انفجارات غامضة تضرب إيران.. دلالات التوقيت والدول المستفيدة

لا يزال الغموض يكتنف سلسلة التفجيرات التي ضربت مؤسسات حساسة منها منشآت عسكرية ونووية وصناعية بإيران خلال الأيام القليلة الماضية، في وقت تعيش طهران صراعا متصاعدا مع الولايات المتحدة الأميركية وحليفتيها الأبرز بالمنطقة إسرائيل والسعودية.
وفي 13 يوليو/ تموز 2020، هددت إيران على لسان المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي برد صارم في حال تبين لها وقوف جهات وراء الانفجار الذي وقع مؤخرا في منشأة "نطنز النووية" التي تبعد 320 كيلومترا تقريبا جنوب طهران، ويقع جزء منها تحت الأرض.
جهات محتملة
وبخصوص ما إذا كانت الانفجارات ناجمة عن هجمات متعمدة أم لا، ذهبت أغلب تكهنات الخبراء والمراقبين إلى أن سلسلة الانفجارات ربما تستمر في إيران، مرجحين في الوقت ذاته أن تقف وراءها إسرائيل والولايات المتحدة.
أستاذ العلاقات الدولية والباحث في "المركز الدولي للجيوبولوتيك" بباريس خطار أبو دياب، يرى أن "الهجمات الغامضة يبدو أنها مستمرة من خلال عمليات سيبرانية أو حرب إلكترونية لضرب أو تأخير البرنامج النووي، ومن المرجح أن يكون وراء هذه العمليات الولايات المتحدة وإسرائيل سواء بالشراكة أو أحد هذين الطرفين".
وعن دلالات التوقيت، قال أبو دياب لـ"الاستقلال": إن "هذه الهجمات هي تتويج لسياسة الضغط الأقصى التي تمارسها واشنطن على إيران، وهي تأتي بعد خلل في مركز القرار الإيراني نتيجة اغتيال اللواء قاسم سليماني، إذ إن منظومة صنع القرار في طهران اهتزت منذ ذلك الحين وتلقت أول ضربة عملية كبيرة منذ عام 1979".
وتابع: "لذلك انتظرت واشنطن كثيرا قبل توجيه ضربة من هذا النوع. وهي تحاول إلزام طهران للمجيء إلى التفاوض مع أوراق بسيطة، أي القبول بهذا التفاوض".
في مقال لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، بـ14 يوليو/ تموز 2020، ربط الكاتب الصحفي يوسي ميلمان انفجارات وحرائق الأيام الأخيرة التي حدثت في إيران بسياق تاريخي أكبر، يعود حسب تصوره إلى عام 2002.
وقال ميلمان: إنه في ذلك الوقت، تم الكشف عن مخطط إيران المتمثل في بناء مصنع من أجل تخصيب اليورانيوم في نطنز. ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك أدنى شك لدى تل أبيب وواشنطن حول طموح طهران في أن تصبح قوة نووية.
وأضاف أنه نتيجة لذلك تم تنفيذ العديد من أعمال التخريب والتدمير، كما جرى استخدام فيروس الكمبيوتر المسمى "Stuxnet" أيضا لهذا الغرض وهو ما أدى في عام 2010، إلى شل أجهزة الكمبيوتر التي كانت تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في نطنز.
وأعرب ميلمان عن اعتقاده بأنه يمكن أن تكون لإسرائيل صلة بعمليات التخريب الأخيرة التي حدثت في إيران وطالت منشآت حساسة. كما أنه لم يستبعد أن تكون هذه العمليات قد حدثت بالتعاون مع الأقليات العرقية في طهران، المعارضين بشدة للحكومة هناك.
وتابع ميلمان أن رئيس الموساد السابق لوح مرارا إلى أن إسرائيل ستتعاون مع هذه الجماعات خلال فترة ولايته.
وبين أن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكنازي وكذلك وزير الجيش بيني غانتس قد تحمل معنى جديدا إذا ربطت في هذا السياق وأن أعمال التخريب الأخيرة يمكن أن يقف خلفها معارضو النظام الذين يعيشون في إيران.
وخلص الكاتب إلى أن "إسرائيل" تبذل كل ما في وسعها لمنع إيران من متابعة برنامجها النووي وذلك بالتزامن مع تعرض البلاد للحوادث والهجمات الإرهابية.
ماذا عن الرد؟
أما عن احتمالية رد إيران على هذه التفجيرات، فقد رأى أستاذ العلاقات الدولية خطار أبو دياب أن "طهران في حيرة، فهي إما تعتمد الصبر الإستراتيجي حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وهو موعد الانتخابات الأميركية وهي تأمل أن يفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بدلا من الرئيس ترامب وتعيد الوصل مع الولايات المتحدة".
