هل تنجح تحركات السيسي لمنح حفتر قبلة الحياة في طرابلس؟

محمد سراج الدين | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أقل من شهر استضافت القاهرة اجتماعين ليبيين، الأول لأنصار اللواء المنشق خليفة حفتر، تحت رعاية المخابرات العامة المصرية، الاجتماع الأول جرى في 17 يونيو/ حزيران الماضي، وضم ممثلي الأحزاب والقبائل المناصرة للحملة العسكرية التي بدأها حفتر في أبريل/ نيسان الماضي على العاصمة طرابلس وضد حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج.

أما اللقاء الثاني فضم عددا من نواب مجلس النواب الليبي بطبرق، من أجل توحيد الجهود الرامية لدعم العملية العسكرية في طرابلس، وهو اللقاء الذي استضافه مجلس النواب المصري وحظي بتغطية إعلامية مصرية واسعة.

الرابط بين الاجتماعين، يكاد يكون واحدا، وهو بحث القاهرة عن دعم سياسي يمنح حملة حفتر، دعما معنويا وسياسيا، بعد أن أصابها الفشل، إلا أن التساؤل الذي دفع بنفسه لصدارة المشهد، هو البحث عن السبب في دعم رئيس الإنقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، لحفتر بهذا الشكل؟!

هل بدأ السيسي يشعر بأن حفتر بات قاب قوسين أو أدنى من الفشل العسكري، فبدأ في حملات الترويج السياسي له، ولماذا لا تثمر هذه التحركات عن أية نتائج دولية داعمة لحفتر، وهل استحضار مجلس النواب الليبي هو محاولة للبحث عن شرعية حفترية، مقابل الشرعية الدولية الممنوحة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ورفاقه؟!

ترحيب مصري

القاهرة من جانبها لم تدخر جهدا في دعم حفتر، سواء على الصعيد العسكري أو على الصعيد الدبلوماسي، وأخيرا على الصعيد الشعبي والسياسي، وكما يرى المختصون فإن هذا الدعم محاولة مصرية للبحث عن شرعية شعبية وسياسية لدعم العملية العسكرية التي يقوم بها حفتر في العاصمة طرابلس منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، أو بالأحرى هو البحث عن غطاء شعبي يخفف الضغط الدولي الرافض للعمليات العسكرية حول طرابلس وسرت، وباقي المدن الخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي المعترف به دوليا.

ويربط المتابعون بين الاجتماع الذي جرى في القاهرة منتصف يونيو/حزيران الماضي تحت عنوان "لقاء القوى الوطنية الليبية لدعم جهود القوات المسلحة الليبية في الحرب ضد الإرهاب والمليشيات"، وبين الاجتماع الأخير لمجلس النواب الليبي الذي تم انتخابه في 2014، وشكّل حكومة لم تحظ بالاعتراف الدولي. 

فكلا الاجتماعين، لهما دلالة رمزية من النظام المصري الذي يحاول منح قبلة الحياة لحفتر، وتقديمه كزعيم سياسي له ظهير شعبي، وليس فقط مجرد قيادة عسكرية تحظى بدعم بعض الأطراف العربية والدولية مثل الإمارات ومصر وفرنسا.

تحرك مخابراتي

وحسب المتابعين المصريين للملف الليبي، فإن الاجتماعات التي تحتضنها القاهرة تأتي برعاية اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا، وهي اللجنة التي شكلها السيسي منتصف 2015 وأوكل مسئوليتها لرئيس أركان حرب الجيش المصري وقتها الفريق محمود حجازي، بالإضافة لممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة.

إلا أن اللجنة لم تشهد تفاعلا جادا بعد رحيل حجازي في النصف الثاني من 2017، حتى عادت لها الحياة مرة أخرى تحت رئاسة رئيس جهاز المخابرات المصرية عباس كامل.

