سباق تسلح.. هكذا تصعد صناعة الدفاع في أوروبا وسط تهديدات الحرب

يختبر هذا الوضع شبكة شركات الأسلحة التي يقدر عددها بـ 400 في إسبانيا وحدها
ازدادت وتيرة التسليح في القارة الأوروبية، مسجلة قفزة نوعية في الطلب على الأسلحة، وسط اعتقاد بأن طبول الحرب تُقرع فيها.
ويختبر هذا الوضع شبكة شركات الأسلحة، التي يقدر عددها بأكثر من 400 في إسبانيا وحدها، تحاول التركيز على عملية إعادة التسليح في أوروبا.
وقالت صحيفة "إلباييس" الإسبانية: إن أوروبا اليوم تتصارع بين فكرتين: إما تبني منهج الحرب، أو العثور على طريق سلمي للخروج من الأزمة الحالية.
وفي جميع الأحوال، لا تعدّ فكرة التسلح جديدة على القارة العجوز التي بذلت منذ أكثر من ألفي سنة جهودا في قطاع الأسلحة وخصصت استثمارات ضخمة في موارد الدفاع والهجوم.

إعادة تأسيس
وأخيرا، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وتولي دونالد ترامب الإدارة الأميركية الجديدة إلى قلب النظام الدولي والتحالفات السياسية والعسكرية، على رأسها حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبحسب وسائل إعلام غربية، يبدي ترامب انحيازا للجانب الروسي فيما يتعلق بمصير حرب أوكرانيا ويحمل بغضا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد أن صرح أكثر من مرة بأن كييف تقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة.
وتتخوف أوروبا من احتمالية قطع ترامب جميع المساعدات العسكرية الأميركية عن أوكرانيا بالكامل، وإذا حدث ذلك فسيتعين على القارة العجوز أن تركز على دعم كييف وتعويض النقص في الإمدادات أمام موسكو.
وعقدت قمة أوروبية طارئة عُقدت في لندن في الثاني من مارس/آذار، وحضرتها 15 دولة أوروبية من دول حلف الناتو وكندا؛ حيث أكدت الدول الحاضرة التزام أوروبا بدعم أوكرانيا، وذلك في ظل أحاديث عن تقدم في محادثات لإنهاء الحرب.
وعلى الأقل في القارة العجوز، أعاد هذا المناخ تأسيس صناعة الدفاع وقررت أوروبا، بضغط من الولايات المتحدة، تسريع الإنفاق العسكري.
وبحسب بيانات معهد إلكانو الملكي للدراسات الدولية والإستراتيجية، ارتفعت الإنفاقات الدفاعية في أوروبا بين سنتي 2021 و2024 إلى 326 مليار يورو، بزيادة قدرها 30 بالمئة، وحصلت هذه الصناعة على عوائد بقيمة 159 مليار يورو.
وتريد بروكسل 800 مليار إضافية خلال السنوات الأربع المقبلة. وقد أدى هذا التسارع إلى جرّ الدول الأوروبية للالتحاق بركب سباق الأسلحة، الذي انغمست فيه أيضا الشركات العسكرية، وفق الصحيفة.
وفي هذا السيناريو الذي تدق فيه طبول الحرب، تعدّ إسبانيا الدولة المصنعة الرابعة في الاتحاد الأوروبي؛ حيث حققت عائدات من صناعة الأسلحة تقدر بحوالي 8,042 ملايين دولار في سنة 2023.
وجاءت وراء فرنسا وألمانيا وإيطاليا؛ وعلى قدم المساواة تقريبا مع السويد، تليها هولندا وبولندا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسبانيا تصدر حوالي 50 بالمئة من إنتاجها للأسلحة.
وتتكون شبكة شركات الأسلحة الإسبانية من مجموعة يبرز فيها عدد قليل من الشركات الكبرى، على غرار إندرا ونافانتينا.
وأيضا بين مجموعة من الشركات متوسطة الحجم ومئات الشركات الصغيرة المرتبطة بسلاسل توريد واسعة النطاق للمنتجات والخدمات.
عموما، تعمل صناعة الدفاع الإسبانية في مجالات متنوعة، من المنصات البرية والبحرية والجوية إلى أنظمة المعلومات والاتصالات للقيادة والسيطرة على العمليات العسكرية.
ولكنها لا تمتلك القدرة الكافية لتطوير أنظمة ذات تكاليف تصميم وتطوير عالية، وفق الصحيفة الإسبانية.
ومن هنا يأتي التعاون مع شركات من دول أخرى في مشاريع مثل مقاتلة يوروفايتر، أو طائرة إيه-400 إم، أو نظام القتال الجوي المستقبلي.
لكن، تتطلب الصناعة بشكل متزايد سلاسل توريد معقدة وعابرة للحدود لبعض الأنظمة الفرعية والمكونات.
ونوهت الصحيفة إلى أن الإحداثيات الجديدة في الفوضى والنظام الدولي تضع إسبانيا في موقف حساس.
ورغم تدني مكانتها في حلف الناتو من حيث الإنفاق الدفاعي، فإنّ أحدث بيانات الإنفاق لسنة 2024، كشفت أن الاستثمار الدفاعي الإسباني يقدر بنحو 400 يورو للفرد.
يقول فيليكس أورتياغا من معهد إلكانو الملكي: "بين سنتي 2014 و2024، زادت إسبانيا إنفاقها الدفاعي من 9.508 إلى 19.723 مليار يورو، أي بزيادة قدرها 107 بالمئة".
وتُعدّ هذه نسبة مئوية كبيرة، بغض النظر عن توزيع الإنفاق الفعلي على بنود أخرى من الميزانية.

