"هجوم ورد كلاهما مدروس".. كيف تدير واشنطن نقاط المواجهة بين إسرائيل وإيران؟
"بايدن لا يريد الخروج من البيت الأبيض بواقع ملتهب وحرب مشتعلة"
لم يكن الرد الإسرائيلي المنتظر على إيران بالمستوى العسكري الذي توقعته طهران نفسها، في مشهد دلل على "نجاح" الضغط الأميركي في رسم معالم الهجوم وتأثيراته.
فقد شنت إسرائيل فجر 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024 هجوما واسعا على مواقع عسكرية إيرانية من بينها منشآت تصنيع صواريخ وأدت بحسب طهران إلى مقتل عسكريين اثنين وألحقت "أضرارا محدودة".
مهاجمة إيران
وأكدت إيران عقب الهجوم الإسرائيلي أنها تملك "الحق والواجب في الدفاع عن نفسها على أساس هذا الحق الطبيعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
وجاء هذا الاستهداف ردا على الهجوم الإيراني بالصواريخ الباليستية الذي استهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأول من أكتوبر 2024.
وهو الهجوم الإيراني الثاني على الكيان الإسرائيلي، بعد هجوم في 13 أبريل/نيسان من العام المذكور بنحو 300 صاروخ.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي انتهاء الضربات الجوية على أهداف عسكرية في إيران، موضحا في بيان "الضربة الانتقامية تمت والمهمة أنجِزَت".
وقال "قصفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي منشآت أنتِجت فيها صواريخ أطلقتها إيران على دولة إسرائيل".
وتابع "ضرب الجيش الإسرائيلي منظومات صواريخ أرض-جو وقدرات جوية إيرانية إضافية، كانت تهدف إلى تقييد حرية عملية إسرائيل الجوية في إيران".
بدوره، أكد المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري في بيان منفصل أنه "إذا ارتكب النظام الإيراني خطأ ببدء دورة تصعيد جديدة، فسنضطر إلى الرد".
وزعم هاغاري أن إسرائيل "باتت الآن تتمتع بهامش تحرك أوسع في أجواء إيران أيضا".
كما زعم أن عشرات الطائرات التابعة له، بما في ذلك مقاتلات وطائرات تزويد بالوقود وأخرى تجسسية، شاركت في العملية "المعقدة" على بعد نحو 1600 كيلومتر من إسرائيل.
بدوره أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بأن الانفجارات التي سمع دويها قرب طهران سببها تفعيل "منظومة الدفاع الجوي".
وقال التلفزيون إن "الانفجارات المدوية الستة التي سُمعت في محيط طهران مرتبطة بتفعيل منظومة الدفاع الجوي ضد عملية الكيان الصهيوني الذي هاجم ثلاثة مواقع في ضواحي العاصمة".
وقالت قوات الدفاع الجوي الإيرانية في بيان إن إسرائيل هاجمت مراكز عسكرية في محافظات طهران وخوزستان (جنوب غرب) وإيلام (غرب) عند الحدود مع العراق "في خطوة تثير توترا".
وعقب ذلك، قالت إيران إنها هزمت الهجوم الإسرائيلي وأن "الأضرار" المحدودة فقط لحقت بأهداف عسكرية في جميع أنحاء البلاد.
"خفض التصعيد"
وعلى الفور، حضت الولايات المتحدة إيران على التوقف عن مهاجمة إسرائيل لكسر دوامة العنف، وترى أن الضربات الإسرائيلية تأتي في إطار "الدفاع عن النفس".
وشدد المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي شون سافيت على أن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربات الإسرائيلية، مبينا بالقول: "هدفنا هو في تسريع المسار الدبلوماسي وخفض التصعيد في الشرق الأوسط".
وأفاد مسؤول أميركي لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الولايات المتحدة علمت مسبقا بالضربات الإسرائيلية على إيران لكنها غير مشاركة فيها.
وقال سافيت إن "ردهم (الإسرائيليين) كان دفاعا عن النفس وقد تجنب عمدا المناطق المأهولة وركز حصرا على أهداف عسكرية".
