فضيحة جديدة للإمارات في ليبيا.. لهذا حاولت شراء صمت "التبو"

مهدي محمد | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتكشف يوماً تلو الآخر حقائق جديدة تفضح الدور الإماراتي المشبوه في العديد من بلدان المنطقة دعماً للديكتاتورية ومناهضة لإرادة الشعوب، ولم تكن الساحة الليبية إلا مثالاً صارخاً على بشاعة ودموية هذا الدور.

لم يقتصر الأمر على دعم الإمارات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خاصة في سلسلة غاراته على المدنيين بعد فشله في الوصول للعاصمة طرابلس، فحسب، بل امتد لمحاولة طمس الحقائق والتغطية على الجرائم واستمالة مكونات الشعب الليبي.

قبائل التبو لعبت دور البطل في كشف فضيحة جديدة للإمارات، بعد رفضها تسوية إماراتية للتنازل عن ملاحقة أبوظبي قضائياً، بعد تورطها في مجزرة "مرزق" التي قُتِل فيها أكثر من 40 شخصاً وجُرح نحو 50 آخرون كلهم من المدنيين في قصف لطيران حفتر على المدينة بداية الشهر الماضي.

العرض الإماراتي

بعد أن كان حفتر مسيطراً على مدينة مرزق معقل قابئل التبو في الجنوب الليبي، اضطر عند إطلاق عمليته للسيطرة على طرابلس أبريل/نيسان الماضي، إلى سحب عدة تشكيلات تابعة له من الجنوب لتعزيز الجبهات جنوب العاصمة، ما ترك فراغاً أمنياً في هذه المنطقة الشاسعة.

استغلت قوة حماية الجنوب المتحالفة مع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والتي ينحدر أغلب مقاتليها من التبو، ذلك الفراغ لتُعيد حضورها في مرزق، لتتحول المدينة تدريجياً إلى مركز لإطلاق العمليات ضد قوات حفتر.

الضربات التي انطلقت من مرزق ألحقت أضراراً بالغة في قوات حفتر وعطّلته عن السعي نحو طرابلس، فلجأ كعادته عندما يفشل في المواجهات على الأرض إلى القصف الجوي عبر الطيران المسيّر الإماراتي الذي شن في أغسطس/آب الماضي سلسلة غارات ليلية استهدفت بداية عناصر تجمّع عسكري، ثم مجموعة جاءت لنجدتهم كانت تحضر حفل زفاف قريب من الموقع، ليُخلّف القصف عشرات القتلى المدنيين.

ووفق تقارير إعلامية، دخلت الإمارات على الخط، وتواصلت مع التبو لإرسال وفد تفاوضي من قِبَلهم إلى أبو ظبي، فاستجاب التبو للدعوة، وأرسلوا وفداً بالفعل إلى هناك.

التقارير نقلت عن مصادر قولها إن الوفد التقى مسؤولين إماراتيين، ثم اجتمع مع الناطق باسم قوات حفتر، اللواء أحمد المسماري، الموجود منذ أسابيع في أبوظبي.

المصادر كشفت أيضاً أن العرض الإماراتي، يتضمن 5 بنود مرهون تطبيقُها بإعلان التبو ولاءهم لحفتر:

  1. إيقاف التحريض الإعلامي على التبو ووصفهم بأنهم مرتزقة تشاديون.
  2. إيقاف العمليات العسكرية.
  3. إرسال وفد من شرق ليبيا لترسيخ الاتفاق.
  4. تكليف كتائب موالية لحفتر بتأمين مرزق لمدة 6 أشهر.
  5. تولي الإمارات صرف تعويضات للمتضررين.

فضيحة الإمارات

وفق المصادر السابقة، رفض وفد التبو هذه الشروط، وسعى إلى إضافة بند تُقر فيه الإمارات صراحة بمسؤوليتها عن القصف الجوي، لكن أبوظبي رفضت، ما دفع الوفد إلى استطلاع آراء أعيان القبيلة وعموم الناس فيها.

خلصت الاجتماعات إلى وجود أقلية تدفع باتجاه مواصلة التفاوض لتحسين العرض، أما الأغلبية فترفضه لعدة أسباب، أهمها أن المجزرة هي الأكثر دموية في حق التبو منذ استقلال ليبيا، ولا توجد إرادة لتقويض العلاقة الجيدة مع حكومة الوفاق.

