عالم "الساحل الشمالي".. تعرّف على مصر التي يريدها السيسي

محمد سراج الدين | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن الفضيحة الأخلاقية التي شهدتها قرية "هاسيندا" بالساحل الشمالي، فجر يوم 4 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلا واحدة من فضائح كثيرة عاشها الساحل طوال أشهر الصيف الحالي، سواء في الحفلات الماجنة، أو البذخ الذي لا يُعبِّر عن الحالة التي يعيشها معظم المصريين.

يأتي هذا، رغم أنّ آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر في يوليو/ تموز الماضي، أظهر أنَّ نسب الفقر ارتفعت بين الشعب المصري لتصل إلى 32.5% خلال عامي 2017/2018، بزيادة قدرها 4.7% عن تقرير 2015/2016، بينما وصلت نسبة غير القادرين إلى 66% من الشعب من حيث مؤشرات الدخل والإنفاق.

في المقابل يُعَدُّ الساحل الشمالي دولة داخل الدولة في مصر، فتضع القرى السياحية والمنتجعات الترفيهية، العديد من الشروط لروادها، ما جعل مجتمع الساحل مختلف عن باقي الشعب المصري.

شجار وفضيحة

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو عن شجار جرى في قرية "هاسيندا"، كشف العديد من الجوانب التي كانت غير ظاهرة في عالم الساحل الشمالي.

الأمر لم يقف عند حدِّ الشجار بين الأغنياء، وإنما في نوعية الحفلات الماجنة، والملابس الخليعة، والمشروبات المحرمة، التي ظهرت بكثرة في الفيديو.

بدأ الشجار بمغازلة سكارى لفتاة مثلهم، وانتهى بكارثة دهس أحد رواد القرية، لزملاء له بعد أن فقد كل منهم السيطرة على نفسه نتيجة الإسراف في الشرب.

وتُشير التعليقات التي صاحبت الفيديو، محاولات حثيثة من محسوبين على النظام السياسي الحاكم، التبرُّؤ من تلك الأحداث، وأخرى سبقتها، مثل كارثة حفل المُمَثِّل محمد رمضان، التي كانت هي أيضاً عنواناً لكارثة يعيشها المجتمع المصري، والتبرُّأ كذلك من فضيحة مارينا التي جرت قبل أسابيع في الساحل الشمالي، ولم تختلف في تفاصيلها عما جرى في قرية "هاسيندا". 

وحسب ما كتبه الكاتب الصحفي عادل عبد الرحيم، في موقع البوابة نيوز، المُقرَّب من الأجهزة الأمنية بمصر، فإنَّ "شُغل البلطجة" الذي يحدث في الساحل الشمالي، فاحت رائحته بدرجة تُزكم الأنوف، وتُثير حالة من الفزع، وتدفع كل من تُسوِّل له نفسه للتفكير مائة مرة قبل اتخاذ قرار بارتياد هذا المصيف، الذي يُعتبر قاصراً على "أولاد الأكابر".

ويستكمل عبد الرحيم تساؤلاته عن سر كل هذا النشاز في الساحل، وهل يكون بسبب وفرة المال غير المُبرر أو القوة غير المشفوعة بضوابط اجتماعية أو نوازع أخلاقية ودينية؟

ووصف الإعلامي المُقرَّب من السلطة الحاكمة بمصر محمد الباز، ما حدث بالساحل بأنَّه مهزلة، وأنَّ ما يحدث هو مجاهرة بالرفاهية غير الطبيعية، وتابع قائلاً: "احنا شوفنا فيديوهات وصور للي بيحصل هناك، تحس إنك مش في مصر ومش بهذه الطريقة"، مُؤكَّدًا أنَّ هذا كان يحدث من زمان والسوشيال ميديا كشفته، موضحًا: "لا يوجد فساد مالي أو اقتصادي إلا ويتبعه فساد أخلاقي. هي دي مصر بتاعتنا؟".

