لخدمة الأثرياء أم "مواجهة إسرائيل".. لماذا عجل السيسي بتنفيذ قطاره السريع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جدد إعلان نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، تشييد خط قطار كهربائي سريع، طوله ألف كيلومتر وبتكلفة 23 مليار دولار، الجدل بشأن أولويات الإنفاق على مشاريع "لا تخدم سوى الأثرياء" لأنه يربط بين منتجعاتهم ومراكز السلطة في مدن العلمين والعين السخنة والعاصمة الإدارية.

زاد من غضب وتساؤلات المصريين، أن الصين سبق أن تقدمت بعرض لنفس الخط الكهربائي مع شركات مصرية بتكلفة 9 مليارات دولار فقط، أي أقل من النصف.

لكن نظام السيسي حاول في تصريحات لوزير النقل اللواء كامل الوزير في 18 يناير/ كانون الثاني 2021، لفت أنظار المصريين الغاضبين إلى أن الخط يربط البحر الأحمر (العين السخنة) بالبحر المتوسط (مدينة العلمين)، وسيكون تجاري أيضا وله جدوى اقتصادية.

في خضم ذلك، ادعت الحكومة المصرية أن القطار الكهربائي له أهداف إستراتيجية أخرى، تتمثل في إجهاض خط نفط إسرائيلي منافس لقناة السويس بطول 254 كم بين مينائي إيلات وعسقلان، اتفقت إسرائيل والإمارات على استغلاله لنقل نفط الخليج عبره بدلا من القناة.

كامل الوزير قال في تصريحات ضمنية لبرنامج "الحكاية" على قناة MBC مصر، إن "أحد أهداف المشروع أن يكون تبادليا مع قناة السويس، لنقل النفط والسلع، لتلافي أضرار قد تقع على القناة بعد اتفاق الإمارات وإسرائيل على تشغيل خط نقل نفط وغاز منافس هو عسقلان-إيلات".

وأضاف الوزير، في 16 يناير/ كانون الثاني 2021، أن الخط "سيربط ميناء العين السخنة بميناء الإسكندرية، وصولا إلى ميناء جرجوب في محافظة مطروح، وسيكون مسار إضافي – إلى جانب قناة السويس – لنقل البضائع يربط البحر المتوسط والبحر الأحمر".

وأوضح أن القطار الكهربائي السريع ليس خطا واحدا، ولكنه شبكة كاملة من الخطوط ستربط كل موانئ مصر ومناطقها الصناعية.

فما هي قصة المنافسة بين القطار الكهربائي المصري السريع وخط عسقلان- إيلات الإسرائيلي؟ وهل الإسراع بتنفيذ ألمانيا له في عامين وفق طلب ومواصفات مصر وراء التخلي عن العرض الصيني الأرخص؟

خط إيلات- عسقلان

خلال حكم شاه إيران، اتفقت إسرائيل وإيران عام 1968 على تشييد خط نفطي كمشروع مُشترك يهدف لنقل النفط الخام من إيران إلى أوروبا عبر إسرائيل.

كانت الفكرة هي نقل النفط الإيراني لجنوب إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة) ونقل النفط الخام من روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز على البحر الأسود وخط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان لجنوب آسيا والشرق الأقصى وبسعر تنافسي يهدف إلى تقليص أرباح قناة السويس.

خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 254 كم وقطره 106 سم يمتد من رصيف خاص في ميناء عسقلان إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر بقدرة 1.2 مليون برميل في اليوم، وله تفريعات أخرى، ليصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، ويستفيد من الموقع الإستراتيجي لفلسطين المحتلة عند تقاطع ثلاث قارات وطرق التجارة البحرية الدولية.

عقب انهيار حكم الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 استولت عليه إسرائيل، ورفضت تعويض إيران وبدأت تنقل عبره نفط من جمهوريات آسيا الوسطى للصين لتوفير نفقات النقل عبر قناة السويس.

