هكذا قرأ الإعلام الفرنسي تعيين نجل الملك وزيرا للطاقة بالسعودية

سلّطت وسائل إعلام فرنسية الضوء على تبعات تعيين أحد أفراد العائلة المالكة على رأس وزارة الطاقة في المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أنَّه يُثير الدهشة، لكسره التقاليد التي احترمها الحُكام السابقون للمملكة خلال توزيع الحقائب الوزارية.
ورأت، أنَّه بالرغم من أنَّ هذا القرار يُعزِّز قبضة وليِّ العهد على أحد أهم أدوات الاقتصاد في المملكة، فمن يقف وراءه الملك سلمان بن عبد العزيز نفسه، وليس ولي العهد محمد بن سلمان، منوِّهة إلى مخاطر هذا القرار.
تعزيز نفود أخيه
من جانبها قالت صحيفة "لوبينيون": تجنَّب الملوك السعوديون المتعاقبون تعيين أحد أفراد العائلة المالكة لإدارة وزارة الطاقة خوفاً من تركيز الكثير من السلطة في يد أحد فروع الأسرة. لكنَّ تعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أحد القادة ذوي الخبرة في مجال النفط وابن الملك، يضع حداً لهذا الموقف، مما يسمح لأخيه الأصغر غير الشقيق، وليَّ العهد محمد، بتعزيز نفوذه السياسي والاقتصادي بالفعل.
ونقلت عن الخبير النفطي روبن ميلز، قوله: هذا التعيين مهم للغاية بالنسبة إلى ما يعنيه فيما يتعلق بميزان القوى داخل العائلة المالكة أو اختلال التوازن، هذا جزء من محاولة محمد بن سلمان للسيطرة.
وأشارت إلى أنَّ الأمير عبدالعزيز خَلف الوزير السابق خالد الفالح، وهو شخصية محترمة للغاية، وقد أثارت إقالته العديد من الأسئلة، فقبل نشر المرسوم الملكي ببضعة أيام، تمَّ عزله من منصبه كرئيس لشركة "أرامكو" السعودية للنفط، وحلَّ محلَّه ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمار العام في المملكة والمُقرب من وليِّ العهد، مما يعني أنَّه في قطاع النفط، يتمُّ الآن تقاسم القرارات بين اثنين من المُؤيدين لمحمد بن سلمان.
من جهته يرى، حسين إيبش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن في حديث لصحيفة "لوريون لوجور" أنَّ "هذا القرار من المحتمل أن يُعزِّز سُلطة محمد بن سلمان، لكنَّه يحمِل بالتأكيد ختم الملك، الذي كافح على مدار العام الماضي بشأن عدد من القضايا السياسية الرئيسية لتذكير الجميع بأنَّه لا يزال المحرك الرئيسي والسلطة الرئيسية في البلاد".
وأضاف إيبش: "بوجود ياسر الرميان على رأس صندوق الاستثمار السعودي والأمير عبد العزيز على رأس وزارة الطاقة، فإنَّ الملك ووليَّ العهد لديهما حلفاء على ثقة عالية في هذه المناصب الحيوية للبلد، ما سيسمح لهم بتعزيز قبضتهم على السلطة".
رفع أسعار النفط
ووفقاً لصحيفة "لوبينيون" فإنَّ التغيير في إدارة الطاقة بالمملكة يأتي بعد سيطرة وليِّ العهد على الهيئات الحكومية الإستراتيجية، مثل وزارة الدفاع والحرس الوطني، رغم أنَّه مُنذ أن وصل والده، الملك سلمان، إلى العرش في عام 2015، قاوم محمد بن سلمان فكرة توسيع سلطته على وزارة تشارك في تحديد أسعار النفط العالمية.
وأوضحت الصحيفة، أنَّ بن سلمان، الذي يقود السياسة السعودية، يحاول الآن رفع أسعار النفط، التي يضُرُّ ضعفها بالنمو ويُبطئ وَتِيرة برنامج إعادة الهيكلة الاقتصادية، إذ يهدف هذا البرنامج إلى تطوير قطاعات مثل السياحة والفنادق والترفيه لتوفير فرص عمل وجعل اقتصاد المملكة أقلَّ اعتماداً على الطاقة.
ونوَّهت إلى أنَّه في قلب خطط وليِّ العهد، يوجد أول طرح أولي لشركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، وقال مسؤولون سعوديون ومستشارون ومسؤولون في "أرامكو": إنَّ وزير الطاقة السابق فالح أيَّد علنًا الاكتتاب العام، لكنَّه حاول أيضاً تأخيره وتضييقه.
وعن توقيت هذا التغيير، قال حسين إيبش: "ربما يرتبط توقيت هذا القرار بتوقيت المُضي قُدماً في الاكتتاب العام لأرامكو، كان الفالح حذراً"، مع التأكيد على صعوبة تفسير هذا النوع من القرارات المتعلقة بالدائرة القريبة من الحكومة السعودية، موضحاً: "بمعنى، الأمر يتعلق باستبدال تكنوقراط محترم بقائد سياسي ذو خبرة عالية".
وذكر، أنَّ سلطة خالد الفالح ضعُفت بالفعل في نهاية أغسطس مع إنشاء وزارة جديدة للصناعة والموارد الطبيعية من قِبل الرياض، مفصولة عن "إدارة الطاقة"، وهو بمثابة استياء معيَّن من عدم وجود نتائج لنشاطه.