بارات علنية

وفي رصد لما يجري بشواطئ الساحل الشمالي، أعدت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، تقريراً مفصلاً عما يجري هناك، تحدَّثت فيه عن حانة Kiki’s Beach Bar، المطلّة على الشاطئ، التي تُقدِّم مشروبات مثلّجة من صنع شركة Cool Breeze الأمريكية، وكوكتيلات كحولية فاخرة يصل سعر الواحد منها إلى 250 جنيهاً (14 دولارًا)، وتجذب شباب الطبقة العليا، في مكان لا يستطيع الشخص العادي الدخول إليه، كونه مخصص للمشاهير فقط.

وفي وصفه يقول "ريتشل شير"، مُعِدُّ التقرير، إنَّ الساحل الشمالي هو تلك المنطقة التابعة لمصر، التي تطل على البحر المتوسط وتمتد من الإسكندرية حتى الحدود الليبية، ومع التطور العقاري السريع في تشييد المنتجعات الجديدة، شهدت تلك المنطقة انتشارًا للحانات التي تجذب "الطبقة العليا من المجتمع".

وتابعت الصحيفة: "إذا كانت الصدمات الاقتصادية مثل الربيع العربي أو 30 يونيو/حزيران، جعلت من ثلث سكان الدولة البالغ تعدادها 95 مليونًا فقراء، فلن تشعر بهذا في الساحل، حيث النوادي الليلية تمتلئ بالخريجين الجُدد في الجامعات الغربية الذين يعيشون في تلك المنطقة المصممة على غرار منتجعات جزيرة إبيثا ومدينة ميامي، وعلى امتداد الطريق بين الساحل والقاهرة توجد لافتات إعلانية عملاقة لمجمعات جديدة مثل "Fouka Bay" و"La Vista".

وتقول الصحيفة: "كان من المقرر أن يصبح ساحل المتوسط مغناطيسًا للسيّاح الدوليين، بوجود مناطق للصناعة والتجارة تخلق وظائف للطبقة العاملة المصرية، إلا أنَّه حتى اليوم لا توجد أية وظائف دائمة في الساحل الشمالي أو سياحة أجنبية تقريبًا، وهذا على الرغم من دعاية المسؤولين الحكوميين والنشرات الإعلانية العقارية التي تصف منتجعات الساحل بأنها على مستوى عالمي، ويتمُّ تسمية المجمعات السكنية الجديدة بأسماء أجنبية مثل فيرونا وفالنسيا.

هاسيندا المليارية

وتُشير البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة تنشيط السياحة بمحافظة مطروح، أنَّ الحكومات المختلفة أنفقت خلال الثلاثين عاماً الماضية، ما لا يقل عن 50 مليار جنيه (3 مليار دولار) على منتجعات وبنية أساسية للاستفادة منها خلال شهرين فقط في العام، ولا تزيد نسبة التشغيل عن ٥٠٪ على أعلى تقدير.

ولم تختلف التقارير الصحفية عن وصف الساحل الشمالي، بأنَّه أصبح رمز الغناء الفاحش في مصر، وخاصة فى ظل الحكم العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، إذ زادت نسبة القصور والمنتجعات والبحيرات الاصطناعيّة واليخوت، ومن أبرزها منتجع مراسي الذي يصل سعر القصر فيه إلى 100 مليون جنيه (6 مليون دولار)، أما منتجع “هاسيندا”، فلا يعيش فيه إلا الذين يمتلكون ثروات تتعدى المليار جنيه، ويُعدُّ أبرز أجيال منتجعات العالم السري، الذي لا يعرف عنه المصريّون شيئاً، لأنه يمتاز بمهبط للطائرات الخاصة.

وكان رجل الأعمال والمقاول المصري محمد علي، قد بثَّ مقطع فيديو على صفحته في موقع فيسبوك، قال فيه: إنَّ السيسي قام بإنشاء 3 فلل في قرية مراسي بالساحل الشمالي على مساحة 5 آلاف متر، مخصصة له ولزوجته انتصار.

وأصبح الفنان المصري محمد علي، حديث الشارع المصري، مُنذ أن بدأ قبل أيام قليلة بنشر فيديوهات على حساباته في مواقع التواصل، يكشف فيها عن فساد كبير في مؤسسة الجيش، و"إهدار المال العام من قِبَل الرئيس عبدالفتاح السيسي".