ويرى المتابعون أن هذه الاجتماعات تمثل مكسبا كبيرا لأنصار حفتر الداعمين لعملياته العسكرية، وهو ما يترجمه عنوان الاجتماع نفسه، والذي اختص بـ "دور البرلمان فى بناء الدولة الحديثة".

ما لفت الأنظار أن الدعوة تم توجيهها لـ 80 نائبا فقط، وهم المناصرون لحفتر، بينما الآخرين الرافضين للعملية العسكرية لم تشملهم الدعوة، علما بأن عدد أعضاء المجلس 188 نائبا، يمثلون مختلف المحافظات والمناطق الليبية.

وتشير التصريحات الصادرة عن النواب الليبيين المشاركين في الاجتماعات، إلى الهدف الأساسي الذي من أجله يتم عقد مثل هذه الاجتماعات، حيث أكد النائب على السعيدى أن الهدف من الاجتماع هو تثبيت فكرة أن مجلس النواب هو الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثل الشعب الليبي.

الرسالة نفسها أطلقها عيسى العريبى رئيس لجنة الطاقة بالمجلس، والذي تحدث صراحة بأن بلاده تحتاج دورًا فاعلاً لمجلس النواب باعتباره الجهة التشريعية الوحيدة فى ليبيا، وهو أيضا ما أكدته كلمات ممثلي البرلمانين المصري والعربي في الجلسات الافتتاحية التي يحتضنها مجلس النواب المصري.

ووفق تصريحات عبدالله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، فإن اللجنة المصرية المعنية بالأزمة الليبية، نظمت هذا الاجتماع لإزالة أي خلافات بين مختلف النواب، وإبراز دور أكبر للمجلس وتحقيق التقدم في سبل حل الأزمة السياسة في ليبيا.

مضيفا: "باعتبار أن مجلس النواب هو المجلس الشرعي المنتخب الوحيد من الشعب الليبي، وأي حل سياسي قادم يجب أن تتم مناقشته مع مجلس النواب وأن يوافق عليه، إضافة إلى العمل على توحيد التراب الليبي والتصدي لأي تدخل في السيادة الوطنية الليبية"، في إشارة للوجود التركي الداعم لحكومة الوفاق برئاسة السراج.

سيسي ليبيا

المراقبون لعلاقة النظام المصري برئاسة السيسي وخليفة حفتر، يرون أن هناك العديد من المصالح المشتركة التي تجمع الرجلين، منها مصالح سياسية وأخرى عسكرية والأهم هي المصالح الاقتصادية بين الطرفين، وهو ما يجعل السيسي داعما لحفتر وتحركاته، على مختلف الأصعدة.

وحسب المراقبين، فإن السيسي وحفتر لهما مصالح سياسية مشتركة ضد جماعة الإخوان المسلمين التي تعد لاعبا رئيسا في المشهد الليبي ومكونا أساسيا في المجلس الرئاسي المعترف به دوليا، وتعد العدو الأول للنظام المصري بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، وهو ما جعل القاهرة تتوسع في دعمها لحفتر سياسيا وعسكريا، ولوجستيا.

وفق الباحث في معهد الشرق الأوسط عماد بادي، فإن "ليبيا ما زالت تمثل فرصة للسيسي حيث يريد المشاركة في إعادة إعمار البلاد وإقامة تعاون استثماري مع رجال الأعمال الليبيين، وهو الأمر الذي لن يحدث إلا إذا فرض حفتر قبضته الكاملة على كل ليبيا".

وحول أسباب دعم السيسي لحفتر، كتب الباحث الفرنسي أريانا بولاتي، مقالا مطولا بمجلة "جون أفريك الفرنسية"، أجاب فيها على جانب من التساؤل السابق بأن حفتر الملقب بـ"السيسي الليبي" من قبل معارضيه، يحظي بدعم السيسي منذ سنوات، وبما أن القائدين يشتركان في مفهوم السلطة العسكرية ومعارضة الإخوان المسلمين، فإن السيسي يدعو إلى استقرار البلد المجاور من أجل تعاون أوثق.