وحمل الهجوم الإسرائيلي بضربات وصفها بـ "الدقيقة والموجهة" على إيران، سمة "التنسيق العالي" هذه المرة مع الخطوط الحمراء الأميركية لمنع اندلاع تصعيد أكبر وأوسع في المنطقة، في وقت شددت فيه طهران على أنها لا تريد حربا شاملة لكنها سترد إذا تعرضت للهجوم.
لا سيما أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال في ختام زيارة لبرلين في 25 أكتوبر 2024، إن لديه علما بخصوص كيفية وموعد رد إسرائيل على الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران مطلع أكتوبر.
وبث الإعلام الإسرائيلي صورة أثناء الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران، ظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يوآف غالانت ومسؤولون إسرائيليون آخرون في غرفة العمليات تحت الأرض في المقر العسكري الإسرائيلي في تل أبيب أثناء العملية.
ووفقا لموقع "أكسيوس" الأميركي، ركزت الموجة الأولى على نظام الدفاع الجوي الإيراني والموجتان الثانية والثالثة على قواعد الصواريخ والطائرات بدون طيار ومواقع إنتاج الأسلحة.
ونقل عن مصادر أمنية قولها إن إسرائيل أرسلت رسالة إلى إيران عبر طرف ثالث قبل الهجوم بساعات، تضمنت بشكل عام المواقع التي ستهاجمها.
وقال مصدران إن إسرائيل حذرت الإيرانيين من الرد على الهجوم، مهددة بأنها ستنفذ "هجوما آخر أكثر أهمية إذا ردت إيران، خاصة إذا قتل أو جرح مدنيون إسرائيليون".
وبين الموقع أن إحدى القنوات لنقل الرسائل إلى إيران قبل الضربة الإسرائيلية كان وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب.
وقد كتب فيلدكامب على موقع "إكس" قبل عدة ساعات من الهجوم الإسرائيلي: "تحدثت مع وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) حول الحرب والتوترات المتزايدة في المنطقة. وفيما يتعلق بهذا الأخير، حثثت على ضبط النفس. يجب على جميع الأطراف العمل لمنع المزيد من التصعيد".
بحسب “أكسيوس”، قال المسؤولون الأميركيون إنهم يتوقعون أن ترد إيران على الهجوم الإسرائيلي في الأيام المقبلة ولكن بطريقة محدودة تمكن إسرائيل من وقف دورة "العين بالعين".
وأمام ذلك، يرى بعض المراقبين أن إسرائيل تبحث عن معادلة استيعاب إيران والمشي وراء المطالبات الأميركية بتخفيف الهجوم الإسرائيلي في محاولة من تل أبيب للمشي هذه المرة خلف رؤية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تعيش أيامها الأخيرة في السلطة والانتظار لحين وصول الإدارة الجديدة.
لا سيما أن التوقعات الإسرائيلية كانت قد ذهبت إلى أن الهجوم على إيران قد يستهدف منشآت نفطية أو نووية، حيث تعد إيران ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم، مما كان سينذر بتأجيج أسعار النفط الخام.
ولهذا لجأ بايدن لتقديم النصح لإسرائيل بعدم استهداف منشآت الطاقة الإيرانية، ما يشي وفق الخبراء بأن واشنطن تمكنت من تعديل خرائط بنك الأهداف التي صاغتها تل أبيب لمهاجمة طهران.
"ضبط الرد"
وضمن هذا السياق، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "الولايات المتحدة تمكنت من ضبط الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني على أراضيها مطلع أكتوبر 2024 والأمر عائد لسبب جوهري غير وقتي، وهو تجنيب المنطقة حرب واسعة/إقليمية تنجر إليها واشنطن مرغمة".
وأضاف جلو لـ “الاستقلال”: "يرتبط هذا السبب بموضوع آخر، وهو مسألة الإرث الرئاسي للرئيس جو بايدن وإدارته، بمعنى عدم خروجه من البيت الأبيض ومن السياسة أيضا بواقع ملتهب وحرب مشتعلة".
وأردف: "كذلك فإن الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران ستقضي على أي فرص محتملة مستقبلا لتفاهمات أو توافقات أميركية إيرانية بمسألة البرنامج النووي وسواه، نظرا لترجيح انخراط واشنطن في الصراع".
وقال جلو: “لسبب وقتي أيضا، وهو تأثير توسع حالي للصراع على أسهم المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية، كامالا هاريس”.
إذ يرجح أن يؤدي توسع الصراع إلى حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران لخفض حظوظ هاريس وتقدم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وفق تقديره.
واستدرك أن "إسرائيل رفعت سابقا من سقف الأهداف المحتملة إعلاميا وخطابيا، وبالأدق لم تستبعد أي هدف بما فيه النفطي والنووي، وهي تعلم عجزها عن ضرب بعضها بمفردها، كسبيل لمساومة واشنطن والحصول منها على طلبات حالية وربما وعود مستقبلية، وهو ما تحقق لها بالأغلب".
وأمام ذلك، خرجت بعض المؤشرات على تراجع إسرائيل عن توجيه ضربة أوسع ضد إيران كما كان متوقعا بتوصية من واشنطن.
وضمن هذه الجزئية، فقد أغضب “الرد العسكري المحدود” زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد ودفعه للقول في بيان صادر عن مكتبه: “لقد كان القرار بعدم مهاجمة أهداف إستراتيجية واقتصادية في إيران خاطئا”، وأردف" كان بوسعنا، بل وكان ينبغي لنا، أن نطالب إيران بثمن باهظ للغاية".
وضمن هذا السياق، رأى الصحفي المتخصص في الشأن السياسي الأميركي محمد السطوحي أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان "متطابقا مع الخطوط الحمراء، التي وضعتها الإدارة الأميركية للحكومة الإسرائيلية، ليس من حيث الأهداف فقط بل أيضا حجم وقوة الضربات".
وقال في تصريح تلفزيوني إن "إسرائيل تراجعت عن استهداف المواقع النووية بضغوط أميركية واضحة، لكنها في حال استهدفت الصواريخ الباليستية، فإن هذا يكون قد جرى بتوافق أميركي - إسرائيلي للحد من قدرات إيران على استخدام وإيصال المتفجرات النووية إلى أهدافها حتى في حال إنتاجها".
في إسرائيل كذلك، هناك من وضع الهجمات الإيرانية بسياق الضبط الأميركي، ويرون أن قرار المستوى السياسي كان جليا بعدم مهاجمة منشآت إستراتيجية بإيران.
فقد "أشاد" رئيس حزب العمل الإسرائيلي المعارض يائير غولان بضبط النفس الذي تبديه الحكومة الإسرائيلية، لكنه أرجع ذلك إما إلى الضغوط الأميركية أو إلى صوت العقل في الجيش.
وقال غولان على حسابه في منصة "إكس": "كما يبدو الآن، هناك احتمال كبير بأن الرد الإسرائيلي من شأنه أن يلحق الضرر بقدرات إيران الدفاعية والهجومية، ولكن دون جرنا إلى حرب استنزاف معينة، وهذا ليس ضمن نطاق الأمن والمصالح الوطنية الإسرائيلية".
ووصف الرد الإسرائيلي بأنه "عمل ختامي وليس افتتاحي"، وقال "إنه إذا كان هذا هو الحال بالفعل، فإن حكومة إسرائيل يمكن أن تعود إلى التعامل مع ما ترفض التعامل معه، وإعادة الرهائن الذي في أسر (حركة المقاومة الإسلامية) حماس".
بدورها انتقدت عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) "تالي غوتليب" المنتمية لحزب “الليكود” الهجوم، وقالت "إن عدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية سيكون صرخة لأجيال عديدة وإن عدم مهاجمة احتياطيات النفط الإيرانية هو خطأ فادح".
وراحت تقول في منشور على “إكس”: "أصابت إيران بلدنا بالشلل بإطلاق الصواريخ على جميع الأراضي الإسرائيلية! لقد أهدرنا فرصة لإضعاف فرصها في أن تصبح قوة نووية لسنوات عديدة. مهاجمة المنشآت العسكرية لا تغير المعادلة".
وعدت غوتليب الهجوم "مجرد دليل على أننا نستطيع فعل ذلك، وكان من الأفضل أن نرفض الاستسلام لإدارة بايدن التي لا تفكر ولو للحظة في مصالح إسرائيل".