رغم العداء.. لماذا دافعت واشنطن عن المسلمين المضطهدين بالصين؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تدع الحكومة الصينية جرما إلا وارتكبته بحق مسلمي الأويجور في منطقة شينجيانغ (إقليم تركستان الشرقية) بشمال غرب الصين، بزعم محاربة الإرهاب، من قمع واضطهاد وتعذيب وتنكيل واغتصاب ومتاجرة بأعضائهم وغيرها من الانتهاكات التي تطيل القائمة لذكرها.

أبرزها الوثائق الحكومية المسربة كشفتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الشهر الماضي، احتوت تفاصيل قمع بكين لمليون مسلم من الأويجور ومسلمين آخرين في معسكرات اعتقال، داخل الإقليم الذي يشهد منذ 2009 أعمال عنف دامية، قتل فيها حوالي 200 شخص، بحسب أرقام رسمية.

وفي ظل صمت البرلمانات العربية والإسلامية عن ما يحدث هناك، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لحمايتهم، من خلال فرض عقوبات على كبار المسؤولين الصينيّين، وذلك بأغلبية ساحقة (407 أصوات مقابل صوت واحد)، في وقت تحتدم فيه الحرب الاقتصادية السياسية بين الصين وأمريكا.

وما زال القانون ينتظر اعتماده من قبل مجلس الشيوخ ومن ثم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما أعربت بكين عن غضبها بعد عملية التصويت، داعية مجلس النواب الأمريكي إلى تصحيح خطئه وعدم التدخل في الشؤون الصينية الداخلية.

ذريعة الإرهاب

بكين في ردها على مشروع القانون الأمريكي ادعت أيضا أنه يسيء بشكل تعسفي إلى جهود الصين في القضاء على التطرف في منطقة شينجيانغ، وهي الحجة التي تتخذها لشرعنة انتهاكاتها بحق مسلمي الأويجور، مستغلة السياق الدولي العام الذي يتخذ من "مكافحة الإرهاب" ذريعة لتبرير كل ما يرتكب من انتهاكات.

موقع "شير أميركا" الإلكتروني التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أكد أن الأدلة الدامغة أثبتت أن ادعاءات الحكومة الصينية بشأن مكافحة الإرهاب غير صحيحة، وواجهتها بالحقائق، والتي تستخدمها واشنطن في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على بكين. 

وقالت: إن السلطات الصينية اعتقلت أكثر من مليون شخص من الأويجور والأقليات الكازاخستانية وغيرهم من المسلمين في معسكرات حيث يضطر السجناء إلى التخلي عن هوياتهم الدينية والعرقية، وأن يُقسموا قسَم الولاء للحزب الشيوعي. 

وأوضحت الخارجية الأمريكية أن الحقيقة هي أنه في تلك المعسكرات يجري تعذيب الناس وإجبارهم على العمل القسري، مشيرة إلى أن الهدف الكبير هو المثقفون الذين تعزز كتاباتهم ودروسهم ثقافة الأويجور.

وأشارت إلى أن الحكومة الصينية جرفت مدافن الأويجور لمنع العائلات من اتباع تقاليدهم وطقوس الدفن الإسلامي، ومنعت الآباء والأمهات من تسمية أطفالهم بأسماء إسلامية، وأجبرت المسلمين على أكل لحم الخنزير أو شرب الكحول – وكلاهما محرم في الإسلام –.

وأوضحت الخارجية أن نهج الحكومة الصينية لا علاقة له بالإرهاب، وإنما يتعلق بإجبار العائلات المسلمة على عدم ممارسة عقيدتها وأداء شعائر دينها.

عقوبات رأسمالية

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في أكتوبر/تشرين أول الماضي، قيودا على منح تأشيرات لمسؤولين في الحكومة الصينية والحزب الشيوعي تحملهم "مسؤولية قمع" الأويجور والأقليات المسلمة، وأعلنت حينها أنها استكمالا لإدراج 28 كيانا صينيا "منظمات" على لائحتها السوداء بتهمة التورّط في حملة القمع ضدهم.

تلك التحركات الأمريكية التي تبدو في ظاهرها إنصافا للأقلية المسلمة في الصين، لا تخرج عن كونها ضمن إطار الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين والتي بدأت بعد إعلان ترامب في مارس/آذار 2018 عن فرض رسوم جمركية على السلع الصينية، وردت الصين بالمثل.

وبذلك تثبت أمريكا أن الرأسمالية وحقوق الإنسان لا يجتمعان، والمؤكد أن الإقرار الأمريكي لمشروع القانون ليس نصرة للحق والمظلومين خاصة أن واشنطن انسحبت من مجلس حقوق الإنسان في يونيو/حزيران 2018، وإنما لأن المصلحة الآن تقتضي ذلك.

فأمريكا لا تعير اهتماما لحقوق الإنسان، فضلا عن أن رئيسها نفسه سبق أن دعا إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة إبان عرض برنامجه الانتخابي.

