الإمارات تستغل إريتريا لشيطنة خصومها.. وهذا المقابل

شدوى الصلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أظهرت المواقف السياسية والتحركات الدبلوماسية خلال السنوات الماضية، أن إريتريا أصبحت لعبة بيد الإمارات، بعد أن فتحت أراضيها لإقامة القواعد العسكرية والسجون والمعتقلات التي تديرها حكومة أبوظبي في الظلام بصورة كاملة.

كما ارتمى الرئيس الإريتري الأكثر ديكتاتورية، أسياس أفورقي، بشكل كامل في حضن المحور الإماراتي، وأصبح وكيل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في المنطقة.

وبتقارب أبوظبي مع إريتريا التي يواجه نظامها الحاكم اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تمكنت الإمارات من الحصول على عقد إيجار لمدة 30 عاما للاستخدام العسكري لميناء عصب العميق ذو الموقع الإستراتيجي، في مسعى منها للهيمنة على حركة الملاحة وتوسيع نفوذها ووجودها العسكري في مدخل باب المندب عبر قاعدتها هناك.

ومن خلال ذلك الميناء الذي يبعد 60 كم (37 ميلا) فقط عن السواحل اليمنية، تمكنت الإمارات من استخدام إريتريا في نشر الفوضى باليمن، واستخدمته في حصارها البحري عليه وفي شن عمليات عسكرية.

ويرى مراقبون أن الإمارات تمكنت من استخدام إريتريا لشيطنة خصومها، ودفعتها لاتهام قطر بالتخطيط لاغتيال مسؤولين إرتريين عبر تدريب عناصر من المعارضة الإرترية على الاغتيالات، زاعمة أن قطر أرسلتهم إلى إريتريا لتنفيذ المخطط، بحسب ما جاء في بيان لوزارة الإعلام الإريترية.

اتهام ورد

وأصدرت إريتريا عبر وزارة إعلامها، بيانا يبدو من قراءة سطوره الأولى أنه كتب بقلم إماراتي، إذ كالت إريتريا الاتهامات لقطر دون دليل، واتهمتها بدعم فصائل وجماعات معارضة وتحريضهم على التمرد ضد الحكومة، وتنفيذ مخططات تخريبية مستخدمة السودان كنقطة انطلاق.

وقالت: إن "المخطط القطري" يتسبب في تأجيج الصراعات بين الأديان في البلاد، وزرع بذور الانقسام والكراهية بين المواطنين، مدعية أن قطر وفرت ضمن مخططها التخريبي، التدريب العسكري لعناصر المعارضة المسلحة، وخاصة تنظيم الإخوان "الإرهابي"، والقيام بأعمال تخريب اقتصادي وتأجيج الدعاية العدائية ضد إريتريا واغتيال قادة بارزين في البلاد –على حد قول البيان-.

وبدورها، ردت وزارة الخارجية القطرية، معلنة رفضها لبيان إريتريا جملة وتفصيلا، وملمحة إلى وجود أطراف أخرى تقف خلف البيان خاصة أن "أسمرة"، سبق أن دعت قطر للتوسط بينها وبين جيبوتي في خلافها الحدودي عام 2017.

ووصفت قطر الاتهامات بالباطلة، مؤكدة أن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأية فصائل أو جماعات في إيرتيريا.

وأعلنت استغرابها من البيان المفاجئ من وزارة الإعلام تحديدا، عوضا عن اللجوء إلى القنوات الدبلوماسية والقانونية المتعارف عليها في المجتمع الدولي، الأمر الذي يثير الريبة حول النوايا الحقيقية والأطراف التي تقف خلف هذا البيان البعيد عن الواقع.

وجاءت بيانات وزارة الإعلام الإريترية التي تكيل الاتهامات لقطر بعد زيارات أجراها الرئيس الإريتري إلى الإمارات، حيث استقبله ابن زايد في فبراير/شباط الماضي، ليخرج البيان الأول في أبريل/نيسان الماضي أي بعد قرابة الشهرين من الزيارة.

كما زار الرئيس الإريتري أبوظبي في سبتمبر/أيلول الماضي، ليصدر البيان الإريتري الأخير في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي أي بعد شهرين أيضا من الزيارة، ما يؤشر إلى أن ما تتضمنه بيانات الجانب الإريتري ملفقة بامتياز.

