بعد 8 سنوات.. فرص نجاح الثورة السورية ممكنة بهذه الخطوات

يبدو أن سوريا على موعد مع موجة ثانية من الثورة تتزامن مع الذكرى الثامنة لاندلاعها، خاصة بعد اندلاع موجة جديدة من ثورات الربيع العربي في الجزائر والسودان، فرغم استعادة قوات بشار غالبية المناطق التي فقدتها خلال السنوات الماضية، إلا أن سوريا تمر بفرصة استثنائية وتطورات متلاحقة منذ مطلع الأسبوع الجاري قد تغير مسار الثورة.
التظاهرات عادت على نحو مفاجئ، إلى بعض المدن السورية، وتعالت الهتافات المطالبة بإسقاط نظام الأسد، وسط إجماع خبراء استطلعت "الاستقلال" آرائهم على أن الحل اليوم يتطلب جرأة من كل الفصائل الثورية على طرح مشروع وطني حقيقي، يتعالى فيه الجميع على جراحات الماضي، ويقطعون الطريق على كل حيل دولية وإقليمية.
فشل المفاوضات
قد تكون هناك بوادر أمل إلا أن الوصول إلى نقطة نهاية الحرب ما زال بعيدا، وستحدّد الخطوات القادمة للأطر السياسية مدى طول هذه الفترة، فقد بات من المتعذّر التيقن بتحولات ومآلات الصراع السوري، الذي بدأ منذ 8 أعوام (مارس 2018)، شهدت خلالها عدة مفاوضات كجنيف والأستانة وسوتشي، واختلفت طريقة إدارة تلك المفاوضات إلا أن جميعها لم يصل إلى نتيجة قادرة على وقف الحرب السورية.
فقد اختارت الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي الدبلوماسي النرويجي "جير بيدرسن" ليكون رابع وسيط لها في الأزمة السورية بعد كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا.
وقال في أولى تصريحاته إنه يأمل في دعوة لجنة دستورية للاجتماع في جنيف "في أقرب وقت ممكن" دون ذكر إطار زمني محدد في أحدث محاولة لإنهاء الحرب السورية.
ولم يتمكن أسلاف بيدرسن من إطلاق مفاوضات سلام حقيقية، لأن حكومة الأسد رفضت بحث إجراء تغيير سياسي، بينما طالبت المعارضة باستقالة بشار.
أما اتفاق سوتشي، المبرم بين الطرفين التركي والروسي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، لتجنيب محافظة إدلب ومحيطها عملاً عسكرياً، واجه تحدياً مع التصعيد العسكري واسع النطاق من قبل قوات النظام السوري في شمال غربي البلاد، الأمر الذي دفع المعارضة السورية إلى الدعوة إلى مؤتمر عام يجمع القوى السياسية والعسكرية المعارضة لاتخاذ قرارات "مهمة جداً".
وتحولت البيانات الختامية للمحادثات التي أقيمت بالعاصمة الكازاخية "أستانة" حول الأزمة السورية إلى مجرد "كلاشيهات" وشعارات مكررة، خالية من أي حلول جذرية أو خارطة طريق حقيقية لحسم الحرب، واختتمت الجولة الـ11 من المحادثات دون التوصل إلى أي اتفاق حول اللجنة الدستورية.
ولم تنتظر الخارجية الأمريكية من جانبها، مغادرة المشاركين للعاصمة الكازاخية لتعلن أن الأطراف وصلت إلى طريق مسدود، مؤكدة ما تقوله دائما من أن "مسار أستانة لم يؤد سوى إلى مأزق في سوريا".
ومن جانبها، قالت المعارضة السورية إن "مؤتمر أستانة خدمة مجانية لروسيا، لتصنع أطرافا إضافية تمهيدا لإشراكها في مؤتمر جنيف المقبل".
جرائم حرب
حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإن العام 2018 كان هو الأكثر فتكاً بأطفال سوريا منذ بدء الحرب عام 2011، إذ توفي فيه 1106 أطفال على الأقل، لأسباب متباينة بينها القتال والحصار والجوع.
فيما أفاد تقرير صادر عن الشبكة السورية لمعلومات حقوق الإنسان، بتورط أطراف النزاع الرئيسية الفاعلة في سوريا في مقتل 223 ألف و161 مدنياً بينهم 28 ألف و486 طفلا، و15 ألف و425 سيدة خلال الفترة من 2011 وحتى 2019، مشيراً إلى أن 92% منهم قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي.
وقدم التقرير الصادر بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لانطلاق الحراك الشعبي السوري في مارس 2011، إحصائية تتحدث عن قرابة 143 ألف و176 شخصا لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري بمراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري.
وقدرت الشبكة الحقوقية تعرض قرابة 14.2 مليون شخص للتشريد القسري، بينهم 8 ملايين داخل سوريا و6.2 ملايين لاجئ خارجها.
وألقى نظام بشار أكثر من 77 ألف برميل متفجر، وشُن 149 هجوماً بالأسلحة الحارقة، كان النظام مسؤولاً عن 19 منها، والقوات الروسية عن 125 هجوماً، وقوات التحالف الدولي 5 هجمات على أحياء سكنية في مدينة الرقة.
كما قُتل 921 مدنياً بسبب الحصار الذي اتبعته قوات بشار ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة. وتصدر النظام السوري ارتكاب التعذيب الذي يؤدي للموت في كثير من الأحيان، مع تسببه بمقتل قرابة 14 ألف شخص في سجونه.
جاء ذلك التقرير بالتزامن مع تعالي أصوات هتافات ثوار سوريا بمدينة درعا -التي تعد أقدم المدن العربية التي تقع في جنوب سوريا بالقرب من الحدود السورية الأردنية-، رداً على نصب تمثال لحافظ الأسد مكان التمثال الذي أحرقه أهالي درعا قبل 8 سنوات في مارس 2011، مرددين "عاشت سوريا ويسقط بشار.. شمس الحرية طلعت من درعا.. درعا ثورة دائمة لا تموت".
الثورة مستمرة
وقال العقيد رياض الأسعد، مؤسس الجيش السوري الحر، إنّ "الثورة السورية مرت بعدة مراحل وارتكبت عددا من الأخطاء، ورغم ذلك مازالت مستمرة"، مستطردا: "لا مفر لنا غير ذلك، وإلا ستكون الضريبة أقسى وأمر بعشرات المرات عما سبق. سوريا أصبحت تحت احتلال مع غزو ثقافي وعقدي وتغيير ديمغرافي من قبل الروس والإيرانيين".
واعتبر الأسعد، في تصريحات لـ"الاستقلال"، أنّ "الثورة انتقلت من مرحلة الدفاع عن نفسها ضد العصابة إلى مرحلة حرب عليها من قبل دول عظمى متعددة تستخدم ميليشيات طائفية حاقدة تقتل وتنهب وتدمر". لافتا إلى وقوع أكثر من مليون شهيد وأكثر من 3 ملايين معاق وحوالي 15 مليون مهجر من أرضه وبلده ومئات الآلاف من المعتقلات والمعتقلين تحت التعذيب والاغتصاب والقتل.
وحسب "الأسعد" فإن كافة الأطراف المتدخلة بالقضية السورية تتدخل "سلبيا" لأن لكل وجهته ومصالحه. مضيفاً "مخرج الأزمة السورية بخروج الاحتلالات وإسقاط عصابة بشار لبناء سوريا جديدة، وإلا ستستمر المقاومة بكافة الوسائل الممكنة للوصول إلى الهدف السامي وتحقيق النصر".