ويتلخص الموقف في استخدام أمريكا للأويغور كورقة ضغط لإبطاء وعرقلة صعود الصين اقتصاديا وتقنيا، لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى إثارة القضايا الإنسانية المتعلقة بمسلمي الصين بوصفها انتهاكا لحقوق الإنسان.

وبدوره، قال الناشط السياسي حمزة الكناني -خبير العلاقات الدولية والدبلوماسية: إن المصالح الأمريكية أتت هذه المرة في خدمة مسلمي الأويجور، حيث تستخدمها أمريكا في الحرب الاقتصادية التجارية مع الصين بوصفها المنافس على  صدارة الاقتصاد العالمي.

وأوضح في سلسلة تغريدات له على حسابه بتويتر: أن أمريكا تعمل على استغلال كل القضايا التي من شأنها إبطاء وعرقلة صعود الصين خاصة الاقتصادية والتقنية بعد التقدم المذهل في الاقتصاد والفضاء.

وأشار "الكناني" إلى أن أمريكا تعهدت بإثارة القضايا الإنسانية التي تتعلق بمسلمي الصين بوصفها انتهاكا لحقوق الإنسان، إلا أن الطريف أن أمريكا انسحبت من مجلس حقوق الإنسان.

ولفت إلى انخفاض نمو الاقتصاد الصيني في الربع الأخير من العام الجاري إلى أدنى مستوياته منذ 3 عقود، بسبب تداعيات الحروب العسكرية بالوكالة ضدها في كل المناطق التي يمر منها طريق الحرير، كاليمن وكشمير، فضلا عن الحرب الاقتصادية مع واشنطن، حيث يتوقع الخبراء بأن الصين ستتصدر العالم اقتصاديا عام 2030.

وفي دليل على أن أمريكا تستخدم القضايا الإنسانية لمصالح اقتصادية، أكد الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية أن قضية مسلمي كشمير إذا كانت تفيد في عرقلة الاقتصاد الصيني أو أي مصالح أخرى لتقدمت أمريكا وحلفاؤها لاستخدام ورقة حقوق الإنسان وفرض العقوبات على الهند.

ولفت إلى أن الوضع معاكس تماما لأن كشمير أهم أوراق أمريكا لتطويق المحيط الحيوي للصين، كما تقدم الهند خدمة لنفسها ولأمريكا، ويتم استقبالها بالأحضان من حلفائها.

رسالة للصين

الدكتور غسان الطالب - الأكاديمي والمحلل الاقتصادي، أكد أن التحرك الأمريكي تجاة حماية الأويجور ‏بمحاولة تشريع قانون ليس إلا رسائل موجهة إلى الصين بعد تضارب المصالح في أكثر من موقع، خاصة ‏فيما يجري على أراضي القطر السوري وموقف الصين المنحاز للموقف الروسي والإيراني.‏

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن الموقف الأمريكي يأتي أيضا في إطار الحرب التجارية القائمة ‏الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حيث لا تبدو أي بوادر للاتفاق بشأنها.‏

وقال "الطالب": إن البلدان العربية حالها كحال بقية دول العالم تحكم علاقاتها مجموعة من المصالح ‏السياسية، وواقع الأمر أن أغلب أنظمة الدول العربية ليست بأحسن حال مما نصفه بالاستبداد من قبل نظام ‏الحكم في الصين.‏

وأضاف أن أية تدخل من قبل الدول العربية في قضية الأويجور سيعرضهم للتدخلات الخارجية في شؤون ‏سلطاتهم إضافة إلى الخوف من ربط أي تحرك من طرفهم بمسألة الإسلام السياسي ودعم الإرهاب.‏

وأشار "الطالب" إلى أن العديد من الدول العربية لها علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية مع الصين ولا ‏ترغب بخسارة هذه العلاقات مقابل الوقوف مع شعب الأويجور، لافتا إلى ما تمثله الصين من قوة اقتصادية ‏عالمية لا يمكن لهم مجابهتها.‏

واستطرد: "ماذا ننتظر منهم أن يقدموا للأويغور إذا هم تخلوا عن الشعب الفلسطيني في مواجهة ‏الاحتلال الصهيوني". ‏

خذلان إسلامي

وفي الوقت الذي تقتات فيه أمريكا والغرب على قضايا المسلمين ويستغلونها لصالحهم، تظل الضحية أولا وأخيرا هم المسلمون، في مقابل التزام الأنظمة العربية والإسلامية الصمت لذات السبب الذي يصرخ من أجله الغرب الآن، وهو الدواعي الاقتصادية.

فباكستان والسعودية وإيران وغيرهم لا ينتقدون سياسة الصين حفاظا على العلاقات الاقتصادية معها، بل وصل الأمر حد تملق تلك الدول حفاظا على الصفقات وطمعا في المزيد، وأصبحت أموالها تتدفق على الصين، وتستخدم لقمع المسلمين.

