كامالا هاريس.. من رحم المهمشين إلى أول نائبة رئيس بالبيت الأبيض

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تاريخيا، أصبحت كامالا هاريس، المرأة ذات الأصول الآسيوية، أول سيدة أميركية تفوز بمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الـ 46، جو بايدن.

قبل هاريس، فشلت جيرالدين فيرارو، أول مرشحة لمنصب نائب رئيس الجمهورية عن الحزب الديمقراطي عام 1984 في الوصول لهذا المنصب الرفيع.

كما فشلت سارة بالين مرشحة الحزب الجمهوري عام 2008، في تولي المنصب إثر خسارة مرشح الرئاسة عن الحزب جون ماكين.

لطالما قالت هاريس: إن "هويتها تجعلها مناسبة بشكل فريد لتمثيل المهمشين"، والآن بعد أن اختارها بايدن نائبة له، فقد تحصل على فرصة للقيام بذلك من داخل البيت الأبيض، بعد أن وصلت إليه عبر مسيرة كفاح طويلة.

التنوع الذي عاشته هاريس، حمل مجموعة من الأفكار الفارقة داخل وخارج الولايات المتحدة، فعلى مستوى الشرق الأوسط رغم تأييدها الكامل لإسرائيل، لكنها ضد المستوطنات وتنادي بحل الدولتين، بالإضافة إلى تأييدها لحل الملف النووي الإيراني على الطريقة التي كان يدار بها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكذلك تأييدها لحقوق الأقليات والعرقيات المختلفة ومنهم المسلمون.

متعددة الثقافات 

رغم أن كامالا تصنف على أنها من أصول هندية ومن أصحاب البشرة السمراء، لكنها ترى نفسها أميركية بالدرجة الأولى، وأن موطنها هو الولايات المتحدة حيث ولدت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1964، في أوكلاند بكاليفورنيا، لأسرة مهاجرة، من أم هندية وأب جامايكي.

والدتها "شيامالا غوبالان" كانت عالمة تاميلية هندية متخصصة في علاج سرطان الثدي، هاجرت إلى الولايات المتحدة من مدينة مدراس بولاية تاميل نادو، عام 1960، أي قبل مولد كامالا بـ 4 سنوات، وكان هدف هجرة "شيامالا" الحصول على الدكتوراه في علم الغدد الصماء من جامعة كاليفورنيا.

أما والدها دونالد هاريس، فهو أستاذ في علوم الاقتصاد بجامعة ستانفورد، هاجر من جامايكا عام 1961 بهدف إكمال دراساته العليا في الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، وهناك التقى بوالدة كامالا، وتزوجا.

سرعان ما انفصل والداها، ونشأت هاريس بشكل أساسي في كنف والدتها الهندوسية، التي اختارت أن تمنح كلتا طفلتيها أسماء سنسكريتية مستمدة من الأساطير الهندوسية بهدف الحفاظ على هويتهما الثقافية، وكامالا أيضا سليلة أحد ملاك الرقيق الجامايكيين. 

ظلت كامالا على ارتباط وثيق بتراثها الهندي، كما رافقت والدتها لزيارة الهند عدة مرات، وذكرت في سيرتها الذاتية أن "والدتها تبنت ثقافة السود في أوكلاند، وغمرت ابنتيها، كامالا وأختها الصغرى مايا، بتلك الثقافة".

ودونت: "الحقيقة هي أن والدتي أدركت جيدا أنها كانت تربي ابنتين سوداوين".

وأضافت: "كانت تعلم أن موطنها الجديد الذي قررت الانتماء إليه، سينظر إلي ومايا على أننا فتاتان سوداوان، لكنها كانت تصر على التأكد من أننا سنصبح امرأتين سوداوين واثقتين وفخورتين بنفسيهما". 

لكن العامل الأول في تنشئة هاريس يعود إلى مدينة بركلي بولاية كاليفورنيا، حيث اعتادت منذ صغرها ارتياد كنيسة السود المعمدانية هناك، وترددت أيضا على ارتياد أحد المعابد الهندوسية، تأثرا بديانة والدتها وجذورها العميقة.

كامالا هاريس صغيرة وسط عائلتها

مراحل التعليم 

كان من الحظ الجيد لهاريس أنها بدأت مراحلها التعليمية، خلال السنة الثانية من تطبيق برنامج مدارس بركلي لإلغاء الفصل العنصري في الحافلات المدرسية، في محاولة لتحقيق التوازن العرقي بالمدارس العامة في المدينة.

كانت نسبة الركاب البيض في الباص الذي كان يقل هاريس إلى مدرستها، قبل عامين من دخولها للروضة، يصل إلى 95% مقابل 5% لأصحاب البشرة السمراء، وبذلك تجاوزت هاريس عقبة كانت تواجه الأجيال السابقة لها، ولكنها تركت في نفسها شيئا أمام مجابهة التفرقة العنصرية التي قد تتعرض لها. 

عندما بلغ عمرها 12 عاما، سافرت مع والدتها ورفقة شقيقتها الصغرى إلى كندا ودرست في مدرسة بمونتريال بمقاطعة كيبيك لمدة 5 سنوات، وهنا بدأت سمات الشخصية القيادية تظهر لدى هاريس، إذ كانت تتمتع بشعبية كبيرة في مدرسة "ويست ماونت" الثانوية في المدينة. 

في عام 1981، التحقت "كامالا" بجامعة هوارد، في واشنطن، لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، وهوارد تعد إحدى الجامعات البارزة التي يدرس فيها السود تاريخيا في البلاد، والتي وصفتها بأنها من بين أكثر الخبرات التي حصلت عليها في حياتها وساهمت في بنائها وتكوينها الشخصي. 

انتُخبت "كامالا" لعضوية مجلس طلاب الفنون الليبرالية بالجامعة، وشاركت في محادثات الفريق، ونظمت برامج توجيه الشباب المحلي، وتظاهرت ضد الفصل العنصري، وانضمت إلى منظمة ألفا كابا ألفا، لمكافحة الفصل العنصري.

عادت هاريس إلى ولاية كاليفورنيا عام 1989، لتحصل على درجة الدكتوراه في القانون من كلية "هاستينغز للقانون" بجامعة كاليفورنيا، كما حصلت عام 1990 على قبول في نقابة المحامين بالولاية.

كامالا هاريس أثناء المرحلة الجامعية

مسيرة مهنية 

بدأت كامالا حياتها المهنية في دائرة الادعاء العام بمقاطعة ألاميدا بولاية كاليفورنيا، عام 1990، عندما عينت كنائب للمحامي العام في المقاطعة، وتخصصت وقتها في محاكمات الاعتداء الجنسي على الأطفال.

سرعان ما صعدت هاريس في المناصب حتى تولت منصب المدعي العام في المقاطعة، وفي عام 2003، أصبحت المدعي العام الأعلى لسان فرانسيسكو، قبل أن يتم انتخابها كأول امرأة وأول شخص أسود يعمل كمدع عام لولاية كاليفورنيا أكثر الولايات الأميركية كثافة سكانية.

أعيد انتخابها لنفس المنصب مرة أخرى عام 2014 بفارق أصوات كبير عن باقي المرشحين، وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، هزمت هاريس لوريتا سانشيز في انتخابات مجلس الشيوخ لتخلف السيناتور باربرا بوكسر المنتهية ولايتها، وأصبحت بذلك ثالث امرأة تشغل مقعد السيناتور عن ولاية كاليفورنيا، وأول سيناتور من أصول هندية أو جامايكية. 

أثبتت كامالا هاريس جدارتها بالمنصب، وحصلت على شعبية كبيرة بسبب أنشطتها المؤثرة، حيث دعمت مشروع الرعاية الصحية ذات الدفع الفردي، ومشروع إزالة القنب (مخدرات) من الجدول الأول للمواد الخاضعة للرقابة، إضافة لدعمها لإيجاد سبل لمساعدة المهاجرين غير المسجلين للحصول على الجنسية.

أيدت هاريس قانون تطوير ورعاية وتثقيف المهاجرين القصر، كما عملت بقوة لحظر البنادق الهجومية، وخفض الأعباء الضريبية عن الطبقتين العاملة والمتوسطة مقابل زيادتها على الشركات وعلى ما نسبته 1% من الأميركيين الأكثر ثراء، وهو ما أكسبها شعبية جيدة باعتبارها واحدة من النجوم الصاعدة في الحزب الديمقراطي.

نحو القمة

في يونيو/ حزيران 2018، صرحت كامالا هاريس، بشكل صريح أنها لا تستبعد أن تترشح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي، وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2019، أعلنت هاريس رسميا ترشحها للمنصب في انتخابات عام 2020.

