عراك الحوثيين على السلطة والثروة.. هل تتآكل الجماعة من الداخل؟

للوهلة الأولى قد يظن البعض أن الحوثيين في اليمن جماعة دينية عقدية متماسكة، رجالها وقادتها على قلب رجل واحد، بعيدة عن الخلافات السياسية وصراعات الأجنحة، ونزاعات السلطة والمال والمرجعيات الدينية، إلا أن الحقائق على الأرض وحتى التاريخ والجغرافيا تقول شيئا آخر غير ذلك.
ظهر ذلك جليا في الخلاف بشأن رؤية هلال شهر شوال والاحتفال بأول أيام عيد الفطر المبارك، فبينما أعلن الحوثيون أن شهر رمضان المبارك هذا العام 30 يوما وأن يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران 2019 هو المتمم له، كان لقيادات زيدية محسوبة على الحوثيين رأي آخر.
المرجع الزيدي محمد عبد العظيم الحوثي، ابن عم عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثي، خرج ليعلن أن الثلاثاء الموافق 4 يونيو/حزيران هو أول أيام أيام عيد الفطر المبارك، وأدى صلاة العيد مع أولاده وأحفاده وعدد من طلابه، متحديا بذلك إعلان الحوثيين بضرورة صيام هذا اليوم، والتحذير من الاحتفال بالعيد فيه.
موقف عبد العظيم الحوثي جاء متسقا مع إعلان هيئة علماء اليمن التابعة للحكومة الشرعية التي أعلنت أن الثلاثاء 4 يونيو/حزيران 2019 هو أول أيام عيد الفطر بعد ثبوت رؤية هلال شوال، بحسب الإعلان الصادر من وزارة الأوقاف والإرشاد التابع لحكومة عبد ربه منصور هادي.
جماعة الحوثي أصدرت تعميما يقضي بتجريم ومعاقبة كل من يحتفي بالعيد الثلاثاء، وكلفت لجنة مشكلة من مسؤولي الأوقاف في المديريات التابعة لهم والجهات الأمنية بالنزول صباحا لضبط المخالفين، بحسب نص التعميم، وهو ما تم بالفعل إذ اعتقلت جماعة الحوثيين، كل من احتفل بالفطر، أو أدى صلاة العيد، بتهمة الولاء للحكومة الشرعية.
ورغم أنها شعيرة دينية قائمة على الاجتهاد ويجوز فيها الخلاف إلا أن الموضوع أخذ بعدا سياسيا، ففي حسابات الحوثيين الإفطار والاحتفاء بالعيد بناء على إعلان الحكومة الشرعية دليل على ولائهم لهادي وليس لجماعتهم.
عبد العظيم الحوثي
محمد عبد العظيم بن الحسن بن الحسين الحوثي، ابن عم عبد الملك الحوثي، حيث يلتقي نسبه مع عبد العظيم في جده الحسين، هو رجل دين يمني وأحد المراجع الزيدية في البلاد.
اشتهر محمد عبد العظيم بمعارضته للحوثي منذ العام 2004، وصرح في مقابلة له مع صحيفة "الإصلاح نت" إن حقيقة خلافه مع جماعة الحوثي هو أنهم حاولوا الهيمنة على الحكم مستغلين المذهب الزيدي.
عبد العظيم قال إن حسين الحوثي (زعيم الجماعة السابق) قام بتغيير المذهب الزيدي إلى المذهب الاثني عشري بعد عودته من إيران، وأسس الحركة الحوثية التي خاضت مع المجتمع اليمني وقواته المسلحة صراعا مسلحا أدى لمقتله في 10 سبتمبر/أيلول 2018.
واتهم عبد العظيم جماعة الحوثي بارتباطهم بقوى وجماعات خارجية مثل إيران ولبنان وعناصر أخرى في أمريكا، قائلا: "هذه مسألة مثبتة ومؤكدة"، ووصفهم بـ"الفساق والطغاة والمجرمين".
الحوثي كشف أيضا عن علاقة الحوثيين السابقة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح ودعمه لهم، مضيفا: "نرى أنهم فساق وبغاة ومجرمون، ومعتدون على دين الإسلام، وتجنوا على الزيدية عموما وعلى أهل البيت خصوصا، لعدوانهم الدموي".
وأضاف: "الحوثيون على علاقة بأجهزة استخباراتية في الولايات المتحدة"، مدللا على أنه في آخر الحرب السادسة وصل قائد أمريكي إلى صنعاء، ووجه الرئيس السابق صالح بوجوب الصلح مع الحوثيين، وأن علاقة جماعة الحوثي مع أمريكا تتم عن طريق موظفين في الأمم المتحدة"، مشيراً إلى ما وصفها أوامر أمريكية فرضت على الحكومة اليمنية السابقة أن تترك قتال عبد الملك.
