لوموند: هكذا أصبحت الجنائز في تونس بعد فيروس كورونا
.jpg)
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية تجاه حالات الوفاة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد- 19)، حيث وضعت بروتوكول دفن صارم للغاية.
وقالت الصحيفة: "في ظل غياب الغسل، وحظر الذهاب بالمتوفى إلى منزل العائلة، وعدم القدرة على إقامة صلاة الجنازة قبل الدفن، صار من الصعب على أقارب المتوفى هو عدم تمكنهم من إلقاء النظرة الأخيرة عليه".
ونقلت "لوموند" عن أنور بن محمد عمّامو، 46 سنة، الذي حضر دفن ابن عمه في القلعة الكبرى، على بعد 130 كلم جنوب تونس القول: "حتى أثناء الدفن، انقلب كل شيء رأسا على عقب، واضطررنا للبقاء بعيدا جدا عن الجسد"، حيث عادة يحمل أفراد الأسرة جسد المتوفى إلى داخل القبر".
وحتى 22 أبريل/ نيسان 2020 سجلت تونس 909 إصابات مؤكدة بالفيروس، مع ثبات عدد الوفيات عند 38، لكن الحكومة قررت مع دخول شهر رمضان المبارك، تخفيف مدة حظر التجول الليلي.
وتخضع تونس منذ مارس/ آذار 2020 لقيود صارمة في إطار إغلاق البلاد بهدف الحد من انتشار عدوى الفيروس الذي يفرض على الجميع البقاء في المنزل باستثناء من يتلقون العلاج.
لكن بالنسبة للخبيرة في الطب النفسي فريدة بنت عطية: "قد يكون لهذه القيود تداعيات معينة لاحقا، يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالعجز أو الذنب لدى العائلات، الذين سيكون لديهم انطباع بالتخلي عن المتوفى بدلا من مرافقته في رحلته الأخيرة".
أما الطبيب النفسي لطفي بوغانمي فيرى أن "طقوس الجنازة مهمة جدا في الدين الإسلامي، حيث يكون هناك دعم جماعي للأسرة بعد ثلاثة أيام من الوفاة، ثم نفس الأمر في اليوم الأربعين".
وفي مواجهة عدم القدرة على أداء الطقوس المعتادة، قد يحتاج أقارب ضحايا الفيروس التاجي إلى مساعدة نفسية، تشير "لوموند"، وبناء على هذه الملاحظة، أنشأت وزارة الصحة رقما مجانيا للاتصال بمختصين.
كيس محكم
في القلعة الكبرى، استغرق أنور يوما كاملا، بمساعدة مسؤولي البلدية، لتنظيم جنازة ابن عمه وضمان حماية الجميع.
وقال سهيل ملاح، عضو المجلس البلدي للقلعة الكبرى وأستاذ الطب الشرعي في سوسة: "لم يكن من السهل إقناع الناس، واضطررنا للجوء إلى الجمعيات لجمع المعدات الوقائية اللازمة"، مشددا على المخاوف والممانعة التي قد تثيرها الوفاة بكوفيد-19 .
ولهذا السبب، تنوه الصحيفة الفرنسية، عملت بلدية تونس، لعدة أيام، على رفع وعي السكان، من خلال عملية الدفن البيضاء، التي تم نشرها على نطاق واسع، من أجل شرح البروتوكول الوطني الذي دخل حيز التنفيذ في 18 مارس/ آذار 2020.
ويوضح منصف حمدون، رئيس الطب الشرعي في مستشفى تشارل نيكول بتونس: "تم وضع هذا البروتوكول الصحي وفقا لإجراءات منظمة الصحة العالمية، لأن الشخص يمكن أن يظل معديا حتى بعد وفاته".
ويتابع: "بمجرد وفاته، يوضع المتوفى في كيس محكم لا يفتحه أحد، ويتم تجهيز جميع الأفراد الذين يتعاملون مع الجثة وتطهير السيارة للنقل إلى المقبرة بعناية".
بالإضافة إلى ذلك، فإن "الجثمان يدفن في تابوت، وليس على وجه الأرض كما يفعل خلال طقوس الجنازة بالنسبة للمسلمين، ثم يغلق القبر بألواح خرسانية لمرة واحدة، ويمكن أن يطلى بالجير الأبيض إذا رغب أهل المتوفى، ولذلك لا يكون هناك أية إمكانية لنقل العدوى".
وتعليقا على هذه الإجراءات، يقول محمد بن ذياب، المختص في الطب الشرعي بمستشفى فرحات حشاد بسوسة: إن هذه الطقوس لا تؤدي تلوث المياه الجوفية.
المرافقة العسكرية
لكن بحسب الصحيفة الفرنسية، هذه التطمينات لم تمنع ردود فعل الخوف والرفض، ففي الواقع، بينما كانت جنازة القلعة الكبرى تسير على ما يرام، عانت عائلات أخرى من "وصمة العار".
ففي مجاز الباب، التي تقع على بعد 50 كلم غرب تونس، اضطرت عائلة أخرى إلى التخلي عن دفن عبد القادر في قبر والدته، وفقا لرغباته.
وأوضح ابن شقيق المتوفى ماهر للصحافة المحلية أنه تم دفن الجثة على بعد سبعة كيلومترات بسبب معارضة 20 محتجا لدفنه في البلدة.
وتقول "لوموند": "في بعض الأحيان يحتاج الدفن ضحايا فيروس كورونا إلى دعم عسكري، ففي أواخر مارس/ آذار 2020 أثار بالفعل دفن امرأة قضت جراء كوفيد - 19 في بنزرت، اشتباكات بين متظاهرين والشرطة".
ومن أجل وضع حد لهذه الخلافات، تدخل الشيخ بدري المدني، أستاذ العلوم الإسلامية، على شاشة التلفزيون لإدانة أولئك الذين يرفضون الدفن وذكر بعض المبادئ التي ينص عليها الإسلام.
وقال: "في وقت من الأوقات، رفضت الكنيسة دفن موليير، وفي تونس احتج المتطرفون على دفن المثقف الشهير طاهر بن عاشور. لسنا بحاجة لرؤية مثل هذا السلوك يتكرر. فبالإضافة إلى ذلك، أولئك الذين ماتوا جراء إصابتهم بمرض كوفيد- 19 يعتبرون شهداء".