أغنى دولة بإفريقيا.. لماذا لا يستفيد فقراء نيجيريا من ثرواتها؟

"عملاق إفريقيا"، هكذا توصف نيجيريا دوما، كونها تحظى بأكبر اقتصاد في القارة السمراء جعلها أكبر منتج للنفط فيها، وكذلك فهي أكبر دولة من حيث عدد السكان بالقارة، إلا أن كل تلك الميزات لم تنعكس على مستوى معيشة النيجيريين.
ومع منح منظمة أوبك للدول المصدرة للبترول مستوى إنتاج أعلى لنيجيريا لاستيعاب توسع الصناعة فيها، يتجدد الحديث حول المفارقة التي تعيشها البلاد، بين مستوى اقتصادي مرتفع نظريا، وفقر ينهش نحو نصف سكانها.
تبقى أصابع الاتهام موجهة عادة إلى الحرب التي تخوضها الدولة ضد التنظيمات المسلحة، وأبرزها "بوكو حرام"، في العديد من المناطق، كسبب أبرز في تلك المعادلة، غير أن هناك أسبابا أخرى تحرم النيجيريين من ثروات بلادهم.
الأغنى والأفقر!
تعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في إفريقيا بإنتاج يقترب من مليوني برميل يوميا، ومن أكبر الدول مساحة فيها (أكثر من 963 ألف كلم2)، وهي الأكثر سكانا أيضا بأكثر من 200 مليون نسمة.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2016، يعد اقتصاد نيجيريا الأكبر في القارة السمراء، تليها جنوب إفريقيا التي تتنافس معها دائما على الصدارة، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لأبوجا 415.08 مليار دولار مقابل 314.73 مليارا لجوهانسبرغ.
ولنيجيريا ثروات طبيعية متعددة تتوزع على جميع أقاليم وجهات البلاد، إلى جانب احتياطي هائل من الغاز الطبيعي هو الأكبر في القارة الإفريقية، وتحتل المرتبة 12 عالميا لإنتاج الغاز.
كما توجد في هضبة جوس بأواسط نيجيريا مناجم مهمة للقصدير، والكولمبيت (خام معدني)، وتشمل الموارد الطبيعية الأخرى المهمة في العملاق الإفريقي، الذهب والفحم الحجري، وخام الحديد والرصاص، والحجر الجيري، والزنك.
وتعد نيجيريا من أهم الدول المنتجة للفول السوداني في العالم، كما تحتل المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج الخشب لما تمتلكه من غابات واسعة، وتعتبر الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي خامس أكبر مصدر للنفط إلى أمريكا.
اقتصاديا، تشير تلك الأرقام والبيانات إلى دولة مزدهرة يتمتع مواطنوها برفاهية ومستوى معيشي مرتفع، إلا أن الحقيقة صادمة، فالدولة الأغنى في إفريقيا تضم أكبر عدد من الفقراء ليس بالقارة فقط، بل على مستوى العالم.
في تقرير نشرته منظمة "أوكسفام" غير الحكومية، مارس/أذار الماضي، فإن الفقر المدقع (أقل من 1,9 دولار في اليوم بحسب تعريف البنك الدولي) تراجع عموما، لكن وتيرته: "تشتد في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي تسجل فيها ثلثا حالات الفقر المدقع حول العالم".
ومنذ 2018، باتت نيجيريا البلد الذي يضم أكبر نسبة من حالات الفقر المدقع في العالم، متخطية الهند في هذا الخصوص، بحسب معهد "وورلد بوفرتي كلوك".
ويفيد هذا المعهد البحثي بأن 6 نيجيريين ينزلقون في دوامة الفقر المدقع كل دقيقة، ومن المتوقع أن تبلغ نسبتهم 45,5 % من إجمالي عدد السكان بحلول 2030، أي 120 مليونا، في مقابل 44,1 % حاليا.
خبراء مؤسسة "مليندا وبيل جيتس" التي تمول عددا كبيرا من مشاريع التنمية والرعاية الصحية التي تنفذها وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في البلدان الإفريقية، توقعوا أن يكون 44% من جياع العالم في عام 2050 من سكان دولتين إفريقيتين فقط، هما: نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، أغنى البلدان الإفريقية بالموارد الطبيعية.
وتشير أرقام أخرى إلى أن نيجيريا لا تستفيد -بشكل أو بآخر- من ثرواتها الطبيعية والسكانية، إذ أن سوء التغذية بين الأطفال الأقل من 5 سنوات فيها، بلغ نسبة 36.4% (تقديرات 2015)، بينما بلغ معدل الوفيات بينهم 117.4 لكل ألف نسمة.
وفي معدل التنمية البشرية على المستوى العالمي بلغت نيجيريا المرتبة الـ152 من بين 188 دولة، في حين احتلت المرتبة الـ92 في مؤشر الجوع من بين 104 دول، وفق الأرقام التي نشرتها منظمة "تحرك ضد الجوع".
صراعات ممزقة
يتفق كثيرون على أن الحرب والنزاعات المسلحة هي السبب الرئيس الذي أنتج المعادلة السابقة، وأن انخراط الدولة في مواجهة التنظيمات المسلحة، حرم النيجيريين من خيرات بلادهم، وكف أيدي المسؤولين عن الاستفادة من ثرواتها.
وعند ذكر الحرب، تبرز المواجهات التي تخوضها الدولة ضد جماعة "بوكو حرام" التي تنشط في شمال شرقي نيجيريا منذ عام 2009، وبايعت تنظيم الدولة عام 2015.
