السويد تحرج دول العالم.. هكذا نجحت بمواجهة كورونا دون حظر

محمود سامي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما لجأت أغلب دول العالم إلى فرض إجراءات الإغلاق على مواطنيها؛ للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، راهنت دول أخرى على تطبيع المناعة الجماعية المعروفة بـ"مناعة القطيع" في تصديها للوباء العالمي.

وذهب محللون وخبراء إلى أن تطبيق سياسة الإغلاق؛ لمواجهة كورونا، كانت أسوأ قرار اتخذته الحكومات في التاريخ، وسط دعوات بإعادة فتح الاقتصاد كي لا يصبح ضحاياه أكثر من ضحايا الفيروس.

وتعتمد "مناعة القطيع" على فكرة تحصين معظم السكان ضد الأمراض المعدية؛ لتقليل الخسائر الصحية وفرص انتقال الأمراض والأوبئة، غير أن تلك الإستراتيجية تصطدم بمخاوف ارتفاع نسب الوفيات والإصابات. 

وهذه الدعوات قابلتها تحذيرات من منظمة الصحة العالمية، التي اعتبرت تطبيق مناعة القطيع "سياسة وحشية للغاية" في ظل مخاوف من حدوث موجات أكثر عنفا لكورونا مع غياب تطوير اللقاحات.

وبحسب المعطيات الرقمية الدولية، فإن نحو 5 ملايين و304 آلاف شخص حول العالم أصيبوا بالفيروس بخلاف 340 ألف حالة وفاة، حتى يوم 23 مايو/أيار، وفق إحصاء موقع "وورلد ميتر" المختص برصد ضحايا "كورونا".

مناعة القطيع

يتم الوصول إلى مناعة القطيع عندما تصبح غالبية السكان (70 إلى 90٪) محصنة ضد الأمراض المعدية، إما لأنهم أصيبوا بالعدوى وتعافوا، أو من خلال التطعيم. 

وعندما يحدث ذلك، تقل احتمالية انتشار المرض إلى الأشخاص الذين ليس لديهم مناعة، لأنه ليس هناك ما يكفي من ناقلات الأمراض المعدية للوصول إليهم.

في الأشهر الأخيرة، اتبعت غالبية الدول إجراءات إغلاق صارمة، لكنها عانت من حصيلة كبيرة من الضحايا إضافة إلى الكساد الاقتصادي.

وبدأت دوائر غربية تنظر إلى السياسة السويدية في معالجة أزمة كورونا باعتبارها الأكثر نجاحا، حيث أنها لم تغلق الاقتصاد رغم عدم وجود لقاح متوقع لمدة عام على الأقل.

وانتهجت السويد مقاربة مختلفة عن أغلب دول العالم، في مواجهة الوباء، حيث لا تزال المدارس والمطاعم مفتوحة وحركة السكان غير مقيدة.

وبينما تعول السلطات السويدية على حس المسؤولية للحد من انتشار الفيروس، إلا أن الأمر لم يخل من فرض بعض القيود، مثل حظر التجمعات لأكثر من 50 شخصا.

وإذا جرى تحقيق مناعة القطيع في جميع أنحاء السويد، فستكون في وضع قوي للعودة إلى طبيعتها النسبية، وفي المقابل قد تواجه دول أخرى المزيد من عمليات الإغلاق لمنع انتشار الفيروس حتى يتم العثور على لقاح.

وفي 22 مايو/أيار، نقلت صحيفة إلباييس الإسبانية عن رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين وصفه لإستراتيجية بلاده في التصدي لجائحة كورونا بأنها ماراثون.

ولم تنتهج السلطات هناك سياسة الإغلاق بل أبقت البلد مفتوحا مع اتخاذ تدابير تقييدية خفيفة، مع الاعتماد أساسا على الثقة في مسؤولية المواطنين باعتبارهم حلفاء في مكافحة الفيروس.

وبينما ينظر العالم -وخاصة جيرانها من دول الشمال- إلى السويد مع تحفظات، يعتقد خبراء من منظمة الصحة العالمية أن "هناك بالفعل دروسا" يمكن تعلمها من تلك التجربة.

