فضائح جنسية واستعباد راهبات.. هل تطيح أخطاء بنديكتوس بالبابا فرنسيس؟

حسن عفيفي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في السابع عشر من مايو/أيار 2020، طلبت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا من الفاتيكان التحقيق في مزاعم تستر على اعتداءات جنسية بحق شابين أثناء فترة طفولتهما، وذلك بعد نشرهما فيلما وثائقيا بعنوان "هايد آند سيك - الغميضة" يحكي الشابان فيه ما تعرضا له من اعتداءات. 

الواقعة جاءت بعد أسبوعين من تناقل وسائل إعلام عالمية تصريحات منسوبة للبابا السابق، بنديكتوس السادس عشر في أول كشف منه عن كواليس رحيله عن الكنيسة البطرسية في حدث نادر، حيث اتُهمت إدارته بالتستر على الانتهاكات بحق الأطفال.

كما جددت الواقعة الحديث عن مسلسل الاعتداءات الجنسية داخل أروقة الكنيسة العريقة وفي فروعها الممتدة حول العالم، وهل تسببت هكذا حوادث في تنحية البابا بنديكتوس السادس عشر عن كرسي البابوية قبل سبع سنوات. 

قضايا الاعتداءات الجنسية بحق أطفال داخل كنائس تابعة للفاتيكان أو خلال أنشطتها، خرجت إلى أروقة المحاكم مؤخرا.

ففي السابع من مايو/أيار، جرى الكشف عن نتائج تقرير لجنة ملكية في أستراليا، خلص إلى أن وزير مالية الفاتيكان السابق وثالث أقوى رجل في الكنيسة الكاردينال الأسترالي جورج بيل، تستر على انتهاكات جنسية بحق أطفال.

بيل ذاته بُرئ حديثا، بعد الطعن أمام أعلى هيئة قضائية في أستراليا، وبعد قضائه 11 شهرا في السجن بتهمة الاعتداء جنسيا على طفل في 1996، وعلى طفل آخر بعدها بعام واحد.

العام 2019 شهد أيضا نشر تقرير عن مجموعة الرومان الكاثوليك جمع 175 ضحية تعرضوا للتحرش الجنسي على يد 33 قسا في المكسيك قبل نحو سبعين عاما.

كما نشرت المحكمة العليا في ولاية بنسلفانيا الأميركية نهاية 2018 تقريرا يؤكد وقوع أكثر من ألف طفل ضحية للاعتداءات الجنسية، على يد أكثر من 300 قس داخل الكنائس الكاثوليكية في الولاية، وذلك  على مدار سبعة عقود.

استعباد وفضائح

حوادث الاعتداء الجنسي لم تقتصر على الأطفال، ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، مثل رئيس قساوسة كاثوليكي في الهند أمام القضاء بتهمة الاعتداء على راهبة جنسيا عدة مرات، وذلك بعد أن قررت راهبات كسر الصمت وتنظيم فعاليات ومظاهرات رفضا لموقف الفاتيكان والذي يتهمونه بعدم التعامل بجدية مع الحادث.

البابا فرنسيس الحالي أقر أنه في عهد سابقه بنديكتوس السادس عشر وقعت حالات اعتداءات جنسية بحق راهبات بأحد أديرة الفاتيكان، وصلت لحد الاستعباد الجنسي، وهو ما استدعى إغلاق الدير. كما رصدت مجلة "نساء الكنائس في العالم" إجبار راهبات على إجهاض حمل ناتج عن الاغتصاب.

 في يناير عام 2010 ضربت الأوساط الأوروبية فضيحة اعتداءات جنسية بحق أطفال داخل 19 إبريشية كاثوليكية من أصل 27 في عموم ألمانيا، موطن البابا بنديكتوس السادس عشر.

هذه الانتهاكات استدعت من رئيس المؤتمر الأسقفي الألماني اتخاد قرار بتمكين المعتدى عليهم من التوجه للقضاء العادي.

البابا بنديكتوس السادس عشر بدوره أعلن دعمه للإجراءات التي اتخذتها الكنيسة، ما دفع الإعلام الألماني لمهاجمته، حيث اتهمته إحدى الصحف صراحة بإيواء كاهنا متهما بالتحرش الجنسي بالأطفال في ثمانينيات القرن الماضي وقت أن كان أسقفا في إبرشية ميونخ جنوب البلاد.

كما شهدت أواخر عهد البابا بنديكتوس السادس عشر مظاهرات تطالب بفتح تحقيقات في الملفات المسكوت عنها وتعالت أصوات تطالب بمحاكمة رجال دين متهمين باعتداءات جنسية. لتشكل تلك الأحداث وغيرها مدخلا لحدث هام لم تشهده الكنيسة البطرسية منذ 600 عام.

