"التبييض الرياضي".. إستراتيجية ابن سلمان للتغطية على الانتهاكات

سلطان العنزي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ مطلع العام 2017، بدأت المملكة العربية السعودية تشهد فعاليات رياضية كبرى، ومسابقات عالمية، بالإضافة إلى استضافتها لعروض ترفيهية ضخمة، جعلت من هذه المملكة الصحراوية محط أنظار المتابعين من مختلف أنحاء العالم.

وبعد جريمة مقتل الصحافي في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، زاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد من النفقات على مجالي الرياضة والترفيه لجذبها إلى بلاده.

وفي محاولة للسير على خطى أصدقائه في أبوظبي الذين اشتروا نادي “مانشستر سيتي” الإنجليزي؛ استحوذ ابن سلمان على نادي “ألميريا” الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية الإسباني في صفقة بلغت قرابة العشرين مليون يورو.

وبعد إخفاقه في شراء “مانشستر يونايتد” الإنجليزي، طرق أبواب نادي “نيوكاسل” للاستحواذ عليه مقابل صفقة ضخمة تتجاوز 300 مليون جنيه إسترليني. ومن المتوقع أن تنتهي الصفقة بنجاح خلال الفترة القليلة المقبلة.

 هذه التحركات السعودية فجرت موجة انتقادات واسعة، فالمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية أكدت أن ابن سلمان يستغل مجال الترفيه، ويستخدم “التبييض الرياضي”، للتغطية على سجله المليء بالاعتداء على حقوق الإنسان والمحاكمات غير العادلة.. فما هو “التبييض الرياضي”، ولماذا تُتهم المملكة بممارسته؟

التبييض الرياضي

بدأ تدول مصطلح “التبييض الرياضي” في عام 2015. ويقوم على فكرة ارتباط دولة بفعاليات رياضية كبيرة، وبالتالي التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان فيها. 

فعندما يُذكر اسم البلد في الأخبار، فإنه عادة ما يقترن سماعه كثيرا بالأحداث الرياضية الكبيرة والجذابة التي ظهرت فيها شخصيات بارزة. ومما لا شك فيه أن الأنظمة الديكتاتورية تأمل في أن تصل رسالة إلى الجماهير التي تراقب بأن كل شيء على ما يرام.

ومن جهة أخرى، حين يتم الحديث عن القضايا المثيرة للجدل خلال الإعداد لحدث رياضي ما، فبمجرد أن يبدأ هذا الحدث، ينتقل التركيز حتما إلى الرياضة، ولا يعود أبدا إلى القضايا الجدلية. فعلى سبيل المثال، الاحتجاجات التي عمّت البرازيل بسبب تكلفة أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، اختفت بمجرد بدء الألعاب.

لكن “تبييض السمعة” عبر الرياضة والترفيه ليس جديدا بل هو أمر دأبت الأنظمة الديكتاتورية على استخدامه منذ زمن بعيد، فقد استخدم الرومان مباريات المصارعة لحرف أنظار الرأي العام عن أوضاع الفقر التي يعيشون فيها، ومنعهم من الثورة.

فيما استخدم النظام النازي بقيادة “هتلر” الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 لتلميع صورته. وفي جنوب إفريقيا حيث التمييز العنصري؛ جرى إحضار الفرق الرياضية لتقديم صورة مزيفة عن الواقع البائس. 

كما أن نزال المصارعة الشهير “قعقعة في الغابة” بين محمد علي كلاي وجورج فورمان، الذي أنفقت عليه “زائير” 10 ملايين دولار في سبيعينيات القرن الماضي، جاء في ظل انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان قادها ديكتاتور البلاد “موبوتو” الذي كوّن ثروة شخصية قدرت بحوالي 15 مليار دولار، في وقت كانت تغرق فيه بلاده بالفقر، فيما أي شخص ينتقد نظامه كان يواجه الموت. 

أما النزال التاريخي الذي أطلق عليه “نزال القرن العشرين” بين محمد علي كلاي ونظيره جو فريزر، في عام 1975، فقد جرى بالفلبين التي كانت تعيش تحت حكم الديكتاتور “فرديناند ماركوس” الذي نهب ثروات بلاده، وأسكت الإعلام، واستخدم القمع ضد معارضيه السياسيين. ففي ظل حكمه سُجن 70 ألف شخص، وسُجِّلت أكثر من 50 ألف حالة اختفاء قسري، ونحو 3257 حالة قتل.

أخطاء فادحة

وبحسب مجلة “نيوزويك” الأميركية فإن المملكة العربية السعودية مساوية لهذا القمع والوحشية، وتبدو الأكثر استخداما للرياضة لتبييض صورتها التي تضررت كثيرا، سيما بعد سلسلة الجرائم والمغامرات التي انخرطت فيها مؤخرا.

فولي العهد السعودي حقق في السنوات القليلة الماضية سجلا مذهلا من الأخطاء، كان آخرها قرارا متهورا بالمقامرة بأسعار النفط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما تسبب في انخفاض أسعار النفط الأميركي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ. 

كما قاد ابن سلمان بلاده للدخول في أزمة مالية كبيرة، بعد شنه حربا ضد اليمن المجاورة، والتي أدت إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. وبالرغم من ثرواتها الكبيرة، لم تستطع القوات السعودية تحقيق النصر على جماعة الحوثي.

ويُتهم الأمير الشاب أيضا بالوقوف وراء جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي التي هزت المملكة وأحرجتها دوليا.

هذا فضلا عن استمراره في القمع الوحشي ضد جميع الأصوات الناقدة والمعارضة لسياساته. وكان آخر ضحاياه الناشط عبدالله الحامد الذي توفي في 24 أبريل/نيسان 2020 داخل سجنه نتيجة الإهمال الطبي.

وبالنسبة لنجوم الرياضة والفن العالميين فإن التعاون مع السعودية ليس أمرا عاديا وإنما محفوف بالمخاطر إلى حد كبير. فقد واجه لاعبا التنس “نوفاك دكوفوبيتش” و“رفائيل نادال” انتقادات واسعة بعد قبولهما خوض مباراة في مدينة جدة قبل أن ينسحبا بحجة الإصابة.

كما انسحبت مغنية الراب الشهيرة “نيكي ميناج” من المشاركة في مهرجان للموسيقى بالمملكة. وبطبيعة الحالة لم يكن هؤلاء هم فقط من تعرضوا للنقد بسبب قبولهم الذهاب إلى السعودية، بل طالت الانتقادات اللاذعة جميع من لم يستطيعوا مقاومة الإغراءات المالية التي قدمها ابن سلمان لهم.

لكن هذه التحركات قد تأتي بعكس ما يشتهيه ولي العهد السعودي، وينقلب السحر على الساحر، فالأمير الشاب الذي يسعى إلى استخدام "التبييض الرياضي” لتلميع صورته؛ ربما يخلق ردود فعل عكسية، وبالتالي يلفت ذلك الانتباه إلى الأشياء التي كان يحاول إخفاءها.

تحويل الانتباه

فبهدف حرف الانتباه عن كل تلك الجرائم والانتهاكات، بدأت الحكومة السعودية تحث الخطى وتسابق الزمن لاستضافة الفعالية الرياضية والترفيهية الكبرى، وجذب الأسماء اللامعة إلى أراضيها.

في سبتمر/أيلول 2019 كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن وجود وثائق تشير إلى ضغط سعودي من خلال وسيط أجنبي، على كبار مفوضي الهيئات الرياضية الرائدة في الولايات المتحدة.

وأوضحت الصحيفة أن الرياض جندت مجموعة “تشرشل ريبلي”، وهي شركة استشارية دولية، من خلال العمل مع السفيرة السعودية في الولايات المتحدة، ريما بنت بندر آل سعود في اتفاق دون عقد رسمي، وكلف السعودية عشرات الآلاف من الدولارات شهريا.

ووفقا للصحيفة البريطانية فإن الأميرة ريما، ترأست حملة الضغط، للمساعدة في عقد اجتماعات مع شركات ومسؤولين تنفيذيين في قطاعات رياضية كبيرة، لتطوير هيئة الترفيه السعودية.

كما عقدت السفيرة لقاءات مع مسؤولين في اتحاد كرة السلة، لتطوير هذا المجال في المملكة، ومع المفوضية القومية لرياضية الهوكي، ومسؤولين في رياضات مختلفة.

بدوره تحدث الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، رئيس الهيئة العامة للرياضة، عن الكيفية التي سيتم فيها تحويل المملكة إلى مركز للرياضة، وقال: “جزء كبير من التغيير داخل المملكة هو الرياضة، وتنمية قطاع الرياضة”.

هذه التحركات أثمرت عن احتضان السعودية أحداثا رياضية غير مسبوقة، مثل سباق الأبطال في الدراجات، والفورمولا 1.

كما عقدت الرياض شراكة مع مؤسسة المصارعة الحرة، واحتضنت بطولات للملاكمة، وبطولة الغولف الأوروبية، وكأس السوبر الإيطالي والإسباني. ناهيك عن الحفلات الغنائية الصاخبة التي لم تتوقف إلا بعد تفشي فيروس كورونا.

كما اشترت الرياض في 27 نيسان/أبريل 2020 حصة بقيمة 500 مليون دولار في شركة Live Nation المعنية بترويج وتنظيم الحفلات الغنائية والفنية والمسرحية وبيع تذاكرها.