موجة ثانية
"مد الثورات والربيع العربي لن يتوقف حتى يحقق مطالبه ولو وقفت ضده جيوش الكوكب" هكذا يرى قتيبة ياسين- الكاتب والصحفي السوري-، مؤكدا أن الانتفاضات السورية ستأخذ عدة أشكال، "وستكون مسلحة في مكان وسلمية في آخر ومختلطة في آخريات، لكنها امتداد لربيع العرب الذي بدأ بشرارة بوعزيزي (في تونس ديسمبر 2010)، ما يحدث الآن في سوريا هو استمرار للمد الثوري، وأسباب انطلاق الثورة ما زالت قائمة".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الاستقلال" أن الثورة السورية حققت على مدار الثمان سنوات "كل شيئ ولا شيئ"، مستطردا: "بالمعنى النفعي قصير الأمد لم تحقق شيئا.. أما على المدى البعيد فقد حققت كل شيئ".
إعجاز ثوري ملهم
الدكتور حامد الخليفة- الناشط السوري والباحث في التاريخ السياسي والفكر الإسلامي- يعتبر الثورة السورية "مدرسة متشعبة الأبواب والنوافذ، أول ما يلفت انتباه المتابع لحراكها هو استمرار جذوتها رغم تكالب الأعداء وخذلان الأولياء وتشتت الصف الداخلي ووجود النزاعات والفتن بين أبنائها".
ووصف الخليفة في تصريحات لـ"الاستقلال" استمرار الثورة رغم كل هذه الظروف بـ"الإعجاز الثوري الملهم". مضيفا: "الثورة بينت أن الشعب السوري قادر على التأقلم والتعامل مع أقسى الظروف إلا أنه يحتاج إلى قيادة وراية واحدة".
أعداء الثورة
من جانبه يقول أحمد الهواس الناشط السوري، إن "أمريكا وقفت منذ اللحظة الأولى ضد ثورة الشعب السوري مدعية أنها من أصدقاءه، لكنها حاربت الثورة كما حاربت عموم الربيع العربي".
وأكد "أمريكا هي من سمح لإيران وروسيا بمقاتلة الشعب السوري. إيران بحلف عضوي مع أمريكا وإسرائيل، ولذلك صمتت عن حلفها الطائفي في حين دعشت السنة العرب بذريعة تنظيم داعش الذي يعد صناعة مخابراتية لإنقاذ النظام الطائفي".
وأضاف "الهواس" لـ"الاستقلال": "لم تكن الأنظمة العربية الوظيفية لتدعم ثورة سوريا وهي تعلم أن الربيع العربي لن يستثني نظاما عربيا فهي متشابهة في ظلمها وقمعها وعمالتها، لذلك ساهمت في إطالة النزاع والصراع والدماء مع السوريين حتى تخوف شعوبها بمآل الشعب السوري مع حرص تام على بقاء نظام بشار".
4 خطوات للحل
الحل باختصار في سوريا، حسب الهواس، يكمن في "توحد ثوار سوريا في قيادة ورأس، وإعادة تنظيم الثورة، والاستفادة مما مرت به من تقلبات، والخروج بنتائج تنعكس إيجابا عليها مستقبلا".
وتفصيليا حدد الهواس 4 خطوات للحل أولها "التأكيد على أن ما يحصل في سوريا ثورة وليست أزمة وليست حربا على الإرهاب، بل حرب إبادة للشعب السوري والنظام اللاشرعي هو من جلب الإرهاب ليصرف الرأي العام عن جرائمه".
ثانيا: "اعتبار من تدخل في الشأن السوري الداخلي وله قوات على الأرض غزاة ولم يدخلوا بطريقة شرعية، والوضع في الاعتبار أن الحكومة السورية الحالية وكل قراراتها باطلة لأن النظام سقط بالشرعية الثورية، ومن ثم تأسيس الائتلاف واعتراف 125 دولة به ممثلا للشعب السوري".
أما ثالث هذه الخطوات فيراها الهواس في "إعادة إحياء روح الثورة بالمقاومة سواء للعصابة الطائفية أو الغزاة الروس والإيرانيين". ورابعها يتمثل في "ضرورة العمل مع الدول التي تتقاطع مصالحها مع ثورة الشعب السوري، وجمع الأدلة والقرائن على الجرائم المرتكبة بحق السوريين وتقديم دعوات في البلاد التي تسمح قوانينها بملاحقة مجرمي الحرب بوصفها جرائم لا تسقط بالتقادم".