كمال الحيدري.. رجل دين عراقي كشف أسرار منهج التكفير لدى الشيعة

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار المرجع الديني العراقي، كمال الحيدري، جدلا واسعا في الأوساط الشيعية، لا سيما في مدينتي قم الإيرانية والنجف العراقية، كونهما يضمان الحوزات الدينية وكبار مراجع الطائفة في العالم، وذلك بعد حديثه عن منهجية "التكفير" لدى الشيعة.

الحيدري قال خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "العراقية" الرسمية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "يوجد مئات الروايات لدى مدرسة أهل البيت في تكفير غير الشيعة"، مضيفا: "أقول بضرس قاطع: لا يوجد عالم شيعي اثنا عشري إلا ويحكم بكفر المسلمين جميعا باطنا".

وتسببت تصريحات المرجع الديني الذي يحمل مرتبة "آية الله" -وهي أعلى درجة علمية لدى رجال الدين الشيعة- بإيقاف برنامج "المراجعة" بعد موجة انتقادات غير مسبوقة تعرض لها الحيدري، ومقدم البرنامج سعدون ضمد، من مؤسسات وشخصيات عراقية وإيرانية.

الفرار لإيران

ولد الحيدري في مدينة كربلاء العراقية، وعاش بها حتى اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين، إذ أعدم نظام صدام حسين 3 من إخوته، ليضطر إلى اللجوء لإيران والاستقرار في مدينة قم بعد أيام قليلة من بدء الحرب.

يرجع البعض تأخر شهرة الحيدري في إيران إلى لغته العربية كونها اللغة الأم، لكنه معروف في مدينة النجف، وأنه كان معاصرا لمحمود هاشمي شهرودي، الرئيس السابق لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران.

الحيدري الذي يبلغ من العمر 64 عاما، يعتبر أصغر من بعض المقلدين (مراجع الدين الشيعة) الآخرين، ومع ذلك فهو معروف جيدا في هذا المجال ولديه طلاب مشهورون.

درس الحيدري أصول الدين لدى المرجع الشيعي السابق أبو القاسم الخوئي، وكذلك المرجع محمد باقر الصدر الذي أعدم في عهد صدام حسين، ودراسته عند المرجع الإيراني الوحيد الخراساني، إضافة إلى مراجع دين شيعة آخرين قبل وبعد مغادرته العراق.

انخرط الحيدري في كلية الفقه بمدينة النجف، كذلك درس في الحوزة الرسمية، فأكمل "المكاسب والرسائل والكفاية"، ليتأهل لحضور "أبحاث الخارج الفقهية والأصولية"، وهذه كلها دراسات لدى الشيعة.

يُعد الحيدري رجل دين بأفكار مختلفة، وآراؤه غير مقبولة لدى رجال الدين التقليديين، حيث إنه يعتبر مرجعا حداثيا يدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي.

ورغم وجهات نظره الدينية المختلفة، فإن كمال الحيدري لا يواجه أي مشاكل سياسية مع مسؤولي الجمهورية الإيرانية، كما أنه حضر اجتماعات المرشد الأعلى علي خامنئي.

"المسيح الدجال"

التطورات الفكرية لدى الحيدري، جوبهت بهجمة غير مسبوقة من "جمعية أساتذة حوزة قم"، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020، فقد جاء في بيان وقعه "محمد يزدي" رئيس المجلس الأعلى لنقابة المعلمين الحوزة في قم، أن "المسار الذي سلكه الحيدري لا نهاية له سوى الانحراف والضلال".

وأضاف يزدي: "منذ وقوع أقواله الكاذبة تحدث إليه علماء ورجال الدين وأبلغوه ببطلان آرائه وأقواله غير المنتهية. ورغم قبوله لمعظم الاعتبارات والتحذيرات والالتزام بتصحيح الأخطاء وتعويض الأخطاء، إلا أنه عمل على خلاف الوعد ولم يصحح منهجه".

وأثارت تصريحاته كذلك، رد فعل عنيف من محسن أراكي، الرئيس السابق للجمعية العالمية لتقارب الأديان، الذي وصفه بـ"الزنديق" و"الكذاب" و"المنحرف" و"الخائن" و"المسيح الدجال".

وطالب أراكي خلال بيان نشرته مواقع إيرانية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بمنع الحيدري من التدريس. ومع ذلك، حذف هذا المنشور من موقعه بعد بضع ساعات.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، شن خلال بيان في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، هجوما على الحيدري، ووصف الآراء التي طرحها بأنها "تخرصات"، ورأى أن المرجع قد سقط في "زلل"، كما أشار إليه بتهمة "الميل المشبوه"، رغم أن الصدر لم يبلغ "درجة الاجتهاد" في دراسته الحوزوية.

تصريحات الحيدري أثارت في وقت سابق رد فعل من المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني. وردا على سؤال، قالت هيئة التقليد الشيعية: "المسلمون غير الاثني عشرية هم مسلمون في المظهر والواقع، وليسوا مسلمين ظاهريا فقط".

