ذكرى مقتل سليماني والمهندس.. لماذا واجهت عزلة رسمية وشعبية بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بلا تفاعل شعبي أو رسمي، مرّت بالعراق، الذكرى الأولى لما يعرف بـ"حادثة المطار" التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس"، رغم التحضيرات والتحشيد المتواصل من قوى وميليشيات موالية لإيران.

"سليماني والمهندس" قتلا بقصف أميركي من طائرة مسيّرة استهدفت موكبهم قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وذلك بعد 3 أيام من اقتحام ميليشيات موالية لإيران سفارة واشنطن في بغداد، ردا على قصف أميركي استهدف عناصرها قرب الحدود مع سوريا.

صمت رسمي

الذكرى مرّت من دون إصدار الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الوزراء، البرلمان) في العراق، أي موقف رسمي بشأنها، الأمر الذي وضعها في مواجهة مع قوى وشخصيات سياسية موالية لإيران، وصل بها الأمر إلى اتهام الرئاسات بـ"العمالة" و"التخاذل".

وخاطب "أبو آلاء الولائي"، الأمين العام لميليشيا "كتائب سيد الشهداء"، الموالية لإيران والمنضوية في "الحشد الشعبي"، الرئاسات الثلاث بالقول: "هل أنتم رؤساء للعراق أم لجزر فوق القمر".

وعلق "فالح الخزعلي" النائب عن تحالف "الفتح" الذي يمثل الذراع السياسي للحشد الشعبي، بالقول: إن "عدم إصدار تصريح أو إعلان موقف رسمي للرئاسات الثلاث هو ليس بجديد عليها"، مضيفا أن "في المواقف التي يتطلب فيها أن يكون لهم حضور مشرف يكونون متخاذلين، وهذا شرف لن ينالوه ولن يحظوا به".

المتحدث باسم المكتب السياسي لميليشيا "عصائب أهل الحق"، "محمود الربيعي" قال إن "كل من سكت في الذكرى السنوية سكت عن الحق وهو شيطان أخرس"، مبينا أن "عدم إصدار الرئاسات الثلاث أي بيان بذكرى استشهاد قادة النصر كشف زيف الوجوه وأسقط الأقنعة".

وعلى نحو مماثل، اعتبر القيادي بـ"عصائب أهل الحق" جواد الطليباوي، في تغريدة على "تويتر"، أن عدم إصدار بيان تعزية في ذكرى حادثة المطار "يدل على أنهم جزء من محور يختلف تماما عن محور القادة الشهداء الذين حموا الوطن وحفظوا دماء أبنائه وقدموا دروسا خالدة في التضحية والبطولة والفداء"، وفق قوله.

وذكر النائب عن "صادقون" الذراع السياسي لـ"العصائب"، أحمد علي الكناني أنه "في مثل هذا اليوم كنا نأمل من الرئاسات الثلاث إصدار أي بيان حتى إن كان رمزيا لتبيان موقفهم من حادثة المطار، خصوصا أن الشهداء هم حامي عرين العراق وضيفه الباسل".

واستدرك: "ولكن صدمنا بتخاذلكم وتملقكم لأسيادكم! تذكروا أن الأيام دول وأن النعامة لن تنجو إن أخفت رأسها في الحفرة"، وفق تعبيره.

وبعد موجة الغضب التي عبّرت عنها القوى الموالية لإيران من صمت الرئاسات الثلاث، حضر الرئيس العراقي "برهم صالح" حفلا تأبينيا لأبو مهدي المهندس أقامه الحشد الشعبي في بغداد، لكنه جوبه بهتافات نعتته بـ"العميل".

وعلق الصحفي والمحلل السياسي، "عمر الجنابي" في تغريدة على "تويتر" قائلا: "تستحق ما فعله بك اليوم جمهور الحشد لأنك ذهبت لتتملق لهم بعد أن هاجموا الرئاسات الثلاث بسبب عدم التعزية بمقتل سليماني والمهندس. حذف هتاف "الموت للعملاء" من فيديو كلمتك التي نشرها مكتبك الإعلامي لا يعني إنك حفظت كرامتك والمنصب الذي تشغله".

رفض شعبي

وعلى الصعيد الشعبي، فرغم تقديم الميليشيات والقوى الموالية لإيران تسهيلات كبيرة لإخراج تظاهرة بالمناسبة، وذلك بتوفير باصات النقل من المحافظات إلى العاصمة بغداد مكان التظاهرات، لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب.