الشركات الرئيسة
ووفقا لتقرير إستراتيجية الدفاع الصناعية لسنة 2023، توجد في أوروبا الشركات المصنعة الرئيسة في حوالي ستة بلدان: المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والسويد.
وتشكل هذه المجموعة قلب الصناعة التي تسعى إلى التناغم في مشاريع مثل إيرباص، وإم بي دي إيه المصنعة للصواريخ.
تصنع شركة إيرباص (فرنسا وألمانيا وإسبانيا) طائرة يوروفايتر تايفون المقاتلة، وطائرة النقل إيه 400 إم، وأنظمة الطائرات دون طيار.
وتشارك إيرباص أيضا إلى جانب شركتي بي إيه إي سيستمز البريطانية وليوناردو الإيطالية في اتحاد إم بي دي إيه، وهي مجموعة مصنعة للصواريخ والوسائل المضادة لها.
من جانبه، يعمل الكونسورتيوم (تحالف من عدة مؤسسات) الفرنسي الألماني على صناعة المحركات والنواقل.
وأشارت الصحيفة إلى أن المملكة المتحدة تعد قوة نووية أوروبية خارج الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020 إلى جانب فرنسا.
وتملك بريطانيا شركة بي إيه إي سيستمز الرائدة في الصناعة الدفاعية، وهي أحد الموردين الرئيسين لطائرة إف-35 المقاتلة.
وتعمل بالتعاون مع رولز رويس وإم بي دي إيه وليوناردو الإيطالية على تطوير طائرة تمبيست، التي تعدّ مقاتلة من الجيل السادس لتجديد سلاح الجو الملكي والجيش الإيطالي.
ووفقا لأحدث البيانات، تعد ألمانيا الدولة ذات الإنفاق الدفاعي الأعلى في الاتحاد الأوروبي. وارتفع إنفاقها من 32.81 مليار دولار في سنة 2013 إلى 51.95 مليار دولار عام 2024.
وتعد راينميتال، المتخصصة في أنظمة الدفاع الأرضي، الشركة الرائدة في ألمانيا، وقد صَنّعت بالفعل أشهر نماذج الأسلحة للجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 2024، ارتفعت أرباحها بنسبة 36 بالمئة.
أما في فرنسا فيوجد 5 آلاف شركة و400 ألف وظيفة مرتبطة بالدفاع، وتصنع شركاتها الرائدة كل شيء بدءا من الطائرات المقاتلة إلى الصواريخ عالية الدقة والغواصات النووية.
وتصدر الأسلحة إلى دول حول العالم، بما في ذلك الهند ومصر والإمارات واليونان، وتعد علاماتها التجارية الرئيسة من الشركات الرائدة في أوروبا.
ويظهر تأثير القطاع جليا في معارض الأسلحة الدولية مثل لو بورجيه، ويوروساتوري، ويورونافال، وميليبول.
وفي إيطاليا، يمكن الحديث عن ليوناردو وهي أكبر شركة أسلحة، يعود اسمها إلى عبقري القرن الخامس عشر دافنشي، الذي كان، من بين وظائف أخرى، مهندسا عسكريا لمدة 17 سنة في ميلانو.
تتخصص الشركة التي تحمل اسمه في مجالات الفضاء والدفاع والأمن والإلكترونيات العسكرية.
ومن بين الشركات المهمة الأخرى في القطاع العسكري الإيطالي، تأتي فينكانتييري المختصة ببناء السفن العسكرية، وإيفيكو المتخصصة في المركبات المدرعة والنقل العسكري.
من جانبها، تعد السويد، ثامن أعلى دولة من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي، وتعد “ساب” للطائرات من شركاتها الرائدة في مجال الدفاع.
تصنع شركة ساب الطائرة إف-39 جريبن، وهي مقاتلة خفيفة الوزن ذات قدرة عالية على المناورة بمحرك واحد. وفي سنة 2024، بلغت إيراداتها حوالي 4.21 مليارات كرونة (380 مليون يورو).
وتتمتع الصناعة العسكرية السويدية بسمعة قوية في تصنيع الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات.