"عقوبات قاسية".. هل ينجح ترامب في قطع أذرع إيران المسلحة بالعراق؟

"سيناتور جمهوري أكد أن الحكومة العراقية تمول المليشيات المرتبطة بإيران"
مع بدء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، تتزايد التكهنات بخصوص كيفية تعامله مع ملف العراق، لا سيما تغلغل المليشيات الموالية لإيران في مؤسسات الدولة العراقية، والتي أكد مقربون منه من الجمهوريين في الكونغرس بأنه “لن يسمح باستمرار ذلك”.
وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2025، بدأ الجمهوري دونالد ترامب ولايته الرئاسية الثانية، خلفا للديمقراطي جو بايدن، الذي يصفه مراقبون بأنه كان "مجاملا" لإيران ومحورها في المنطقة طيلة مدة رئاسته للولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2021.

"تعهد بالإصلاح"
منذ 13 يناير، وبعد لقائه ترامب في مقر إقامته بولاية فلوريدا، بدأ السيناتور الجمهوري جو ويلسون، بشن حملة على المليشيات العراقية الموالية لإيران، وتحديدا "فيلق بدر" بقيادة هادي العامري، والتي اتهمها بالمشاركة في مهاجمة السفارة الأميركية ببغداد.
وقال ويلسون عبر سلسلة تغريدات على منصة "إكس" في 13 يناير، إن "حكومة العراق تواصل تمويل مليشيات الدمى التابعة للنظام الإيراني بما في ذلك فيلق بدر، والتي هاجمت سفارتنا وقتلت أميركيين".
وتابع: "للأسف، تستمر أموال دافعي الضرائب الأميركيين في التدفق إلى العراق.. يجب أن نضع أميركا أولا. ترامب سيصلح الأمر".
ونشر ويلسون صورة على "إكس"، وكتب قائلا: "هذا هو هادي العامري. قتل فيلق بدر أميركيين وشارك في هجوم إرهابي على السفارة في بغداد. ومع ذلك لم يتم تصنيفها كمنظمة إرهابية حتى الآن.. ترامب سيصلح الأمر".
وكانت مجاميع من عناصر المليشيات الموالية لإيران في العراق، هاجمت مقر سفارة واشنطن ببغداد في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019، واقتحمت الباحة الأمامية لها، ردا على مقتل عناصرهم قبل يومين باستهداف أميركي على الحدود العراقية.
وعلى ضوء ذلك، اغتالت الولايات المتحدة بأمر من ترامب، قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي، في 3 يناير 2020، بتهمة التخطيط لشن هجمات على مصالح أميركية في العراق.
وواصل السيناتور ويلسون هجومه على "فيلق بدر"، بقوله إنها “منظمة إرهابية متطرفة طائفية، لقد قتلت أميركيين، وشاركت في الهجوم على السفارة ببغداد، وتم تسليحها وتدريبها من قبل الإرهابي قاسم سليماني”.
ونشر صورة أخرى، وعلق عليها بالقول: "هذا مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي مع صديقه قاسم سليماني.. أنا ممتن للإعلان عن أنني سأعيد قريبا تقديم قانون تصنيف منظمة بدر القاتلة كمنظمة إرهابية".
وفي اليوم التالي، نشر تغريدة سابقة للأعرجي، وقال إن "مستشار الأمن القومي العراقي ينعى وفاة رئيس حزب الله (حسن نصر الله). لماذا يمول دافعو الضرائب العراق؟ يجب أن نضع أميركا أولا".
وكانت آخر تغريدة للسيناتور الجمهوري في 19 يناير، والتي توعد فيها بتشريع قانون في الكونغرس بالتعاون مع 59 نائبا جمهوريا، "يصنّف 11 مليشيا مدعومة من إيران في العراق واليمن على أنها منظمات إرهابية".
ومن ضمن المليشيات التي ذكرها، السيناتور ويلسون، فيلق بدر، أبو الفضل العباس، حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء، فاطميون، كتائب الإمام علي، كتائب جند الإمام، سرايا الجهاد، سرايا الخراساني، زينبيون، إضافة إلى الحوثيين.
