"هآرتس": كيف أصبحت كشمير ساحة حرب جديدة بين طهران والرياض؟

أبرزت صحيفة "هآرتس" العبرية، في مقال للكاتب الإسرائيلي ابهيناف بانديا، مظاهر تنامي النفوذ الإيراني في كشمير، موضحة أن استهداف إيران بالتأثير في السكان الشيعة بالإقليم يهدد بتحويله إلى ساحة لحرب جديدة بالوكالة بين طهران والرياض ودول أخرى.
وقال المحلل المختص في مكافحة الإرهاب، والسياسة الهندية والجغرافيا السياسية الباكستانية الأفغانية، في مقاله، إن الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، من السعودية إلى تركيا، تتنافس على نفوذ في كشمير أيضا، سواء لمواجهة طهران أو دفع أجنداتها السياسية والدينية.
الشيعة في كشمير
وتابع: "لكن الساسة والخبراء الإستراتيجيين في الهند والبيروقراطية الضخمة في المخابرات ليسوا مستعدين لهذا التدويل للصراع الكشميري - وعواقبه الخطيرة".
وأوضح الكاتب، أن "إيران تستهدف 1.4 مليون مسلم شيعي يمثلون 15 بالمئة من سكان كشمير الخاضعين لإدارة الهند. يتركز معظمهم في منطقة بودجام في وسط كشمير وأجزاء من سريناغار وكارجيل".
ولفت إلى أنه "على الرغم من تاريخ الاحتكاك بين الشيعة والسنة في كشمير، اتبع السنة في الغالب شكلا متجذرا ومحليا وتوفيقيا من الإسلام الصوفي، والمعروف باسم الإسلام الكشميري، الذي كان قابلا للتعايش مع الأديان والطوائف المتنوعة داخل الإسلام والأديان الأخرى".
وأردف الكاتب، قائلا: "لم تكن الانقسامات الطائفية أبدا شديدة القسوة في كشمير كما كانت في الشرق الأوسط - لكن الآن، تقوم دول الشرق الأوسط بتصدير انقساماتها المتحيزة إلى المنطقة".
وأكد، أنه "يُنظر إلى الشيعة في كشمير، المؤيدين تقليديا للهند في المقام الأول، من الأجهزة الأمنية الهندية ودوائر الفكر والرأي العام باعتبارهم حصنا رئيسيا ضد التيار الانفصالي الذي يهدف إلى إقامة كشمير مستقلة. في الماضي، تجنبت الطائفة الشيعية النزعة الانفصالية. لكن هذا أيضا بدأ يتغير".
وبحسب الكاتب، فإن الشيعة لم يكونوا مؤيدين بارزين للانفصال، لكنهم بدأوا في التحول أيديولوجيا نحو تعاطف أكبر بكثير مع الانفصالية، وهي القضية التي تدعمها إيران بحماس.
التلقين الإيراني
وأشار إلى أن الجيل الأصغر من الشيعة في كشمير بات متأثرا بالتلقين الإيراني الذي يكرس لأمور كثيرة، ومن بينها النزعة الانفصالية.
وبيّن الكاتب، أنه "في سلسلة من الزيارات الأخيرة، رأيت الكثير من اللوحات الإعلانية تحتفل بآية الله روح الله الخميني، الزعيم السابق للثورة الإسلامية في إيران. في مكان مثل كارجيل، المنعزل عن بقية العالم بالثلوج لمدة 6 أشهر في السنة، توجد لوحات إعلانية كبيرة للخميني تتبعه شعبية ضخمة تعظم من قوته".
ولفت إلى أن التماهي مع الأبطال الإيرانيين يتجاوز مجرد المرشد الأعلى المؤسس للنظام، مضيفا: "اجتذب محسن حجاجي، ضابط الحرس الثوري الإيراني الذي قطع تنظيم الدولة رأسه، أيضا أتباعا كثيرين بين الشيعة في كشمير".
واستطرد الكاتب: "كما شهدت سريناجار، أكبر مدينة، احتجاجات هائلة من المسلمين الشيعة على إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي شيخ النمر. ويجري تسمية الشوارع في المناطق الشيعية باسم شهداء الشيعة في الحرب العراقية الإيرانية".
