رواج كبير لسينما "البيضة والحجر" في مصر.. ما السبب؟

محمد صلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يُعد عالم السحر والشعوذة الغامض المليء بالأسرار والخرافات، عنصر جذب لدى جماهير السينما في مصر باختلاف ثقافتهم، فهو يشكل مادة غنية لدى بعض صناع الدراما السينمائية والتلفزيونية، لإنتاج أعمال من هذا النوع، يرى كثيرون أنها خرافات تستهدف تغييب عقول الشباب.

وبين حين وآخر، يظهر عمل سينمائي جديد بهدف إشعال إيرادات الشباك، والإبقاء على إحياء هذا اللون، دون جهد يذكر في تقديم مقاربات بنّاءة لعلاج هذا الخلل في الثقافة العامة، باستثناء بعض التجارب في عالم أفلام السحر والجن.

"حبوب الفيل الأزرق"

وكان آخر تلك الأعمال التي شهدت إقبالا جماهيريا غير مسبوق، سيما من الشريحة الشبابية، فيلم "الفيل الأزرق-2"، والذي حقق أعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية، اقتربت من 100 مليون جنيه، ومن المتوقع أن يستمر عرضه لمدة شهرين آخرين خلال الفترة المقبلة.

هذا الإقبال جعل من تيمة "الفيل الأزرق" أداة سحرية في يد الثنائي أحمد مراد ومروان حامد، ليجيء الجزء الثاني منه بعد عام واحد من "تراب الماس"، ونجد أنفسنا في "عنبر 8 غرب" بمستشفى الأمراض العقلية، الذي يُغير أفكارنا التقليدية عن المرض النفسي أو العقلي، عندما نجد أنفسنا أمام أشخاص يرتدون ثيابهم الملائكية البيضاء، لكنهم في الجزء المظلم من عالمهم الخاص ارتكبوا جرائم غير منطقية، وقتلوا أقرب الناس لهم بسبب الجنون، أو بفعل مس من الشيطان.

وتُمكن "حبوب الفيل الأزرق" البطل من السفر عبر الزمن وفك شفرات اللغز، ومع تناول ثلاثة حبوب نعرف أن العفريت أو الجني يفتش عن البطل ويبحث عنه، وأن كل الإشارات طوال الفيلم تخبرنا بأن جسد البطل هو الهدف الجديد للعفريت ليستقر فيه، وأن البطل منذ بداية الفيلم هو العدو الأول لنفسه، وأنه بعيد عن أمور الجن والعفاريت، يعاني من مشكلة نفسية ما مع نفسه، وأن الرؤية الكاملة ستتضح في آخر مشهد في الفيلم.

قد لا يعجب الكثيرون معالجة الفيلم لحالات المرض النفسي التي تنتصر للحكاية التقليدية الشعبية المؤمنة بالسحر الأسود والمنكرة للمرض النفسي، لكن الفيلم وفق وجهة نظر صناعه، اختار تقديم معالجة تبتعد عن الواقع وتحلق في فضاءات الخيال، لتقدم نوعا سينمائيا غائبا عن السينما المصرية، وهو الرعب والتشويق. 

الإعلان الرسمي لفيلم: الفيل الأزرق - الجزء الثاني 2019

تراب الماس

وانتهى المخرج مروان حامد من تجهيز فيلم "تراب الماس" في عام 2018، والمأخوذ أيضا عن رواية بنفس الاسم للكاتب أحمد مراد، صدرت في 2010. والفيلم بطولة آسر ياسين، منة شلبى، ماجد الكدوانى، ومحمد ممدوح، من حيث الغموض والإثارة والتشويق.

يحكي الفيلم قصة شاب يعمل في إحدى الصيدليات، يعيش مع والده القعيد الذي كان يعمل مدرسا للتاريخ، حيث يعود الابن من عمله ليكتشف مقتل والده في ظروف غامضة، ومع الوقت يكتشف أسرارا مظلمة لم يعلمها من قبل عن حياة والده، من خلال مذكراته التي خلفها وراءه، مما يفتح أمامه عالما كبيرا من الفساد والجريمة لم يعلم بوجوده.

الإعلان الرسمي لفيلم: تراب الماس 2018

البعد عن الواقع

بالعودة للحديث عن الفيل الأزرق، ففي عام 2014، كرس المخرج مروان حامد معادلة "الدهشة والبعد عن الواقع" بركوبه نفس الموجة القديمة، ولكن بتقنيات جديدة مبهرة، في فيلم الفيل الأزرق-1.

والفيلم بطولة كريم عبد العزيز، خالد الصاوي، ونيلي كريم، ومأخوذ عن رواية للكاتب "أحمد مراد"، الذي كتب سيناريو الفيلم أيضا، ليأخذنا إلى عالم الأمراض النفسية والسحر والشعوذة واللاوعي، بأقراص "الفيل الأزرق" التي تنقل البطل إلى عالم اللذة والانتشاء. ويبني تيمة للسحر والشعوذة، لتسخير الجن من أجل التمكين والإيذاء.

حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وشارك في مهرجانات إقليمية ودولية، منها مهرجان مراكش السينمائي، ومهرجان بروكسل، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية 2015، وجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج في مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية في دورته الـ 41.

الإعلان الرسمي لفيلم: الفيل الأزرق - الجزء الأول 2014

تلفزيون الشعوذة

وبالتوازي مع السينما، وعلى مدى السنوات الست الأخيرة، تضربنا في التلفزيون موجة من الأعمال الدرامية المليئة بموضوعات الجريمة والدم والعنف المبالغ فيه، وبالأصوات المرعبة، والنظرات المخيفة، والصراخ والحركات الهستيرية، للتعبير عن حالة الشخص الذي يعاني من سيطرة الجن. 

بخلطة شعبية من قصص السحر والعفاريت والغيبيات، بدأت بمسلسل "نيران صديقة"، ثم "السبع وصايا"، و"ساحرة الجنوب"، ثم "الكبريت الأحمر" وقد حقق المسلسلين الأخيرين نجاحا جماهيريا ملحوظا.

إعلان مسلسل الكبريت الأحمر

الشيطان الأنيق

وبالعودة إلى بداية هذا النوع من الأعمال، خرج النجم المصري عادل إمام في عام 1985 عن خطه الكوميدي، وقدم فيلم "الإنس والجن"، الذى تناول الصراع بين العلم والخرافة، من خلال الفكرة الشائعة في الريف المصري عن عشق الجن للإنس. واعتمد الإخراج في الفيلم على عنصر المفاجأة لبث الرعب فى نفوس المشاهدين، بدلا من المشاهد الدموية المقززة المصطنعة.

كما بدد الفيلم النظرة السائدة عن الجن أو الشيطان في أذهان العامة، ككائن ذو مظهر بشع وقرون وعيون نارية، وظهر البطل بمظهر أنيق وحديث هادئ منمق، وهو الدور الذي أعاد الفنان العالمي "آل باتشينو" تجسيده بعد أكثر من 10 سنوات في فيلم محامي الشيطان (1997).

بعد "الإنس والجن" جاء فيلم "التعويذة" عام 1987، من تأليف وإخراج محمد شبل، وبطولة يسرا ومحمود ياسين، ويُعد من أكثر الأفلام التي تناولت ظاهرة الأعمال السفلية والسحر رعبا فى تاريخ السينما المصرية، بما احتواه من مشاهد مرعبة، اعتمدت بشكل كبير على استخدام الدماء والتعويذات وأرجل الماعز، بحرفية عالية.

الأكثر عبقرية

وفي عام 1990، قدم الثنائي، المخرج علي عبدالخالق والمؤلف محمود أبو زيد، معالجة سينمائية لظاهرة السحر تحمل بُعدا فلسفيا، بواحد من أكثر أفلام السينما المصرية عبقرية، وهو فيلم "البيضة والحجر" للنجم أحمد زكي، حيث كشف الفيلم عن امتداد ظاهرة السحر والشعوذة التى كانت قاصرة على تفكير الشارع الغارق في الفقر والجهل، لتسيطر على عقول النخبة من السياسيين ورجال الأعمال الذين أصبحوا يعتقدون بقدرة وقوة السحر الخارقة.