بعدها بـ 41 عاما وعقب التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، أعادت إسرائيل طرح الفكرة على الإماراتيين كشراكة استثمارية إستراتيجية لتقصير مدة نقل النفط من السعودية ودول الخليج لأوروبا.

يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، نشرت وكالة أنباء الإمارات صورة لمندوبين إماراتيين وإسرائيليين يوقعان مذكرة تفاهم بين شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية (EAPC) الإسرائيلية وشركة "Med-Red" المملوكة لإسرائيليين وإماراتيين، قيل إنها "لتشغيل جسر لنقل النفط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط".

وفي اليوم التالي، أكد موقع "جلوبس" المختص في الاقتصاد الإسرائيلي، أن هذا الجسر عبارة عن خط لنقل النفط ومشتقاته من إيلات على البحر الأحمر، إلى عسقلان على البحر المتوسط، "ما سيوفر نفقات ووقت شحن النفط من الخليج عبر قناة السويس".

ونشر الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020 تفاصيل الاتفاقٍ وقال إنه "يفتح الطريق لنقل 190 مليون برميل نفط من الخليج العربي إلى أوروبا دون المرور عبر قناة السويس، ويحرم مصر من عائدات مرور النفط منها، وسيمنح الشركات الإسرائيلية أرباحًا بمئات ملايين الدولارات".

الخط الذي تديره شركة "كاتسا" الحكومية الإسرائيلية يُعرف باسم "Tipline" أو خط أنابيب إيلات -عسقلان، ويربط بين المينائين.

يبلغ طول خط الأنابيب 254 كم، وقطره 105 سم، ويمتد من رصيف خاص في ميناء عسقلان لميناء إيلات بقدرة 1.2 مليون برميل في اليوم، و400 ألف برميل في اليوم في الاتجاه المعاكس.

نقلت صحيفة هآرتس عن مسئول في الشركة الإسرائيلية أن "الاتفاقية تشمل أيضا نقل النفط القادم من دول حوض البحر الأسود والمتوسط باتجاه الأسواق الآسيوية ما يختصر الوقت والنفقات والتعقيدات الناجمة عن مرور شحنات النفط عبر قناة السويس".

وتسوق إسرائيل هذه المشاريع بذريعة أن المضائق التي يمر عبرها النفط الخليجي مثل هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس لم تعد آمنة بسبب التهديد الإيراني وخطر الحوثيين على الملاحة في باب المندب، علاوة على تقصير المسافة والتكاليف الباهظة للنقل في قناة السويس.

هذا الخط الإسرائيلي يشعل نار المنافسة مع قناة السويس، التي تستحوذ على 51 بالمئة من كميات النفط التي تعبر القناة، وتقدر بـ 107 ملايين طن، وتبلغ عائدات القناة من مرور ناقلات نفط الخليج وحدها قرابة 17 بالمئة من دخلها.

الخط الإسرائيلي الإماراتي الذي تبلغ سعته نحو 600 ألف برميل يوميا، وبسعة تخزينية تبلغ نحو 23 مليون برميل، قد يؤدي لضياع قرابة 15 إلى 17 بالمئة من عائدات القناة من ناقلات نفط الخليج على الأقل ستذهب في صورة مكاسب لإسرائيل.

وفقا مجلة فورين بوليسي الأميركية 4 سبتمبر/ أيلول 2020 فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17 بالمئة، مع تشغيل أنبوب “إيلات-عسقلان” بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، ما سيجعل "الدولة اليهودية تلعب دورًا أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول في المنطقة".

الشركة الإسرائيلية تقول إنها ستزيد كميات النفط الذي تنقله إلى "عشرات الملايين من الأطنان سنويا"، وربما تبلغ قيمة الاتفاق النهائي بين الشركتين الإسرائيلية والإماراتية نحو 700-800 مليون دولار على عدة سنوات، وفق تقرير لرويترز 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

ويتوقع خبراء الاقتصاد مكاسب إسرائيلية من وراء ذلك تعادل 3-10 مليارات دولار، وأن تصل خسائر القاهرة إلى المليارات وتفقد قناة السويس بريقها، ويضعف مركز مصر الإستراتيجي.

تأثر قناة السويس

رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع اعترف في تصريحات تلفزيونية 20 سبتمبر/ أيلول 2020 بوجود تأثير للخط الإسرائيلي على قناة السويس، وقال إن مصر درست العواقب المحتملة للخط ومخاطره المحتملة على عائدات القناة، مشير إلى أن الخط الإسرائيلي قد ينقل نصف ما تنقله القناة تقريبا من النفط.

"ربيع" قلل من تأثير الخط وقال إنه "محدود نظرا لاستحواذ قناة السويس على 66 بالمئة من كميات النفط المحتمل عبورها عبر القناة وتبلغ نحو 107 ملايين طن". ولكنه اعترف بخطره بقوله إن هذا "مقارنة بـ 55 ملايين طن نفط محتملة مرورها عبر خط "إيلات-عسقلان"، أي (نصف الكمية تقريبا).

من مميزات الخط الإسرائيلي التي تجعله بديلاً أرخص من قناة السويس، القدرة الاستيعابية لمينائي إيلات وعسقلان حيث يستطيع كل منهما استيعاب ناقلات النفط العملاقة من النوع VLCCs والتي تصل حمولتها إلى 2 مليون برميل.

هذا النوع من الناقلات لا يستطيع عبور قناة السويس بسبب عمقها وعرضها المحدود الذي يسمح فقط بمرور ناقلات من نوع Suezmax vessels والتي تصل حمولتها إلى نصف حمولة الناقلات العملاقة. 

تعد رسوم مرور ناقلات النفط عبر قناة السويس مرتفعة حيث تتراوح بين 300 ألف إلى 400 ألف دولار وهو الأمر الذي دفع بعض السفن إلى الاتجاه لطريق رأس الرجاء الصالح لتجنب التكلفة العالية، ويجعل الخط الإسرائيلي منافسا.

وتعد قناة السويس ثالث أكبر مصادر النقد الأجنبي لمصر، بعد تحويلات المصريين في الخارج والسياحة، على الترتيب، وبلغت إيراداتها 5.9 مليار دولار في العام المالي 2020.

"لمواجهة إسرائيل"

التوقيع المصري العاجل على اتفاق خط القطار السريع الكهربائي وتسريع تنفيذه خلال عامين مع شركة سيمنز الألمانية يستهدف تفادي ذهاب 17 بالمئة تقريبا من عائدات قناة السويس (تأتي من ناقلات النفط الخليجي) للخط الإسرائيلي، وفق خبراء النظام.

القطار المصري الذي ينافس الخط الإسرائيلي سيكون "تعويض بديل" عن قناة السويس، ويساعد في مواجهة أي تهديدات اقتصادية مستقبلية يمكن أن تؤثر على دخل القناة وسعي القاهرة لأن تكون مركز إقليمي للطاقة، بحسب الخبراء.

ومعظم النفط القادم من دول الخليج نحو الأسواق الأوروبية يمر إما عبر قناة السويس أو عبر خط الأنابيب المصري سوميد الذي تبلغ طاقته نحو مليونين ونصف المليون برميل يومياً.

ولأن ناقلات النفط العملاقة لا تستطيع المرور عبر قناة السويس فهي تفرغ حمولاتها في ميناء العين السخنة النفطي على البحر الأحمر ليجري ضخه عبر أنبوب سوميد إلى ميناء الإسكندرية على البحر المتوسط ثم يعاد تحميله في ناقلات النفط لينقل إلى الأسواق الأوروبية. 