ورغم ضراوة القتال وما شهدته الجماعة من انقسامات حادة منذ ذلك الوقت، إلا أنها بقيت قادرة على أن تشن هجمات دامية في المنطقة، وفيما تدخل الحرب عامها العاشر، لا تزال هجماتها على التجمعات المدنية والمواقع العسكرية خارجة عن السيطرة.
في سبتمبر/أيلول الماضي، قُتل أكثر من 3 جنود، وأصيب 10 آخرون في كمين نصبته "بوكو حرام" على طريق بولاية "بورنو" شمال شرقي نيجيريا.
الهجوم أعقب إعلان الجيش النيجيري اعتماد نموذج جديد يقضي بانسحاب قواته من أكثر من 100 وحدة في عدة تجمعات سكنية بالمنطقة الممتدة لنحو 95 ألف كيلومتر، لتستقر في مواقع أقل تسمى بـ"المخيمات الخارقة".
وفي لقائه الرئيس محمدو بخاري، اعتبر حاكم ولاية "بورنو"، باباجانا زولوم، أن قرار الانسحاب "فاقد للحكمة"، مشيرا إلى أنه أشعل فتيل هجمات بوكو حرام التي استهدفت مدينتي جوبيو وماجوميري، مجبرة العديد من السكان على الفرار.
كما تنفذ "حركة تحرير دلتا النيجر"، التي تعد من أبرز الجماعات المسلحة، هجمات ضد ما يعتبرونه اضطهادا واستغلالا لشعب منطقة دلتا النيجر، والمشاكل البيئية الناتجة عن قيام الشركات الأجنبية بالتنقيب واستخراج النفط من المنطقة.
وربما يظن كثيرون أن تاريخ نيجيريا مع الحروب والصراعات الدموية يبدأ مع بوكو حرام، إلا أنه يسبق هذا التنظيم بعقود مستندا على مكونات عرقية متعددة، جعلت البلاد معرضة لخطر التقسيم، مثلما أعلنت دولة (إيبو) جمهورية بمنطقة (يافرا) في وسط وجنوب نيجيريا، بين عامي 1967 و1970م، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من ضبط المنطقة واسترجاعها.
وتتوزع الأعراق الرئيسة بنيجيريا في الشمال، ذي الأغلبية المسلمة، حيث توجد قبائل الهوسا والفولاني، وفي الشرق والجنوب الشرقي قبائل الأيبو، والجنوب والجنوب الغربي ذي الأغلبية المسيحية تتركز قبائل اليوروبا.
لكن ليست الحرب وحدها في قفص الاتهام، فهناك أسباب أخرى أدت إلى تراجع مؤشرات الفقر والتنمية الاجتماعية في البلاد، وفق تقرير للبنك الدولي، أبرزها النمو السكاني وتغيّر المناخ الذي تنجم عنه فيضانات وفترات جفاف غير مسبوقة تؤدي إلى فقدان المحاصيل الزراعية.
كما أن الأمراض التي تتفشى بسرعة لعدم توفر الخدمات والمرافق الصحية الأساسية، تؤدي إلى نقص في اليد العاملة التي يعتمد عليها قطاع الزراعة مما يؤدي بدوره إلى تراجع الإنتاج الغذائي، فضلا عن هشاشة البنى التحتية الزراعية مثل الطرق ونظم الري ومرافق التخزين والمستلزمات الزراعية.
القبلية تحكم
ويظل انعدام الاستقرار السياسي أو تأرجحه، عقبة رئيسية أمام إفاقة العملاق النيجيري من سباته، كما هو الحال في العديد من بلدان القارة السمراء، التي قال البنك الدولي: إنها بحاجة إلى 4 أو 5 عقود لكي تستقر أنظمتها السياسية وتترسخ فيها المؤسسات الرسمية اللازمة لقطف ثمار النمو الاقتصادي.
في فبراير/شباط الماضي، أُعيد انتخاب الجنرال السابق محمدو بخاري رئيسا لفترة ثانية وأخيرة، حيث يحصل الرئيس في نيجيريا على فترتين رئاسيتين كحد أقصى، مدة كل واحدة منها 4 سنوات، فيما ترتكز السلطة التشريعية بيد الجمعية الوطنية (البرلمان) المكونة من مجلسي الشيوخ (109 مقاعد) والنواب (360 مقعدا)، وتعتبر الجمعية الوطنية هي السلطة المخولة بفحص سلطة الرئيس المنتخب.
ونظام الانتخابات الرئاسية في نيجيريا لا يخلو من المفارقات، بحسب تقارير إعلامية، فهو ديمقراطي إلا أن الرئيس المنتخب يأتي ضمن مساومات غير رسمية بين السياسيين من الشمال والجنوب، وتستند تلك المساومات على خلفيات مناطقية ودينية وعرقية.
للقبيلة سطوة ونفوذ في المعادلات السياسية والأمنية بنيجيريا التي تضم مجموعات قبلية وسكانية كثيرة، من أبرزها: الهَوسا (أكثر من 55.6 مليون نسمة) واليوروبا (أكثر بقليل من 41.6 مليون نسمة) والإيجبو -أو الإيبو- (نحو 32 مليون نسمة) والفولاني (في نيجيريا وحدها أكثر من 15.3 مليون، ومجموعها في دول جنوب الصحراء يقارب الـ40 مليون نسمة).
هذه الشعوب أو القبائل الأربعة تشكل وحدها أكثر من 70% من إجمالي تعداد السكان، ولذلك تُلقي العلاقات والتجاذبات بين هذه القبائل بظلال مؤثرة على تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد.