فوز اليمين المتطرف لأول مرة في انتخابات المحليات بألمانيا.. ما السر؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

تواجه الأحزاب التقليدية في ألمانيا تحديات كبيرة دفعت أخيرا لفوز حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD)، اليميني المتطرف لأول مرة في انتخابات محلية.

وتقول صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) يعاني من انخفاض في الشعبية، بينما قد يفقد حزب "الخضر" تمثيله في برلمان تورينغن.

وأجريت الانتخابات في ولايتي تورينغن وسكسونيا شرقي ألمانيا في الأول من سبتمبر/ أيلول 2024.

ونتيجة لتراجع الأحزاب التقليدية، كشفت الاستطلاعات الأولية عن حصول حزب البديل من أجل ألمانيا على 33.1 بالمئة من الأصوات في ولاية تورينغن، متجاوزا حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) الذي حصل على 24.3 بالمئة. 

وفي ولاية سكسونيا، جاء الحزب المتطرف في المرتبة الثانية بنسبة 31.4 بالمئة بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي حصل على 32 بالمئة.

وبدوره، حقق الحزب اليساري الجديد "تحالف ساهرا فاغنكنخت" (BSW) أيضا نجاحا ملحوظا في الانتخابات.

إذ حصل على 16 بالمئة من الأصوات في تورينغن و12 بالمئة في سكسونيا، مما جعله لاعبا سياسيا بارزا في تشكيل التحالفات.

فماذا يعني هذا الفوز المتزايد لحزب (AFD)؟ وكيف يؤثر ذلك على هوية "الألمان الشرقيين"؟

تحدي العقبات 

وتقول إنه على الرغم من محاربته في وسائل الإعلام ورفضه من قبل الطبقة السياسية التقليدية، حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اختراقا جديدا في اثنتين من الانتخابات الإقليمية في شرق ألمانيا، في سكسونيا وتورينغن. 

وكما أشارت الصحيفة سابقا، احتل الحزب اليميني المتطرف المركز الأول في تورينغن والثاني في سكسونيا خلف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، والذي يحكم هذه الولاية منذ إعادة التوحيد.

وفي هذا السياق، صرح الرجل القوي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" في تورينغن، بيورن هوكه، الذي يمثل الجناح المتشدد في الحزب، والذي تمكن من الإطاحة بالحكومة الحالية بقيادة حزب اليسار "دي لينكه" عبر صناديق الاقتراع: "سنحتفل بهذا الانتصار التاريخي". 

وتذكر الصحيفة أنه في حربه ضد وسائل الإعلام، منع بيورن هوكه الصحفيين من دخول مقر حزبه.

وبالحديث أكثر تفصيلا عن الانتخابات الاقليمية، تشير "لو فيغارو" إلى أنه "في إرفورت، عاصمة تورينغن، ارتفعت نسبة تأييد الحزب المعادي للمهاجرين بنسبة 7 بالمئة، مقابل 2.5 بالمئة في دريسدن"، بحسب توقعات قناة "ARD" الألمانية. 

ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة الفرنسية إلى أن نسبة الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف على المستوى الفيدرالي، والتي تواجه سياساتهم رفضا شديدا في سكسونيا وتورينغن، بلغت بالكاد 13 بالمئة.

إضافة إلى ذلك، تمكن الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" (SPD) بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتز من الحفاظ بصعوبة على نسبة تتراوح بين 7 و8 بالمئة، في حين أن حزب "الخضر" قد يفقد تمثيله في البرلمان الإقليمي لتورينغن.

أما فيما يخص الحزب الديمقراطي الحر (FDP)، والذي يقوده وزير المالية كريستيان ليندنر، فإنه سيختفي تماما من المجلسين التشريعيين.

وفي هذا الصدد، تسلط "لو فيغارو" الضوء على الأزمة الحالية التي أثارت القلق في مقار الائتلاف. 

وطالب الأمين العام للحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، كيفن كونيرت، المستشار أولاف شولتز بتحسين التواصل. 

وقال: "علينا أن نروج كثيرا لنهجنا السياسي، ونستخلص بعض الدروس. والمستشار جزء من ذلك".

زحف شعبوي  

وباستثناء حزب “البديل من أجل ألمانيا”، تلفت الصحيفة الفرنسية النظر إلى أن هناك حزبا واحدا فقط، لم يكن موجودا قبل ستة أشهر بحسب قولها، تمكن من البروز.

وأوضحت أن هذا الحزب هو "تحالف ساهرا فاغنكنخت" (BSW)، الذي يحمل اسم الرئيسة السابقة لحزب اليسار "دي لينكه" في البوندستاغ (البرلمان)، والتي غادرت الحزب اليساري بداية عام 2024. 

وهنا، تذكر الصحيفة أن فاغنكنخت اعتمدت على لهجة شعبوية في حملتها الانتخابية، مرتكزة على "رفض حكومة شولتز، خاصة في انتقادها لارتفاع فاتورة الطاقة وتسليم الأسلحة لأوكرانيا". 

وقد حصل التحالف في تورينغن وسكسونيا على 16 و12 بالمئة من الأصوات على التوالي، ليصبح بذلك قوة سياسية لا غنى عنها لبناء التحالفات، على حد وصفها. 

وفي هذا الإطار، تنوه إلى أنه بموجب قاعدة "الحصار السياسي"، استبعدت جميع الأحزاب التقليدية الألمانية التحالف مع حزب (AfD).

ومن زاوية أخرى، تعكس "لو فيغارو" الفرنسية الفارق الضئيل الذي تفوق به حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” على "حزب البديل من أجل ألمانيا".

وبعد الانتخابات الإقليمية في سكسونيا، توضح الصحيفة أن نتائج اليمين المتطرف، الذي يتمتع تقليديا بقوة في ألمانيا الشرقية السابقة، تعكس مدى ترسخ وجوده.

ويبدو من وجهة نظرها أن تقلبات حظه أصبحت الآن غير متأثرة بحملات التعبئة الموجهة ضده. 

فكما تلاحظ الصحيفة، تلاشى زخم المظاهرات القوية التي اندلعت في الشتاء الماضي ردا على الإعلان عن خطة سرية لـ "إعادة الهجرة".

ولذلك، تؤكد أنه "خلال الانتخابات الأوروبية، لم يكلف غضب الشارع الحزب سوى بضعة نسب مئوية من الأصوات، دون أن ينجح في وقف تقدمه".

هوية "الأوسي"

وفي سياق الانتخابات، تبرز الصحيفة أن ألمانيا تتساءل مجددا عن مصير مناطقها غير المحبوبة، التي لم تُمحِ خصوصيتها رغم مرور خمسة وثلاثين عاما على إعادة توحيد برلين. 

وبالإضافة إلى التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين الشرق والغرب، لا تزال الهوية غير القابلة للمصالحة "الأوسي" -الاختصار المتداول لكلمة "Ostdeutscher" أي "ألماني شرقي"- تثير التساؤلات في برلين. 

وفي هذا الشأن، يقول أحد ناشطي حزب “البديل من أجل ألمانيا” خلال اجتماع في باوتسن، معبرا عن ازدرائه للعاصمة الألمانية: "هنا، نحن متشككون". 

ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "Infratest Dimap"،  يعرف 40 بالمئة من سكان ألمانيا الشرقية السابقة أنفسهم بشكل صريح بأنهم "ألمان شرقيون"، بينما نصفهم فقط يصفون أنفسهم بأنهم "ألمان".

وعلى المدى القصير، تتوقع الصحيفة الفرنسية أن أولويات الأحزاب التقليدية لن تتمثل في معالجة الجروح، وإنما بناء ائتلافات حكومية في الولايتين، سكسونيا وتورينغن، قادرة على تجاوز حزب “البديل من أجل ألمانيا”. 

وتبدو المهمة أقل صعوبة في سكسونيا؛ حيث سيبادر حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" (CDU) الفائز في الانتخابات إلى التشاور مع حلفائه المحتملين، باستثناء اليمين المتطرف.

أما فيما يخص الوضع في تورينغن، تقول: "إن الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف الحالي، حزب اليسار والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، والتي كانت تشكل حكومة أقلية في البرلمان الإقليمي، تجد نفسها غير قادرة حسابيًا على تجديد اتحادها".

وتضيف "لو فيغارو" أنه قبل الانتخابات، استبعد حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” أي تحالف مع اليسار الراديكالي.

ولكنه قبل مناقشة الأمر مع زعيمته السابقة، ساهرا فاغنكنخت، التي لن يكون عدد الأصوات التي ستحصل عليها كافيا لتشكيل أغلبية ثنائية. 

وفي رأي الصحيفة، تبدو المعادلة صعبة بنفس القدر في سكسونيا؛ حيث تجاوزت نسبة حزب اليسار "دي لينكه" 10 بالمئة.

وفي النهاية، تخلص إلى أن "الأحزاب الألمانية، التي يتآكل نفوذها مع كل انتخابات، ورغم خبرتهم في فن التسويات، ستضطر إلى إجراء تنازلات أيديولوجية جديدة للحصول على أغلبية حكومية حسابية تكون ملامحها غير مسبوقة".