السودان يقاضي الإمارات أمام محكمة العدل الدولية من أجلهم.. من هم المساليت؟

"من قبيلة المساليت بالسودان.. مناشدة من أجل البقاء"
المذابح ليست جديدة في السودان، حيث أودت الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة المدعومة إماراتيا، بحياة آلاف المدنيين، لكنَّ هناك فصلا مأساويا خاصا متعلقا بقبيلة المساليت في دارفور، التي تعرضت لإبادة جماعية عام 2023.
وصدرت شهادات وتقارير تقشعر لها الأبدان، يُتهم فيها الدعم السريع بتأييد إماراتي، بقتل وحرق واغتصاب أبناء القبيلة، وهو ما دعا السودان في 6 مارس/ آذار 2025، لتقديم طلب لإقامة دعوى ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية.
وتتهم السلطات السودانية الإمارات بإشعال الحرب في بلادها عبر إسناد قوات الدعم السريع.
ويخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
تفاصيل الدعوى
وفي 6 مارس، ذكرت محكمة العدل الدولية أن السودان قدم طلبا لإقامة دعوى ضد دولة الإمارات أمام المحكمة فيما يتعلق بنزاع حول "مزاعم انتهاكات الإمارات لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" تجاه مجموعة المساليت في السودان، خاصة في غرب دارفور.
وأضافت المحكمة في بيانها أن طلب السودان يتعلق "بأفعال ارتكبتها" قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، تشمل "على سبيل المثال لا الحصر، الإبادة الجماعية والقتل وسرقة الممتلكات والاغتصاب والتهجير القسري والتعدي على ممتلكات الغير وتخريب الممتلكات العامة وانتهاك حقوق الإنسان".
ووفقا للبيان، فقد تم "ارتكاب وتمكين كل هذه الأفعال من خلال الدعم المباشر المقدم لمليشيا قوات الدعم السريع المتمردة ومجموعات المليشيات ذات الصلة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة".
ويتعلق طلب السودان أيضا "بالأفعال التي اعتمدتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة وأقرتها واتخذتها وتتخذها فيما يتعلق بالإبادة الجماعية ضد مجموعة المساليت في جمهورية السودان منذ عام 2023 على الأقل".
وبحسب البيان، يدعي السودان أن الإمارات "متواطئة في الإبادة الجماعية ضد المساليت من خلال توجيهها وتقديمها دعما ماليا وسياسيا وعسكريا واسع النطاق لمليشيا قوات الدعم السريع المتمردة".
وذكر أن المدعي (السودان) يسعى إلى تأسيس اختصاص المحكمة على المادة 36، الفقرة 1، من النظام الأساسي للمحكمة والمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي يُعد كل من السودان والإمارات طرفا فيها.

طلب تدابير مؤقتة
وفقا للبيان، يطلب السودان من المحكمة الإشارة إلى التدابير المؤقتة التالية ريثما يصدر حكم نهائي في القضية:
أولا، "على دولة الإمارات، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالمساليت في جمهورية السودان، اتخاذ جميع التدابير التي تدخل في نطاق سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، لا سيما:
(أ) قتل أعضاء المجموعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأعضاء المجموعة.
(ج) إخضاع المجموعة عمدا لظروف معيشية يُقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل المجموعة".
ثانيا، "على دولة الإمارات، فيما يتعلق بأعضاء مجموعة المساليت، ضمان عدم ارتكاب أي وحدات مسلحة غير نظامية قد يتم توجيهها أو دعمها من قبلها وأي منظمات وأشخاص قد يخضعون لسيطرتها أو توجيهها أو تأثيرها، أي أفعال موصوفة في النقطة (1) أعلاه، أو التآمر لارتكاب إبادة جماعية، أو التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة جماعية، أو محاولات ارتكاب إبادة جماعية، أو التواطؤ في الإبادة الجماعية".
وذكرت المحكمة أنه عملا بالمادة 74 من قواعد المحكمة "يكون لطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة، الأولوية على جميع القضايا الأخرى