ويري بولاتي أنه ليس هناك شك في أن الجنود المصريين يحاربون بجانب حفتر في عملية طرابلس، حتى لو نفى الجانبان ذلك، في إطار دعم مصر للشخص الذي يملك جيشا، ويمكن أن يلعب دورا في دعم المصالح المصرية في ليبيا.

وهو نفس ما ذهبت إليه صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها منتصف أبريل/ نيسان الماضي أكدت فيه أن حفتر هو "سيسي ليبيا"، ما يجعل احتمالية أن تجد ليبيا نفسها مرة أخرى، بعد 8 أعوام من سقوط نظام معمر القذافي، تحت سلطة مستبدة تشبه سلطة عبد الفتاح السيسي في مصر، وسيكون ذلك إدانة للمجموعة الدولية التي حاولت منذ مدة طويلة إدماج الجنرال في المسار الديمقراطي في ليبيا.

وبحسب التقرير الذي ترجمته الإذاعة البريطانية، فإن ليبيا منقسمة اليوم إلى فريقين واحد منهما يدعم حفتر في الشرق وفريق آخر في طرابلس والغرب يدعم الحكومة المعترف بها دوليا.

ويرى التقرير، أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تردد في إصدار بيان يدعو فيه قوات حفتر لوقف زحفها نحو طرابلس ويفسر هذا التردد بالدعم الذي يتلقاه حفتر من مصر والإمارات، ومن بعض الأطراف في الحكومة الفرنسية.

شهادة عسكرية

وتشير شهادة هامة لقائد القوات البحرية الليبية السابق بشير صفصاف، مع صحيفة القدس العربي الصادرة من لندن، أنه لا يمكن حل الأزمة في ليبيا عسكريا، وهي الفكرة التي راودت البعض عند التحول من الثورة إلى الدولة، وما حال دون ذاك التحول هو وجود مجموعات مسلحة وسلاح ليس في يد الدولة، بل في أيدي مجموعات حاول شخص في المنطقة الشرقية أن يسيطر عليها، وهو خليفة حفتر، مُدعيا أنه شكّل منها "جيشا وطنيا".

وحسب صفصاف، فإن كلا من مصر والإمارات لعبتا دورا كبيرا في إفشال أي اتفاق سياسي من شأنه إنهاء الانقسام في ليبيا، مشيرا إلي أنه في أعقاب انتخابات عام 2014، كان كل شيء مرتبا لتسليم المهمة للمجلس المنتخب، لكن أتت مكالمة في اللحظة الأخيرة من أبوظبي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح ألا تُسلموا ولا تتسلموا (من المؤتمر الوطني العام).

حصاد 100 يوم

وفي تقييمه للحرب التي شنها حفتر على طرابلس، يؤكد الكاتب الليبي السنوسي بسيكري، أنه بعد 100 يوم على العملية العسكرية على طرابلس، فإن الخسائر فادحة، والغرور والصلف والإصرار على المضي فيها أعظم من خسائرها وأكبر من نتائجها الخطيرة.

ويري بسيكري أنها تعد 100 يوم من عبث الدول الإقليمية الداعمة للعدوان وهزال الأمم المتحدة والأطراف الدولية التي لم تفعل شيئا يذكر لوقف الحرب وردع المعتدي، علاوة على تزييف وعي الناس بخطاب مضلّل من قبل النخبة الداعمة للحرب، والتي نزل بعضها إلى مستوى يرفع عنها صفة الوعي ويحشرها في فئة المطبّلين والمزمّرين للحاكم المستبد.

ويرى الكاتب الليبي أن الحرب سوف تستمر لعدة أسباب أهمها أن حفتر مولع بالقتال ولديه هوس بفكرة الوصول للحكم بقوة السلاح وعلى ركام الجثث وغبار الحروب ودمارها، ولأنه يجد من يمدّه بالعنصر البشري داخليا وبالمال اللازم والسلاح المطلوب من الخارج فلماذا لا يستجيب لهوسه؟!

الكلمات المفتاحية