قبر بابل المنسي في العراق.. لماذا يجذب اهتمام اليهود؟

نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا، تحدث فيه عن المواقع الأثرية في مدينة بابل العراقية، والتي تضم أثارا دينية ترجع إلى آلاف السنين، مشيرا إلى قلة الاهتمام في تطوير هذه الأماكن، ولاسيما أنها تتعلق بتاريخ الديانات المسلمة والمسيحية واليهودية.
وقال الموقع في تقريره، إنه "في نهاية طريق مترب خلف سوق كان يُعرف سابقا باسم (سوق دانيال)، حيث مجموعة كبيرة من المتاجر والعربات التي تبيع كل شيء بدءا من البيتزا الساخنة إلى الكباب المشبع بالبخار مرورا بالحلويات، يقف مبنى من الطوب ذا اللون العسلي شاهد على التنوع الديني الذي كان موجودا في هذه المنطقة. إنه قبر النبي ذا الكفل الذي يعتقد اليهود بأنه نبي بني إسرائيل حزقيال".
ووفقا للتقرير، فإن هذا المكان يشبه إلى حد كبير الأضرحة والمساجد والمقابر التي تنتشر في الصحراء الجنوبية للعراق والتي تبعد حوالي ساعتين جنوب العاصمة بغداد، لكن هذا المكان الفريد من نوعه حيث عمره 2600 عام، ويقع داخل مسجد النخيلة الذي يعود إلى القرن الثالث عشر".
وأشار إلى أنه، داخل الغرفة التي تضم القبر ، يغطي البلاط الفيروزي على شكل نجمة وزخارف الأزهار الصفراء والورديّة الباهتة الجدران الحجرية، بينما يغطي السجاد الأخضر الأرض، فيما يعلو الباب، نقش بالعبرية مكتوب عليه: "هذا هو مكان دفن سيدنا حزقيال"، أما القبر نفسه فهو ملفوف بقطعة قماش خضراء مكتوب عليها الآية القرآنية بالعربية "واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار".
ماذا تبقى؟
وأكد الموقع، أنه كجزء من حملة تعريب قادها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كانت النقوش العبرية مطلية باللون الأبيض، لكن تم استعادتها منذ ذلك الحين، ونقل عن هيثم الخفاجي، أحد حراس الضريح "كل ما تراه منقول من العهد القديم. هذا الشمعدان يمثل يرمز للديانة اليهودية"، مشيرا إلى الشمعدان المرسوم على الجدار، مضيفا: "وهذا هو ما تبقى من نقوش باللغة العبرية".
وأوضح التقرير، أنه "في الإسلام والمسيحية واليهودية، عاش النبي حزقيال في القدس قبل أن يتم نفيه إلى بابل، العراق اليوم، وفي العهد القديم نجد سفر الرؤيا لهذا النبي، وهو واحد من أهم مجلدات العهد القديم، بينما ورد اسمه مرتين في القرآن".
لكن مواقع عربية، ذكرت أن بعض العلماء يرى أنه "رجل من الصالحين وقد رجح ابن كثير (عالم مسلم راحل) نبوته لأن الله عز وجل قرنه مع الأنبياء كما في سورة الأنبياء"، وكما ذكر أنه بعث لأهل دمشق.
ونوه "ميدل إيست أي" إلى أن هذا المكان اليوم هادئ ترتفع أصوات الطيور الجميلة في المساحات الخضراء المحيطة به، بينما ينعكس ضوء الشمس على المآذن الثلاثة للمسجد - أحدها يشبه برج بيزا - وعلى قبة مخروطية من عصر الدولة السلجوقية مزينة بزخرفة على شكل قرص العسل.
وقال الموقع، إن هذه المقبرة توضح التنوع الديني الذي كان موجودا في العراق، وهي دولة حصلت على الاستقلال عن بريطانيا عام 1932، وفي بعض الأيام، يستقبل الموقع حوالي 400 زائر، ووفقا لهيثم الخفاجي، على الرغم من الخلافات المحلية حول إدارة الموقع والوصول إليه، اعتاد اليهود على زيارته في الماضي، خاصة بين السنة اليهودية الجديدة (روش هاشاناه) ويوم كيبور (يوم الغفران)، وفي غرفة مجاورة نجد مجموعة من الصور بالأبيض والأسود تصور يهود العراق من المنطقة.
في منتصف القرن العشرين، كان هناك حوالي 150 ألف يهودي في العراق، وشيد أفراد من الأثرياء من بغداد منازل في مدينة الكفل، بالقرب من القبر، ومع ذلك، فقد انخفضت أعدادهم تقريبا إلى الصفر، بعدما غادر معظمهم إلى إسرائيل.
مزار مشترك
وقال المسؤولون عن قبر ذا الكفل: إن زوار جميع الأديان السماوية مرحب بهم ولا يسألونهم أي أسئلة حول انتمائهم الديني، ويبين هيثم الخفاجي "أولئك الذين يأتون إلينا من جنسيات مختلفة. ونحن لا نهتم بدينهم".
ومن جهته قال أليكس شمس، طالب دكتوراه في الأنثروبولوجيا بجامعة شيكاغو: "الموقع مكان رائع، وأهم موقع للحجاج اليهود في العراق المعاصر"، إذ أنه زار القبر من أجل بحثه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال "الأربعينية" (ذكرى مرور 40 يوما على وفاة الحسين حفيد النبي محمد)، أكبر مسيرة سنوية للشيعة، حيث يقوم الملايين بمسيرة من النجف إلى كربلاء.
