العراق.. هل يصلح السوداني الاقتصاد أم يقدّم مصالحه الانتخابية؟

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواجه حكومة العراق برئاسة محمد شياع السوداني تحديات خطيرة وخيارات قليلة للتعامل مع عجز الموازنة وتقليل سياسات الإنفاق الخطيرة، في ظل تحذيرات دولية من تدهور اقتصادي قادم.

وفي تقرير مطوّل، دق صندوق "النقد الدولي" ناقوس الخطر بشأن التحديات التي يواجهها اقتصاد العراق، بسبب سياسة الإنفاق الكبيرة التي تتبعها الحكومة، محذرا من تداعيات خطيرة إذا لم تُنفّذ إصلاحات شاملة تضبط أبواب الصرف وتكافح الفساد، وتمنع غسل الأموال.

وبعد عشرة أيام من تحذيرات "النقد الدولي" في 27 مايو/ أيار 2024، صوت البرلمان على موازنة العام المالية، والتي تبلغ 211 تريليون دينار عراقي (الدولار يعادل 145 دينارا)، منها رواتب موظفين 62 تريليونا، فيما يقدّر العجز فيها بنحو 63.5 تريليونا.

وتقدر إيرادات موازنة 2024، بأكثر من 144 تريليون دينار، فيما بلغت موازنة العام 2023، نحو 199 تريليون دينار، وكانت رواتب الموظفين فيها 59 تريليون دينار.

ملاحظات خطيرة

ومن أبرز المشكلات التي شخصها "النقد الدولي" في تقريره، تراجع الرصيد المالي من فائض 10.8 بالمئة عام 2022 إلى عجز 1.3 بالمئة لعام 2023 بسبب انخفاض إيرادات النفط وزيادة الإنفاق 5 بالمئة بسبب التوسع في التعيين الحكومي وزيادة الرواتب. 

وحذّر الصندوق من إمكانية حدوث تراجعات في أسعار النفط وحصص العراق التصديرية خلال 2024، وهذا سيؤدي إلى الضغط على حسابات المالية العامة العراقية التي تستهلك الحصة الأكبر من أموال النفط، مما سيتسبب بعجز مالي واضح.

وأكد أن العراق يحتاج "رفع سعر برميل النفط 14 دولارا (ليصل إلى 94 دولارا) حتى يستطيع تغطية المصاريف المطلوبة في الموازنة الثلاثية التوسعية (2023، 2024، 2025)، وإلا فإن هناك عجزا متحققا قد يجبر الحكومة على الاقتراض أو البحث عن مصادر تمويل أخرى".

وتوقع أن "يصل عجز المالية العامة إلى 7.6 بالمئة، وأن (الدين العام) سيتضاعف من 44 بالمئة في عام 2023 إلى 86 بالمئة بحلول عام 2029، إذا استمرت الحكومة العراقية على نفس النهج وبقيت أسعار برميل النفط دون مستوى 90 دولارا". 

وبين الصندوق أن "العقبات لا تزال كبيرة في تنمية القطاع الخاص والقطاعات غير النفطية في ظل غياب تدابير وسياسات اقتصادية فعالة تدفع الاقتصاد نحو تنوع حقيقي في مصادر التمويل والتقليل من الاعتماد العالي على النفط". 

ودعا الحكومة العراقية إلى "خفض الإنفاق وعدم التوسع في التعيينات والرواتب وتأسيس مصدات حماية لمالية الدولة والتركيز على الإنفاق الاستثماري الضروري وتوسيع الضرائب والجباية والجمارك وغيرها من مصادر التمويل غير نفطية". 

وتابع: "أثر السياسات النقدية للبنك المركزي لا يزال ضعيفا في سحب السيولة الفائضة، بسبب الكتلة النقدية الضخمة المطروحة في الأسواق وتراجع الثقة في النظام المصرفي وضعف أداء المصارف المحلية".