أما الخيار الآخر فهو تفريغ جزء من الحمولة في العين السخنة بحيث تستطيع الناقلة المرور عبر قناة السويس.

لهذا سيكون القطار السريع مفيدا في الحالتين لنقل هذا النفط في وقت زمني قصير وأسرع من الخط الإسرائيلي الإماراتي ومن أنابيب سوميد أو ينقل جزء منه.

خبراء الحكومة دافعوا عن المشروع وربطوه بالقضاء على خطط إسرائيلية تستهدف قناة السويس، وذلك في عدة تقارير نشرها "المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية" الحكومي.

الدكتور محمد شادي قال في تقرير نشره المركز يوم 15 يناير/ كانون الثاني 2021، إن مشروع القطار وتوقيع صفقة سيمنز "يعد ضربة قاصمة لمشروعات استبدال قناة السويس أو التقليل من أهميتها".

شادي أضاف: "يقضي الخط على الآمال الإسرائيلية في إنشاء قناة بديلة تربط البحرين الأحمر من ميناء إيلات، والمتوسط من ميناء حيفا أو عسقلان، عبر البحر الميت بالاشتراك مع الأردن".

كما يقضي حتى على آمال تشييد خط سكة حديد إسرائيلي خالص لربط إيلات بحيفا أو عسقلان فيما أطلق عليه مشروع (Med-Red railway)، وفق شادي.

لخدمة الأثرياء

لم يقتنع كثير من المصريين بحديث وزير النقل عن جدوى خط القطار السريع تجاريا، وتصريح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بأنه سيسهل التجارة ونقل السلع.

واعتبروا أن الأمر محاولة لامتصاص الغضب الشعبي على إنفاق 23 مليار دولار، كلها ديون جديدة، على قطار هدفه ربط مدن الأثرياء على البحرين الأحمر والمتوسط بالمنطقة الخضراء للسلطة (العاصمة الإدارية).

تعليقات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي ركزت على حجم التكاليف الباهظة للخط، التي تتجاوز أكثر من نصف احتياطي مصر من النقد الأجنبي (39.22 مليار دولار).

واستخف ناشطون بالحديث عن أن جزءا من الخط "تجاري"، وطرح بعضهم تساؤلات حول عوائد ما قد ينقله هذا الخط السريع تجاريا مقارنة بالناقلات العملاقة الأرخص في قناة السويس.

كما اعتبروا الأمر مجرد تبرير ومحاولة لتجاوز الغضب الشعبي على أنباء تشييد هذا الخط الباهظ التكلفة لنقل أثراء المنتجعات السياحة وتعمير عاصمة السيسي الإدارية.

وتساءل بعضهم ساخرا: هل حجم ما قد تخسره مصر من نقل النفط فقط عبر الخط الإسرائيلي يستدعي هذه التكاليف الباهظة لبناء القطار السريع الذي سينقل أساسا سلعا لا نفط؟

وأكدوا أن الغرض هو استدعاء الغيرة الوطنية وتضخيم مخاطر الخط الإسرائيلي وتأثيره على قناة السويس لشراء صمت المصريين الذين يطالبون بالإنفاق على لقاح كورونا ومشاريع تفيد غالبية الشعب لا شريحة الأثرياء والسلطة.

وجاء حديث وزير النقل عن منظومة قطار كهربائي كاملة ستنفذ على أربع مراحل وتربط مدن أخرى في محاولة لامتصاص مزيد من الغضب الشعبي، رغم أن الأجزاء التي تهم غالبية المصريين منه ستتم على سنوات طويلة عكس خط العاصمة الإدارية الذي سينتهي عام 2023.

الوزير قال: "ستربط المرحلة الأولى العاجلة بين العين السخنة والعلمين الجديدة، والثانية من العلمين إلى مرسى مطروح، والثالثة ستربط بين الغردقة وسفاجا وقنا والأقصر، والرابعة من مدينة السادس من أكتوبر وحتى أسوان".