ورادف: "هذا الضريح مزار مشترك، تاريخيا، كان معروفا جدا في المنطقة، ووجود هذه المواقع يذكرنا بأن هذا التعايش الديني أمر طبيعي"، فالقبر هو العنصر الأقدم والفريد من نوعها في المسجد كله، يجذب الموقع الشيعة لسببين: أنهم يعتقدون أن الإمام علي ذهب إلى هناك في وقت ما قبل وفاته عام 661، كما أنه يقع على الطريق المؤدي إلى مراكز المزار الرئيسية في النجف وكربلاء، وبالتالي يشكل محطة توقف على طول الطريق.
نقص الأموال
يستفيد "النخيلة" من الجهود التي تمولها مختلف الوكالات، بما في ذلك مكتب الوقف الشيعي العراقي ومحافظة بابل وإدارة الشؤون الفنية، ومع ذلك، تقول سلطات الموقع إنها تحتاج إلى تمويل إضافي - ملايين الدولارات - لاستمرار إعادة التأهيل والترميم والتوسع.
وبحسب هيثم الخفاجي: لا تكفي الأموال العامة لرصف الطريق المؤدية إلى المسجد أو تحسين المرافق السياحية لجعلها مركز جذب حقيقي لليهود والمسيحيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم، مضيفا: "بصفتنا حراسا للمزار، نفاذ المال لإعادة بناء الموقع، ورصف الطريق وإفساح المجال لمواقف السيارات، نحن أيضا نفتقد المال من أجل الإعلانات، بحيث تصل الرسالة إلى بلدان أخرى، الناشطون يساعدوننا، لكن يجب على الدولة الاهتمام بهذه المواقع الدينية والأثرية".
وبيّن أنه على الرغم من أن معظم الحكومات الغربية تواصل تثبيط مواطنيها عن السفر إلى العراق، مشيرة إلى المخاطر الأمنية، أكد منظمو الرحلات زيادة في عدد العملاء بعد هزيمة تنظيم الدولة.
نسخة أخرى من التاريخ اليهودي
وفقا للمراقبين، تكمن أهمية القبر جزئيا في حقيقة أنه يتحدى النسخة الصهيونية من التاريخ. أنشأت السلطات الإسرائيلية شبكة من المواقع الأثرية القديمة وروجت لها الدولة بشدة، والتي تتضمن التاريخ اليهودي داخل الأراضي التي تسيطر عليها، وفي الواقع، إضافة إلى القبر، تنتشر قبور الشخصيات المهمة في اليهودية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك قبري دانيال وإستير في إيران.
ويوضح أليكس شمس، أن الحفاظ على الأماكن المقدسة اليهودية خارج إسرائيل وفلسطين المحتلة هو وسيلة لمحاربة الدعاية الإسرائيلية، لافتا إلى أنه "أصبح علم الآثار أداة استعمارية قوية في أيدي الدولة الإسرائيلية، وهذا تذكير عاجل بالحاجة إلى الحفاظ على حرية الوصول إلى المواقع الدينية المشتركة".
وأضاف: فعلى سبيل المثال قبر راحيل في بيت لحم حاولت السلطات الإسرائيلية المطالبة بالموقع باعتباره "تراثا قوميا" لإسرائيل، ويجب على الفلسطينيين الحصول على تصريح للوصول إليه.
"منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، التزمت السلطات العراقية بإعادة تطوير الجزء السابق من قبر ذا الكفل ومجمع الجنائز ، الذي كان في حالة سيئة"، كما ذكر زافي يهودا ، مدير معهد أبحاث مركز التراث اليهودي البابلي ومقره في إسرائيل ويتتبع تاريخ اليهود العراقيين.
ويقول في كتابه، الشتات البابلي الجديد: صعود وسقوط الجالية اليهودية في العراق (2017) "لقد استخدم المسلمون المحليون هذا كفرصة لإضافة رموز للمسلمين ومحو رموز يهودية، من أجل تحويل فناء الكنيس القديمة إلى مكان للصلاة".
حماية التراث
كما اشار زافي يهودا إلى أن الشتات اليهودي العراقي قد تم استبعاده من محادثات تجديد القبر بعد عام 2003 على أساس أنه "شأن داخلي عراقي".
ولفت الموقع إلى أن بعض جوانب المجمع تجعل منه مكانا لزيارة الشيعي، إذ يجب على النساء ارتداء الشادور (العباءة) لزيارة قبر ذا الكفل، بينما المقام المصنوع من الحديد المطلي بالذهب والأضواء الحمراء يثني على زيارة الإمام علي في القرن السابع، وفي مكان آخر، تحمل الملصقات تعليمات الصلاة باللغة العربية.
ويقول المسؤولون، إنهم يريدون حماية التراث اليهودي للموقع ومن بينهم الخفاجي الذي صرح: "لقد احتفظنا بها ونحن لا نريد أن تتضرر، إنه تراث عراقي وقصة عراقية ونحن فخورون به"، مضيفا: التمويل هو العقبة الرئيسية التي تحول دون متابعة جهود الحفاظ عليها.
وأنهى حديثه بالقول: "من المهم أن يعرف المواطنون حضارتهم، لكن الظروف الاقتصادية لها تأثير سلبي على الآثار. عندما يكون المال متاحا، ستكون الأمور سهلة".