ودفعت الميليشيات بالرجال والنساء في محافظات وسط وجنوب العراق ذات الغالبية الشيعية للحضور إلى ساحة التحرير وسط بغداد والتظاهر تنديدا بذكرى مقتل "سليماني والمهندس"، إلا أن الأعداد التي خرجت كانت تمثل عناصر فصائل وقوى الحشد الشعبي، بحسب مراقبين.

والأمر الآخر الذي اعتبره محللون عراقيون أنه رفض شعبي للذكرى، هو قيام أحد سكان محافظة "نينوى" شمال العراق، بحرق صورة قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، والتي كانت معلقة على أعمدة الإنارة في الشوارع العامة، لكن الميليشيات الشيعية اعتقلته ولم يعرف مصيره بعد.

وفي تغريدة على "تويتر" قال المحلل السياسي، زياد السنجري: " لدينا في الموصل شاب عراقي عربي غيور قام بتمزيق وحرق صور المقبور قاسم سليماني. الشاب البطل محمد جمال عبدالناصر معتقل الآن لدى فصيل مسلح ولاؤه لإيران، ألا يمكن أن نسلط الضوء على هذا البطل العراقي الذي يتعرض الآن إلى أسوأ أنواع التعذيب".

وفي حديث لـ"الاستقلال" رأى الباحث في الشأن السياسي، "وحيد البرزنجي" أن "الرفض الشعبي والرسمي، دليل على رفض المشروع الإيراني في العراق، ولا سيما بعد قمع مظاهرات أكتوبر/تشرين الثاني 2019، على يد الميليشيات الموالية لطهران".

وأضاف البرزنجي أن "الرئاسات الثلاث تعتبر اليوم في محور بعيد عن التوجهات الإيرانية وأقرب إلى المحور الأميركي، لذلك نراهم ضعفاء في مواجهة التحديثات الكثيرة بالبلد، لأن القرار السياسي والأمني في العراق تتحكم فيه طهران، وليس واشنطن".

ولفت الباحث إلى أن "امتناع الرئاسات عن التصريح، ربما يكون فيه تقرّب إلى الولايات المتحدة الأميركية، ويرفع الحرج عنها كونها أقدمت على قتل سليماني واعترفت بذلك، ووصفته بالإرهابي، وبذلك لا يمكن لهذه الجهات الرسمية في العراق الخروج على ذلك".

اتهامات سابقة

الصمت الرسمي عن التنديد بذكرى مقتل "سليماني والمهندس"، أعاد الحديث عن ضلوع إحدى الرئاسات بعملية الاغتيال، والتي تثيرها الميليشيات الموالية لإيران في أكثر من مناسبة، ولا سيما كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، والتي يتهمون فيها رئيس الحكومة "مصطفى الكاظمي" عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات العراقي.

واتهم زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي خلال مقابلة تلفزيونية في فبراير/شباط 2020. إحدى الرئاسات الثلاث بالجاسوسية لصالح المخابرات الأميركية، وأنها كانت ضالعة في عملية اغتيال "سليماني والمهندس".

وفي مقابلة أخرى على القناة الرسمية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ادعى الخزعلي مجددا أنه يمتلك معلومات، وليست أدلة، بشأن قضية وجود جاسوس من ضمن الرئاسات الثلاث.

وأضاف الخزعلي، قائلا: "إذا كنت أقول إن إحدى الرئاسات الثلاث جاسوس فهذا جيد لكن الوضع الحالي أسوأ بكثير"، مؤكدا أنه "في حال ذكرت اسما محددا من الرئاسات على أنه جاسوس من دون أدلة فهذا تشهير وتسقيط".

وفي تصريحات ربما تفصح عن موقف رئيس الحكومة العراقية، قال مستشاره "هشام داود"، خلال مقابلة مع قناة "بي بي سي" العربية، في 2 يناير/كانون الثاني 2021، إن "سليماني كان يعتقد أنه ليس المنسق مع العراق، وإنما المسؤول عنه وأنه يدخل ويخرج متى يشاء".

وشدد "داوود" على أن "سليماني مواطن إيراني حتى خارج إيران، لكن كان يطغى ويعلو على مسؤولية الآخرين، لذلك فإن الأصول العامة للدولة العراقية لم تكن ضمن أولوياته".

وشدد مستشار رئيس الحكومة العراقية لشؤون الحوار الوطني على أن "الحكومة العراقية الحالية فرضت على إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني الجديد، أن يدخل إلى العراق بتأشيرة دخول ويأتي من الباب الصحيح".

وعلى ضوء هذه التصريحات، طالبت قوى سياسية عراقية موالية لإيران، من رئيس الوزراء إقالة مستشاره "هشام داود" فورا من منصبه، ليسارع "مصطفى الكاظمي" إلى تجميد عمله في الحكومة.