كيف يبث الإعلام المصري خطاب الكراهية بعد تنفيذ الإعدامات؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مصر موت مستمر وسجال مقيم، على خلفية إقدام النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي على تنفيذ سلسلة إعدامات متتالية خلال شهر فبراير/شباط 2019، اختتمها بمذبحة بحق 9 شباب أعدموا على خلفية اتهامهم في قضية اغتيال النائب العام.

أما الآلة الإعلامية للسلطة، فقد عملت بشكل متواز لتبرير عمليات القتل المنظم باسم القانون؛ لتحسين صورة النظام أمام الرأي العام داخليا وخارجيا، محاولة امتصاص وميض الغضب المشتعل في النفوس على أثر رؤية جثامين الشباب، ومشاهدة مقاطع قديمة أدلى بها بعضهم عن تعرضهم لحفلات تعذيب أفضت إلى اعترافهم بجرائم لم يقترفوها.

"لن تستلموا سوى الجثث"

في برنامجه "على مسئوليتي" على قناة "صدى البلد"، قال الإعلامي المصري المقرب من النظام أحمد موسى في تعليقه على تنفيذ الإعدامات: "الحاجة الوحيدة اللي هتتسمح إنه هيتنفذ القصاص، وهتستلموا الجثث من مشرحة زينهم، أوعى تفتكر وانت بتعيط بره ولا جوه، إن البلد إيدها مرتعشة، البلد في أقوى حالتها".

الإعلامي عمرو أديب، قاد حملته الدفاعية عن النظام بطريقة مختلفة، حيث استضاف المحامي مختار نوح، وهو من المنشقين قديما عن جماعة الإخوان المسلمين، والذي يخوض منذ سنوات طويلة حملات تشويه انتقامية ضد الجماعة، وكان أحد المؤيدين بقوة للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، ووّجه نوح رسالته للمتعاطفين مع المعدومين في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات قائلا: "ده اختبار للذكاء البشري العادي، ومتصدقوش أي حاجة تتكتب على فيسبوك، اعرضوها على المنطق، واعرضوها على القلب، ولماذا محكمة النقض تجاوزت كل الأحكام واختارت هؤلاء التسعة؟".

وعلى قناة "الرافدين"، أطل الإعلامي عزمي مجاهد الذي دأب على مهاجمة معارضي رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وتخوين فصائل من الشعب المصري، برسالة يصرح فيها نصا: "بقول للخونة المرعوبين من تنفيذ أحكام الإعدام، على قتلة النائب العام الأسبق هشام بركات، بقولهم مفيش حد ارتكب جريمة إرهابية إلا وهيتحاسب، وفضيحة اختراق حساب ابنة النائب العام مروة هشام بركات أمر يضركم ويفضحكم أمام العالم".

الهجوم على البرادعي

في يوم 21 فبراير/شباط 2019، وبعد يوم من إعدام الشباب التسعة، كتب الدكتور محمد البرادعي السياسي المصري، والمدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تغريدة على "تويتر" قال فيها: "عقوبة الإعدام عقوبة لايمكن الرجوع عنها إذا نفذت على برئ، وقد أصبحت مرفوضة عالميا لأسباب عديدة. أكثر من ١٧٠ دولة قامت بإلغائها قانونيا أو عمليا، وأقل من ٤٠ دولة مازالت تطبقها. طالبت الأمم المتحدة مرارا بتعليق تطبيقها إلى حين إلغائها. #لا_لعقوبة_الإعدام"

وهو الأمر الذي كان كفيلا بشن حرب ضروس من الأذرع الإعلامية للنظام، حيث قال الإعلامي تامر أمين في برنامجه على قناة "النهار": "أنا معرفش أيه اللي طلعه من سباته، وأيه اللي صحاه من النوم دلوقتي، كنا ارتحنا منه فترة، وهو بيتمتع بالغباء السياسي".

وفي إطار حديث تامر أمين ذهب إلى أبعد من الهجوم على كلام الرجل، بل شكك في عقيدته عندما أكد "اسمه هو محمد البرادعي، مش بنيامين البرادعي، يعني مفيش شك في إسلامه، فلا لعقوبة الإعدام أعمل فيها أيه يا محمد، وفي شرع إسلامي بيقول من قتل يقتل ولو بعد حين".