الخبيرة الألمانية سوزانه شروتر مديرة مركز البحوث حول الإسلام العالمي بجامعة غوته بفرانكفورت، قالت: إن العالم الإسلامي ينأى بنفسه عن توجيه انتقادات لمعسكرات الاعتقال التي تديرها الصين بغية "إعادة تأهيل" المسلمين الأويجور.

وأوضحت في حوار لها مع صحيفة دويتشه فيله الألمانية، أن السعودية وباكستان لا تنتقدان سياسة الصين لأسباب اقتصادية، مشيرة إلى إشادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صراحة بالصين في سياسة الأقليات.

ولفتت "سوزانه" إلى أن سلسلة كاملة من الدول العربية عبرت عن الموقف نفسه، بسبب العلاقات الاقتصادية أيضا، قائلة: إنه حتى من جانب إيران لا يوجد بصيص من الانتقاد لسياسة الأقليات الصينية، لأن الصين هي أهم مشتر للنفط الإيراني وتشارك في مشاريع للنفط والغاز وتوسع علاقاتها الاقتصادية مع طهران.

وأكدت أن الكثير من البلدان الإسلامية يسودها حكم مستبد وتُنتقد من طرف حكومات غربية بسبب خرق حقوق الإنسان، قائلة: إن هذا ينطبق على مصر ودول الخليج وباكستان وإيران وبلدان كثيرة أخرى. 

وأضافت أن الصينيين لا تهمهم على ما يبدو حقوق الإنسان، ويمكن إبرام صفقات معهم دون الخوف من أن يعلق الطرف الآخر على خروقاتهم لتلك الحقوق أو انتقادها.

خيانة المسلمين

وبالنظر إلى ما قالته الخبيرة الألمانية، فيمكن التأكد من عدم وجود دول إسلامیة تحمل معاناة المسلمين مطلقا، بل هناك حكاما وأنظمة ديكتاتورية، موالية للغرب، تضع مصالحها الاقتصادية فوق كل الاعتبارات الإنسانية والحقوقية، وتلزم المنظمات الإسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي على السير في فلكها.

مجلة "فورين بوليسي" نشرت مقالا للباحث في معهد الأبحاث الإستراتيجي التابع لكلية الحرب في الجيش الأمريكي عظيم إبراهيم، يتهم فيه قادة المسلمين بخيانة مسلمي الأويجور في الصين، مشيرا إلى أن الدول الإسلامية لم تتظاهر حتى بالتعاطف معهم، كما أنها لا توفر لهم الملجأ الآمن.

وتساءل عن موقف الدول التي نصبت نفسها متحدثة باسم مسلمي العالم، إيران والسعودية ومصر، والتي تقدم نفسها بصفتها قائدة للعالم الإسلامي وحامية للأمة الإسلامية العالمية، ويتوقع منها الدفاع عن المستضعفين المسلمين.

وأكد "إبراهيم" أن دولا مثل مصر والسعودية وإيران وتركيا لو لم يكن لها  استفادة من الصين لشاهدنا اليوم دعوات متعددة للجهاد ضدها، مضيفا أن الدعوة للجهاد ضد أي دولة تضطهد المسلمين هي الطريق الأسلم للشعبية التي يبحث عنها أي قائد مسلم.

الليكود العربي

الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي -الباحث والأكاديمي السعودي المعارض، قال: إن الدول العربية والإسلامية انسحبت في الفترة الأخيرة من أي مشهد إسلامي عدا تركيا وماليزيا، وأصبحت المحلية والمصلحة هي محور معظم الدول، وألغيت فكرة أخوة الإسلام.

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال" أن بعض حكام الدول مثل محمد بن سلمان -ولي عهد السعودية والحاكم الفعلي هناك، أيد الصين في تصرفاتها ضد أهل تركستان الشرقية في انخلاع تام من كل ما عرف عن المملكة قبل عام ٢٠٠١، وعن كل مقررات رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي أسست لمثل هذه الأمور.

ووصف "الغامدي" ما تنتهجه الدول العربية والإسلامية بأنها "حالة تشرذم ما قبل الانهيار"، لافتا إلى وجود دول مضادة تقود الشعوب وحقوقها نحو هذا التوجه عمليا وخاصة مصر والسعودية والإمارات.

ورأى أن أقرب مثال لذلك قضية فلسطين التي يبيعونها بيعا ليبقوا على كراسيهم، مؤكدا أنه برغم آلام هذه الأحوال إلا أنها مؤذنة بزوالهم واستعادة الأمة روحها ونبضها من دول الليكود العربي ومن سار في فلكهم، وفق تعبيره.

والليكود العربي توصيف مجازي يطلق على الحكومات المناهضة لمواقف الأمة والمتناغمة مع سياسات الغرب وإسرائيل، نسبة إلى حزب الليكود الإسرائيلي، وقد أثبتت مواقف تلك الحكومات من أزمة الأويغور انزواءها تحت ذلك التوصيف.