كيف خططت الرياض وأبوظبي للولوج إلى دهاليز القرار في موريتانيا؟

أحمد ولد سيدي | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ وصول الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز للسلطة بانقلاب عسكري سنة 2008، تعززت العلاقات الدبلوماسية بين نواكشوط والرياض وأبوظبي.

فالسعودية والإمارات سعيا منذ فترة إلى التغلغل داخل المجتمع الموريتاني عبر دعم وإنشاء مؤسسات دينية وثقافية وخيرية، مع الضغط على النظام الحاكم لإغلاق مؤسسات وجمعيات مماثلة مقربة من التيار الإسلامي هناك.

الشارع الموريتاني أبدى رفضه ومعارضته لما اعتبره تغلغلا سعوديا وإماراتيا في مؤسسات بلاده معبرا عن ذلك في تظاهرة رفضا لزيارة بن سلمان لموريتانيا في 2 ديسمبر/كانون الأول 2108.

أًصل الحكاية

بدأت مطامح السعودية والامارات في تشكيل أذرع قوية بموريتانيا منذ الإطاحة بالرئيس المدني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في انقلاب عسكري سنة 2008، ووصول الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز للسلطة في انتخابات رئاسية سنة 2009.

ظهر ذلك من خلال دعم الدولتين لولد عبد العزيز ومساندته في الخروج من الأزمة السياسية التي سببها الانقلاب العسكري، وتوفير الدعم المالي والمساندة بالمواقف السياسية والدفاع عن شرعيته في المحافل الدولية والإقليمية.

جاء فوز حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي، وحلوله في المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية والبرلمانية سنة 2013، ليمثل صدمة للسعودية والإمارات لكن تأثير ثورات الربيع العربي على المنطقة في ذلك الوقت حال دون تدخلهما في سياسات الحكم بهذا البلد الإفريقي الفقير.

وبعد أن خفت مظاهر الربيع العربي، ونجاح السعودية والإمارات في إنجاح بعض الثورات المضادة (كما حدث في مصر)، عاود البلدان الكرة من جديد في موريتانيا وهو ما نجحت فيه مؤخرا بإغلاق الحكومة جمعيات خيرية ومؤسسات دينية محسوبة على التيار الإسلامي هناك.

الضوء الأخضر

كانت النتائج النهائية للانتخابات البلدية والبرلمانية التي شهدتها موريتانيا في سبتمبر/أيلول 2018، وفاز فيها الإسلاميون بالمرتبة الثانية أكبر ورقة للضغط السعودي الإماراتي على النظام الحاكم، وإعطائه الضوء الأخضر لإغلاق هذه المؤسسات والجمعيات التابعة للتيار بدعوى مساهمتها في نشر الإرهاب والتطرف.

عملت السعودية والإمارات على توفير الأرضية المواتية لإغلاق مركز تكوين العلماء، وجامعة عبد الله بن ياسين، وهي مؤسسات دينية وعلمية يرأس إدارتها العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ولاحقا جمعية "الخير"، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي بموريتانيا.

جاء قرار إغلاق جمعية "الخير" بإيعاز سعودي إماراتي كاشفا لمستوى تدخل البلدين في شؤون موريتانيا، واستهدافهما الجمعيات الخيرية التي عملت في البلاد لسنوات طويلة وألف الفقراء والمحتاجين والمعوزين دعمها المجاني، حيث تنشط الجمعية التي تأسست في مايو/أيار 2001، في مجال الدعم الاجتماعي وكفالة الأيتام.

وحسبما يرى الكاتب الصحفي فتاح ولد محمد المختار فإن "السعودية والإمارات كانتا وراء إغلاق العديد من المراكز الدينية، والمؤسسات التعليمية، والجمعيات الخيرية في موريتانيا".

المختار قال لـ "الاستقلال" "الدولتان تعملان بقوة للتضييق على التيار الإسلامي عبر شماعة محاربة التطرف والإرهاب ضمن شعارات زائفة دأبت هذه الدول على ترديدها مع مساهمة كبيرة لها في نشر التطرف بعدة دول عربية وإفريقية عبر دعم أنظمة الاستبداد".