ما ذهب إليه بيان الجانب الإرتيري يبدو محاولة لتحميل دول أخرى مسؤولية فساد النظام الحاكم خاصة أنه ليس الإتهام الأول، إذ سبق أن وجهت وزارة الإعلام الإريترية الاتهام ذاته، لقطر وتركيا في أبريل/نيسان الماضي، ما دفع قطر إلى تسليم مذكرة احتجاج إلى السفير الإرتيري بقطر، تعبر فيها عن استهجانها واستغرابها من البيان. 

إسقاط النظام

فالبلد الإفريقي الذي يحكمه أسياس أفورقي (73 عاما) منذ استقلاله عن إثيوبيا في 1993 وحتى اليوم، لا يوجد فيه أي مقومات للحياة السياسية الصحية، فلا برلمان في البلاد ولا دستور، كما أن الأحزاب والإعلام المستقل ممنوع، ولا نقابات، والقضاء تابع للجهاز للتنفيذي.

"أفورقي" حرص منذ وصوله إلى السلطة على إقصاء كافة المكونات السياسية والعسكرية ومنع قيام أية أحزاب سياسة، ونصب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة كحزب سياسي وحيد في البلاد، كما نفذ عمليات ”التطهير” داخل جبهته.

وعمل على تصفية أي تهديد محتمل ونفذ عمليات إعدام وسجن بحق رفاقه القدامى وكل المعارضين أو المنتقدين لنظامه الديكتاتوري.

ويواجه "أفورقي" اتهامات في الداخل بالهيمنة على مقاليد السلطة في البلاد، ما دفع المعارضة الإريترية للتحرك في أكثر من مناسبة لمحاولة إسقاطه، آخرها البيان الذي وقعه عدد من المعارضين في مايو/آيار الماضي، يرصدون فيه ما وصلت إليه البلاد من تدني الخدمات وارتفاع مستويات الهجرة وانهيار الاقتصاد.

كما أشار البيان إلى أن المشكلة الرئيسة أن الرئيس أفورقي، يترأس نظاما هزيلا، وهناك إجماع واضح بين الإريتريين من كافة الخلفيات على أنه يجب أن يتخلى عن السلطة.

البيان تحدث أيضا عن السياسة الخارجية، مشيرا إلى أن دول الخليج التي اختارت أن تجعل من إريتريا وإثيوبيا أن تكونا "صديقين حميمين" لهما تاريخ طويل من سجلات سيئة لحقوق الإنسان، في إشارة إلى السعودية، الإمارات التي قادت المصالحة الإثيوبية الإريترية.

 وأهم دليل على أن النظام الإريتري الحاكم يواجه مشاكل لا دخل لأي دولة أخرى بها، هو محاصرة 200 جندي لوزارة الإعلام الإريترية في يناير/كانون الثاني 2013، وبث بيان يطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وإعلان شخصيات معارضة حينها أن هناك انتفاضة مسلحة بالبلاد.

إلا أن النظام تمكن من السيطرة على الوضع ووصفت حينها بأنها حركة محدودة نفذتها قوى عسكرية حاصرت مبنى وزارة الإعلام وأجبرت مدير التلفزيون الحكومي على المطالبة بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين.

والشاهد هنا أن هذه الغضبة الجزئية كانت إبان ممارسة قطر دورا محوريا في تهدئة النزاع بين إريتريا وجيبوتي، بعد اتهامات الأولى للثانية باحتلال أرض تابعة لها.

وتدخلت الدوحة بمبادرة تلزم الطرفين بالانسحاب من المنطقة المتنازع عليها لتعسكر فيها قوات قطرية محايدة، على أن تشكل لجنة مهمتها ترسيم الحدود بين الدولتين طبقا للوثائق التي تسلمها كل دولة، وستكون النتيجة التي تخرج بها اللجنة ملزمة لكل الأطراف وللمجتمع الدولي.

تلك الاتفاقية جرى توقيعها في يونيو/حزيران 2010 وظلت بموجبها قطر موجودة في المنطقة المتنازع عليها حتى وقوع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017، وانحازت جيبوتي إلى السعودية وظل الموقف الإريتري ملتبسا، فيما جزم مراقبون بوقوف إريتريا إلى جانب الإمارات و السعودية في خلافها مع قطر.

ويجدر الإشارة إلى أن الإمارات تكن العداء لقطر، ودفعت بقوة لإشعال الأزمة الخليجية وإعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتهم مع الدوحة بمزاعم مشابهة لتلك التي توجهها إريتريا لقطر في بياناتها المستنكرة من قبل الدوحة.