خاض الحوثيون 6 حروب ضد الدولة في الفترة من 2004 وحتى 2010، اندلعت أولاها في 18 يونيو/حزيران 2004، حينما اشتعل فتيل المعارك بين الجيش اليمني وأنصار حسين بدر الدين الحوثي بعد اتهام الحكومة له بإنشاء تنظيم مسلح على غرار حزب الله اللبناني، واندلعت الحرب السادسة في الفترة من أغسطس/آب 2009 وحتى فبراير/شباط 2010.
صراع مسلح
تطور الخلاف الفكري والعقائدي بين جناح عبد العظيم وجناح عبد الملك إلى صراع مسلح، حيث اندلعت عقب تلك الخلافات حرب مسلحة بين الجناحين، غير أن المعركة لم تكن متكافئة بين أنصار عبد الملك الذين استحوذوا على سلاح الدولة، وجناح عبد العظيم الذي يعتمد على سلاح الأفراد الموالين له.
قام أنصار عبد الملك بضرب مراكز نفوذ عبد العظيم في صعدة وحرف سفيان دون المساس بشخص عبد العظيم، حتى لا يتسبب ذلك بإثارة الخلافات داخل الأجنحة الزيدية، نظرا لمكانة الرجل العلمية والاجتماعية، وقاموا بقمع تياره العسكري المنظم.
غير أن ذلك لم يدم طويلا حيث هدموا منزله في مدينة ضحيان بصعدة، ولاحقوا أتباعه في كافة مديريات صعدة، ابتداء من حيدان وحتى سحار، التي شهدت آخر مواجهة مسلحة بين الجناحين في سبتمبر/أيلول الماضي، وانتهت بهزيمة عبد العظيم في منطقة آل حميدان، ليتكرر المشهد بتفجير منزل أتباعه وملاحقتهم وقتل العشرات منهم خلال تلك المواجهات المسلحة.
لم تكن المعركة متكافئة بين الجناحين، فقد أظهر جناح عبد الملك تفوقا ملحوظا، إلا أن جناح عبد العظيم استطاع أن يشكل إزعاجا لجماعة عبد الملك، وقلقا من أن يشجع ذلك التمرد تمرد قبائل أخرى من الجغرافيا الزيدية ذاتها، خصوصا في ظل الحالة الواسعة من السخط الشعبي على جماعة عبد الملك.
فشل الاختراق
منح الصراع الذي قاده جناح عبد العظيم التحالف بقيادة السعودية آمالا في إحداث اختراق لجماعة الحوثي، خصوصا في معقله الذي فشل التحالف في الوصول إليه جغرافيا منذ اندلاع الحرب عام 2015، غير أن ذلك لم يتم رغم توقع الكثيرين أن يحدث ذلك الصراع انقلابا من داخل البيت الحوثي، لكن التحالف لم يستثمر ذلك الصراع بشكل جيد لتفكيك البنية الحوثية من الداخل.
كانت تلك الآمال قد لاحت مسبقا للرئيس صالح الذي طمح لتوسيع الشرخ بين الرجلين، وضرب الجناحين ببعضهما، محاولا إحداث اختراق لجماعة الحوثي، خصوصا خلال الحروب الستة التي خاضها ضد جماعة الحوثي.
كان أحد تلامذة عبد العظيم قد كشف لصحيفة "العربي الجديد" عن استقبال صالح وعلي محسن الأحمر، لمحمد عبد العظيم عام 2008 في دار الرئاسة بصنعاء، قائلا: "شكى محمد عبد العظيم لصالح ومحسن، من مضايقات يتعرض لها هو وتلاميذه في مدينة ضحيان من قبل مسلحي عبد الملك الحوثي".
مضيفا: "اتفق عبد العظيم مع الرجلين على خروجه من ضحيان إلى مسجد الهجرة في مديرية سحار، ووّجه صالح بصرف مبلغ مالي كبير له، وإنشاء جامعة آل البيت في منطقة الحمزات بسحار، كما وجه بصرف 5 آلاف بندقية كلاشينكوف لتوزيعها على أتباعه".
صراع السلطة
الصراع داخل جماعة الحوثي أخذ عدة مستويات، فعلى مستوى السلطة السياسية، تحدثت مصادر صحفية عن صراع داخلي على النفوذ في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وكسب صلاحيات إدارية ومالية، بين جناح رئيس ما يسمى اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي (ابن عم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وزوج أخته). الأعلى للحوثيين.