وقال مدير برنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية مايكل ريان: "لا يزال الوقت مبكرا، ولكن السويد يمكنها أن تكون نموذجا في العودة إلى الحياة الطبيعية".

وسببت الإستراتيجية السويدية إحراجا لعدة أنظمة بينها الحكومة البريطانية التي قررت إستراتيجية مناعة القطيع في أوائل مارس/ آذار 2020، ولكن عند سقوط آلاف الضحايا تراجعت وفرضت إغلاقا تاما. 

ويواجه الاقتصاد البريطاني الآن ركودا كبيرا، ولديه أيضا ثاني أعلى معدل من ضحايا كورونا، بواقع 37 ألف حالة، بينما لم تتخط وفيات السويد 4 آلاف حالة حتى 23 مايو/أيار.

سياسة فاشلة 

دفعت الإستراتيجية السويدية السلسة في مواجهة كورونا، مسؤولين ومحللين وخبراء إلى اعتبار سياسة الإغلاق "فاشلة".

وفي 21 مايو/أيار، نقلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، دراسة أجرتها مؤسسة "جي بي مورجان" للخدمات المالية، أشارت إلى أن "عملية الإغلاق العام قد فشلت في تغيير مسار الوباء، بل وتسببت في تعطيل سبل العيش لملايين البشر".

وأكدت الدراسة أن "إجراءات الإغلاق لم تسفر عن دمار اقتصادي فحسب، بل كان من الممكن أن تؤدي أيضا إلى المزيد من وفيات كورونا".

وذكرت أن إجراءات الحجر الصارم في المنازل المطبقة في الولايات المتحدة قبل شهرين أفقدت ما يقارب من 39 مليون أميركي وظائفهم، إضافة إلى أكثر من 1.6 مليون إصابة ونحو 100 ألف حالة وفاة في البلاد.

وناهزت إصابات كورونا في الولايات المتحدة - الدولة الأكثر تضررا في العالم - يوم 22 مايو/أيار نحو مليون و645 ألف إصابة بالفيروس، فيما تقترب الوفيات من عتبة 100 ألف حالة، بحسب إحصاء موقع "وورلد ميتر".

وبحسب دراسة عملاق الخدمات المالية "جي بي مورجان"، فإن إعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي قد لا تؤدي إلى زيادة ثانية في الإصابات التي يخشاها خبراء الصحة، مشيرة إلى أن معدلات الإصابة قد انخفضت منذ أن تم رفع إجراءات الإغلاق في أجزاء من البلاد.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال: إن بلاده لن تُغلق (مجددا) في حالة حدوث موجة ثانية من فيروس كورونا. فيما أعلنت مؤخرا جميع الولايات الخمسين، عن خطط للبدء في تخفيف القيود التي تهدف إلى الحد من انتشار كورونا وفتح اقتصاداتها بسرعات متفاوتة، من أجل البدء في العودة إلى الحياة الطبيعية.

خطأ تاريخي

واعتبر المحلل السياسي الأميركي، دينيس براغر، أن الإغلاق العالمي لمواجهة كورونا قد يكون أكبر خطأ في التاريخ، محذرا من تداعياته على الاقتصاد العالمي.

وشرح براغر في مقال له أن الإغلاق في بلاده أدى إلى ركود اقتصادي يعد الأسوء منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

واستشهد بتحذير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أنه بحلول نهاية العام، سيواجه أكثر من 260 مليون شخص في 16  دولة، الجوع، أي ضعف أرقام العام الماضي.

وحذر من وجود خطر حقيقي يتمثل في احتمال وفاة عدد أكبر من الناس من التأثير الاقتصادي لكورونا أكثر من الإصابة بالفيروس نفسه.

وأشار إلى أن "الإغلاق العالمي المميت" قد يدفع إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5٪، ما يعني وقوع 147 مليون شخص آخرين في الفقر المدقع"، وفق ما نقله براغر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.