 دور الإمارات

ومن هنا برزت بقوة مساعي محمد بن زايد –ولي عهد أبو ظبي لتحريك الدمى في إريتريا ضد الدوحة، وزاد من قوة تأثير ذلك دور الوسيط الذي لعبته الإمارات على المستوى الدبلوماسي في اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا الذي وقعه زعماء البلدين في 9 يوليو/تموز 2018.  

العلاقة غير المشروعة بين الإمارات وإريتريا بدأت تتكشف خطوة بخطوة، إذ كشفت صور بالأقمار الاصطناعية تفاصيل جديدة حول سجون سرية إماراتية مريبة، في مدينة عصب الإريترية، على ساحل البحر الأحمر، المقابل لليمن.

وأظهرت الصور التي حصلت عليها شبكة الجزيرة الفضائية وبثتها في مارس/آذار الماضي، مبان على مساحة 400 متر مربع، وسط تأكيدات بأن هذه السجون تدار في الظلام بصورة كاملة من قبل مرتزقة أو مجندين محليين مدعومين إماراتيا ومزودين بمعدات وأسلحة حديثة.

ذلك الميناء استأجرته الإمارات من إريتريا في عام 2015 لمدة 30 عاما، وتتخذه قاعدة عسكرية لها تستخدمها في حملتها في حرب اليمن، وفي المقابل تحصل إريتريا على المال والنفط من أبوظبي.

هيئة الإذاعة الألمانية (DW) كشفت في تحقيق استقصائي في فبراير/شباط الماضي، استغلال الإمارات لميناء عصب الإرتيري الذي يبعد 60 كم (37 ميلا) فقط عن السواحل اليمنية، في شن عمليات عسكرية، وتنشر الفوضى من خلال ممارسة التعذيب والاغتيالات هناك.

وأشار التحقيق إلى أن ميناء "عصب" يمكن للسفن الحربية الإماراتية أن تسير بسرعة عبر المضيق إلى مدينتي الحديدة اليمنية أو المخا، بدلا من الاضطرار إلى القيام بالرحلة الطويلة من موانئها الرئيسية عبر خليج عدن.

 

موقع تيكتيال ريبورت الاستخباراتي أكد أن الحضور الإماراتي في دول إفريقية من بينها إريتريا، جاء في سياق التنافس الإقليمي والدولي على هذه المنطقة.

ولم تكن الأهداف العسكرية فيما يتعلق بدعم القوات الإماراتية المشاركة في حرب اليمن، والحفاظ على تأمين المدن الجنوبية اليمنية التي سيطرت عليها القوات الإماراتية، هي الوحيدة لمساعي الإمارات تعزيز نفوذها في هذه الدول.

وركز الموقع على أن الوجود الإماراتي في منطقة القرن الإفريقي، هدفه السيطرة والنفوذ، بما يخدم دور أبوظبي الهدام في منطقة شرق إفريقيا، موضحا أن النفوذ الإماراتي يعتمد على  إستراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة. 

مصالح إريترية

مساعي الإمارات للمصالحة السياسية بين إريتريا وإثيوبيا أسهمت في رفع العقوبات المفروضة على إريتريا من قبل مجلس الأمن منذ 2009 المتمثلة في حظر الأسلحة والسفر وتجميد أصول بعض الأفراد والكيانات، واعتبر دورا محسوبا للإمارات التي كانت أولى المرحبين بالقرار الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

بالرغم من أن الإمارات لم تلتزم بتطبيق تلك العقوبات وقدمت دعما اعتبره فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي انتهاكا للقرارات الدولية.

وبدورها، كشفت وكالة بلومبرغ الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أن إريتريا تلقت مساعدات عسكرية من الإمارات العام الماضي.

ونقلت عن محققين تابعين للأمم المتحدة أن ثلاثة عشر من طلاب القوات الجوية والبحرية الإريترية تلقوا تدريبا في معاهد عسكرية إماراتية، وتلقى سبعة آخرون تدريبات في معاهد هندسية بين عامي 2012 و2015، وهو العام ذاته الذي وقعت فيه الإمارات مع إريتريا عقد استئجار ميناء عصب.

ومقابل ذلك العقد، ساعدت الإمارات والسعودية إريتريا في تحديث شبكة الكهرباء، وقدمتا مساعدات عينية من النفط بالإضافة إلى مساعدات أخرى، كما أرسلت إريتريا 400 جندي إلى اليمن كجزء من قوات التحالف -بحسب موقع ستراتفور-.

كما تكفلت الإمارات ببناء خط أنابيب نفط يربط بين ميناء حيوي في إريتريا والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.