وأوضح الفيلم كيف يستغل الدجال جهل الناس وخوفهم من المجهول ليسيطر عليهم فى لحظات ضعفهم، وكأنه إسقاط غير مباشر من الفيلم على النهج الذي تستخدمه الأنظمة المستبدة للسيطرة على الشعوب.

مشهد من فيلم البيضة والحجر

خطورة التأثير

المؤلف نادر خليفة يرى أنه "وسط أجواء الجهل والاعتقاد بالغيبيات والسحر الأسود والخرافات التي لا يقبلها العقل السوي أو المتعلم إلا بالإلحاح- عملية غسيل المخ بالفن - فإن ما يُقدم هو ضمن مخطط أوسع لتغييب عقول الشعوب العربية حتى يسهل اختراقها بالأفكار الغيبية والمتطرفة من دون مقاومة وإضعاف إرادتها لإبعادها عن فضيلة العمل، لتحقيق الأهداف والمساهمة في بناء الأوطان كما هي حال الشعوب المتعلمة والمتحضرة لأن الفساد والإفساد طاولا الفن السينمائي والتلفزيوني والمسرحي، والهدف الأكبر من أعداء الوطن في الداخل والخارج هو إضعاف الشعب وشبابه وقوة العمل فيه".

وفي حديثها لموقع "البوابة نيوز"، حذرت المخرجة المسرحية منى أبو سديرة من خطورة تلقي أعمال فنية تدور حول موضوعات السحر والشعوذة، فهي ترى أن "الأمر لا يتوقف عند نص مكتوب أو مسرحية معروضة، بل أصبح هناك أكثر من مسلسل يدخل بيوتنا ويقتحم حواسنا ويرسخ لأفكار الشعوذة والجن والعفاريت على سبيل الجد لا الهزار أو السخرية، إنه أمر جد خطير فعلا".

أما الناقد الأدبى محمد سليم شوشة فيرى "أن الأعمال الأدبية التى تستمد شخصيتها وخصوصيتها السردية من قصص الجن والخرافات أعمال استهلاكية"، ويضيف: "أن العيب الأبرز فى هذا اللون أنه يبدو مصطنعا وغير قابل للاستمرار طويلا، ولا يتماشى مع جوهر الإنسان ومشاكله، ويرغب فى التشويق والإثارة، وما هو سطحي من مشاعر الإنسان".

لكن للناقد الفني رامي عبد الرازق، في حديثه إلى "جريدة المال"، رأي آخر، إذ يعتبر "أن هذه الأعمال نجحت في جذب شريحة كبيرة من الجمهور، لأنها كسرت روتين تيمة الدراما المتعارف عليها، والتي تنحصر في الميلودراما والتراجيديا والدراما السياسية، أما مناقشة موضوعات الظواهر غير الطبيعية، فهو نوع جديد من الدراما بالنسبة للجمهور المصري، الذي يعلم جيدا أن فيها قدرا من الخيال، لكنه يحتاج إلى زيادة الوعي والثقافة، ليكون لديه مساحة هضم كبيرة لهذه النوعية من الأعمال".

ولكن لماذا أصبح هذا النوع من الأعمال يتصدر شباك السينما؟، تجيب سألنا الناقدة السينمائية صفية عامر، بالقول: "أعتقد أن هذا يأتي ضمن خطة لاستمرار مسلسل التغييب، وإنكار الواقع المر الذي يعيشه الناس في ظل الاستبداد، وذلك لتسيير الأوضاع في البلاد بأي شكل، وذهاب الجمهور إلى دور السينما وتزاحمه على مشاهدة هذه النوعية من الموضوعات، هو للهروب من مواجهة معاناتهم اليومية الضاغطة".

وعن تأثير انتشار العنف والقمع والفوضى في الدول والمجتمعات العربية على الاهتمام بمثل هذه النوعية من الأفلام، تضيف عامر لـ"الاستقلال" أن "ذلك له علاقة بظروف الناس الصعبة، فهو نوع من أنواع التنفيس عن الغضب والقهر والعجز، فبدلا من البحث عن حلول نتيجة قلة الوعي التي تسبب فيها النظام القمعي، يندفع الناس باتجاه العنف، وصناع السينما يعتقدون ويبررون أنهم ينقلون الواقع، وأنهم ليسوا مطالبين بتقديم الحلول".