احتياطاته المالية ضخمة.. لماذا يستمر العراق في سياسة الاقتراض الخارجي؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

انتقادات واسعة واجهتها وزارة المالية العراقية من الأوساط الشعبية، إثر اتفاق وقعته مع اليابان تضمن قرضا بمبلغ 300 مليون دولار، الأمر الذي عده كثيرون "نهجا خاطئا" يزيد الديون الخارجية لبلد نفطي.

ويأتي اقتراض العراق، في وقت يمتلك فيه البلد احتياطيا نقديا يبلغ 120 مليار دولار من مبيعات النفط التي تشكل نحو 95 بالمئة من وارداته المالية، والتي يحتفظ بها في البنك الفيدرالي الأميركي، وهذه تشكل أعلى خزين مالي في تاريخ بلاد الرافدين.

وعلى ضوء ذلك، أثيرت تساؤلات عن أسباب استمرار العراق في الاقتراض الخارجي، وبالتالي إثقال كاهله بالديون التي لا تخلو من الفائدة المالية، رغم امتلاكه الأموال، وإقراره في مارس/ آذار 2023، أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد وصلت إلى 120 مليار دولار.

"بيع للعراق"

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وقعت وزيرة المالية العراقية، طيف سامي، والسفير الياباني لدى بغداد فوتوشي ماتسوموتو، مذكرة تفاهم وقرض بقيمة 300 مليون دولار من وكالة اليابان للتعاون الدولي "جايكا"، من أجل تحسين إمدادات المياه بمدينة السماوة جنوب البلاد.

وقالت سامي بحسب بيان لها إنه "إكمالا لما بدأت به الحكومة العراقية من تعاون على الصعيد الاقتصادي مع حكومة اليابان، شرعنا بالاقتراض من الجانب الياباني لتمويل مشروع تحسين تجهيز إمدادات الماء بمدينة السماوة في محافظة المثنى".

وأكدت "توقيع قرض مشروع تحسين تجهيز إمدادات المياه في السماوة بمبلغ أكثر من 45 مليار ين ياباني وبما يعادل تقريبا 300 مليون دولار، تنفيذا لما جاء في قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 13 لسنة 2023".

من جانبه، أكد السفير الياباني في العراق، فوتوشي ماتسوموتو، خلال حفل التوقيع أن "المشروع يهدف لتوفير المياه الصالحة للشرب لأهالي السماوة، من خلال إنشاء أول محطة واسعة النطاق لمعالجة المياه في المحافظة، وعند اكتماله سيكون المشروع قادرا على تزويد السكان المحليين بالمياه لأكثر من 12 ساعة يوميا".

وأشار إلى أن "السماوة رمز للصداقة الوثيقة بين اليابان والعراق بما أن عام 2024 يصادف الذكرى العشرين لنشر قوات الدفاع الذاتي اليابانية في السماوة (ضمن قوات التحالف الدولي الذي احتل البلاد عام 2003)".

وأعلن السفير عن "اقتراح 5 مشاريع بما في ذلك مشروع قرض على مرحلتين لعام 2024، والتطلع لرؤية أكبر عدد منها تُدرج في ميزانية 2024 للبلاد"، مؤكدا "التزام اليابان بمواصلة الدعم للحكومة العراقية والشعب من أجل تعزيز العلاقات الثنائية".

من جهته، علق الصحفي والكاتب العراقي، بهاء خليل، عبر تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 24 ديسمبر، قائلا: "بلد شهريته فقط من واردات النفط 9 مليار دولار ورئيس الوزراء يقول لدينا احتياطي نقدي 100 مليار دولار. لماذا يقترض 300 مليون؟. الفشل أصبح واقع حال بكل المجالات وبعدهم مكملين".

على الوتيرة ذاتها، كتب الناشط رياض العراقي، عبر حسابه على منصة "إكس" في 24 ديسمبر، قائلا: "حكومتنا تأخذ قرض 300 مليون دولار عليه فوائد، ومواردنا من النفط يوميا 350 مليون دولار.. بيع العراق مستمر".

دخول بالمتاهة

وبخصوص أسباب استمرار العراق في أخذ القروض الخارجية، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صلاح عريبي، إن "البعض استغرب من هذا الاقتراض رغم موازنة البلد المالية الضخمة وامتلاكه الأموال الطائلة، لكن دولا عدة كبرى منها الولايات المتحدة عليها بعض الديون جراء اقتراضها".

وأوضح عريبي لـ"الاستقلال" أن "عمليات الاقتراض تحصل إما ضمن اتفاقيات مسبقة مع هذه الدول، أو تكون أمام ما تفرضه خدمات معينة يجري تقديمها، وربما تأتي ضمن إطار خارج أموال الموازنة المالية، وبالتالي تصبح ديونا بفوائد يجب سدادها".

ورأى أن "أمر الاقتراض مسألة طبيعية، وأن الأمر يتعلق بعلاقات خارجية أو قد تكون الأموال مقدمة بفوائد قليلة جدا وباتجاه معين، بمعنى يجري تحديد طبيعة المشاريع التي تذهب إليها، وربما أيضا الدولة ذاتها المقرضة تشترط أن تكون شركاتها هي المنفذة".

واستدرك عريبي قائلا: "لكن هناك جانب آخر يتعلق بإثقال كاهل العراق في المستقبل خصوصا أن عليه فوائد مالية، فضلا عن أن 300 مليون دولار مبلغ ليس بالكبير جدا، وبالتالي كان بالإمكان الاستغناء عنه تحاشيا لإدخال البلد في متاهة الديون".