آراء مثيرة

الحيدري لديه الكثير من الآراء التي أثارت الجدل في الوسط الديني الشيعي، إذ يقول: إن نحو 2 بالمئة فقط من الموضوعات والدروس التي يتم مناقشتها في الحوزات تستنتج من القرآن، ومعظم هذه الموضوعات تتعلق بروايات أو خطوط حمراء يجري فرضها تدريجيا على الحوزة مع عناوين مثل "اليقين" و "إجماع العلماء".

ويعتقد المرجع الحيدري أن المعاهد اللاهوتية ليس لديها خطط للقضايا الاجتماعية والسياسية أو للحكم، وهي نظرية مشابهة لآراء أنصار "روح الله الخميني" (مرشد إيران الأول) وعلي خامنئي، المرشد الأعلى الحالي لإيران.

وبخصوص وجهات نظر المرجعية الشيعية بشأن المرأة، فإنها أيضا مثيرة للجدل، إذ يقول الحيدري: إن "90 بالمئة من الأحكام الصادرة على النساء تتعلق بالظروف الثقافية في زمن نبي الإسلام ولم تعد قابلة للتطبيق".

في غضون ذلك، صرح الحيدري ردا على استفتاء أنه يجب على الأب إجبار ابنته على ارتداء الحجاب "بأمر الخير" وبشرط "عدم الإضرار"، أما إذا لم تستمع الابنة إلى نصيحة الوالدين، فإن النصيحة غير ملزمة.

وفي واحدة من أكثر المواضيع التي أثارت الجدل، فند الحيدري حديث المراجع الشيعية بأن إنكار الإمامة تخرج من ملة الإسلام ويصبح من يرفضها "كافرا"، مشيرا إلى أنها "ضرورة ليست دينية".

وشدد الحيدري على أن "إنكار الإمامة يعني أن لا عصمة للأئمة الشيعة الاثني عشر، وهذه المسألة تأتي في صلب أصول الدين لدى المذهب الشيعي"، رافضا تكفير من أنكر الإمامة.

تأثيره الشيعي

أطروحات الحيدري أثارت مخاوف محللين سياسيين شيعة، إذ يقول الكاتب نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي خلال مقاله بموقع "صوت العراق" في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن "الحيدري وحسين مؤيد (رجل دين شيعي تحول إلى السنة) وآية الله ابن مطشر ضابط المخابرات البعثي، لا مكان ولا تأثير لهم مجرد حالة صوتية".

وأشار الخفاجي إلى أن "الخاسر الوحيد هو كمال الحيدري، فقد خسر من كان يحسن الظن به، أنا بعد وفاة فضل الله كنت أرجع إلى كمال الحيدري في الفتاوى المستحدثة".

مضيفا: "لذلك أنا ومعي الكثير من مقلدي السيد محمد حسين فضل الله، تركنا هذا الرجل ولا قيمة له عندنا، أو بالأحرى عندي لأني أتكلم عن نفسي، أكيد لكل باطل تجد ناس تتبعه لذلك ليس بالغريب تجد من يستقتل للدفاع عنه في ظل وجود الأموال والدعم اللامحدود".

وفي المقابل، رأى الكاتب علي المؤمن خلال مقال نشره بموقع "المسلة" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "خطورة كلام الحيدري في موضوع التكفير، تزداد شدته على العراق وشيعته، أكثر من غيره من بلدان الحضور الشيعي الأخرى".

وقال: "لأن العراق في ظل ظروفه السياسية والأمنية الرخوة، يعد مرتعا لحركات التكفير والتيارات الطائفية والجماعات اللادينية أو المنحرفة عقديا وسلوكيا والخارجة عن سيطرة الدولة".

وتابع: "هذا لا يعني أن خطورة هذه المقولات تتوقف على العراق فقط، بل تمتد الخطورة إلى المجتمعات الشيعية الأخرى أيضا، ولا سيما في لبنان وباكستان، وهما مجتمعان تتشابه ظروفهما مع ظروف شيعة العراق".

وأردف المؤمن: "بعض المعممين التكفيريين الشيعة (وهم أقلية عددية ذات صوت عال)، قد ساهموا في استعداء السنة ضد الشيعة، وكلفوا الشيعة الكثير من التضحيات والخسائر المعنوية والمادية".

مضيفا: "الحيدري سيكلف الشيعة أضعافا مضاعفة من الخسائر والتضحيات، لأنه ليس معمما عاديا أو مجرد خطيب أو باحث، بل لأنه يطرح نفسه مرجعا ومفكرا إصلاحيا شيعيا".

بالإضافة إلى المقلدين ورجال الدين الشيعة في إيران، أثرت هذه الممارسة أيضا على بعض رجال الدين الشيعة في الخارج، ومنهم "محمد حسين فضلة" أبرز مقلد شيعي في لبنان، بحسب المؤمن.

وفي الماضي، تعرض العديد من المقلدين ورجال الدين للهجوم من المؤسسات التابعة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، و"طرد" بعضهم من السلطات التقليدية الأخرى.