"تقليم الأظافر"
وبخصوص إجراءات ترامب المحتملة حيال المليشيات المتغلغلة في مؤسسات الدولية العراقية، قال الباحث في الشأن العراقي، إياد ثابت، إن "الرئيس الأميركي الجديد، بالفعل قادر على محاصرة هذه المليشيات وإجبار السلطات في العراق على إبعادها عن المناصب المهمة في البلاد".
وأوضح ثابت لـ"الاستقلال" أن "ترامب تمكن حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض من إرغام رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على القبول بإعلان وقف إطلاق النار في غزة بعد عجز سلفه بايدن عن التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب التي استمرت 15 شهرا".
وتابع: "هذا الشيء يعطي رسالة إلى أن ترامب قادر على فرض سطوته على دول المنطقة، ومنها الحكومة العراقية من خلال العديد من أوراق القوة التي يمتلكها، ومنها حرمان العراق من الدولار، أو فرض عقوبات على صادرات النفط التي لا يمتلك العراقيون واردات غيرها".
وتوقع ثابت أن "ترامب قد يضغط على الحكومة العراقية لإنهاء أو حل المليشيات الشيعية الموالية لإيران، لكن باعتقادي الحكومة المقبلة بعد الانتخابات المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، ستأتي بتشكيلة جديدة".
وتضم الحكومة العراقية حاليا، وزراء منتمين إلى مليشيات موالية لإيران، منهم وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، العضو في "عصائب أهل الحق"، ووزير العمل، أحمد الأسدي، زعيم مليشيا "جند الإمام"، ووزير النقل، رزاق محيبس ومستشار الأمن القومي، القياديان في مليشيا "بدر".
وتوقع الباحث العراقي بأن "يشترط ترامب على أي حكومة عراقية جديدة أن تكون بعيدة عن تأثير إيران مقابل التعامل معها، وبالتالي ستضطر القوى الشيعية إلى إبعاد زعماء السلاح عن أي مناصب في المستقبل تجنبا لعقوبات أميركية قاسية".
وشدد ثابت على أن "ترامب لن يقبل ببقاء العراق في المنطقة الرمادية، بمعنى يوالي إيران من جهة، ولديه علاقات مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، خصوصا أن المحور الإيراني في تراجع مستمر منذ عمليات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023".
وفي الوقت الذي استبعد فيه الباحث العراقي إجراء الولايات المتحدة الأميركية تغييرا شاملا للنظام السياسي القائم في العراق، والتي هي من أسسه بعد احتلالها البلد عام 2003، لكنه أكد أنها ستقوم بإصلاحات فيه تقتضي استئصال الجهات الموالية لإيران، لمنع أي منافع تصل إلى الأخيرة.
وبحسب ثابت، فإن "مشروع تقليم أظافر إيران في العراق مستمر سواء بإبعاد أتباعها عن السلطة أو قتلهم، لا سيما قيادات المليشيات البارزة، وسبق أن فعلت ذلك إدارة ترامب عندما قتلت قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس عام 2020".
"البقرة الحلوب"
وفي السياق ذاته، قال السياسي العراقي، المقيم في الولايات المتحدة، انتفاض قنبر، إن "السيناتور، جو ويلسون هو من جناح الحزب الجمهوري المؤيد لترامب، والذي يُعد جزءا من فريق الرئيس الأميركي المنتخب، وإن كان في الكونغرس".
وأضاف قنبر خلال مقابلة تلفزيونية في 15 يناير، إنه "في اليوم نفسه الذي أطلق تغريدته ضد هادي العامري، فإنه كان متواجدا في قصر ترامب في فلوريدا وكانت له صورة مع الأخير بالتزامن مع التغريدة، لذلك هو أعطى إيجازا إلى ترامب عما يحصل في العراق".
وبحسب قنبر، فإن "إدارة ترامب في الولاية الأولى اعتزمت على وضع العامري ومنظمة بدر مع عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله على قائمة العقوبات عام 2018، لكنّ هناك طرفا في مجلس الأمن القومي الأميركي (لم يسمه) منع ذلك، واستمر العمل مع إدارة بايدن".
وتابع: "هذا الأمر لن يستمر في هذه المرحلة، لكن إدارة بايدن تهاونت مع الحكومة العراقية وسمحت لها بتهريب النفط الإيراني، وإعطاء الدولار إلى إيران عبر منصة البنك المركزي العراقي، وكل ذلك كان يجري مجاملة لإيرانيين".
ورجح قنبر أن "ترامب لن يجامل طهران، وعلى الحكومة العراقية أن تسعى إلى إجراء تغييرات جذرية، وهي إيقاف تهريب النفط الإيراني، وحل الحشد الشعبي أو تقليل عددهم إلى 50 ألفا، ووضع ضوابط لمنع استغلال إيران لأراضي العراق واقتصاده".
ونقل السياسي العراقي عن أحد المسؤولين "المهمين" في واشنطن (لم يسمه)، قوله إن "زيارة فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني إلى واشنطن، قيل له بالحرف الواحد: ما تقوله، أنت فقط تصدقه. يجب أن تتوقف عن نشر هذه الأكاذيب وتواجه الواقع وتصلحه".
وتوقع قنبر بأن "يكون ترامب محاسبا شديدا لإيران لمنعها من استغلال العراق لمهاجمة العالم، لكن ليس هناك جدية لدى المسؤولين والحكومة العراقية في التغيير، بل إنهم يريدون المراوغة، لأن بايدن كان لا يهتم بالحقيقة ويقبل بالكذب لأسباب تتعلق بمجاملة إيران".
وأردف: "ليس هناك مصلحة لترامب في مجاملة إيران، ولن يفعل ذلك، لذلك ستكون وزارة النفط العراقية على رأس العقوبات الأميركية إضافة إلى شخصيات عراقية كبيرة".
وأوضح قنبر أن "طهران تستغل العراق ماليا، وأن المليشيات ضمن الحشد الشعبي تقصف إسرائيل ودول أخرى وتقتل الأميركيين أيضا، وهذا يجب أن ينتهي كما أن تهريب النفط كذلك يجب أن ينتهي. ترامب لن يسمح للعراق بأن يكون بقرة حلوبا لإيران".
وخلص السياسي العراقي إلى أن "إيران تعد الحشد الشعبي في العراق جزءا من الحرس الثوري، وتصريح الخامنئي عند زيارة السوداني إلى إيران بخصوص رفضه حل الحشد، عقّد الموضوع أكثر أمام الأخير".
وفي 8 يناير، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي، إن "وجود القوات الأميركية المحتلة في العراق غير قانوني ويتعارض مع مصالح شعب العراق وحكومته".
وأضاف خامنئي عبر منصة "إكس" أنه "كما تفضّل السيد السوداني، فإن الحشد الشعبي يشكّل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه بنحو أكبر".
ودعت الولايات المتحدة الأميركية، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي للسوداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر 2024.
الشيء نفسه أكده رئيس البرلمان، محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر، بالقول: إن "ترامب، أكد لرئيس الوزراء العراقي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة"، مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".
المصادر
- النائب الأميركي جو ويلسون يهاجم منظمة بدر مجدداً: ترامب سيصلح الأمر
- محور إيران يتزعزع.. هل تعصف رياح التغيير بالعراق بعد سوريا ولبنان؟
- بلعت لسانها وأخفت يدها.. لماذا تراجع دور مليشيات العراق تجاه تطورات المنطقة؟
- خامنئي للسوداني: حافظ على الحشد وتصدى لأمريكا والأخير يؤكد: نتحرك لمصلحة العراق
- المشهداني: ترامب طلب من السوداني حصر السلاح بيد الدولة.. والحكومة تعمل على ذلك