما بينهم.
كذلك فعل نشطاء الثورة السودانية، بعد أن قطعت السلطات العسكرية الإنترنت عنهم، فتداولوا فيما بينهم وسيلة اتصال بديلة، منبهين على كل من تصله أن يمررها لكل المشاركين في الثورة، خاصة من هم داخل السودان.
بات من المؤكد الآن أن سلاح "قطع الإنترنت" أو حجب مواقع التواصل الاجتماعي قد تقادم وصدأ وفقد الكثير من جدواه، وأصبح حيلة اليائسين، وأثبت فشله في إيقاف الحراك الشعبي في أزمنة وأمكنة عديدة.
أضحت السوشيال ميديا شوكة في خاصرة الأنظمة القمعية، لا تتوانى لحظة عن محاولة تقليم أظافرها بشتى الوسائل الأمنية والإعلامية والتشريعية، بعد أن هزت بضعة مقاطع فيديو نشرها مواطن مغمور، أركان نظام يعتبر نفسه الأشد عتواً وجبروتاً في تاريخ مصر والمنطقة.
المصادر
- محمد علي يدعو المصريين لهاشتاج #كفاية_بقى_يا سيسي
- محمد علي يدعو إلى الثورة على السيسي
- احتمال قطع الإنترنت.. محمد علي يستنفر نظام السيسي
- 6 رسائل من السيسي
- مقطع من جلسة "تأثير نشر الأكاذيب على الدولة
- دول استخدمتها.. كيف أصبح قطع الإنترنت الوسيلة الأكثر تفضيلاً
- السيسي يُصادق على قانون تشديد الرقابة على الإنترنت
- قائمة المواقع المحجوبة في مصر
- أنظمة اتصالات مجانية لمواجهة قمع الحكومات
- اتصالات النشطاء البديلة إبان الثورة السودانية
- ثريد عن وسائل تجاوز حجب المواقع والخدمات الإلكترونية