وفي دراسة موسعة أجرتها الكاتبة الصحفية أمينة خيري، أكَّدت أنَّ "الساحل"، لم يعُد مجرد مصيف أو منتجع أو إشهار حالة أو استعراض وضع أو حتى "فورمة"، بل أصبح منظومةً قائمةً بذاتها، وكياناً شبه مستقل، وبيئة حاضنة للمصيف المصري المقتصر على سكّان قمة الهرم بأولوياتهم الفريدة وملابسهم الغريبة وأسلوب حياتهم الرافع راية الانسلاخ عن الواقع من حولهم، ولو لأيام معدودات.

مصايف الأكابر

ويُعدُّ الساحل الشمالي بشواطئه المختلفة قِبْلة لرجال الأعمال والوزراء الحاليين والسابقين، والممثلين ولاعبي كرة القدم، وغيرها من الطبقات التي يُطلق عليها "أولاد الأكابر"، أما ترتيب شواطئهم فقد أجمعت العديد من التقارير المهتمة بالتنمية السياحية أنها كالآتي:

  • "مارينا"، تُعدُّ الأقدم بين منتجعات الساحل الشمالي وكانت رمزاً للغناء الفاحش في مصر لفترة عقديْن من العهد الماضي، وتقع فيها قصور ومنتجعات وبحيرة صناعيّة ومارينا لليخوت، أو ما يسمّى بـِ"لسان الوزراء"، ورغم المنافسة التي نتجت عن وجود شواطئ ومنتجعات أخرى إلا أنَّ مارينا ما زالت هي المفضلة لوزراء نظام حسني مبارك. 

  • "مراسي": استلمت الراية من مارينا، وتقع على أجمل شواطئ سيدي عبد الرحمن، وتُعدُّ الإمارات هي المستثمر الأساسي فيها، ويصل سعر الوحدة المصيفية لأكثر من 100 مليون جنيه، وهي قِبْلة لرجال الأعمال والمشاهير في عالم الفن والغناء والرياضة، وفيها يتمُّ تنظيم حفلات الساحل لأبرز المغنيين المصريين والعرب والعالميين.

  • "هاسيندا": منتجع صنع خصيصاً لأصحاب المليارات، وبه تجهيزات فاقت الوصف في الفخامة والبذخ مثل مهابط الطائرات الخاصة، والكازينوهات والشواطئ شبه العارية، ما جعلها تظهر وكأنها خارج حدود القطر المصري.

صراع طبقي

ويُشير تقرير اللامساواة الصادر عن بنك كريدي سويس، إلى تزايد نصيب الشريحة العليا بمصر (شريحة 1% الأكثر غنى) الذي بلغ 18% من إجمالي الدخل القومي المصري، في الوقت الذي شهِدت الطبقة الوسطى في مصر انخفاضاً لتصل إلى 2.9 مليون شخص بالغ من إجمالي السكان في عام 2015 بنسبة 5% من إجمالي البالغين، بعد أن كانت 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000 أي أنَّه حدث تراجع بنسبة 48.2%، وبلغت نسبة مساهمتها نحو 25.2% من إجمالي الثروة.

ووفق دراسة موسعة للباحثة وسام محمد، بعنوان "كيف تعمَّقت ظاهرة اللامساواة في الدخل والثروة في مصر؟"، فإنَّه وبالرغم من أنَّ ثورة يناير طالبت بالعدالة الاجتماعية وما يستتبعه ذلك من عدالة في توزيع الدخل والثروات والنظر فى توزيع الدخول والمطالبة بتعديل الحد الأدنى والأقصى للأجور، إلا أنَّ الوضع لم يزد إلا سوءاً.

وكشفت أنَّه يتمُّ التعامل مع عدم المساواة والتفاوتات الاجتماعية كنتيجة من عملية مستمرة من صنع السياسات العامة وليس مجرد مصادفة، فهناك مفارقة بين التحدُّث عن وجود طبقات اجتماعية وبين سياسات تسببت في تفاوتات واسعة، فمن الطبيعي أن يكون هناك خريطة طبقية في المجتمع ولكن ليس من الطبيعي أن يستحوذ 1% من المجتمع على ما يقارب 25% من الثروة داخل الدولة.


المصادر