ولفت إلى أن "ديون العراق الخارجية حتى الآن والتي تقدر بنحو 21 مليار دولار، تجاوزت الحد الطبيعي، لأن هذه كلها ستكبل البلد ماليا، خصوصا أن الأخير يعتمد 90 بالمئة من وارداته على بيع النفط فقط، وبالتالي إذا تدهورت الأسعار كيف سيتعامل مع الأمر؟".

وشدد عريبي على أن "الإكثار من الديون الخارجية سترهق العراق وتمنعه من الاستفادة من إمكانياته المالية الكبيرة، وينبغي عليه سدادها وسيجري ضمن ذلك في الموازنات المالية المقبلة، وبالتالي سيكون في مأزق كبير، لذلك أعتقد الديون حتى الآن تجاوزت الحد الطبيعي".

ويرى مراقبون للشأن الاقتصادي، أن أسباب القروض ليست دائما متعلقة بحاجة البلد للمال، وإنما لكسب موقف سياسي داعم من الدولة الدائنة أو لغرض الحصول على امتيازات مقابلها من تلك الدولة، من قبيل شركات لإنجاز مشاريع بكلف تفضيلية ووقت إنجاز أسرع.

وأضاف المراقبون أن القروض أيضا تندرج في خانة تمويل مشاريع مهمة وعاجلة، لكن لا يوجد لها مخصصات كاملة في الموازنة، خصوصا أن موقف العراق المالي القوي وسمعته الدولية الجيدة في تسديد القروض تعطيه ميزة اقتراض بفوائد مخفضة، وهذه فرصة للبلد بالإمكان الاستفادة منها لو أحسن إدارتها.

تضارب بالديون

وبخصوص حجم ديون العراق الخارجية، فإن بيانات البنك الدولي الصادرة في 20 أغسطس/ آب 2023، تؤكد أنها 50 مليار دولار 2022، وأن اليابان تصدرت قائمة أكبر دائني العراق بحصة بلغت 27 بالمئة، بينما تشير أرقام الحكومة العراقية إلى أن الديون الخارجية 21 مليارا فقط.

وفي الوقت الذي أكد فيه أن اقتصاد العراق "هش"، أوضح البنك الدولي أن ديون البلاد (داخلية وخارجية) زادت إلى 152 مليار دولار، مشيرا إلى أنه بحاجة إلى تنوع في مصادر الدخل التي تكاد تنحصر فقط في بيع النفط.

ولفت إلى أن "اقتصاد العراق يعاني من ركود الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والصناعات، والأنشطة الزراعية، الذي صاحبه ارتفاع معدلات التضخم، حيث يفتقر العراق في ظل حكومته الحالية، إلى إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تقوّي اقتصاده بعيدا عن النفط".

وذكر أن "الموازنة السنوية التي أقرتها السلطات الحكومية، تشهد زيادة كبيرة في حجم النفقات العامة بنسبة 59 بالمئة عن السنة السابقة 2022، والتي تمثّل 74.3 بالمئة  من إجمالي الإنفاق".

وأوضح البنك الدولي أن "ذلك سيؤدي إلى عجز مالي كبير قدره 51.6 تريليون دينار عراقي (ما يعادل 39.7  مليار دولار) والذي يمثل  14.3 بالمئة من حجم الواردات العامة، أي أكثر من نصف الاحتياطيات القياسية الأخيرة التي تراكمت في أعقاب الطفرة في أسعار النفط".

وبحسب البنك، فإن "افتقار العراق إلى تنويع مصادر الدخل بسبب السياسات الفوضوية للحكومات المتعاقبة، أدى إلى انكماش الناتج المحلي بمقدار 1.1 بالمئة في 2023 وزيادة الدين العام للبلاد ليبلغ 58.3 بالمئة بعدما كان في السنة السابقة 53.8 بالمئة أي سيصل إلى 152 مليار دولار، بزيادة 10 مليارات دولار".

وتابع: "فيما وبلغ مجموع الديون الخارجية إلى 50 مليار دولار، والداخلية 102 مليار دولار، مما يعني أن السلطات الحكومية اقترضت في السنوات الثلاث السابقة داخليا نحو 60 مليار دولار، بمعدل 15 مليارا سنويا، وبفوائد سنوية للديون الداخلية تبلغ 16 إلى 17 بالمئة من حجم الديون".

ووفق البنك، فإن "آفاق المستقبل الاقتصادي في العراق ما تزال معرضة لمخاطر كبيرة، بسبب الاعتماد المفرط على النفط، الذي يجعله عُرضة للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي مثلما يتّضح من تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، إضافة إلى استشراء الفساد، وسوء تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية، والمخاطر الأمنية".

ونوه إلى أن "استمرار السلطات الحكومية في اتباع هذه السياسات، سيجعل من موازنة البلاد تصب في صالح الأحزاب السياسية التي أخّرت عجلة التنمية، وجعلتها تعاني من اختلالات كبيرة رغم مرور عقدين من مزاعم انتهاء الحرب".

لكن الحكومة العراقية، تقول إن تسديد الدينين الداخلي والخارجي يجري عبر تخصيصات الموازنة الاتحادية كل عام، وحسب الوفرة المتحققة، وكذلك عبر إصدار سندات حكومية وسندات خزينة.

وأشارت إلى أن ذلك يتم عبر إستراتيجيتين، تنصّ الأولى على تسديد الدين الداخلي البالغ 55 مليار دولار بحلول العام 2025، فيما تنص الثانية على تسديد الدين الخارجي البالغ 21 مليار دولار، بحلول العام 2028، حسب بيان صادر عن الحكومة العراقية في أغسطس 2023.