فيما دعا كنوت ويتكوفسكي، الرئيس السابق للإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة في جامعة روكفلر الأميركية (خاصة/ تهتم بالأبحاث الطبية والحيوية)، إلى خلق "مناعة القطيع"؛ لمواجهة كورونا.

وتوقع ويتكوفسكي في حالة عدم وجود لقاح للفيروس، عدم انتهاء الوباء إلا بعد انتشاره بشكل كاف بين السكان، ساخرا من سياسة التباعد الجسدي (المكاني) التي أقرتها بلاده.

وقال: إن سياسة التباعد تطيل فقط من وجود الفيروس، مؤكدا: "مع كل أمراض الجهاز التنفسي، الشيء الوحيد الذي يوقف المرض هو مناعة القطيع".

وبحسب صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية، أزال موقع "يوتيوب" مقطع فيديو يتحدث فيه ويتكوفسكي عن سياسة القطيع في مواجهة كورونا، بدعوى معارضته توصيات منظمة الصحة العالمية.

وقال ويتكوفسكي في الفيديو المحذوف: إن "حوالي 80٪ من الأشخاص يحتاجون إلى الاتصال بالفيروس، ولن يدرك معظمهم أنهم مصابون"، بحسب المصدر السابق.

احتجاجات وتحذيرات

في 11 مايو/ أيار 2020، قال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، مايك رايان: إن مفهوم مناعة القطيع "خطير".

وقال رايان في مؤتمر صحفي آنذاك: إن العالم بحاجة إلى توخي الحذر عند استخدام المصطلح، لأنه "يمكن أن يؤدي إلى عملية حسابية وحشية للغاية لا تضع الناس والحياة والمعاناة في مركز تلك المعادلة".

وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية نهاية أبريل/ نيسان 2020، من سياسة تخفيف القيود المفروضة للحد من انشار الفيروس.

في المقابل، تتواصل الاحتجاجات والمظاهرات في الولايات المتحدة وأوروبا المطالبة برفع الإغلاق وفتح البلاد، رغم الأرقام القياسية في أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وسط مخاوف من إمكانية حصول عنف في تلك الاحتجاجات.

ففي الولايات الأميركية، وبتشجيع من ترامب، الذي يريد إطلاق عجلة الاقتصاد في بلاده سريعا، تتوالى التظاهرات المناهضة لإجراءات الحجر منذ ما يزيد عن شهر، خاصة في الولايات المتنازع عليها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقررة أواخر 2020.

وخرجت الاحتجاجات رغم دخول قرار بتخفيف أولي لإجراءات الحجر حيّز التنفيذ في عدد من مقاطعات أميركية، كما ألغت ولايات بينها ويسكونسن قرارات بتمديد فترة الحجر.

أما في أوروبا، القارة الأكثر تضررا بفيروس كورونا، ألقت شرطة لندن القبض على 19 شخصا مطلع الأسبوع الماضي؛ لخرقهم عمدا إرشادات التباعد الجسدي احتجاجا على القواعد، في أول عطلة نهاية أسبوع منذ أن أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون تخفيفا طفيفا للإجراءات.

وفي ألمانيا، تظاهر آلاف المواطنين في عدة مدن 17 مايو/ أيار؛ احتجاجا على القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا، ورفضا لخطط تطعيم محتملة أو رقابة مفترضة من الدولة.

ورفع المتظاهرون لافتات كتبوا عليها عبارات من قبيل: "أوقفوا الإرهاب الصحي"، و"الإنذار الزائف لكورونا". ومنتصف شهر مايو/أيار، بدأت ألمانيا إعادة فتح البلاد بعد الإغلاق العام، وستكون إجراءات رفع الحظر في أيدي الولايات الاتحادية الألمانية الـ 16. 

وفرضت فرنسا إغلاقا صارما، في 17 مارس/آذار، وكان على المقيمين تقديم تصريح سفر يبرر سبب القيام بأي رحلة خارج المنزل، لكن اعتبارا من 11 مايو/أيار، جرى تخفيف تلك القيود، على أن تتم مراجعة وتقييم الأوضاع بعد ثلاثة أسابيع.