كواليس الاستقالة

في مطلع مايو/أيار 2020، نشر الكاتب الصحفي بيتر سيوالد، كتابه "بنديكتوس السادس عشر  سيرة حياة.. الجزء الأول". ويتضمن الكتاب مقابلات مع رجل الدين جوزيف راتزنغر (ببنديكتوس السادس عشر) والتي يتحدث فيها للمرة الأولى عن كواليس استقالته، واكتفائه بمنصب البابا الشرفي للفاتيكان عام 2013.

 

في مذكرات البابا بنديكتوس السادس عشر، المنشورة مطلع شهر مايو/أيار 2020، جدد فيها حديثه عن المثلية الجنسية كفكرة مرفوضة داخل الكنيسة، حيث أصدر الفاتيكان في عهده تصريحات عن اعتبارها سببا رئيسيا في وقوع الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال.

كما كشف تقرير سري أعده فريق من داخل الفاتيكان قبيل استقالة البابا، عن وجود شبكة من القساوسة المثليين يشكلون جماعة ضغط داخل الفاتيكان.

ويعد جوزيف راتزنغر (بنديكتوس السادس عشر) أول ألماني يجلس على الكرسي البابوي منذ القرن الحادي عشر، ويمثل تيارا محافظا متشددا داخل الكنيسة.

أستاذ التاريخ المعاصر دانييلي مسنوتسي وصف طريقة إدارته على أنها سبب رئيسي في الأزمات التي عاشتها الكنيسة؛ حيث اعمتد على أفكار لاهوتية تعود لمنتصف القرن الماضي ولا تتناسب مع تطورات الحداثة التي تعصف بالمجتمعات الغربية، ما أنشأ صراعا كنسيا بين المحافظين ومؤيدي التجديد والانفتاح.

الكاردينال فرانسيس أرينزي، النيجيري الأصل، والذي كان أحد المرشحين  لخلافة البابا بنديكتوس، رأى أن هناك سببا إضافيا للاستقالة؛ غير الفضائح الجنسية؛ تمثل في التسريبات الكنسية التي حوت وثائق سرية تتعلق برسائل خاصة موجهة للبابا وسكرتيره الخاص.

كشفت التسريبات للعالم وجها جديدا من داخل الكنيسة شهد صراعا على السلطة، مع تأكيد صحف إيطالية أن المسؤول عن التسريبات ليس كبير خدم البابا باولو غابريالي كما تم ترويجيه وإنما اثنان من كبار رجال الكنيسة متورطون في الحادث.

دوافع مسرب الوثائق نقلتها عنه محاميته؛ حيث أكد أن البابا بنديكتوس تُرك عن عمد جاهلا بتفاصيل ما يحدث داخل الكنيسة، وأنه شهد الكثير من الأشياء القبيحة التي لم يعد يتحملها.

التسريبات على خطورتها كانت كثيرة وكافية لتأليف كتاب صدر بعنوان "قداسته" من تأليف الصحفي والكاتب الإيطالي جان لويجي نوتسي، فتح الحديث عن قضايا مثار جدل داخل المجتمع الكاثوليكي تتعلق بفساد مالي وغسيل أموال. 

محاولة إنقاذ

البابا الحالي فرنسيس الذي لم يسلم من الاتهامات بالتراخي في التعامل مع حالات اعتداءات جنسية، حاول معالجة الأزمة التي تمر بها الكنيسة عبر قرار يسمح برفع السرية عن تحقيقات الاعتداءات الجنسية داخل الكنسية، وإجبار رجال الدين على الإبلاغ عن أي انتهاكات جنسية تحدث في كنائسهم.

كما انتهج سياسة أكثر تصالحا مع المثلية الجنسية؛ حيث نقل عنه دعوته لعدم طردهم واحتوائهم، في محاولة لتفادي إثارة اللوبي المثلي داخل الكنيسة للمشاكل؛ ومواجهة أزمة تسريبات كسابقه، ورغبة من البابا فرنسيس في تجنب انتقاد حكومات غريبة.

لكن الموقف العام في الكنيسة ظل رافضا لدعوات دعم المثليين أو المجاهرة بقضيتهم، وهو ما تجلى في تسمية فرنسا عام 2015 سفيرها لدى الفاتيكان ستيفانيني، وهو الدبلوماسي المعروف ليس فقط بمثليته ولكن بدعوته ودعمه لزواج المثليين وبعد أشهر من الصمت والرفض غير المعلن تراجعت باريس عن ترشيحها.

استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر بغض النظر عن دوافعها المعلنة والخفية، وما جلبته من إضعاف لسلطة الفاتيكان إلا أنها مثلت سابقة فتحت الباب أمام الدعوات لتنحي البابا الحالي.