ومُنذ عام 2016 تتمُّ مناقشة الإعداد لطرح جزء من شركة "أرامكو" بنسبة 5 بالمئة للاكتتاب العام، وهي عملية حسَّاسة ومُثيرة للجدل عارضها الملك سلمان بشدَّة في البداية في الصيف الماضي، استجابة للمخاوف التي أُثيرت في الدوائر القريبة من الحاجة إلى الكشف عن التفاصيل المالية للشركة، حسبما ذكرت "رويترز"، لكن وبعد مرور عام، من المُتوقَّع أن تُعلن الرياض قريباً عن البنوك المختارة لتنفيذ العملية.
الاختبار الأول
وبحسب "لوبينيون" فإنَّه بسبب علاقاته الوثيقة مع الأمير محمد – الذي وطَّد سلطته كزعيم الأمر الواقع في البلاد من خلال قبضته على البيروقراطية السعودية - لا ينبغي أن يكون للأمير عبدالعزيز تأثير كبير في تحدِّي القرارات الصعبة لشقيقه الأصغر، كما يُوضح بعض المُحللين والمسؤولين السعوديين، حيث يقول أحدهم: "لا أراه قد يجعل السفينة تهْتز أو يتحدَّى سياسات معينة".
وأكَّدت الصحيفة، أنَّ أول اختبار علني للأمير عبدالعزيز، سيكون هذا الأسبوع في اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ من المُتوقع أن يناقش هذا الكارتل، الذي يُهيمن عليه السعوديون، تخفيضات الإنتاج في محاولة لرفع أسعار النفط.
وفي الوقت الحالي، فإنَّ سعر برميل النفط المتواضع يضُرُّ بالاقتصاد السعودي ويُهدِّد قدرة وليِّ العهد على الاستثمار في القطاعات غير النفطية الجديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية، بحسب الصحيفة.
ونوَّهت "لوبينيون" إلى أنَّه خلال الأشهر الأخيرة، حاولت السلطات السعودية، بما في ذلك الأمير عبدالعزيز، رفع أسعار النفط دون جدوى، وذلك جزئياً لتعزيز تقييم أرامكو قبل الاكتتاب، ويريد محمد بن سلمان بيع نحو 5 بالمئة من أسهم الشركة كجزء من عملية يمكن إطلاقها هذا العام. ويأمل في جمع ما يصل إلى 90 مليار يورو للاستثمار في اقتصاد البلاد.
وعن وزير النفط الجديد، قالت الصحيفة إنَّ الأمير عبدالعزيز، الذي تخرَّج من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 1985 وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، لديه عقود من الخبرة في أسواق النفط، وبدأ المشاركة في اجتماعات أوبك عام 1987 كمستشار لوزارة النفط السعودية.
وأردفت: في عام 1995، عُيِّن الأمير عبدالعزيز نائباً لعلي النعيمي، ولسنوات عِدَّة، وذُكر اسمه من بين المرشحين ليَحلوا محَّل النعيمي، لكن تمَّ تعيين خالد الفالح، من خارج العائلة المالكة، وزيراً للنفط في عام 2016.
ونقلت عن مسؤول سعودي، قوله: "الجميع ظنَّوا بعد ذلك أنَّ الملك ووليَّ العهد سيتقيدان بالقاعدة القديمة المُتمثلة في إبقاء العائلة المالكة خارج قطاع النفط".
"وزير بعد تهميش"
ولفتت "لوبينيون" إلى أنَّ الأمير محمد بن سلمان همّش شقيقه الأكبر، الأمير عبدالعزيز، في أبريل/نيسان 2017، عندما عيَّنه في منصب وزير الدولة لشؤون الطاقة، بدلاً من نائب وزير النفط، لكنَّه رأى، أنَّ شقيقه الذي يكبُره بخمسة وعشرين عاماً، ويتحدَّث لغات عِدَّة، منافس محتمل في الأوساط الاقتصادية الدولية، وأيضاً ليطمئنَّ أقارب الأمير عبدالعزيز في الوقت الحالي.
وذكرت الصحيفة، أنَّ الأمير عبدالعزيز خلال الفترة الماضية استعاد تدريجياً نفوذه داخل العائلة المالكة، وتمَّ تكليفه بالتفاوض على إعادة فتح الحقول النفطية المشتركة مع الكويت وإقناع الولايات المتحدة ببيع التكنولوجيا النووية للمملكة، كما يقول بعض الأشخاص الذين يعرفونه جيداً.
وأشارت إلى أنَّ الأشخاص الذين عملوا مع الأمير عبدالعزيز، أكَّدوا أنَّه مهووس بمعرفة كل التفاصيل، ويُمكِنه أن يهتم كثيراً بترتيبات الأزهار أو الوجبات الخفيفة أثناء الاجتماعات، ويقول أحد أصدقائه على مدى عشر سنوات: إنَّه يملك سمعة في "أوبك" لكونه مفاوضاً قاسياً، خاصة مع إيران، المنافس الرئيسي للمملكة.
من جهتها، لاحظت قناة "فرانس إنفو" أنَّه رغم أنَّ الأمير عبد العزيز ليس مبتدئاً، حيث عمل في صناعة النفط لفترة طويلة، واكتسب سمعة طيبة، لكن من خلال الاستمرار في تركيز السلطة داخل أسرته، فإنَّ الملك سلمان يُخاطر، فإذا مرّ النفط بأزمة، فإنَّ العائلة المالكة ستكون هي المسؤولة الآن.