عندما أطلقت حملتها حضر حشد زاد عدده عن 20 ألف شخص في أوكلاند، بكاليفورنيا، وقوبل عرضها بحماس أولي، ومع ذلك واجهت كامالا انتقادات من الإصلاحيين داخل الحزب الديمقراطي، بسبب سياسات صارمة ضد الجريمة اتبعتها عندما كانت مدعية عامة في كاليفورنيا.

في الوقت نفسه تزايد قلق الليبراليين بشأن تجاوزاتها لنظام العدالة الجنائية، فعلى سبيل المثال، قرارها عام 2014 بالدفاع عن عقوبة الإعدام في كاليفورنيا، وهو ما تسبب في تراجع شعبيتها كمرشحة للرئاسة.

حاولت هاريس، تدارك الأمر والسير على خط تجمع فيه بين الجناحين التقدمي والمعتدل في حزبها، لكن انتهى بها الأمر إلى أنها لم تحظ بتأييد أي منهما، حيث أنهت حملة ترشحها في ديسمبر/كانون الأول 2019، قبل أول تنافس للمرشحين الديمقراطيين في ولاية أيوا أوائل عام 2020.

عندما انسحبت هاريس أشارت بذلك إلى نقص الأموال اللازمة لحملتها الانتخابية، وأنها بصدد تأييد جو بايدن لاستلام منصب الرئيس.

نائب الرئيس

في 11 أغسطس/ آب 2020، أعلن جو بايدن، بشكل رسمي اختيار هاريس، كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قالت ديبي والش مديرة مركز النساء الأميركيات والسياسة في جامعة روتجرز: "الآن وفي ذروة وجود امرأة سوداء من أصول هندية كمرشحة لمنصب نائب الرئيس.. يعد هذا تحولا هائلا في العالم".

وقتها قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إنه "فوجئ باختيار جو بايدن للسناتور كامالا هاريس نائبة له، لأنها لم تكن تحترم بايدن عندما كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما خلال المناظرات"، حسب تعبير ترامب.

وأضاف ترامب: "هاريس أكثر أعضاء مجلس الشيوخ وضاعة وفظاعة وعدم احترام للآخرين"، ونشر "فيديو دعائي ينتقد كامالا بشدة ويصفها بأنها مرشحة اليسار الراديكالي والداعمة لخطط وأفكار الاشتراكي بيرني ساندر". وردت هاريس على ترامب قائلة: إن "فشله في قيادة البلاد تسبب في فقد أرواح ووظائف".

مواقف وأفكار

الناشط المصري، المقيم في الولايات المتحدة، محمد المنشاوي، كتب عبر حسابه على "فيسبوك" متحدثا عن هاريس، أنه "يعرف عنها معارضتها القوية للسياسات الصينية تجاه حقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بمسلمي الإيجور في غرب البلاد، وتناصر حقوق سكان هونغ كونغ، وتعارض ممارسات الصين التجارية غير العادلة".

وأضاف: أن "هاريس عارضت التقارب بين واشنطن وبيونغ يانغ، إذ ترى أن ترامب غير مؤهل للتعامل مع دكتاتور محنك مثل الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وتعارض مواقف الرئيس المعادية للصدام مع حلف الناتو، كما تعارض تقاربه غير المبرر من روسيا وعلاقاته الجيدة برئيسها فلاديمير بوتين". 

وذكر أنه "بخصوص السلام في الشرق الأوسط، تعد هاريس من أقوى المؤيدين لإسرائيل، وتؤمن بحل الدولتين كمعادلة لإنهاء الصراع، وتحدثت عامي 2017 و2018 في مؤتمر منظمة أيباك (أكبر مجموعة ضغط إسرائيلي في الولايات المتحدة) وعبرت عن معارضتها لاستمرار بناء مستوطنات إسرائيلية في أراضي الضفة الغربية".

وذكر أن "هاريس تطالب بألا يكون دعم إسرائيل الكامل قضية حزبية، وتنادي بالدعم الأميركي الكامل لإسرائيل".

وأردف: "أيدت هاريس الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران، واعترضت على انسحاب إدارة ترامب منه لاحقا، وترى ضرورة التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لضمان تنفيذ إيران تعهداتها".

وأوضح أنه "بخصوص السعودية، تبنت هاريس مواقف متشددة من المملكة، خاصة بعد مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، وهي تعارض بشدة حرب التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، ودعمت قرارات حظر تصدير السلاح للسعودية بسبب حرب اليمن وانتهاكاتها لحقوق الإنسان".