وبحسب الكاتب، ففي كل عام يزور عدد كبير من علماء الشيعة الكشميريين حلقات دراسية في إيران والعراق لدراسة الإسلام الشيعي، كما يزور علماء الشيعة الإيرانيين المناطق الشيعية في كشمير.
وأضاف: "وصف لي أحد العلماء التقدميين من المجتمع الشيعي تزايد شعبية أدب المقاومة الإيرانية اللبنانية بين المسلمين الشيعة في كشمير".
المظاهر الشيعية بكشمير
وتطرق الكاتب الإسرائيلي إلى أن الترجمة الأردية لسيرة الدكتور مصطفى تشمران، الذي شارك في الثورة الإيرانية، والذي ساعد في تأسيس مليشيا أمل الشيعية في لبنان، والسير الذاتية لعلماء الشيعة اللبنانيين الإيرانيين موسى الصدر، الذي أسس أمل، وآية الله فضل الله، الزعيم الروحي المؤسس لحزب الله، موجودة في كل مكان في الأسر الشيعية والمكتبات المجتمعية.
وأكد، أن "الأروقة الشيعية، والمواكب الدينية، والمظاهرات، والمؤتمرات والتجمعات تضم ملصقات لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله".
ومضى يقول: "بالنسبة للشيعة الكشميريين، الذين يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان على أيدي قوات الأمن الهندية مثل عمليات التفتيش الأمني المزعجة والمهينة، والتطويق المفاجئ، وحظر التجول الممتد، والضرب وحتى قتل المدنيين مثلهم، فإن رسالة أدب المقاومة - أن الرد على قمع المجتمع الشيعي هو المقاومة - لها أصداء واضحة".
ونوّه الكاتب إلى أن الغالبية الساحقة من الطائفة الشيعية في كشمير تبنت نظرة المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي الجيوسياسية، والتي تصنف العالم إلى ظالمين، أو "مستكبرين" ، وهو محور الشر الذي شمل تقليديا الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والغرب عموما. و"المضطهدين"، الذين تشكلهم فلسطين وسوريا والعراق ولبنان، وهم المعروفين أيضا باسم "محور المقاومة".
وعلى حد قول الكاتب، فقد صنفت أعلى السلطات الدينية في إيران الآن شعب كشمير، وكذلك البحرين و الروهينجا في بورما، كجزء من محور المقاومة.
وتابع: "لا تقدم طهران فقط تعاطفا مع الشيعة الكشميريين، بل تشجعهم على تفعيل العلاقة مع إيران والمجتمع الشيعي العالمي من خلال القدوم للقتال من أجل الميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط".
وأوضح الكاتب أن الشباب الشيعي يتباهى بصلاته بالجماعات المدعومة من إيران مثل حزب الله، لافتا إلى أن إيران قامت بمحاولات منهجية لتجنيد الكشميريين للواء زينبيون، وهو واحد من العديد من القوات الشيعية الموالية للأسد التي شكّلها ودربها الحرس الثوري الإيراني.
تطور المشاعر الانفصالية
وأشار إلى أنه بجانب ذلك كله، تتطور المشاعر الانفصالية بسرعة داخل الطائفة الشيعية. لقد افترضت السلطات الهندية منذ فترة طويلة أن الشيعة سوف يلتزمون بشكل دائم بسيادة الهند على الأرض، على عكس موقف الأغلبية السنية في الإقليم".
وزاد الكاتب: "أخبرني أحد زعماء الشيعة المخضرمين من وسط كشمير أن الشيعة يشعرون أن نيودلهي تقدرهم كأصول إستراتيجية أكثر من كونهم مواطنين متساوين".
ولفت إلى أن الشيعة الكشميريين يعانون من عجز عميق في الثقة مع نيودلهي، حيث يشعرون بأن الدولة الهندية قد شجعت عددا من العائلات الشيعية البارزة، مثل عائلة الأنصاري القوية ماليا وسياسيا، والشخصيات الرئيسية في التسلسل الهرمي الديني ويعمل أعضاؤها أيضا كمشرّعين بارزين، دون اهتمام بتشجيع التنمية الاقتصادية للمجتمع والمشاركة السياسية للشيعة الآخرين.
وشدد على أن "الجيل الشاب غير راضٍ عن النخب المجتمعية التي تلقت كل المزايا المتراكمة من قربها من السلطة، ولم تفعل شيئًا من أجل التنمية الاجتماعية - السياسية للمجتمع. ويغذي هذا الاستياء مزاعم بالفساد الهائل من جانب قادة النخبة، بما في ذلك الاستيلاء على حقوقهم في الأرض التابعة للأوقاف، والتي تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمع الدينية إلى المقابر والمساجد والمراكز المجتمعية".
وأردف الكاتب قائلا: "إلى جانب هذا الاغتراب عن الهياكل الحاكمة في الهند، يواجه الشيعة ضغوطًا كبيرة من جيرانهم السنة. الطائفة تخشى أن يُنظر إليها على أنه خائنة من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة من باكستان، والمنظمات المتطرفة مثل الجماعة الإسلامية، والمنظمات السياسية الانفصالية".
ماذا عن السنة؟
أشار الكاتب إلى وجود عوامل أخرى قد تعمق النفوذ الإيراني في كشمير، ومن بينها ميل الهند تجاه إسرائيل. وتابع: "كما أن التدخل القوي للمملكة العربية السعودية في كشمير قد أثار اهتمام إيران. استثمرت المنظمات غير الحكومية السعودية مبالغ ضخمة في كشمير لنشر السلفية، واليوم، من بين سبعة ملايين شخص، هناك حوالي 1.6 مليون من السلفيين. ونما عددهم بشكل كبير منذ عام 2011".
وبحسب قول الكاتب الإسرائيلي: فإن "انتشار هذا الشكل الأصولي للإسلام، أدى إلى احتكاكات طائفية (على سبيل المثال، تم إحراق الأضرحة الصوفية) ونشوء التطرف الجهادي المعادي بالأساس للشيعة والسنة غير الوهابيين - مثل السكان الأصليين الصوفية - وغير المسلمين، ظاهرة جديدة تماما على كشمير".
وأردف: "لكن تم تعديل استجابة الهند إزاء ذلك من خلال الحقائق الجيوسياسية المتغيرة في الشرق الأوسط، وحاجتها للحفاظ على علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية".
وواصل الكاتب حديثه بالقول: "في الحملة الأخيرة على المنظمات الجهادية التي تطرّف الشباب الكشميريين، حظرت الحكومة جماعة الإسلاميين المدعومة من باكستان، لكنها لم تتحرك ضد أهل الحديث المدعوم من السعودية. يمتنع أهل الحديث عن مناقشة مباشرة للسياسة، بما في ذلك نزاع كشمير، مع التركيز على الوعظ بالإسلام الأصولي المعرب. يعتقد خبراء السياسة أنه يمكن للهند الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع السعوديين للضغط على جماعات أهل الحديث في كشمير لإبقائها تحت السيطرة".
تركيا على الخط
ومضى يقول: "إلى جانب جهود التوعية التي تبذلها طهران والرياض في كشمير، فإن السلطات التركية تبذل أيضا محاولات منتظمة لجذب رجال الدين والشباب ومجتمع الأعمال والمفكرين في كشمير. للجماعة الإسلامية المحظورة الآن صلات وثيقة مع تركيا".
ورأى الكاتب الإسرائيلي أن "طموحات أردوغان في أن يكون القائد البارز في العالم الإسلامي، تواجه مقاومة شديدة من السعوديين، كما أن مواجهة الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط ستجعل من مسلمي كشمير أكثر جاذبية في تنشئتهم. من المرجح أن تلعب تركيا دورا أكثر نشاطًا في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية لكشمير في المستقبل".
وأردف: "أصبحت كشمير نقطة الصفر لسباق جيوسياسي جديد من أجل النفوذ: لدى كل من إيران وتركيا مصالح عميقة، متداخلة في بعض الأحيان، وتريد السعودية ضمان عائد على استثماراتها المالية والإيديولوجية، وكل ذلك قبل التفكير في عزم الصين الكبير على تنمية نفوذها".
واختتم الكاتب مقاله، بقوله: "السؤال هو ما إذا كانت هذه الدول - التي قامت بعناية بتربية الأقليات والأغلبية في كشمير، وأعدتهم للتطرّف - ستسلح هؤلاء المؤيدين في نزاع بالوكالة في المستقبل بين أنفسهم، أو بين الانفصاليين والهند نفسها".