ولفت إلى أن "العراق يحتاج إلى تحفيز القطاع الخاص واستيعاب التوظيف من خلاله وتحفيز الصادرات غير النفطية وتطبيق برامج لحماية الاقتصاد من صدمات تذبذب أسعار برميل النفط". 

وشدد على ضرورة تسريع وتيرة الإصلاح في القطاع المالي من خلال هيكلة وتحديث المصارف العراقية، ودعم علاقاتها مع البنوك المراسلة، وهيكلة المصارف الحكومية وتعزيز تطبيقات الحوكمة المؤسسية. 

وطالب أيضا، بتنفيذ إصلاحات شاملة تضبط أبواب الصرف وتكافح الفساد وتمنع تهريب وغسل الأموال وتغلق منافذ تبديد المال العام من خلال تعزيز استقلالية ودور مؤسسات الرقابة المالية والنزاهة والمؤسسات القضائية والحوكمة العامة. 

وحث تقرير "النقد الدولي" الحكومة العراقية، على ضرورة "إزالة العقبات التي تمنع تنفيذ إصلاحات حقيقية في قطاع الكهرباء لتحسين كفاءته واسترداد تكاليفه وتطوير بناه التحتية وضمان وصول الطاقة الكهربائية بشكل مستمر ومستقر للمواطنين". 

نحو الهاوية

التحذير الذي أصدره النقد الدولي لم يكن الأول من نوعه، لكن الحكومات العراقية المتعاقبة على السلطة منذ عام 2003، لا تسمع للتحذيرات ولا تشعر بالخطر المقترب ولا تزال تهرول نحو هاوية الحافة المالية.

وتدور العملية الاقتصادية في العراق الذي يصنّف من الاقتصادات الريعية، بإخراج النفط وبيعه أولا، ثم تخصيص عائداته كنفقات تشغيلية والنسبة الأكبر التي تصل إلى 75 بالمئة تذهب إلى الرواتب.

لكن هذا يجعل اقتصاد العراق غير مستقر، لأنه إذا حصل أي انخفاض في أسعار النفط، فإن الحكومة التي تحتاج إلى 5 مليارات دولار شهريا، ستضطر إلى الذهاب للاقتراض من أجل تغطية الرواتب ومصاريفها فقط، وليس المشاريع الإستراتيجية.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، محمود داغر، إن "المشكلة كل مرة تكون في كيفية الموازنة بين السياستين النقدية والمالية، فبالعادة يجلس الطرفان للتباحث أي البنك المركزي ووزارة المالية، لكن هيمنة الأخيرة واضحة على الوضع الاقتصادي في العراق".

وأضاف داغر خلال مقابلة تلفزيونية في 3 يونيو، أن "وزارة المالية الذراع الاقتصادي للحكومة تضع عجزا كبيرا قدره 64 تريليونا والمعالجة التي تضعها هي الزيادة المتوقعة في أسعار النفط. إذا لم ترتفع كيف سيكون الحل؟".

الأمر الآخر، أن "العراق ماض في تخفيض طوعي لصادراته النفطية إلى 4 ملايين برميل يوميا بدلا من 4.28 ملايين برميل، وذلك ابتداء من يوليو/تموز 2024، وبالتالي هذا سيسبب تراجعا في الإيرادات المالية"، بحسب داغر.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الحكومة تعتقد أنها وضعت موازنة حتى تسكت صرخات الأحزاب (السياسية) في (مجالس) المحافظات".

وخمنت الحكومة العراقية سعر برميل النفط في الموازنة المالية لعام 2024، بمبلغ 70 دولارا للبرميل الواحد.

بينما بلغ سعره الحالي حتى يوم 10 يونيو، 79.58 دولارا، في مؤشر تراجع واضح، وذلك بعدما كان في شهر مايو، يتراوح بين 82 إلى 83 دولار.