وأضاف: "هناك من يقول بوجوب الرد لحفظ ماء الوجه ويركز بذلك على حلفاء إيران بالخارج للقيام بهذا الرد، لكن لذلك مخاطر كبيرة مع الوضع الاقتصادي الصعب جدا في إيران ومن هنا يستحكم الإرباك الإستراتيجي في إيران حيال هذا الموضوع".
من جهته، يرى الكاتب فهد الخيطان في مقال بصحفية "الغد" الأردنية أنه "بدعم من الولايات المتحدة أو بدونه، يبدو جليا أن إسرائيل قد استعاضت عن المواجهة العسكرية المباشرة والمكلفة مع إيران بحرب استخباراتية وسيبرانية في العمق الإيراني لتعطيل قدرات طهران النووية".
ولفت الخيطان في المقال المنشور بـ11 يوليو/ تموز 2020 إلى أن "التفجير يشي بقدرة استخباراتية صادمة سمحت لطواقم العملاء بالوصول إلى واحد من أكثر المواقع تحصينا في إيران وزرع قنبلة في جوفه العميق، تزامن ذلك مع سلسلة تفجيرات محيرة طالت محطات طاقة ومرافق حيوية لم يتضح بعد إن كان لها صلة بتفجير نطنز".
وأردف: "يذكر محللون هنا ما راهنت عليه مديرة الاستخبارات الأميركية جينا هاسبيل بعد اغتيال سليماني من أن الرد الإيراني لن يتجاوز هجمات صاروخية ضد أهداف أميركية في العراق، وهذا ما كان بالفعل. باستثناء ذلك كانت التهديدات الإيرانية مجرد حملات إعلامية جوفاء لامتصاص الغضب العام".
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" في 11 يوليو/ تموز 2020، فإن بعض المسؤولين يتحدثون عن إستراتيجية أميركية-إسرائيلية آخذة في التطور إلى سلسلة من الضربات السرية التي لا تشعل حربا، والتي تهدف إلى إنهاء أبرز جنرالات الحرس الثوري، فضلا عن إبطاء عمل المنشآت النووية الإيرانية.
ويراهن المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون على أن طهران ستحد من ردها، كما فعلت عقب اغتيال واشنطن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني مطلع العام 2020، وفقا للصحيفة .
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من يوليو/تموز، عن مصدر استخباري تأكيده أن الانفجار الذي وقع في منشأة نطنز النووية الإيرانية، فجر 2 يوليو/تموز، والذي لا تزال ظروفه غامضة مع إعلان السلطات الإيرانية أنها ستتكتم على أسبابه لـ"اعتبارات أمنية"، كان بفعل قنبلة إسرائيلية زرعت في المكان.
وقال المصدر الاستخباري الشرق أوسطي، حسب وصف الصحيفة، التي قالت إنه مطّلع على الحادثة: إن إسرائيل هي المسؤولة عن الانفجار الضخم عبر قنبلة قوية زرعتها في المكان، في حين نقلت الصحيفة عن مصدر آخر، قالت إنه من الحرس الثوري الإيراني، إن قنبلة بالفعل قد تم استخدامها في المكان.
اندلع #حريق في مصنع السفن الخشبية بمدينة بوشهر، جنوبي #إيران، اليوم الأربعاء. ويقول شهود عيان إن #الحريق لا يزال مشتعلا، رغم مساعي منظمة الإطفاء لإخماده pic.twitter.com/X0Mz7G2DNp
— إيران إنترناشيونال-عربي (@IranIntl_Ar) July 15, 2020
خريطة الهجمات
آخر الحوادث الغامضة ضمن سلسلة ما رصدته "الاستقلال" من تفجيرات وحرائق في إيران كان 15 يوليو/ تموز 2020 في ميناء بوشهر جنوبي إيران، حيث تسبب باحتراق ثلاث سفن على الأقل.
وبحسب موقع "إيران إنترناشيونال" فإن حريقا اندلع في مصنع السفن الخشبية بمدينة بوشهر. ونقلت عن شهود عيان قولهم: إن الحريق لا يزال مشتعلا، رغم مساعي رجال الإطفاء لإخماده.
وقبل ذلك بيوم، أعلن حسين شباني نجاد، قائمقام مدينة لامرد في محافظة فارس، جنوبي إيران "اندلاع النيران في جزء من مجمع ألومنيوم مدينة لامرد، لأسباب غير معروفة"، مضيفا أنه لم يتم تقدير الأضرار الناجمة عن الحريق، ولم تقع إصابات جراء هذا الحادث.
وتعرضت منشأة تابعة لشركة شهيد توندجويان للمواد البتروكيماوية إلى حريق كبير في 12 يوليو/ تموز 2020 لكن تم إخماده سريعا، حيث تقع المؤسسة على مساحة 34 هكتارا في المنطقة الاقتصادية الخاصة للبتروكيماويات في مدينة معشور التابعة لمحافظة خوزستان جنوب غربي إيران.
وفي 7 يوليو/ تموز 2020، وقع انفجار بمبنى مصنع "سباهان برش" في منطقة باقر شهر جنوبي العاصمة طهران، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن اثنين وجرح ثلاثة، إضافة إلى الخسائر المادية داخل المصنع، وبالمباني المجاورة.
وبعد ساعات من الانفجار، أكدت وكالة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الحادث نقلا عن رئيس بلدة کهريزك، الذي قال: إن "انفجارا وقع في مصنع بعد التساهل في ملء كبسولات الأكسجين في باقرشهر، مما أدى إلى وفاة اثنين وإصابة ثلاثة".
وفي 4 يوليو/ تموز 2020 أعلن رئيس منظمة الإطفاء في مدينة الأهواز، جنوب غربي إيران، إبراهيم قنبري، اندلاع حريق في محطة للطاقة بمنطقة الزرقان، التابعة للمدينة، بسبب "انفجار المحوِّل".
وفي 2 يوليو/ تموز 2020 اندلع حريق في مبنى مقام على مستوى سطح الأرض في منشأة "نطنز" النووية الإيرانية المقامة تحت الأرض والتي تقوم بالدور الأساسي في برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، والذي أكدت السلطات أن الحريق أسفر عن أضرار كبيرة.
وقبلها بيوم حدث انفجار منشأة طبية في شمال طهران أودى بحياة 19 شخصا، فيما أعلن المدعي العام، علي القاصي مهر، أن تحقيقا أوليا أظهر أن هذا الحادث لم يكن متعمدا، مؤكدا أن "التحقيق كشف عن أن الحادث نتج عن ماس كهربائي وانفجار كبسولات الغاز والأكسجين، أدى إلى احتراق المبنى".
وفي 26 يونيو/ حزيران 2020 وقع انفجار في شرق طهران بالقرب من قاعدة بارشين العسكرية حيث يجري تطوير الأسلحة، وقالت السلطات: إن الانفجار وقع بسبب تسرب في منشأة لتخزين الغاز في منطقة خارج القاعدة.
وفي تقرير "نيويورك تايمز" نقلت الصحيفة عن مسؤولَين في الاستخبارات تأكيدهما أن الإيرانيين قد يحتاجون ما يصل إلى سنتين من أجل إعادة برنامجهم النووي إلى المكان الذي كان عليه قبل تفجير منشأة نطنز النووية.
وأشارت في تقرير بعنوان "الضربة على برنامج إيران النووي: مخططة لفترة طويلة وأكبر من المعتقد"، إلى أن صورا جديدة من الأقمار الصناعية فوق المنشأة المستهدفة تظهر أضرارا أوسع بكثير مما كان واضحا الأسبوع الماضي (مطلع يوليو/ تموز 2020).
المصادر
- إيران تهدد برد صارم إذا تبين أن انفجار منشأة "نطنز" النووية كان هجوما
- إسرائيل تضرب وطهران لا ترد لماذا؟
- انفجارات إيران .. حوادث عابرة أم فاعل مجهول؟
- “الحريق الكبير والانفجار رقم 10” في إيران،، هجمات منظمة أم قيض الصيف وتماس كهربائي؟
- Long-Planned and Bigger Than Thought: Strike on Iran’s Nuclear Program
- وكالة: اندلاع حريق في ميناء بوشهر بجنوب إيران واشتعال النيران في 7 سفن على الأقل
- إيران: اندلاع حريق في مجمع کاویان فریمان الصناعي جنوب مشهد
- فيديو.. حريق هائل في ميناء بوشهر الإيراني الحيوي
- مقتل اثنين وجرح 3 آخرين في انفجار كبير بمصنع جنوبي طهران
- اعتقال مدير مركز "سينا أطهر" الطبي في طهران.. والتحقيق مع عدد من مسؤوليه
- حريق في مجمع ألومنيوم يستخدم في الصناعات الدفاعية جنوبي إيران
- انفجار خزان للمكثفات الغازية شمال شرقي إيران