عمرو أديب، لم يتوان عن مهاجمة محمد البرادعي في السياق ذاته، حيث علق قائلا: "الدكتور البرادعي قاعد في النمسا بيكتب تويتاته، وأنا دوري حكاية الحكاية، وانتوا تحكموا، وهو حر واللي وراه أحرار، لكنه فجأه بيغسل إيده مننا".

وتجاوزت الحملة برامج الـ"توك شو" إلى أوراق الصحف الرسمية، حيث أفردت "اليوم السابع" تحقيقات كاملة عن البرادعي، ففي 24 فبراير/شباط 2019، وتحت عنوان "الكدب ملوش رجلين.. محمد البرادعي يناقض نفسه بالهجوم على التعديلات الدستورية"، وفي نفس اليوم على صفحات ذات الجريدة، صرّح محمود بدر المتحدث السابق باسم حملة تمرد عن البرادعي قائلا: "كفاية كذب، وأنت أول واحد طالبت بحماية الجيش لمدنية الدولة".

هذه العبارات الهجومية وإن كانت في مجال مختلف عن الإعدامات، لكنها ارتبطت برفض السياسي المصري لتنفيذ عقوبة الإعدام، وجاءت في معرض التشويه والنيل من اعتباره.

أردوغان يستنفر الإعلاميين

خلال حوار متلفز لشبكة "سي. أن. أن. تورك" في 23 فبراير/ شباط 2019، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "منذ تسلمه السلطة في مصر أعدم نظام السيسي 42 شخصا، كان آخرهم 9 شبان، وهذا لا يمكن قبوله".

وأكمل أردوغان: "جوابي لمن يسأل لماذا لا تقابل السيسي، فأنا لا أقابل شخصا مثل هذا على الإطلاق)، كما وجه انتقاداته للغرب إزاء موقفهم من السيسي عندما أكد"أنهم يفرشون السجاد الأحمر له، بدلا من رفض انقلابه العسكري".

ولفت الرئيس التركي إلى أن ما يسمى الاعترافات انتزعت تحت التعذيب من الشبان الذين أعدموا، واستشهد بأقوال أحد الشبان للقاضي، حول كيفية تعرضه للصعق الكهربائي، وأن كمية الكهرباء التي تعرض لها تكفي لإنارة مصر 20 عاما.

وأشار أردوغان بتأثر شديد إلى أن ذلك الشاب قد قال: "أعطني صاعق كهربائي، وسأجبر أي شخص يقف معنا هنا في المحكمة على الاعتراف باغتياله الرئيس السابق أنور السادات".

تصريحات الرئيس التركي، أغضبت السلطات المصرية، وجاء الرد سريعا من وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال مداخلة مع عمرو أديب قال فيها: "لن ننزلق لهذا المستوى، وهذه التصريحات مقصودة للتشويش على القمة العربية الأوروبية على الأراضي المصرية".

وعلى شاشة قناة "العربية" السعودية، كال الإعلامي المصري نشأت الديهي كمية من الهجمات على تصريحات الرئيس التركي، عندما صرّح: "أردوغان عدو واضح للدولة المصرية".

وجدير بالذكر أن أردوغان قال في حديثه: إن "الشعب المصري هم أرواحنا، وفلذات أكبادنا، وليس السيسي".

السيسي يدافع عن نفسه

في 25 فبراير/ شباط 2019، خلال ختام القمة الأولى التي عقدت بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي في منتجع شرم الشيخ بمصر، دافع الرئيس المصري عن نفسه، عندما سئل عن تنفيذ الإعدامات الأخيرة، فقال: إن "عقوبة الإعدام التي تصدرها المحاكم الجنائية في مصر، هي قصاص لضحايا الإرهاب، ووسيلة لأخذ الحق بالقانون"، ثم صرح قائلا: إن "الأولوية في الدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لمواطنيها، لكن الأولويات في المنطقة هي الحفاظ على بلادنا من السقوط والانهيار والخراب".

وتعد الإعدامات التي صدرت ونفذت في عهد عبد الفتاح السيسي، هي الأكثر في تاريخ مصر "تابع تقرير قضاة الهلاك"، ما جعل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية تدعوا إلى ضرورة وقف عقوبة الإعدام في مصر.