"انتحار سياسي"

وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صلاح العبيدي، إن "موازنة عام 2024 أقرّت بعجز مالي كبير جدا، وهذه أول مرة تحدث بهذا الرقم، لذلك فإن الأمر سيشكل ثقلا على الحكومة كونها أطلقت حزمة من المشاريع والتعيينات التي أثقلت الموازنة كثيرا".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "التعويل على النفط واستقرار أسعاره مسألة خطيرة جدا، لأننا أمام تحديات كبيرة، ومن الممكن أن تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية في أي لحظة، وقد تُرفع العقوبات عن إيران، خصوصا أن تغيرات كبيرة في السياسية الدولية تنبئ باحتمالية نزول أسعاره".

وتابع: "إذا نزلت أسعار النفط، فسيكون موقف الحكومة صعبا، وربما تصل إلى مرحلة تكون فيها غير قادرة على دفع رواتب الموظفين لمدة زمنية، خصوصا أن هذه الرواتب تشكل نسبة عالية جدا من الموازنة المالية".

ولفت إلى أن "تحذيرات صندوق النقد الدولي هدفها محاولة خفض الإنفاق حتى لا تمر الحكومة العراقية بهذه العقبات والمطبات، لذلك على الأخيرة أن تعيد إستراتيجيتها في عملية الإنفاق، إضافة إلى ضرورة البحث عن موارد أخرى لتعزيز الموازنة".

وشدد على ضرورة أن "تسيطر الحكومة بشكل جدي على المنافذ الحدودية، واستثمار عقارات الدولة بطريقة صحيحة، إضافة إلى فتح باب الاستثمار للقطاع الخاص على مصراعيه من أجل جذب كل طاقات الأيدي العاملة".

وأكد العبيدي أن "الحكومة أمام تحدٍ كبير، خصوصا إذا استمرت أسعار النفط في النزول، وهذا سيجعلها غير قادرة على الإيفاء بالتخصيصات المالية التي وعدت بها ضمن الموازنة خصوصا للمحافظات، بالتالي هذا سيعطل الكثير من المشاريع".

ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن "خيار الاقتراض الذي يمكن أن تلجأ إليه الحكومة، سيكون صعبا جدا، لأن عليه فوائد كبيرة تثقل العراق وتكبله في المستقبل، خصوصا أن البلد لا يزال عليه ديون بنحو 11 مليار دولار".

وعن أخذ الحكومة بالإصلاحات من عدمه، خصوصا في أنها تسابق الزمن لإنجاز مشاريع قبل الانتخابات في 2025، قال العبيدي إن "رئيس الوزراء (محمد السوداني) يعمل بجدية لإنجاز مجموعة مشاريع، لكن لا أعتقد أنه سيُقدّم المصلحة الانتخابية على حساب موازنة البلد ومصلحته الاقتصادية، ويستمر بالإنفاق دون أن يأبه بالمخاطر".

ورأى العبيدي أن "رئيس الوزراء إذا عمل على أن تكون الدولة مكبلة بالديون ووضع الموازنة في مأزق مالي، فإنها ستكون دعاية سلبية ضده في الانتخابات المقبلة، بالتالي لا أعتقد أنه سيغامر بهذه الطريقة، التي تُعد بمثابة انتحار سياسي له".

وبحسب بيان مقتضب للبرلمان في 3 يونيو، جرى التصويت على جداول الموازنة العامة للبلاد لعام 2024، بمشاركة 199 نائبا من أصل 329، وبالتالي تصبح نافذة بعد نشرها في صحيفة "الوقائع" الرسمية.

وكان من أبرز التعديلات على موازنة 2024، التي خضعت للتدقيق في اللجنة المالية بالبرلمان، منح حكومة محمد السوداني صلاحية مناقلة الأموال بين الوزارات وكذلك مبالغ استثمارية مختلفة لصالح مشاريع خدمية وبنى تحتية في عموم مدن البلاد.