عاد وفد التبو قبل أيام إلى ليبيا، مروراً بتونس، ليُصدر قبل يومين بياناً عن الزعيم التقليدي للجماعة، السلطان أحمد الأول، عبّر فيه عن موقف سلبي من الإمارات وحفتر.

سلطان التبو أعلن رفضه عرض أبو ظبي الذي طرح "تسويةِ بعيداً عن الأنظار والطرق القانونية"، وسط تهديد - في حالة رفض المقترح - بالعودة للقصف الجوي.

بيان السلطان أكد أن دولة الإمارات متورّطة في الجرائم المرتكبة ضد التبو في ليبيا، بوصفها صاحبة مقترح التسوية مع حفتر، وأكد استمرار ملاحقة أبو ظبي قضائياً وأخلاقياً.

ويُشكل التبو جزءاً مهما من مكونات المجتمع الليبي، وتوجد مضاربهم في جنوب البلاد، وتمتد عبر الحدود إلى تشاد المجاورة، وخاضوا معارك ضد قوات حفتر خلال سيطرتها على معاقلهم في الجنوب الليبي أواخر السنة الماضية.

خيارات التبو في التعامل مع الأزمة لم تقتصر على رفض العرض الإماراتي فقط، بل أعلنت القبائل عزمها مقاضاة الإمارات وحفتر أمام محكمة العدل الدولية، فضلاً عن مواصلة تحسين العلاقة مع حكومة الوفاق التي اتخذت من جانبها إجراءات بشأن مرزق، تشمل تصنيفها "مدينة منكوبة"، مع ما يترتب على ذلك من منح ومخصصات مادية، ودعمها عسكرياً وسياسياً.

معارك بديلة

ميدانياً، وبينما يواجه حفتر ضربات متتالية في "ترهونة" معقله الرئيس غرب البلاد بعد خسارته "غريان" الإستراتيجية ويفشل في تحقيق أي إنجاز على الأرض، يلجأ دوماً إلى قصف الأهداف المدنية مثل ما حدث في مجزرة مرزق، وخلال الأيام الماضية استهدف طيرانه مطاري مصراتة ومعيتيقة بالعاصمة.

إلا أن ثمَّة تحوّل جديد يسعى حفتر من خلاله إلى مجموعة أهداف، أولها صرف الأنظار عن هزائمه في الغرب، ومحاولة تشتيت قوات حكومة الوفاق، حيث لجأ إلى قصف مدينة سرت الساحلية التي تتوسط المسافة بين شرق البلاد وغربها.

قصف حفتر استهدف مواقع وتمركزات تابعة لقوة حماية المدينة والتي تتشكل من قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبية والتي قامت بدور كبير في طرد مقاتلي تنظيم الدولة من المدينة.

المجلس الأعلى للدولة الليبية اتهم حفتر بالاستعانة بغرف عمليات أجنبية قصفت سرت وأن هدفه من الأمر هو ضرب قوة حماية وتأمين سرت، والتي تقف سداً منيعاً في مواجهة أي تهديد من قبل مسلحي تنظيم الدولة.

المجلس أشار إلى أن القصف يظهر رغبة حفتر والدول التي تقف وراءه في "عودة الإرهاب لسرت وعموم المنطقة، واستمرار توظيفه بما يخدم مصالحها"، فضلاً عن توسيع دائرة الصراع والحروب في ليبيا.

حكومة الوفاق اتهمت الإمارات بتنفيذ الضربات على سرت، وفق معلوماتها، بينما اتهم آمر المنطقة الغربية العسكرية التابعة لحكومة الوفاق، أسامة جويلي حفتر باستقدام مزيد من المرتزقة من عدة دول لدعمه في معارك طرابلس وغيرها.

وتحمل مدينة سرت أهمية إستراتيجية لأي عملية عسكرية كونها مدينة ساحلية تقع في منتصف البلاد بين الغرب والشرق، وزادت أهميتها العسكرية بعد طرد قوات "البنيان المرصوص" لكل مقاتلي تنظيم الدولة.

اقتصادياً يوجد بالمدينة خليج سرت وهو جزء من الشواطيء الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ويمتد بطول 800 كيلومتر من مدينة بنغازي شرقاً حتى مدينة مصراتة غرباً، وتقع على شواطئه معظم موانئ تصدير النفط الليبي، ومن أقدمها ميناء السدرة.

مراقبون رأوا أن جيش حفتر يسعى لتشتيت جهود قوات الوفاق واستنزافها من خلال فتح عدة جبهات، ومع تركيز استهداف المناطق المأهولة بالسكان لزيادة الأعباء والضغوط على حكومة طرابلس.

كما يُشكل استهداف مدينة سرت، بحسب مراقبين، محاولة لإفساح المجال لعودة فزاعة الجماعات المتشددة ونشاط شبكات تهريب البشر عبر المتوسط وفي الحالتين ستتحرك الدول الأوربية لدعم حفتر.

من هم التبو؟

"التبو" مجموعة قبائل وعشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة، تسكن الصحراء الكبرى خاصة منطقة جبال تيبستي، وتمتهن تنمية المواشي، وتتألف من قبيلتين أساسيتين هما "التدَّا" و"الدازا"، ولكل منهما لغة خاصة مع تجانس كبير بين اللغتين في مخارج الحروف والمعاني.

لا تُعرف أصول التبو على نحو دقيق وإن كان من المؤكد أنهم سكنوا منطقة الساحل الأفريقي منذ القدم.

وتحدث عنهم المؤرخ اليوناني هيرودوت ونسبهم إلى المجموعة الزنجية الإثيوبية أو الحبشية، وحدد مواطن سكنهم بما هي عليه الآن، أي من فزان في ليبيا مروراً بتشاد وصولاً إلى النيجر، مع امتدادات محدودة في الدول المجاورة خاصة السودان وإفريقيا الوسطى.

ينتمي التبو إلى المجموعة الزنجية الإفريقية وهو ما يشهد به ملبسهم وتقاليدهم وطريقة عيشهم، وإن كان تأثرهم بالرافد العربي المتاخم لهم من الشمال لا تُخطئه العين، وتُعبّر عنه عمائمهم البيض وتعلقهم بالإبل والصحراء وحياتها.

وفي الوقت الذي يصنف فيه الأمازيغ التبو على أنهم عرب، يعتبرهم العرب زنوجاً، فيما يصنفهم الزنوج عرباً.

وعلى مستوى اللغة والتركيبة القبلية يتكلم التبو لهجتين أساسيتين هما "تدّاكا" نسبة إلى قبائل "التدَّا" وتتركز في شمال الصحراء الكبرى، و"دازاكا" نسبة إلى قبائل "الدازا" وأغلب مواطنها في جنوب الصحراء الكبرى على الحدود مع إفريقيا الوسطى.

وتتشابه اللهجتان إلى حد كبير وتشتركان في ميزات لسانية وصوتية كثيرة، كما يبدو فيهما التأثر بالروافد اللغوية والثقافية الزنجية والعربية والأمازيغية السائدة في المنطقة.

تسمية "التبو" يعود شيوعها إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، فقد لاقى الفرنسيون مقاومة شرسة منهم وكذلك من "الطوارق" و"الفُلّان"، على عكس المجموعات الزنجية الخالصة التي كانت في أغلبها مهادنة للحملات الاستعمارية بل حفيّة بها في أحيان كثيرة.

وتتركز مواطن سكن التبو حول جبال تبستي في شمال تشاد، ولهم امتدادات إلى الشمال بمنطقة فزان الليبية وجنوباً إلى صحراء تينيري بالنيجر وصولاً إلى تخوم إفريقيا الوسطى، وشرقاً إلى السودان، بل إن تجمعات منهم ظلت تعيش في مصر حتى عشرينيات القرن العشرين.

يمكن حصر مواطن التبو في مساحة تُقدر بمليون وربع مليون كيلومتر مربع توجد كلها في منطقة الصحراء الكبرى، مع الإشارة إلى أن كثافتهم في هذا الفضاء الفسيح ضعيفة جداً، فالإحصائيات المتوفرة تُقدرهم بـِ400 ألف نسمة.

يُمارس التبو الرعي والتنمية الحيوانية على نطاق واسع، ويُفسر ارتباطهم بقطعانهم فساحة المساحات التي يتحركون عليها بحثاً عن الكلأ والماء. وقد نجد -في حالات نادرة- لدى بعض عشائر التبو أنشطة زراعية محدودة.

عرف التبو الإسلام متأخرين نسبياً، ويعود الفضل في انتشار تعاليمه بينهم إلى أسرة السنوسيين الصوفية الشهيرة في منطقة الصحراء الكبرى وبرقة في شرق ليبيا، وهكذا ساد لديهم إسلام صوفي اختلط كثيراً مع التقاليد حتى بات يصعب التمييز بينهما.

وتتفق أغلبية الدراسات التي تناولت المجموعة على أن تقاليد "التيدا" تحديداً تحكم مناحي الحياة كلها تقريباً، وتبدو السمة البارزة للمنظومة القيمية والأخلاقية لمجموعات التبو.

قاوم التبو بشدة الاستعمار الفرنسي الذي غزا المنطقة مطلع القرن العشرين، ورفضوا الانخراط في مخططاته التعميرية الرامية إلى تثبيت السكان في تجمعات قروية ثابتة، وآثروا على ذلك ترحالهم الدائم بحثاً عن الكلأ لقطعان ماشيتهم.

ويُفسر هذا الرفض ضعفَ اندماج التبو في الحياة السياسية التي نشأت في ظل الاستعمار، وانتهت إلى قيام الدول الوطنية في إفريقيا خلال ستينيات القرن العشرين.

ومع ذلك، فقد تمكنوا لاحقاً من المساهمة في المسار السياسي لبعض الدول الناشئة، خاصة تشاد التي حكمها اثنان من التبو هما كوكوني وداي (1979-1981) وحسين حبري (1981-1990)، كما أنَّ قيادات سياسية منهم يعود لها الفضل في تأسيس جبهة "فرولينا" التي قادت التمرد على أول رئيس لتشاد (وهو فرانسوا تومبال باي)، إثرَ قمعه انتفاضة المنمّين في منطقة مانغالمي سنة 1965.

تعيش مجموعات التبو في ظل الدول الوطنية المنبثقة عن الحقبة الاستعمارية، لكن ما تزال مشاركتها ضعيفة في الحياة السياسية، ونسبة التمدن والتقري في صفوف التبو ضعيفة للغاية، مع العلم بأن التمدن في عمومه ضعيف في هذه المنطقة المصنفة ضمن مناطق العالم الأشد فقراً.

ومع ذلك، شارك التبو في عمليات "تمرد" بعدد من الدول "طلباً للإنصاف والعيش الكريم"، ومن أمثلة ذلك مشاركتهم في حركات مناوئة لأنظمة الحكم في تشاد والنيجر.

وفي ليبيا، أقدم نظام العقيد معمر القذافي على تجريد التبو من جنسياتهم ومنعهم من التعليم والصحة بذريعة أنهم تشاديون، على الرغم من أنهم يعتبرون أنفسهم "ليبيين" ويحتفظون بمستندات ثبوتيّة القديمة. وإثر ذلك تمردوا عام 2008 فسحقهم جيش القذافي في مناطقهم بجنوب البلاد وخاصة منطقة الكفرة.

ومع اندلاع الثورة الليبية على نظام القذافي في فبراير 2011، انخرط التبو على نطاق واسع في قتال النظام حتى أُسقِط من سُدة الحكم. وفي السنوات اللاحقة، دخلوا في مواجهات عنيفة مع بعض جيرانهم من القبائل العربية بمنطقة الكفرة.

كما شهدت مدينة أوباري في أكتوبر/تشرين الأول 2014 قتالاً بين التبو والطوارق استمر عامين، وسقط بسببه عشرات القتلى والجرحى ونزح عن المدينة قرابة 80% من سكانها، وانتهى هذا الاقتتال بتوقيع اتفاق الدوحة بين قبائل التبو والطوارق يوم 23 نوفمبر/شباط 2015 بوساطة من دولة قطر.