مراقبون رجحوا أن هناك من جناح محمد الحوثي من سرب الإحداثيات لغرفة عمليات التحالف بغرض تصفية الصماد، وبدورها قامت طائرات التحالف باستهداف موكبه في مدينة الحديدة، وأسفرت عن مقتله وتعيين مهدي المشاط (صهر عبد الملك الحوثي) والمحسوب على تكتل محمد علي الحوثي وأبو علي الحاكم، خلفا للصماد في رئاسة المجلس السياسي.
كان خلاف آخر قد نشأ بين قيادات عسكرية حوثية والقيادي السياسي صالح هبرة، رئيس المجلس السياسي الأسبق التابع للحوثيين، انتهى بعزل هبرة وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله بصعدة، كما أن خلافات أخرى سابقة أسفرت عن انشقاق محمد عزان، أول أمين عام لـ "تنظيم الشباب المؤمن" نواة الحوثيين الأولى، بعد إهدار دمه بفتوى من بدر الدين الحوثي، والد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
أما على مستوى السلطة الدينية، فحدث الصراع في إطار الأجنحة الهاشمية في الحركة الحوثية. يقول الكاتب والناشط محمد المقبلي، لـ "الاستقلال": "الصراع بين الأجنحة الهاشمية في اليمن، صراع ضمن الأسرة الحسنية، وإن تم استدعاء "الحسين" إلا أنهم جميعا حسنيون، والصراع بينهم ينطلق من حكم المتغلب، وفق الموروث الزيدي، ومسألة الخروج.
يضيف المقبلي: "النظرية السياسية القائمة على الأحقية بالحكم للهاشميين انعكست على أحقية أسرية وأحقية فردية، والصراع يدور حول مسألتين، المرجعية الدينية والسلطة السياسية، على سبيل المثال محمد عبد العظيم الذي يقدم ذاته مرجعية دينية مناهضة لمرجعية بدر الدين الحوثي وأولاده، يدرك أن المرجعية الدينية بالنسبة للزيدية مدخل للسلطة السياسية وجباية الزكاة".
عراك الأجنحة
مع تعدد الصراعات في صفوف جماعة الحوثي، أخذت إحدى الصراعات مسارا مختلفا، إذ برز صراع آخر بين ما يعرف بجناحي صنعاء وصعدة، وهو صراع قديم نشب بين العائلات الهاشمية التي شكّلت أركان الجماعة الحوثية.
بات الصراع يتخذ شكلا مناطقيا، أي على المناطق المسيطر عليها، إذ تسود حالة من التذمر في أوساط القيادات الهاشمية المنتمية إلى محافظتي صنعاء وذمار، جراء هيمنة وسيطرة القيادات المنتمية لمحافظة صعدة، التي يثق بها عبد الملك الحوثي.
يبدو الصراع بين الأجنحة الحوثية نتيجة طبيعية لحركة قبلية حصلت على السلطة والثروة معا دون أن تحدد قوانين واضحة لتوزيع تلك الثروة والسلطة، ودون أن تحدد صلاحيات مسؤوليها وقادتها ضمن دستور، ولو كان حتى دستورا عائليا أو قبليا.
غالب الظن أن ذلك الصراع سيحدث شرخا أكبر مما هو عليه الآن، لو توقفت الحرب في اليمن، ورسيت مراكب الحوثي، فهناك عدد من العائلات الزيدية ترى نفسها أولى بالسلطة من عائلة الحوثي، وأحق بالمرجعية الدينية منه، وهو الأمر الذي يؤذن بشرخ مؤجل لحين اكتمال شروطه.
المصادر
- محمد عبدالعظيم الحوثي يرفض التعميم الحوثي ويقيم مراسم العيد يوم الثلاثاء
- عبدالعظيم الحوثي : الحوثيون بغاة ولا علاقة لهم بالإسلام
- الحوثيون يفجرون منزل المرجع الزيدي عبدالعظيم الحوثي ويطاردون أتباعه
- الرئيس السابق صالح يستقبل عبدالعظيم الحوثي ويأمر بصرف خمسة آلاف بندقية لأتباعه
- تنامي الخلافات بين جناح صالح الصماد وجناح محمد الحوثي
- طائرة للتحالف تستهدف رئيس المجلس السياسي للحوثيين صالح الصماد
- عبدالملك الحوثي يعزل صالح هبرة من رئاسة المجلس السياسي الأعلى ويفرض عليه إقامة جبرية
- بدر الدين الحوثي يهدر دم محمد عزان مؤسس حركة الشباب المؤمن