مؤسسات بديلة

كان إنشاء الحكومة الموريتانية لمؤسسة دينية رسمية تدعى "المحظرة الشنقيطية الكبرى"، استجابة لمحاولة الرياض، وأبو ظبي، لإيجاد بدائل عن إغلاق "مركز تكوين العلماء"، بعد فشل إنشاء "المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

الحسن ولد محمد، أحد ناشطي المجتمع المدني يرى أن قرار إنشاء "المحظرة الشنقيطية الكبرى" وقبلها "المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء"، جاء بإيعاز من الرياض وأبوظبي لمحاولة إقامة بدائل بعد إغلاق المراكز الدينية والجمعيات الخيرية المحسوبة على الإصلاح، لكن كل هذه المساعي لم تكلل بالنجاح نتيجة رفض الشارع لها وعزوف الموريتانيين عن البدائل".

ويضيف ولد محمد في حديث لـ"الاستقلال" أن جهود السعودية والإمارات في التغلغل في موريتانيا وإن نجحت على المستوى الرسمي، فإنها تلاقي فشلا ذريعا على المستوى الشعبي لرفض المجتمع لها واعتبارها رشى تقدمها هذه الدول للجهات الرسمية من أجل إيجاد موطئ قدم لتعزيز طموحاتها في موريتانيا.

وبحسب الصحفي أحمد ولد محمد فإن "قرار تنازل الحكومة الموريتانية عن تسيير مطار أم التونسي الدولي بالعاصمة نواكشوط لصالح شركة إماراتية تابعة لإمارة أبو ظبي، كان أكبر فضيحة لتغلل الإمارات والسعودية في البلد".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "هذا القرار عزز المواقف الرافضة للتدخل الإماراتي السعودي في شؤون البلد، وأظهر حجم مخاوف هذا التغلغل وأضراره، كما ساهم في تزايد حجم الرفض الشعبي لتدخلاتهما التي خربت العديد من الدول بسبب خضوع أنظمتها لقرارات الرياض وأبو ظبي".

سوابق التخريب

تكشف سوابق السعودية والإمارات في تخريب عدة بلدان عربية وإفريقية، وتدخلهما في عدة ملفات حساسة بموريتانيا المخاوف الشعبية من تغلغلهما في البلد، وسعيهما لربط التطرف والإرهاب ببعض الحركات الإسلامية المعتدلة، وخصوصا تيار الإخوان المسلمين الذي عانى من مضايقتهما منذ عدة سنوات، إبان وصول الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز للسلطة.

المؤتمر الذي أشرفت على تنظيمه وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي بموريتانيا مؤخرا تحت عنوان "الأمة الإسلامية في مواجهة تيارات التطرف وخطاب الكراهية"، وحضره ممثلون عن السعودية والإمارات فيما غاب عنه أي ممثلين لباقي الدول العربية، باستثناء تمثيل عن دول منطقة الساحل، لم يكن بعيدا عن مخططات البلدين التغلغلية في موريتانيا.

فمن بين الشخصيات المشاركة في المؤتمر وتحدثت فيه عبد الله بن محمد الصالح وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالسعودية، وعبد الله بن بيه رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" الذي أنشأته الإمارات وتموله في موريتانيا.

التلاعب بأحلام الشعوب

الغريب أن محاور المؤتمر جاءت من قبيل "وحدة الأمة الإسلامية في مواجهة التطرف" و"الإسلام وقيم التسامح والمؤسسات الحاضنة للإسلام ودورها في تحصين المجتمع من التطرف"، و"خطاب الكراهية وآثاره السلبية على الامة"، متجاهلة تماما أي حديث عن قيم مثل الحريات أو واجب الأمة في مواجهة الاستبداد.

هذا الحضور المتفرد للرياض وأبوظبي في المؤتمر أظهر مستوى الارتماء الموريتاني في حضن السعودية والإمارات، ومدى حضور الدولتين في الشأن الديني، والسياسي، والثقافي، والاقتصادي في البلاد، التي أصبحت على مقربة من تحول السلطة فيها من رئيس عسكري مقرب منهما إلى خليفته الذي زار البلدين قبل إعلان ترشحه لرئاسيات يونيو/حزيران المقبل.

التدخلات السابقة، تؤكد تلاعب السعودية والإمارات بأحلام الشعب الموريتاني عبر سيناريوهات مختلفة هدفها تضييق الخناق على الإسلاميين، ووقودها مباركة النظام الحاكم هناك لأطماعهما التي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد.