تونس تمنع ارتداء الكوفية الفلسطينية بالمدارس.. ما حجتها وكيف رد الشارع؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد أن أصبحت "الكوفية" رمزا عالميا للتضامن مع القضية الفلسطينية، بدأ الخوف يتسلل إلى بعض الأنظمة العربية من هذه الرمزية، فكانت النتيجة المنع والتضييق، ومن ذلك ما وقع بتونس وقبلها في مصر.

في تونس، أعلنت وزارة التربية، في 2 يونيو/حزيران 2024، تحجير (حظر) ارتداء الكوفية الفلسطينية أو أي نوع من اللباس يمكن أن "يُثير شبهة في سلوك المترشح لامتحان البكالوريا (الثانوية) داخل قاعات الامتحان".

بيان غريب

وأكدت الوزارة في بيان، “دعمها المطلق” للقضية الفلسطينية، إلا أنها ادعت أن "هناك محاولة لاستغلالها وتوظيفها لارتكاب الغش المقنع"، زاعمة أن "ارتداء الكوفية سيربك سير الامتحانات الوطنية".

ودعا البيان الأسر التونسية إلى “تشجيع أبنائهم على أن يكونوا مثالا للسلوك التربوي النزيه، والنأي بأنفسهم عن كل ما يعرضهم لشتى أنواع العقوبات التي لن تتوانى الوزارة عن تطبيقها، حفاظا على مصداقية الشهادات العلمية”.

ويأتي بيان الوزارة بعد حملة أطلقها التلاميذ على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو لارتداء الكوفية أثناء سير الامتحانات الوطنية للبكالوريا داخل القاعات.

وتجرى اختبارات الدورة الرئيسة الكتابية لامتحان شهادة البكالوريا أيام 5 و6 و7 و10 و11 و12 يونيو، على أن يجرى الإعلان عن النتائج في 25 يوليو/تموز 2024.

وفي 19 مايو/أيار 2024، أقدمت السلطات المصرية على منع زوجة اللاعب التونسي سيف الدين الجزيري من دخول استاد القاهرة، لحضور النهائي والاحتفال مع زوجها بتتويج فريقه الزمالك بلقب كأس الكاف.

ومنعت زوجة الجزيري من الدخول بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية، حيث حظرت السلطات إدخال أي شعارات أو أعلام غير العلم المصري أو راية فريق الزمالك.

وتفاعلا مع الحدث، يرى أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد السلام بنعبد العالي، أن العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعاد إلى الكوفية اسمها ورمزيتها الفعلية.

وأردف بنعبد العالي في مقال رأي بعنوان: "عودة الكوفية – الرمز"، في 27 مايو 2024، "من يحملها اليوم من الأوروبيين والأميركيين، لا يتوخى منها تعبيرا عن موقف يساري عائم، ولا عن ثورة مجردة بلا ثوار، وإنما يحملها مساندة لضحايا العدوان الإسرائيلي، كشعار يحمل تاريخا، وكرمز لنضال الشعب الفلسطيني".

وبفعل جرائم الاحتلال على أرض غزة، أصبحت الكوفية رمزا واسع الانتشار في كل المظاهرات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية، كما أصبح العديد من النجوم والمشاهير يرتدونها، انتصارا لحرية فلسطين.

ولكن ترى سلطات الرئيس قيس سعيد، ممثلة في وزارة التربية أن الحملة التي يجرى الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لارتداء الكوفية الفلسطينية، مشبوهة وغير سليمة المقاصد.

وتأتي الخطوة في وقت يتجدد بين حين وآخر، الجدل في تونس بشأن عدم تمرير مشروع قانون في البرلمان لتجريم التطبيع مع إسرائيل.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد علّق على الجدل السائد في كلمة مصورة بثها التلفزيون الرسمي في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بالقول: “الموقف التونسي من التطبيع ثابت برفضه، لكن الخوض في ذلك الآن ليس منطقيا، لأننا في لحظات تاريخية يواجه فيها الشعب الفلسطيني أبشع الجرائم”.

وأكمل: "إنها حرب تحرير وليست حرب تجريم، وللبرلمان وظائفه وفق مقتضيات الدستور، كما للرئيس وظائفه، والسيادة بالنهاية للشعب التونسي الذي يريد تحرير كامل الوطن المحتل (فلسطين)".

حملة مشبوهة

وفي هذا الصدد، رأت وزيرة التربية التونسية سلوى العباسي في برنامج على إذاعة "موزاييك"، 3 يونيو 2024، أن الدعوات لارتداء الكوفية صدرت من "حسابات غير بريئة" على مواقع التواصل لجهات لديها أجندات سياسية في محاولة للدفع بالتلاميذ إلى متاهات بغاية إرباك الوزارة.

وتابعت أن "التلميذ التونسي واع ويعتنق مبادئ الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتونس كانت مثالا مشرفا في العالم في الدفاع عن الفلسطينيين قيادة وشعبا"، مشددة أنه "لا مجال للمزايدات في هذا الموضوع".

وأوضحت العباسي أن "ارتداء الكوفية داخل القسم سيعيق المترشح عن إجراء الامتحانات في أفضل الظروف، خاصة أن الطقس سيكون حارا والقاعات غير مكيفة والشبابيك لا يمكن فتحها".

وقالت: "من يرد تبليغ رسالة ومساندة القضية الفلسطينية فله ذلك، ويمكنه ارتداء الكوفية لكن عليه نزعها بمجرد دخوله القاعة، ومن يفعل عكس ذلك فقد تجاوز أوامر الوزارة".

واستدركت: "بعد انتهاء الاختبارات وفي نهاية السنة الدراسية ستنظم الوزارة حملات تبرع ومسرح مدرسي وملتقيات لمساندة القضية الفلسطينية".

وأضافت "القضية الفلسطينية ليست مجالا للمزايدة والمساومة، ومن يعتقد أنه سيُربك ويحرج الدولة ووزارة التربية، أقول له نحن لا نُحرج أمام الحق والواجب والقانون والوطن" حسب تعبيرها.

غير أن المحلل السياسي والناشط الإعلامي نصر الدين السويلمي، يرى أن الهدف من قرار وزارة التربية التونسية، هو تطبيق توجه النظام السياسي الساعي إلى لجم ما يعده انفلاتا في عملية دعم ومؤازرة الشعب الفلسطيني في غزة.

وشدد السويلمي لـ "الاستقلال" أن الاتكاء والاستناد على مسألة الغش لمنع الكوفية، هو حجة ومطية يستعملها النظام لفرملة التحرك المتنامي الداعم لفلسطين.

ويرى المحلل السياسي أن "هذا القرار هو بداية لحملة على الرايات الفلسطينية والكوفية في المساجد والملاعب والفضاءات والمسارح وقاعات السينما والمدارس والمعاهد".

وأكد أن "الخوف من الغش في امتحانات البكالوريا هو مجرد غطاء، خاصة بعد أن تبين للجميع أن قيس سعيد يرفض أي خطوة عملية لتجريم التطبيع" مع إسرائيل.

واسترسل، "كما تبين للجميع أيضا، أن سعيد يرفض أي خطوة عملية للتحرك باتجاه معبر رفح، وإدخال المساعدات وإدخال فريق مشكل من أطباء ومحامين، بعد انتظار تجاوز ثلاثة أشهر".

وخلص المتحدث ذاته إلى أن سعيد سيتراجع عن الشعارات الفضفاضة التي يدعي عبرها وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية، وذلك لصالح أجندته ولصالح الانتخابات الرئاسية المرتقبة (خلال أكتوبر 2024).

تفاعلات مجتمعية

وبعد الحملة التي أطلقها تلاميذ الثانوية العامة بتونس، أشاد عدد من الناشطين بقرار وزارة التربية الوطنية فيما امتعض منه آخرون.

وأكد الناشط السياسي منير صادق رجب، أن هناك حملة مسعورة رافضة للدعوات الجميلة للبس الكوفية الفلسطينية، بدعوى إمكانية الغش.

وأضاف منير رجب في تدوينة عبر فيسبوك، 2 يونيو 2024، "أمام رفض الوزارة أقترح أن تكون الكوفية قطعة قماش أو ورقة صغيرة 20 سم على 20 سم بها علم فلسطين، ومكتوب كلنا غزة تحمل في اليد كالأقلام والأوراق".

واسترسل: "أو قطعة قماش بها علم فلسطين وتلصق على الذراع كقائد فريق كرة قدم".

أما صفحة "بوليتكات" السياسية، فنشرت مقطع فيديو بعنوان: "منع ارتداء الكوفية الفلسطينية في معاهد تونس.. قيس سعيد على خطا (رئيس النظام المصري عبد الفتاح) السيسي!".

وتساءلت الصفحة، في الفيديو: “أي عار وصلته تونس مع هذه الوزيرة الفاشلة ورئيسها العاجز؟”

وفي تفاعله مع القضية، كتب أحد أولياء أمور التلاميذ، ويدعى عبد الحميد ميكري، "طلب مني ابني إلياس توفير كوفية فلسطينية على غرار أترابه في اجتيازه لاختبارات البكالوريا شعبة رياضيات، مع الرجاء في أن يصاحبه النجاح كما كل أبنائنا".

وأضاف ميكري في تدوينة عبر فيسبوك، 2 يونيو 2024، "فعلى رمزية وضع الكوفية الفلسطينية، فإنني أرى القادم أفضل مع الشبيبة الصاعدة فتيانا وفتيات نساء ورجالا".

واسترسل: "الترجمة نراها في كل مناطق العالم حيث حصل الفرز، كل الشعوب تتصدى لأنظمة الإجرام الإمبريالي العالمي في مراكز السيطرة الإمبريالية العولمية، وضد أنظمة العمالة والخيانة والتطبيع والاستسلام في الوطن العربي".