"بلا عنصرية".. صحيفة تركية توضح سمات قومية حزب العدالة والتنمية

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "صباح" التركية مقالا قالت فيه إن "النقاشات حول الدستور الجديد، والحديث عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، وبروز الأحزاب القومية في تحالف الشعب، مهدت الطريق لتوجيه انتقادات لحكومة حزب العدالة والتنمية حول القومية".

وأوضحت الصحيفة، في مقال للكاتب حسين ألبتيكن، أنه "بحسب المعلقين الذين وجهوا هذه الانتقادات، فإن حزب العدالة والتنمية تبنى القومية عندما امتلك زمام السلطة، أي تحول بعد أن أصبح حكومة مركزية".

ويرى ألبتيكن أن "هذا النقد يقوم على الافتراض بأن القومية سيئة، مع أنها ليست أيديولوجيا وممارسة مبنية على شكل واحد ثابت، فهناك قومية جيدة وأخرى سيئة، حتى أن لها أنواعا مختلفة مثل القومية العرقية أو الثقافية أو القومية المدنية أو السياسية، كما أن لها أشكالا ليبرالية واشتراكية ودينية وعلمانية".

وتابع: "لذلك، وحتى لو كان الادعاء بأن العدالة والتنمية أصبح قوميا صحيحا، وإن كنت أعتقد أن المفهوم الصحيح لأيديولوجية الحزب هو المحافظة الثقافية، أو الديمقراطية المحافظة كما يسميها الحزب نفسه، فلا يمكن لهذا أن يكون انتقادا، بل سيكون في أفضل أحواله تشخيصا".

القومية أنواع

واعتبر ألبتيكن أن القومية أيديولوجية تنقسم إلى أنواع، فمنها الجيدة والسيئة، ومنها المفيدة والمضرة، ومنها الموحّدة والمفرقة.

وقال الكاتب التركي: "لذا أعتقد أن هذا النقد للقومية، والموجه بشكل خاص في النقاشات حول القضية الكردية، مبني على أرضية خاطئة؛ حيث إن القومية الحالية في خطاب الدولة وممارساتها، أيديولوجية مختلفة؛ فهي أكثر شمولا وتوحيدا عن سابقاتها".

وأضاف: "هناك القضية الكردية والتي تغير تسميتها لما أثارته من أسئلة انتقادية مثل هل الأكراد مشكلة بحد ذاتهم؟ أو هل الأكراد فقط من عندهم مشاكل؟، فالعلاقة التاريخية الإشكالية بين الإثنية الكردية والهوية الوطنية التي بُنيت في مرحلة الانتقال من الإمبراطورية إلى الدولة القومية لا تزال غير متشكلة بالكامل". 

ومع أن الجواب على سؤال "أين مكان الأكراد في الشعب التركي" كان دائما "جزء منه" منذ بداية فترة الجمهورية وحتى اليوم، إلا أن "هناك فرق مهم بين الماضي والحاضر"، وفق ألبتيكن.

واستطرد ألبتيكن قائلا: إن "القومية واقع وحقيقة في عالمنا منذ أكثر من مئتي عام، ومع أن الحياة ستكون ممكنة بدونها في عالم بديل، إلا السياسة غير ممكنة بدونها في العالم الذي نعيش فيه".

وشدد على أن "كل الدول من أكثرها ليبرالية إلى أكثرها اشتراكية، ومن أكثر ثيوقراطية إلى أكثرها علمانية، تنتج خطابا وممارسة قومية، وتكتب التاريخ وفقا لذلك، وتنشئ المواطنين بناء على ذلك".

واستدرك ألبتيكن قائلا: "مع ذلك، من الممكن جعل هذه القومية أكثر شمولية، وفي تركيا يواصل الخطاب الرسمي لحكومة حزب العدالة والتنمية محاولاته لإنتاج مثل هذه القومية الشاملة".

ويرى أن "من الممكن إنشاء قومية خالية من أيديولوجية عنصرية، لا تنكر الاختلافات الثقافية العرقية والإقليمية ولا تجرمها، وتحاول بناء الحياة السياسية داخل أمة واحدة على أساس الوطنية وحب الوطن".

وتابع: "دعونا نوضح هذا قليلا فإن ما نعنيه بالتحرر من الفكر العنصري هو ما يلي: إن العنصرية ترى أولا أن المجتمعات البشرية مقسمة إلى أنواع فرعية منفصلة من حيث خصائصها البيولوجية، وترى نفسها مجموعات متجانسة (تحمل دما نقيا)".

ثانيا، تبني العنصرية تسلسلا هرميا بين هذه الأنواع (الأعراق) من البشر؛ فهي تعتبر بعض الأعراق متفوقة وبعضها متدنية، ثالثا تعترف العنصرية للأعراق المتفوقة حق السيطرة على الأعراق الأدنى.

الهوية الراسخة

وأكد الكاتب التركي أنه "ثبت بالفعل خطأ الافتراضين الأولين من هذه الافتراضات الثلاثة للعنصرية من خلال البحث البيولوجي، والافتراض الثالث القائم على هذه الافتراضات الخاطئة تسبب في مشاكل لا حصر لها للبشرية، من العبودية إلى الإبادة الجماعية".

وقال ألبتيكن: "هكذا لا مكان للإشارات العرقية في القومية التركية الجديدة، لا يتحتم علينا أن نكون مجتمعا أصيلا يتفوق على الأجناس الأخرى".

وأضاف "لدينا أرضية مشتركة وعلاقات قرابة ثقافية مع الإيغور الترك من تركستان الشرقية، والتركمان أو الكرد من كركوك، والعرب من حلب، وحتى مع كل مجتمع تقريبا في القوقاز والبلقان، فلا يتطلب الأمر أساسا عنصريا أو بيولوجيا لتعزيز العلاقات".

وتابع: "لقد قلنا يجب ألا يبقى أي أثر من العنصرية التي نشأت في ثلاثينيات القرن الماضي في قومية تركيا الجديدة، لكن هناك قضية أخرى مهمة تتعلق بالشمولية الداخلية، وبمعنى آخر، لا يجب إنكار الأصل أو الهوية العرقية حتى يصبح أحدهم تركيا".

وأوضح ألبتيكن ذلك قائلا: "لن يكون صحيحا الادعاء بأن المجموعات ذوات الهويات المختلفة لن تتمكن من أن تكون أمة واحدة، بعد أن عاشت لمئات السنين معا وبنت ثقافة مشتركة تتغذى منها جميعا بينما يلعب السود في المنتخبات الوطنية الفرنسية ويلعب الآسيويون والهسبان في المنتخبات الأميركية".

وتابع قائلا: "لهذا من الممكن إنشاء أمة تركية قطعت روابطها بالعنصرية، وتشمل هويات عرقية مختلفة، وليست هناك حاجة لإجراء مناقشات مثل: لكن لا ينبغي أن يكون اسم الأمة تركيا، أو لإجراء هندسة اجتماعية جديدة".

وأشار إلى أن "في تركيا هناك عشرات الملايين من المواطنين الذين يعتبرون هويتهم العرقية كردية ورومانية وعربية ولازية وشركسية وألبانية ويتبنون هويتهم القومية في ذات الوقت كأتراك".

وقال ألبتيكن: "بما أن بعض مواطنينا ينزعجون من تعبير الأمة التركية، فهم لا يعرفون أنفسهم على هذا النحو، ربما هذا ليس خطأهم، لكنه أحد الآثار الجانبية الحتمية للبناء الخاطئ للقومية المتشابكة والمتداخلة مع العنصرية".

وشدد على أنه "إذا لم يعتبر بعض أفراد هذه الأمة أنفسهم من الأمة، فإن الشيء الذي يجب فعله هنا ليس استبعادهم ونبذهم، بل احتضانهم وتضمينهم".

وختم ألبتيكن مقاله بالقول: "في حال كانت حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية تتبنى القومية في خطابها وسياستها فما يجب فعله ليس انتقاد القومية بشكل أعمى، بل توجيه الانتقادات البناءة التي ستجعل هذه القومية شمولية قدر المستطاع وتطرح حلولا لمشكلة الهوية الراسخة في تركيا".