تفاصيل المذبحة
وبالعودة إلى تفاصيل المذبحة التي ارتُكبت بحق المساليت على يد قوات الدعم السريع، والتي تتهم الإمارات بدعمها وإذكاء نارها.
فإن بدايتها كانت من اليوم الأول للحرب بين الجيش والدعم السريع، ففي 15 أبريل/ نيسان 2023 وقعت اشتباكات تركزت في الخرطوم بداية لكنها سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى، خاصة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وفي يوم 24 أبريل، بدأت المأساة الحقيقية في حوالي الساعة السابعة صباحا، عندما هاجمت الدعم السريع المدينة، وانسحب جنود الجيش السوداني بسرعة إلى قاعدتهم في أقصى الطرف الشمالي الشرقي من الجنينة.
ومع انسحابهم، وجهت الدعم السريع نيران أسلحتها إلى سكان المناطق التي تقطنها أغلبية من المساليت.
وبحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 22 سبتمبر/ أيلول 2023، وصل بعض رجال الدعم السريع، وكانت وجوههم محجوبة، على ظهور الخيل أو على دراجات نارية أو على متن سيارات لاند كروزر مغطاة بالطين.
وفي ليلة الهجوم كما روى شهود عيان، تم دفن أولى الجثث في مقبرة الغابة، وكان تدفق الجثث مستمرا، حتى تم نقل 52 جثة ملفوفة بأغطية، وكانوا 27 رجلا و16 امرأة وتسعة أطفال؛ حيث أرقدوهم في صف في حفر حديثة.
وحسب الشهود استمر الدفن في مقبرة الغابة لأكثر من سبعة أسابيع، من أواخر أبريل حتى منتصف يونيو/ حزيران 2023.
وتحولت قطعة الأرض المستطيلة إلى مقبرة جماعية مترامية الأطراف لما لا يقل عن ألف من سكان مدينة الجنينة غالبيتهم العظمى من المساليت.
وفي رواية شهود المذبحة، فقد وصل سعار القتل إلى ذروته، وتحولت الجنينة إلى "مستنقعات من الدم"، ووصف أحدهم للوكالة البريطانية، إراقة الدماء في تلك الأيام بأنها "يوم القيامة".
وأكملوا أن الخطر كان مستمرا عليهم بلا رحمة، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من دفن موتاهم على الفور كما يقتضي التشريع الإسلامي.

تطهير عرقي
وعلى أثر المذبحة صدرت تقارير حقوقية توثق حجم الانتهاكات المروعة بحق قبيلة المساليت، بيد الدعم السريع التي أصبحت قوة مسلحة قاهرة بفضل الأسلحة والدعم الإماراتي.
وأورد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، نشر في 17 أغسطس/ آب 2023، أن الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها اغتصبت عشرات النساء والفتيات.
وذكر أن "المهاجمين استهدفوا الناس؛ لأنهم من عرقية المساليت، وفي بعض الحالات لأنهم كانوا نشطاء معروفين".
وأورد أن هجمات الدعم السريع في الجنينة، أودت بحياة آلاف الأشخاص على الأقل، وخلفت مئات آلاف اللاجئين.
وقالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لـ هيومن رايتس ووتش: "ينبغي النظر إلى الفظائع الواسعة التي ارتكبت في الجنينة على أنها تذكير بالفظائع التي يمكن أن تحدث في غياب عمل منسق، وعلى الحكومات، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة التحرك لحماية المدنيين".
وتابعت: "استهداف إثنية المساليت، بهدف مفترض هو في الحد الأدنى دفعهم إلى مغادرة المنطقة بشكل دائم، يشكل تطهيرا عرقيا".
وأضافت: "أن السياق الخاص الذي وقعت فيه عمليات القتل الواسعة النطاق يثير أيضا احتمال أن تكون لدى قوات الدعم السريع وحلفائها نية تدمير المساليت كليا أو جزئيا في غرب دارفور على الأقل، ما قد يشير إلى أن إبادة جماعية حدثت أو تحدث هناك".
وفي 12 مايو 2024، أصدرت لجنة خبراء من الأمم المتحدة تقريرا أوليا عن ما حدث، وأشارت فيه إلى مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص، في حين أحصى المحامون المحليون 18 ألف قتيل و7 آلاف مفقود.

من المساليت؟
وبالسؤال عن المساليت الذين تعرضوا لتلك المذبحة، فإنهم من أشهر القبائل العريقة المستقرة بين غربي السودان وشرق تشاد وبالتحديد في ولاية غرب دارفور.
ولهم تاريخ عريق، حيث كانوا في وقت من الأوقات سلطنة خاصة لها جيش وكيان مستقل.
وقد قاوموا الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وخضعت أراضيهم للتقسيم في إطار توقيع معاهدة بين فرنسا وإنجلترا عام 1920، ليستقروا في المنطقة الحدودية الفاصلة بين السودان وتشاد.
وأغلب مساحة أراضي المساليت توجد في أقصى غرب السودان وجزء في الشريط المحاذي لحدود جمهورية تشاد.
وقبيلة المساليت وسكان أراضيهم من المسلمين، وينتشر ما لا يقل عن 145 ألفا من المساليت في مختلف أنحاء السودان، ذلك بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويتحدث سكان القبيلة لغة المساليت التي تشهد انتشارا واسعا، وجزء منهم يتكلم اللغة النيلية الصحراوية، إضافة إلى اللغة العربية.
وفي مطلع القرن الحالي تعرضوا لجريمة إبادة جماعية، مماثلة للتي يتعرضون لها الآن، على يد ميليشيا الجنجويد أيضا، الذين تطورا لاحقا إلى قوات الدعم السريع.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2003، أطلقت المساليت نداء للرأي العام العالمي تحت عنوان "من قبيلة المساليت بالسودان.. مناشدة من أجل البقاء".
حيث ناشدوا فيه الضمير الإنساني العالمي، إنقاذهم من التعرض للإبادة الجماعية والنزوح ونهب الأراضي بالقوة.